المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (موطأ مالك) - [الحديث رقم: (868)]
(موطأ مالك) - [الحديث رقم: (868)]
و حَدَّثَنِي عَنْ مَالِك عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ الْكِنَانِيِّ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى النَّاسَ فِي قَبَائِلِهِمْ يَدْعُو لَهُمْ وَأَنَّهُ تَرَكَ قَبِيلَةً مِنْ الْقَبَائِلِ قَالَ وَإِنَّ الْقَبِيلَةَ وَجَدُوا فِي بَرْدَعَةِ رَجُلٍ مِنْهُمْ عِقْدَ جَزْعٍ غُلُولًا فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَبَّرَ عَلَيْهِمْ كَمَا يُكَبِّرُ عَلَى الْمَيِّتِ
( ش ) : قَوْلُهُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى النَّاسَ فِي قَبَائِلِهِمْ يَدْعُو لَهُمْ يُرِيدُ أَنَّ الْقَبَائِلَ تَتَحَيَّزُ فِي نُزُولِهَا تَنْزِلُ كُلُّ قَبِيلَةٍ فِي جِهَةٍ فَأَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ فِي قَبَائِلِهِمْ يُرِيدُ فِي مَوَاضِعِهِمْ الَّتِي تَحَيَّزُوا فِيهَا بِالْقَبَائِلِ يَدْعُو لَهُمْ يُرِيدُ أَنَّ إتْيَانَهُ الْقَبِيلَةَ إنَّمَا كَانَ لِلدُّعَاءِ اسْتِئْلَافًا لِلْمُسْلِمِينَ وَإِحْسَانًا إِلَيْهِمْ وَإِرَادَةً أَنْ تَعُمَّهُمْ بَرَكَةُ دُعَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى وَجْهِ التَّخْصِيصِ بِهِ لِكُلِّ قَبِيلَةٍ وَتَرْكُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبِيلَةً مِنْ تِلْكَ الْقَبَائِلِ لَمْ يَأْتِهِمْ وَلَا دَعَا لَهُمْ تَنْبِيهًا عَلَى فِعْلٍ وُجِدَ مِنْهُمْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ الْفِعْلَ بِعَيْنِهِ بِالْوَحْيِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ ثَمَّ مَعْنًى يَجِبُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ أَجْلِهِ وَإِنْ لَمْ يُعَيَّنْ لَهُ ذَلِكَ الْفِعْلُ. ( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ وَإِنَّ الْقَبِيلَةَ وَجَدُوا فِي بَرْذَعَةِ رَجُلٍ مِنْهُمْ عِقْدَ جَزْعٍ غُلُولًا وَالْجَزْعُ حِجَارَةٌ يُتَّخَذُ مِنْهَا أَمْثَالُ الْخَرَزِ فَتُنَظَّمُ فِيهِ الْقَلَائِدُ وَالْعُقُودُ وَكَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ قَدْ غَلَّ ذَلِكَ الْعِقْدَ وَصَيَّرَهُ فِي برذعته وَهِيَ الْفِرَاشُ الْمُبَطَّنُ فَلَمَّا عَلِمَ الْقَوْمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَدَعْ الْإِتْيَانَ إِلَيْهِمْ وَالدُّعَاءَ لَهُمْ وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ لِسَائِرِ الْقَبَائِلِ إِلَّا لِحَدَثٍ فِيهِمْ كَشَفُوا عَنْ ذَلِكَ الْحَدَثِ وَفَتَّشُوا مَتَاعَهُمْ حَتَّى وَجَدُوا عِنْدَهُمْ الْغُلُولَ. ( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَبَّرَ عَلَيْهِمْ كَمَا يُكَبِّرُ عَلَى الْمَيِّتِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الزَّجْرِ عَنْ مِثْلِ مَا وَجَدَ عِنْدَهُمْ مِنْ الْغُلُولِ وَلَعَلَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَشَارَ بِتَكْبِيرِهِ عَلَيْهِمْ أَرْبَعًا كَمَا يُكَبِّرُ عَلَى الْمَيِّتِ إِلَى أَنَّ حُكْمَهُمْ حُكْمُ الْمَوْتَى الَّذِينَ لَا يَسْمَعُونَ الْوَعْظَ وَلَا يَمْتَثِلُونَ الْأَوَامِرَ وَلَا يَجْتَنِبُونَ النَّوَاهِيَ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إنَّك لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتَى الَّذِينَ انْقَطَعَ عَمَلُهُمْ وَذَلِكَ أَنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ لَا يُقْضَى لَهُ بِتَوْبَةٍ فَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْإِعْلَامِ بِسُوءِ مَصِيرِهِ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلرَّجُلِ الْمُسَمَّى قزمان وَقَدْ بَلَى فِي قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ بَلَاءً عَظِيمًا فَقَالَ : إنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَكَانَتْ خَاتِمَتُهُ أَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ فَيَكُونُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَنْ غَلَّ خَاصَّةً وَتَمَادَى عَلَى كِتْمَانِ مَا غَلَّهُ وَسَتَرَهُ وَلَمْ يَأْتِ بِهِ إِذَا امْتَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إتْيَانِ قَبِيلَتِهِ وَالدُّعَاءِ لَهَا وَلَا صَرَفَهُ عَنْ سُوءِ مُعْتَقَدِهِ فِي الْإِصْرَارِ عَلَى الْغُلُولِ حَتَّى فَتَّشَ مَتَاعَهُ وَوَجَدَ الْغُلُولَ عِنْدَهُ وَلَعَلَّ مُعْتَقَدَهُ فِي الْإِيمَانِ كَانَ عَلَى مِثْلِ هَذَا فَكَانَ تَكْبِيرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَكْبِيرِهِ عَلَى الْمَيِّتِ إعْلَامًا بِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَيِّتِ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ وَالْمُعْتَقَدِ وَأَنَّهُ لَمْ يَقْضِ لَهُ بِتَوْبَةٍ نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ وَالْعِصْمَةَ بِرَحْمَتِهِ.