المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (موطأ مالك) - [الحديث رقم: (867)]
(موطأ مالك) - [الحديث رقم: (867)]
و حَدَّثَنِي عَنْ مَالِك عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ الْجُهَنِيَّ قَالَ تُوُفِّيَ رَجُلٌ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَإِنَّهُمْ ذَكَرُوهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزَعَمَ زَيْدٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ فَتَغَيَّرَتْ وُجُوهُ النَّاسِ لِذَلِكَ فَزَعَمَ زَيْدٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ صَاحِبَكُمْ قَدْ غَلَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ فَفَتَحْنَا مَتَاعَهُ فَوَجَدْنَا خَرَزَاتٍ مِنْ خَرَزِ يَهُودَ مَا تُسَاوِينَ دِرْهَمَيْنِ
( ش ) : قَوْلُهُ تُوُفِّيَ رَجُلٌ يَوْمَ حُنَيْنٍ كَذَا وَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ وَهُوَ غَلَطٌ وَالصَّوَابُ يَوْمَ خَيْبَرَ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْإِثْبَاتُ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ : فَوَجَدْنَا خَرَزَاتٍ مِنْ خَرَزِ يَهُودٍ وَلَمْ يَكُنْ يَوْمَ حُنَيْنٍ يَهُودٌ يُؤْخَذُ خَرَزُهُمْ وَالْقِصَّةُ مَشْهُورَةٌ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ إذْ فُتِحَتْ خَيْبَرُ. ( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ فَذَكَرُوا وَفَاتَهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكَيْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ رَجَاءَ بَرَكَةِ صَلَاتِهِ وَدُعَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ امْتِنَاعًا مِمَّا قَصَدُوهُ فَذُكِرَ ذَلِكَ لَهُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَقَدْ عُلِمَ مِنْ حَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ الصَّلَاةِ إِلَّا عَلَى مَنْ لَا تُرْضَى حَالُهُ وَأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ أَحْدَثَ حَدَثًا يَمْنَعُهُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ إمَّا بِخَبَرِهِ بِذَلِكَ عِنْدَ مَنْ يَشْهَدُ بِذَلِكَ عَلَيْهِ أَوْ بِوَحْيٍ إِلَيْهِ وَهَذِهِ سُنَّةٌ فِي امْتِنَاعِ الْأَئِمَّةِ وَأَهْلِ الْفَضْلِ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى أَهْلِ الْكَبَائِرِ عَلَى وَجْهِ الرَّدْعِ وَالزَّجْرِ عَنْ مِثْلِ فِعْلِهِمْ وَأَمْرُ غَيْرِهِ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لَهُمْ حُكْمَ الْإِيمَانِ لَا يَخْرُجُونَ عَنْهُ بِمَا أَحْدَثُوهُ مِنْ مَعْصِيَةٍ وَقَدْ رَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَعْنٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ : لَا بَأْسَ أَنْ يُصَلَّى عَلَى مَنْ غَلَّ وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ غَيْرُ الْإِمَامِ وَالثَّانِي أَنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرٌ إِنْ شَاءَ صَلَّى وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَأَنَّ مَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الِامْتِنَاعِ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى مَنْ غَلَّ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ الْمَنْعِ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ رَأَى ذَلِكَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَفْضَلَ وَأَنَّ لِمَنْ رَأَى الصَّلَاةَ فِي وَقْتٍ تَكُونُ الصَّلَاةُ أَفْضَلَ أَنْ يُصَلِّيَ وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ : إنِّي خُيِّرْت فَاخْتَرْت. ( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ فَتَغَيَّرَتْ وُجُوهُ النَّاسِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ وُجُوهَ الْمُؤْمِنِينَ لِامْتِنَاعِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى مَنْ هُوَ مِنْ جُمْلَتِهِمْ وَلَا يَعْلَمُونَ لَهُ ذَنْبًا انْفَرَدَ بِهِ فَخَافُوا أَنْ يَكُونَ مَا مَنَعَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ أَمْرًا يَشْمَلُهُمْ فَيَهْلِكُونَ بِذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ قَبِيلَةً وَطَائِفَةً تَغَيَّرَتْ وُجُوهُهُمْ لِمَا يَخُصُّهُمْ مِنْ أَمْرِهِ وَلَمَّا خَافُوا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِمَعْنًى شَائِعٍ فِيهِمْ. ( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ صَاحِبَكُمْ قَدْ غَلَّ عَلَى وَجْهِ التَّبْيِينِ لِلْمَعْنَى الَّذِي مَنَعَهُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَفِي ذَلِكَ زَجْرٌ عَنْ الْغُلُولِ وَإِذْهَابٌ لِمَا فِي نَفْسِ مَنْ لَمْ يَغُلَّ وَأَمَانٌ لَهُ مِنْ امْتِنَاعِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ وَلَمَّا سَمِعَ الْمُسْلِمُونَ ذَلِكَ فَتَحُوا مَتَاعَهُ لِيَنْظُرُوا هَلْ يَجِدُوا مِمَّا غَلَّ فِيهِ فَيَرُدُّوهُ إِلَى الْغَنَائِمِ وَلَعَلَّهُ قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ أَوْلِيَاؤُهُ فَوَجَدُوا خَرَزَاتٍ مِنْ خَرَزِ يَهُودٍ يُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ عَرَفُوا أَنَّهَا مِنْ الْغَنَائِمِ لِأَنَّهُمْ انْفَصِلُوا عَنْ غَنَائِمِ الْيَهُودِ بِخَيْبَرَ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِثْلُ هَذَا مِنْ الْمَتَاعِ لَا سِيَّمَا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا يُحْمَلُ فِيهِ الْخَرَزُ لِزِينَةٍ وَلَا لِبَيْعٍ فَعَلِمُوا بِذَلِكَ أَنَّهَا غُلٌّ مِنْ الْغَنَائِمِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَرَفَ ذَلِكَ مَنْ رَآهَا مِنْ دُورِ الْيَهُودِ فَظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَدَّاهَا فَلَمَّا وَجَدَهَا فِي مَتَاعِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ عَرَفَهَا وَوَصَفَهَا بِذَلِكَ عَلَى مَعْنَى الْإِعْلَامِ بِجِنْسِهَا وَقِلَّةِ الِانْتِفَاعِ بِهَا كَمَا أَخْبَرَ بِقِيمَتِهَا لِيُعْلِمَ بِتَفَاهَةِ قِيمَتِهَا وَأَنَّ أَخْذَ هَذَا الْمِقْدَارِ عَلَى تَفَاهَتِهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مِنْ جُمْلَةِ الْكَبَائِرِ الَّتِي تَمْنَعُ مِنْ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَلَاةِ الْأَئِمَّةِ وَأَهْلِ الْفَضْلِ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَرَضِيَهُ وَاسْتَأْثَرَ بِهِ عَلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.