ثمرة أعمال أهل الله تعالى
وقد يكون قصد الشيخ بقلة الجذبات ، قلة ظهورها على أهل الزمان ، لا لكونها قليلة في
نفس الأمر ، لأن الله تعالى لم يزل متجلياً بجميع تجلياته ، مفيضاً على خلقه
بمقتضيات أسمائه وصفاته ، ولقد بلغني عن شيخي الشيخ إسماعيل الجبرتي رضي الله عنه
أنه قال يوماً لبعض إخواني من تلامذته : 'عليك بكتب الشيخ محيي الدين بن العربي' .
فقال له التلميذ : يا سيدي إن رأيت أصبر حتى يفتح الله علي به من حيث الفيض . فقال
له الشيخ : 'إن الذي تريد أن تصبر له هو عين ما ذكره الشيخ لك في هذه الكتب ، هذا
كلامهم - رضي الله عنهم - للتلامذه والإخوان إنما هو لتقريب المسافة البعيدة إليهم
وتسهيل الطريق الصعب عليهم ، لأن المريد قد ينال بمسألة من مسائل علمنا هذا ما لا
يناله بمجاهدة خمسين سنة ، وذلك لأن السالك إنما ينال ثمرة سلوكه وعلمه ، والعلوم
التي وصفها الكمل من أهل الله تعالى هي ثمرة سلوكهم وأعمالهم الخالصة ، فكم بين
ثمرة عمل معلول إلى ثمرة عمل مخلص ، بل علومهم من وراء ثمرات الأعمال ؛ لأنها
بالفيض الإلهي الوارد عليهم على قدر وسع قوابلهم ، فكم بين قابلية الكامل من أهل
الله وبين قابلية المريد الطالب ، فإذا فهم المريد الطالب ما قصده من وضع المسألة
في الكتاب وعلمه ، استوى هو ومصنفه في معرفة تلك المسألة فنال بها ما نال المصنف ،
وصارت له ملكاً مثل ما كانت للمصنف . وهكذا كل مسألة من مسائل العلوم الموضوعة في
الكتب فإن الأخذ لها من المعدن الذي أخذ منه مصنفها' .