موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (موطأ مالك) - [الحديث رقم: (863)]

البخاري
مسلم
أبو داود
الترمذي
النسائي
ابن ماجة
الدارمي
الموطأ
المسند

(موطأ مالك) - [الحديث رقم: (863)]

‏ ‏حَدَّثَنِي ‏ ‏يَحْيَى ‏ ‏عَنْ ‏ ‏مَالِك ‏ ‏عَنْ ‏ ‏يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عَمْرِو بْنِ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي مُحَمَّدٍ ‏ ‏مَوْلَى ‏ ‏أَبِي قَتَادَةَ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ ‏ ‏أَنَّهُ قَالَ ‏ ‏خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏عَامَ ‏ ‏حُنَيْنٍ ‏ ‏فَلَمَّا الْتَقَيْنَا كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ قَالَ فَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَدْ ‏ ‏عَلَا رَجُلًا ‏ ‏مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَالَ فَاسْتَدَرْتُ لَهُ حَتَّى أَتَيْتُهُ مِنْ وَرَائِهِ فَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ عَلَى ‏ ‏حَبْلِ عَاتِقِهِ ‏ ‏فَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَضَمَّنِي ضَمَّةً وَجَدْتُ مِنْهَا رِيحَ الْمَوْتِ ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فَأَرْسَلَنِي قَالَ فَلَقِيتُ ‏ ‏عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ‏ ‏فَقُلْتُ مَا بَالُ النَّاسِ فَقَالَ أَمْرُ اللَّهِ ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ رَجَعُوا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ ‏ ‏سَلَبُهُ ‏ ‏قَالَ فَقُمْتُ ثُمَّ قُلْتُ مَنْ يَشْهَدُ لِي ثُمَّ جَلَسْتُ ثُمَّ قَالَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ قَالَ فَقُمْتُ ثُمَّ قُلْتُ مَنْ يَشْهَدُ لِي ثُمَّ جَلَسْتُ ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ الثَّالِثَةَ فَقُمْتُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏مَا لَكَ يَا ‏ ‏أَبَا قَتَادَةَ ‏ ‏قَالَ فَاقْتَصَصْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ صَدَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَلَبُ ذَلِكَ الْقَتِيلِ عِنْدِي فَأَرْضِهِ عَنْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ ‏ ‏أَبُو بَكْرٍ ‏ ‏لَا هَاءَ اللَّهِ ‏ ‏إِذًا لَا يَعْمِدُ إِلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ يُقَاتِلُ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ‏ ‏فَيُعْطِيكَ سَلَبَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏صَدَقَ فَأَعْطِهِ إِيَّاهُ فَأَعْطَانِيهِ فَبِعْتُ الدِّرْعَ فَاشْتَرَيْتُ بِهِ ‏ ‏مَخْرَفًا ‏ ‏فِي ‏ ‏بَنِي سَلِمَةَ ‏ ‏فَإِنَّهُ لَأَوَّلُ مَالٍ ‏ ‏تَأَثَّلْتُهُ ‏ ‏فِي الْإِسْلَامِ ‏


( ش ) : قَوْلُهُ فَلَمَّا الْتَقَيْنَا كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ يُرِيدُ بَعْضَ الِانْهِزَامِ وَإِنَّمَا انْهَزَمَتْ مُقَدِّمَةُ الْجَيْشِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَابِتٌ وَلِذَلِكَ قَالَ رَجُلٌ لِلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ : يَا أَبَا عُمَارَةَ أَكُنْتُمْ فَرَرْتُمْ يَوْمَ حُنَيْنٍ قَالَ : لَا وَاَللَّهِ مَا وَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنَّهُ خَرَّجَ سباق أَصْحَابِهِ وَخِفَافُهُمْ حُسَّرًا لَيْسُوا بِسِلَاحٍ فَأَتَوْا قَوْمًا رُمَاةً جَمْعَ هَوَازِنَ وَبَنِي نَصْرٍ مَا يَكَادُ يَسْقُطُ لَهُمْ سَهْمٌ فَرَشَقُوهُمْ رَشْقًا مَا يَكَادُونَ يُخْطِئُونَ فَأَقْبَلُوا هُنَاكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ وَابْنُ عَمِّهِ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَقُودُ بِهِ فَنَزَلَ وَاسْتَنْصَرَ ثُمَّ قَالَ أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ ثُمَّ صَفَّ أَصْحَابَهُ. ‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ فَرَأَيْت رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَدْ عَلَا رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ ظَهَرَ عَلَيْهِ وَأَشْرَفَ عَلَى قَتْلِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ صَرَعَهُ وَقَوْلُهُ فَاسْتَدَرْت لَهُ حَتَّى أَتَيْتَهُ مِنْ وَرَائِهِ فَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ ظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَمْ يَبْرُزْ أَحَدُهُمَا إِلَى صَاحِبِهِ وَيُؤَكِّدُ هَذَا قَوْلُهُ فَلَمَّا الْتَقَيْنَا كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ وَأَنَّهُ إنَّمَا لَقِيَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بِالْتِقَاءِ الْجَيْشِ وَلَوْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَرَزَ إِلَى صَاحِبِهِ لَمْ يَجُزْ لِأَبِي قَتَادَةَ أَنْ يَقْتُلَهُ إِذَا ظَهَرَ عَلَى الْمُسْلِمِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي جَوَازِ دَفْعِ الْمُشْرِكِ عَنْ الْمُسْلِمِ إِذَا تَبَارَزَا وَظَهَرَ عَلَيْهِ وَخِيفَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْتُلَهُ فَقَالَ أَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ يُعَانُ وَيُدْفَعُ عَنْهُ الْمُشْرِكُ وَلَا يُقْتَلُ لِأَنَّ مُبَارَزَتَهُ عَهْدٌ أَنْ لَا يَقْتُلَهُ إِلَّا مَنْ بَارَزَهُ وَقَالَ سَحْنُونٌ أَيْضًا لَا يُعَانُ بِوَجْهٍ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَسُئِلَ مَالِكٌ : أَيُعَانُ ؟ فَقَالَ : إِنْ خَافَ الضَّعْفَ فَلَا يُبَارِزُ. ‏ ‏( فَرْعٌ ) فَإِنْ قَتَلَ الْمُشْرِكَ غَيْرُ الَّذِي يُبَارِزُهُ. فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى الَّذِي قَتَلَهُ دِيَتُهُ وَقَالَ أَشْهَبُ : لَا دِيَةَ عَلَيْهِ ‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) فَإِنْ بَارَزَ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةً مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَلَا بَأْسَ لِمَنْ قَتَلَ صَاحِبَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُعِينَ صَاحِبَهُ فِي الْقَتْلِ وَالدَّفْعِ كَمَا فَعَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَحَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فِي مَعُونَةِ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ يَوْمَ بَدْرٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ قَدْ رَضُوا بِتَعَاوُنِهِمْ فَهُمْ كَجَمَاعَةِ الْجَيْشِ تَلْقَى جَمَاعَةَ جَيْشٍ آخَرَ فَلَا بَأْسَ بِتَعَاوُنِهِمْ. ‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ فَضَمَّنِي ضَمَّةً وَجَدْت مِنْهَا رِيحَ الْمَوْتِ يُرِيدُ أَنَّهُ وَجَدَ مِنْ شِدَّتِهَا أَلَمًا يَقْرُبُ مِنْ أَلَمِ الْمَوْتِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ خَافَ مِنْ شِدَّتِهَا الْمَوْتَ وَقَوْلُهُ ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ رَجَعُوا يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ رَجَعُوا مِنْ جَوْلَتِهِمْ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ رَجَعُوا مِنْ الْقِتَالِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ وَاَلَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ بَرَدَ الْقِتَالَ وَلَوْ لَمْ يَقُلْهُ لَمْ يَكُنْ لِلْقَاتِلِ سَلَبٌ فَإِنَّ السَّلَبَ الَّذِي نَفَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْقَاتِلِ إنَّمَا هُوَ مِنْ الْخُمُسِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ إنَّمَا كَانَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْقِتَالِ الَّذِي فِيهِ وَقَعَ الْقِتَالُ قَوْلُهُ ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ رَجَعُوا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بَعْدَ رُجُوعِهِمْ فَإِنْ كَانَ رُجُوعُهُمْ ذَلِكَ مِنْ الْقِتَالِ فَهُوَ مَا قُلْنَاهُ وَإِنْ كَانَ رُجُوعُهُمْ مِنْ الْهَزِيمَةِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ التَّرَاجُعِ مِنْ الْهَزِيمَةِ فِيمَنْ قُتِلَ قَبْلَ التَّرَاجُعِ وَلِذَلِكَ قَامَ أَبُو قَتَادَةَ فِيمَنْ قَتَلَهُ قَبْلَ التَّرَاجُعِ وَقَضَى لَهُ بِسَلَبِهِ وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْقَعْنَبِيَّ وَهُوَ أَوْثَقُ النَّاسِ وَأَحْفَظُهُمْ لِحَدِيثِ مَالِكٍ قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ رَجَعُوا وَجَلَسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْقَتْلِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ رَاكِبًا عَلَى بَغْلَتِهِ فِي حَالِ الْقِتَالِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَنْهُ إِلَى الْجُلُوسِ وَالرَّاحَةِ إِلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ الْفَرَاغِ وَرُجُوعِ النَّاسِ مِنْ الْهَزِيمَةِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ التَّحْرِيضَ وَلَوْ أَرَادَ بِهِ التَّحْرِيضَ عَلَى الْقِتَالِ ذَلِكَ الْيَوْمَ لَقَالَهُ فِي أَوَّلِ الْقِتَالِ وَقَبْلَ الْهَزِيمَةِ وَوَجْهٌ رَابِعٌ وَهُوَ مَا رَوَى أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْغَنِيمَةِ وَيُقَاتِلُ لِلْحَمِيَّةِ وَيُقَاتِلُ لِيَرَى مَكَانَهُ مِنْ الشُّهَدَاءِ فَقَالَ : مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَإِذَا قَالَ ذَلِكَ الْإِمَامُ بَعْدَ تَقَضِّي الْحَرْبِ كَانَتْ النِّيَّاتُ قَبْلَهُ سَلِيمَةً صَحِيحَةً وَلَمْ يُقَاتِلْ أَحَدٌ إِلَّا لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَإِذَا قَالَهُ فِي أَوَّلِ الْقِتَالِ أَثَّرَ ذَلِكَ فِي النِّيَّاتِ وَعَرَّضَ النَّاسَ لِيُقَاتِلُوا لِمَا يَحْصُلُ لَهُمْ مِنْ السَّلَبِ. ‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ الْخُمُسِ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَرِيَّةً قِبَلَ نَجْدٍ فَغَنِمُوا إبِلًا كَثِيرَةً فَكَانَتْ سُهْمَانُهُمْ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا أَوْ أَحَدَ عَشَرَ بَعِيرًا وَنُفِّلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا فَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْهُ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ سُهْمَانَهُمْ بَلَغَتْ أَحَدَ عَشَرَ بَعِيرًا ثُمَّ نُفِّلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّفْلَ مِنْ غَيْرِ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ وَلَا مَكَانَ لَهُ غَيْرُ الْخُمُسِ وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسَ مِنْ الْغَنِيمَةِ لِلْغَانِمِينَ تَجِبُ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمْ فِيهِ لَا يُزَادُ أَحَدٌ مِنْهُمْ لِغَنَائِهِ وَلَا لِقِتَالٍ وَلَوْ كَانَ فِيهِ تَفْضِيلٌ لِقَتْلٍ أَوْ قِتَالٍ لَوَجَبَ أَنْ يُفَاضَلَ بَيْنَهُمْ لِلْغَنَاءِ فَلَا يَأْخُذُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ مَا يَأْخُذُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَامِّ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَالْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ وَأَبُو قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم وَلَمَا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ أَخْذَهُمْ سَوَاءٌ لَهُ وَإِنْ اخْتَلَفُوا وَتَبَايَنُوا فِي الْقَتْلِ وَالْقِتَالِ بَطَلَ أَنْ يَكُونَ لِلْقَتْلِ مَزِيَّةٌ لِأَحَدٍ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ وَإِنَّمَا يَكُونُ التَّفَاضُلُ فِي الْخُمُسِ فَإِنَّهُ مَحَلٌّ لِلتَّفَاضُلِ وَالْعَطَاءِ لِبَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ عَلَى قَدْرِ اجْتِهَادِ الْإِمَامِ وَأَمَّا الْأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسُ فَلَيْسَتْ بِمَحَلٍّ لِاجْتِهَادِهِ وَنُحَرِّرُ مِنْ هَذَا قِيَاسًا فَنَقُولُ : إِنَّ هَذِهِ مَزِيَّةُ غَنَاءٍ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُعَاوَضَ عَلَيْهَا بِمَزِيَّةِ عَطَاءٍ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ أَصْلُ ذَلِكَ لِشِدَّةِ الْقِتَالِ وَحِمَايَةِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُدَافَعَةِ عَنْهُمْ وَالِانْفِرَادِ بِأَخْذِ الْغَنَائِمِ الْعَظِيمَةِ وَالْأَمْوَالِ الْجَسِيمَةِ.. ‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَلَوْ أَنَّ إمَامًا قَالَ قَبْلَ الْقِتَالِ : مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ أَوْ نَفَّلَ رَجُلًا سَلَبَ قَتِيلٍ قَتَلَهُ مِنْ غَيْرِ الْخُمُسِ فَإِنَّهُ لَا يُنْقَضُ لِأَنَّهُ مِنْ الْإِمَامِ حُكْمُ حَاكِمٍ بِقَوْلِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ فَلَا يُنْقَضُ قَالَهُ سَحْنُونٌ وَفِي هَذَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ : إحْدَاهَا فِيمَا يَقْتَضِيهِ قَوْلُ الْإِمَامِ مِنْ ذَلِكَ وَالثَّانِيَةُ فِي ذِكْرِ مَنْ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ مِنْ الْغَانِمِينَ وَالثَّالِثَةُ فِي وَصْفِ مَنْ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ بِقَتْلِهِ مِنْ الْمَقْتُولِينَ وَالرَّابِعَةُ فِي وَصْفِ السَّلَبِ الَّذِي يُسْتَحَقُّ بِذَلِكَ فَأَمَّا مَا يَقْتَضِيهِ قَوْلُ الْإِمَامِ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ الْإِمَامَ إِذَا نَادَى بِلَفْظٍ يَعُمُّهُ وَيَعُمُّ النَّاسَ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ فَإِنَّ هَذَا الْحُكْمَ ثَابِتٌ لَهُ وَلِجَمِيعِ النَّاس وَإِنْ خَصَّ نَفْسَهُ بِأَنْ قَالَ : إِنْ قَتَلْت قَتِيلًا فَلِي سَلَبُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ لِأَنَّهُ قَدْ حَابَى نَفْسَهُ وَأَظْهَرَ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ تَرْكِ الْمَعْدِلَةِ فَلَمْ يَجُزْ حُكْمُهُ وَوَجَبَ نَقْضُهُ وَإِنْ قَالَ : مَنْ قَتَلَ مِنْكُمْ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ فَإِنَّ هَذَا الْحُكْمَ ثَابِتٌ لِلنَّاسِ دُونَهُ لِأَنَّهُ قَدْ أَخْرَجَ نَفْسَهُ مِنْهُ بِقَوْلِهِ مِنْكُمْ قَالَ ذَلِكَ كُلُّهُ سَحْنُونٌ. ‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَإِذَا قَالَ الْإِمَامُ : مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ فَكَانَ الْقَاتِلُ مِمَّنْ لَا يُسْهَمُ لَهُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ إِنْ كَانَ الْقَاتِلُ ذِمِّيًّا فَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ السَّلَبِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَتَلَتْ امْرَأَةٌ قَالَ وَأَشْهَبُ يَرَى أَنْ يُرْضَخَ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ لَهُ السَّلَبُ مِنْ الْخُمُسِ لِأَنَّهُ نَفْلٌ وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي عَلَى مَذَاهِبِهِ أَنَّ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا مِنْهُمْ فَلَهُ سَلَبُهُ فَإِنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْقَاتِلُ مُخْذِلًا أَوْ مُرْجِفًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ مِنْ السَّلَبِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ يُقَاتِلُ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. ‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَإِذَا قَالَ الْإِمَامُ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ فَقَتَلَ الْقَاتِلُ امْرَأَةً أَوْ صَبِيًّا فَقَدْ حَكَى سَحْنُونٌ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ إِنْ قَاتَلَا فَلَهُ سَلَبُهُمَا وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمَذْهَبَ وَقَدْ رَأَيْت لِسَحْنُونٍ مَا يَقْتَضِيهِ وَأَمَّا مَنْ قَتَلَ مُسْتَأْسَرًا أَوْ مَنْ لَا يُدَافِعُ فَلَيْسَ لَهُ مِنْ سَلَبِهِ شَيْءٌ. ‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا السَّلَبُ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ الْقَاتِلُ بِهَذَا الْقَوْلِ قَالَ سَحْنُونٌ : قَالَ أَصْحَابُنَا لَا نَفْلَ فِي الْعَيْنِ وَإِنَّمَا هُوَ الْفَرَسُ وَسَرْجُهُ وَلِجَامُهُ وَخَاتَمُهُ وَدِرْعُهُ وَبَيْضَتُهُ وَمِنْطَقَتُهُ فِي ذَلِكَ مِنْ رِجْلَيْهِ إِلَى سَاعِدَيْهِ وَسَاقَيْهِ وَرَأْسِهِ وَالسِّلَاحُ وَنَحْوُهُ وَحِلْيَةُ السَّيْفِ تَبَعٌ لِلسَّيْفِ وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي الطَّوْقِ وَالسِّوَارَيْنِ وَالْعَيْنِ كُلِّهِ وَلَا فِي الصَّلِيبِ يَكُونُ مَعَهُ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : يَدْخُلُ فِي السَّلَبِ كُلُّ ثَوْبٍ عَلَيْهِ وَسِلَاحُهُ وَمِنْطَقَتُهُ الَّتِي فِيهَا نَفَقَتُهُ وَسِوَارَاهُ وَفَرَسُهُ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ أَوْ كَانَ يُمْسِكُهُ لِوَجْهِ قِتَالٍ عَلَيْهِ فَأَمَّا إِنْ كَانَ يُجْنَبُ أَوْ كَانَ مُنْفَلِتًا فَلَيْسَ مِنْ السَّلَبِ فَتَحْقِيقُ مَذْهَبِ سَحْنُونٍ أَنَّ مَا كَانَ مَعَهُ مِنْ لِبَاسِهِ الْمُعْتَادِ وَمَا يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى الْحَرْبِ مِنْ فَرَسٍ أَوْ سِلَاحٍ فَهُوَ مِنْ السَّلَبِ وَمَذْهَبُ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ اللِّبَاسِ وَالْحُلِيِّ وَالنَّفَقَةِ الْمُعْتَادَةِ وَمَا يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى الْحَرْبِ فَهُوَ مِنْ السَّلَبِ. ‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ فَقُمْت فَقُلْت : مَنْ يَشْهَدُ لِي ثُمَّ جَلَسْت يُرِيدُ قَامَ لِيَطْلُبَ سَلَبَ الْقَتِيلِ الَّذِي قَتَلَهُ لَمَّا سَمِعَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ ثُمَّ تَأَمَّلْ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ أَحَدًا رَآهُ يَشْهَدُ لَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ فِي نَفْسِهِ : مَنْ يَشْهَدُ لِي بِذَلِكَ فَلَمَّا اسْتَبْعَدَ أَنْ تَكُونَ لَهُ بَيِّنَةٌ بِمَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ يَصِلُ بِهَا إِلَى اسْتِحْقَاقِ سَلَبِ الْقَتِيلِ الَّذِي قَتَلَهُ جَلَسَ عَنْ الْقِيَامِ فِي ذَلِكَ وَسَكَتَ عَنْ طَلَبِهِ. ‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ : مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ تَكْرَارُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَالَهَا فِي سَاعَاتٍ مُفْتَرِقَةٍ لِكَيْ يَسْمَعَ قَوْلَهُ مَنْ يَأْتِي بَعْدَ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ جَرَى فِي ذَلِكَ عَلَى عَادَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ إِذَا قَالَ قَوْلًا أَعَادَهُ ثَلَاثًا فَيَكُونُ قَالَ ذَلِكَ قَوْلًا مُتَقَارِبًا وَقِيَامُ أَبِي قَتَادَةَ عِنْدَ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي بَعْدَ أَنْ يَجْلِسَ فِي الْأَوَّلِ وَالثَّانِي لِمَا كَانَ يَتَجَدَّدُ لَهُ مِنْ الْأَمَلِ فِي سَلَبِ قَتِيلِهِ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا كَانَ يُثْبِتُ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِسَلَبِ ذَلِكَ الْقَتِيلِ لِعِلْمِهِ بِقَتْلِهِ لَهُ ثُمَّ كَانَ يَجْلِسُ بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَمَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ لَا يُدْفَعُ إِلَيْهِ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ وَكَانَ عِنْدَهُ أَنَّ بَيِّنَتَهُ عَلَى ذَلِكَ مَعْدُومَةٌ وَمَا الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ هَذَا فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمَوَاضِعِ أَمَّا مَنْ شَهِدَ لَهُ شَاهِدَانِ بِأَنَّهُ قَتَلَهُ فَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ وَاحْتِجَاجُ أَصْحَابِنَا بِخَبَرِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُ دَفَعَهُ إِلَيْهِ بِقَوْلٍ وَاحِدٍ دُونَ يَمِينٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقْبَلَ فِيهِ قَوْلُ الْوَاحِدِ وَذَلِكَ إِذَا قَالَ الْإِمَامُ : مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ ذَلِكَ لِلَّذِي شَهِدَ لَهُ بِهِ : لَاهَا اللَّهِ إذًا لَا يَعْمِدُ إِلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ يُقَاتِلُ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَيُعْطِيك سَلَبَهُ فَأَضَافَ السَّلَبَ إِلَى مِلْكِهِ بِقَوْلِ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ وَإِذَا كَانَ هَكَذَا فَطَرِيقُهُ طَرِيقُ الْخَبَرِ لَا طَرِيقُ الشَّهَادَةِ. ‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا إِذَا قَالَ : مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْبَيِّنَةَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ : مَنْ جَاءَ بِرَأْسٍ فَقَالَ : أَنَا قَتَلْتُهُ فَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُهُ فَعَلَى قَوْلِهِ الْأَوَّلِ السَّلَبُ لَهُ وَعَلَى قَوْلِهِ الْآخَرِ لَا شَيْءَ لَهُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ فَأَمَّا إِنْ جَاءَ بِسَلَبٍ فَقَالَ : أَنَا قَتَلْت صَاحِبَ هَذَا السَّلَبِ فَلَا يَأْخُذُ السَّلَبَ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ , وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَ الرَّأْسِ وَالسَّلَبِ أَنَّ الرَّأْسَ فِي الْأَغْلَبِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِيَدِ مَنْ قَتَلَهُ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ وَهُوَ يَمْنَعُ مِنْهُ مَنْ أَرَادَهُ وَلَا يَتْرُكُهُ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْإِمَامَ نَفَّلَهُ سَلَبَهُ فَهَذَا لَا يَشْهَدُ لَهُ وَأَمَّا السَّلَبُ فَلَيْسَ كَوْنُهُ بِيَدِهِ شَاهِدًا لَهُ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ سَلَبٍ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْهُ غَيْرُهُ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ إِلَّا كَحَقِّهِ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ صَاحِبُ الرَّأْسِ وَلَا صَاحِبُ السَّلَبِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ : إنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقْبَلَ فِي ذَلِكَ الشَّاهِدُ الْوَاحِدُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ احْتِجَاجِ أَصْحَابِنَا بِقَوْلِ أَبِي قَتَادَةَ وَإِلَّا فَظَاهِرُ لَفْظِ الْبَيِّنَةِ يَقْتَضِي الشَّهَادَةَ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ أَقَلَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ وَلَا يَجُوزُ عَلَى هَذَا الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَتَنَاوَلُ الْمَالَ وَإِنَّمَا تَتَنَاوَلُ الْقَتْلَ وَهُوَ حُكْمٌ فِي الْجَسَدِ. ‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا لَك يَا أَبَا قَتَادَةَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَأَى قِيَامَهُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ اعْتَقَدَ أَنَّهُ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ مِثْلَ هَذَا أَوْ مِمَّنْ فِي نَفْسِهِ شُبْهَةٌ مِنْ اسْتِحْقَاقِهِ فَإِنْ كَانَ مُسْتَحِقًّا لَهُ بَيَّنَ لَهُ وَجْهَ اسْتِحْقَاقِهِ وَهَدَاهُ إِلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ بَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ لَهُ أَوْ تَفَضَّلَ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ اعْتَقَدَ فِيهِ أَنَّ لَهُ حَاجَةً فَمَنَعَهُ الْحَيَاءُ مِنْ إبْدَائِهَا وَتَبْعَثُهُ حَاجَتُهُ عَلَى الْقِيَامِ إلَيْهَا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ فَأَرَادَ أَنْ يُسَهِّلَ عَلَيْهِ اسْتِفْتَاحَ الْكَلَامِ فِيهَا. ‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ فَاقْتَصَصْت عَلَيْهِ يُرِيدُ أَنَّهُ أَوْرَدَ عَلَيْهِ مَا جَرَى لَهُ وَالْمُوجِبُ لِقِيَامِهِ وَجُلُوسِهِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ : صَدَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَلَبُ ذَلِكَ الْقَتِيلِ عِنْدِي فَأَرْضِهِ مِنْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَقَوْلُ الرَّجُلِ صِدْقُ شَهَادَةٍ لِأَبِي قَتَادَةَ بِقَتْلِهِ وَبِإِضَافَةِ السَّلَبِ الَّذِي عِنْدِي إِلَى ذَلِكَ الْقَتِيلِ لِأَنَّ الْقَاتِلَ لِلْقَتِيلِ يَحْتَاجُ أَنْ يُبَيِّنَ أَحَدُهُمَا مُبَاشَرَةَ قَتْلِهِ وَالثَّانِي أَنَّ ذَلِكَ السَّلَبَ لَهُ إِذَا وُجِدَ السَّلَبُ عَلَيْهِ وَمَعَهُ فَإِنْ قُلْنَا : إِنَّ كَوْنَ رَأْسِ الْقَتِيلِ مَعَهُ شَهَادَةٌ لَهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعَ ذَلِكَ سَلَبُ الْقَتِيلِ بِيَدِهِ شَهَادَةً لَهُ بِهِ هَذَا إِنْ قُلْنَا إِنَّ طَرِيقَهُ طَرِيقُ الشَّهَادَةِ وَإِنْ قُلْنَا طَرِيقُهُ طَرِيقُ الْخَبَرِ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِيمَا يَدَّعِيهِ. ‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُ ذَلِكَ الرَّجُلِ وَسَلَبُ ذَلِكَ الْقَتِيلِ عِنْدِي عِدَةً وَرَغْبَةً إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَنْ يَهَبَهُ إِيَّاهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ قِبَلَهُ وَيُعَوِّضَ أَبَا قَتَادَةَ مِنْ ذَلِكَ مَا يَرْضَى بِهِ. ‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَاهَا اللَّهِ إذًا لَا يَعْمِدُ إِلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ يُقَاتِلُ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَيُعْطِيك سَلَبَهُ يُرِيدُ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ مِنْ أُسْدِ الْمُؤْمِنِينَ فَأَضَافَهُ إِلَى اللَّهِ لَمَّا كَانَ عَمَلُهُ لِلَّهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ فَأَضَافَهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لَمَّا كَانُوا عَامِلِينَ لَهُ وَقَوْلُهُ يُقَاتِلُ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ يُرِيدُ أَنَّهُ يُقَاتِلُ لِتَكُونَ كَلِمَتُهُمَا الْعُلْيَا وَدِينُهُمَا الظَّاهِرَ وَأَضَافَ السَّلَبَ إِلَى الْقَاتِلِ بِقَوْلِهِ فَيُعْطِيك سَلَبَهُ لَمَّا كَانَ قَدْ اسْتَحَقَّهُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ فَاسْتَحَقَّ بِذَلِكَ كُلُّ قَاتِلٍ سَلَبَ قَتِيلِهِ بِعَيْنِهِ وَإِنَّمَا وُقِفَ تَسْلِيمُهُ لِوُجُودِ الْبَيِّنَةِ بِذَلِكَ وَلَمَّا اسْتَحَقَّ أَبُو قَتَادَةَ سَلَبَ ذَلِكَ الْقَتِيلِ بِعَيْنِهِ مَلَكَ أَعْيَانَ السَّلَبِ وَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يُعَوِّضَهُ مِنْهُ إِلَّا بِاخْتِيَارِهِ فَلِذَلِكَ مَنَعَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ أَنْ يُعْطِيَ غَيْرَهُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَإِنْ عُوِّضَ مِنْهُ. ‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ يُقَاتِلُ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ مِنْ الْمُقَاتِلِينَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مُسْتَحِقٌّ سَلَبَ الْقَتِيلِ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ لَا يُقَاتِلُ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ تَحْتَ ذَلِكَ. ‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَ فَأَعْطِهِ إِيَّاهُ تَصْدِيقًا لِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ بِالْمَنْعِ مِنْ أَخْذِ الرَّجُلِ لِسَلَبِ قَتِيلِ أَبِي قَتَادَةَ وَأَمْرًا لَهُ بِإِعْطَائِهِ أَبَا قَتَادَةَ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ سَلَبِهِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَانَ أَوْجَبَهُ لَهُ بِقَوْلِهِ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ الرَّجُلُ فَبَاعَ أَبُو قَتَادَةَ الدِّرْعَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ السَّلَبِ قَالَ أَبُو قَتَادَةَ : فَابْتَعْت بِهِ مَخْرَفًا وَالْمَخْرَفُ الْبُسْتَانُ تَكُونُ فِيهِ الْفَاكِهَةُ مِنْ التَّمْرِ وَغَيْرِهِ وَالْخُرْفَةُ هِيَ الْفَاكِهَةُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّمْرَ مِنْ جُمْلَةِ الْفَاكِهَةِ لِأَنَّهُ سَمَّى بَسَاتِينَ الْمَدِينَةِ بِهَا وَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ غَيْرَ النَّخِيلِ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ بِعَطْفِ النَّخْلِ وَالرُّمَّانِ عَلَى الْفَاكِهَةِ فَعَلَى مَعْنَى التَّأْكِيدِ وَكَذَلِكَ قَالَ تَعَالَى مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَعَطَفَ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ عَلَى الْمَلَائِكَةِ وَهُمَا مِنْ أَفَاضِلِ الْمَلَائِكَةِ. ‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ وَإِنَّهُ لَأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الْإِسْلَامِ يُرِيدُ بِالْمَالِ هَهُنَا الْأَصْلَ الَّذِي لَا يُنْقَلُ وَلَا يُحَوَّلُ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ قَدْ مَلَكَ قَبْلَ ذَلِكَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ مَالٍ مِنْ السِّلَاحِ وَغَيْرِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْأَمْوَالِ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ اتَّخَذَهَا عَلَى مَعْنَى التَّأَثُّلِ وَإِنَّمَا اتَّخَذَهَا لِلْحَاجَةِ إلَيْهَا بِالِاسْتِعْمَالِ كَالثَّوْبِ يَلْبَسُهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ عَلَى مَعْنَى التَّأَثُّلِ. ‏



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!