«وأنفقوا» في الزكاة «مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا» بمعنى هلا، أو لا زائدة ولو للتمني «أخرتني إلى أجل قريب فأصَّدَّق» بإدغام التاء في الأصل في الصاد أتصدق بالزكاة «وأكن من الصالحين» بأن أحج، قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما قصر أحد في الزكاة والحج إلا سأل الرجعة عند الموت.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (9) وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (11)
فإنها أنفاس معدودة وآجال مضروبة محدودة ، يبلغ الكتاب فيها أجله ، ويرى كل مؤمل ما أمله .
(64) سورة التغابن مدنيّة
------------
(11) الفتوحات ج 3 /
440
ثم حثهم على الإنفاق في طاعته فقال : ( وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين ) فكل مفرط يندم عند الاحتضار ، ويسأل طول المدة ولو شيئا يسيرا ، يستعتب ويستدرك ما فاته ، وهيهات ! كان ما كان ، وأتى ما هو آت ، وكل بحسب تفريطه ، أما الكفار فكما قال الله تعالى : ( وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال ) [ إبراهيم : 44 ] وقال تعالى : ( حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون ) [ المؤمنون : 99 ، 100 ]
فيه أربع مسائل: الأولى: قوله تعالى {وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت} يدل على وجوب تعجيل أداء الزكاة، ولا يجوز تأخيرها أصلا. وكذلك سائر العبادات إذا تعين وقتها. الثانية: {فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين} سأل الرجعة إلى الدنيا ليعمل صالحا. و""روى الترمذي عن الضحاك بن مزاحم"" عن ابن عباس قال : من كان له مال يبلغه حج بيت ربه أو تجب عليه فيه زكاة فلم يفعل، سأل الرجعة عند الموت. فقال رجل : يا ابن عباس، اتق الله، إنما سأل الرجعة الكفار. فقال : سأتلو عليك بذلك قرانا {يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون. وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين} إلى قوله {..والله خبير بما تعملون} قال : فما يوجب الزكاة؟ قال : إذا بلغ المال مائتين فصاعدا. قال : فما يوجب الحج؟ قال : الزاد والراحلة. قلت : ذكره الحليمي أبو عبدالله الحسين بن الحسن في كتاب منهاج الدين مرفوعا فقال : وقال ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من كان عنده مال يبلغه الحج...) الحديث؛ فذكره. وقد تقدم في آل عمران لفظه. الثالثة: قال ابن العربي : أخذ ابن عباس بعموم الآية في إنفاق الواجب خاصة دون النفل؛ فأما تفسيره بالزكاة فصحيح كله عموما وتقديرا بالمائتين. وأما القول في الحج ففيه إشكال؛ لأنا إن قلنا : إن الحج على التراخي ففي المعصية في الموت قبل الحج خلاف بين العلماء؛ فلا تخرج الآية عليه. وإن قلنا : إن الحج على الفور فالآية في العموم صحيح؛ لأن من وجب عليه الحج فلم يؤده لقي من الله ما يود أنه رجع ليأتي بما ترك من العبادات. وأما تقدير الأمر بالزاد والراحلة ففي ذلك خلاف مشهور بين العلماء. وليس لكلام ابن عباس فيه مدخل؛ لأجل أن الرجعة والوعيد لا يدخل في المسائل المجتهد فيها ولا المختلف عليها، وإنما يدخل في المتفق عليه. والصحيح تناوله للواجب من الإنفاق كيف تصرف بالإجماع أو بنص القرآن؛ لأجل أن ما عدا ذلك لا يتطرق إليه تحقيق الوعيد. الرابعة: قوله تعالى {لولا} أي هلا؛ فيكون استفهاما. وقيل {لا} صلة؛ فيكون الكلام بمعنى التمني. {فأصدق} نصب على جواب التمني بالفاء. {وأكون} عطف على {فأصدق} وهي قراءة ابن عمرو وابن محيصن ومجاهد. وقرأ الباقون {وأكن} بالجزم عطفا على موضع الفاء؛ لأن قوله {فأصدق} لو لم تكن الفاء لكان مجزوما؛ أي أصدق. ومثله {من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم} [
الأعراف : 186] فيمن جزم. قال ابن عباس : هذه الآية أشد على أهل التوحيد؛ لأنه لا يتمنى الرجوع في الدنيا أو التأخير فيها أحد له عند الله خير في الآخرة. قلت : إلا الشهيد فإنه يتمنى الرجوع حتى يقتل، لما يرى من الكرامة. {والله خبير بما تعملون} من خير وشر. وقراءة العامة بالتاء على الخطاب. وقرأ أبو بكر عن عاصم والسلمي بالياء؛ على الخبر عمن مات وقال هذه المقالة. تمت السورة بحمد الله وعونه.
وأنفقوا -أيها المؤمنون- بالله ورسوله بعض ما أعطيناكم في طرق الخير، مبادرين بذلك من قبل أن يجيء أحدكم الموت، ويرى دلائله وعلاماته، فيقول نادمًا: ربِّ هلا أمهلتني، وأجَّلت موتي إلى وقت قصير، فأتصدق من مالي، وأكن من الصالحين الأتقياء.
{ وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ } يدخل في هذا، النفقات الواجبة، من الزكاة والكفارات ونفقة الزوجات، والمماليك، ونحو ذلك، والنفقات المستحبة، كبذل المال في جميع المصالح، وقال: { مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ } ليدل ذلك على أنه تعالى، لم يكلف العباد من النفقة، ما يعنتهم ويشق عليهم، بل أمرهم بإخراج جزء مما رزقهم الله الذي يسره لهم ويسر لهم أسبابه.
فليشكروا الذي أعطاهم، بمواساة إخوانهم المحتاجين، وليبادروا بذلك، الموت الذي إذا جاء، لم يمكن العبد أن يأتي بمثقال ذرة من الخير، ولهذا قال: { مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ } متحسرًا على ما فرط في وقت الإمكان، سائلاً الرجعة التي هي محال: { رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ } أي: لأتدارك ما فرطت فيه، { فَأَصَّدَّقَ } من مالي، ما به أنجو من العذاب، وأستحق به جزيل الثواب، { وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ } بأداء المأمورات كلها، واجتناب المنهيات، ويدخل في هذا، الحج وغيره، وهذا السؤال والتمني، قد فات وقته، ولا يمكن تداركه.
( وأنفقوا من ما رزقناكم ) ، قال ابن عباس : يريد زكاة الأموال ، ( من قبل أن يأتي أحدكم الموت ) ، فيسأل الرجعة ، ( فيقول رب لولا أخرتني ) ، هلا أخرتني أمهلتني . وقيل : " لا " صلة فيكون الكلام بمعنى التمني ، أي : لو أخرتني ، ( إلى أجل قريب فأصدق ) ، فأتصدق وأزكي مالي ، ( وأكن من الصالحين ) ، أي من المؤمنين .
نظيره قوله تعالى : " ومن صلح من آبائهم " ( الرعد - 23 ) ( غافر - 8 ) ، هذا قول مقاتل وجماعة . وقالوا : نزلت الآية في المنافقين . وقيل : [ نزلت ] الآية في المؤمنين .
والمراد بالصلاح هنا : الحج . وروى الضحاك ، وعطية عن ابن عباس قال : ما من أحد يموت وكان له مال لم يؤد زكاته وأطاق الحج فلم يحج إلا سأل الرجعة عند الموت . وقرأ هذه الآية وقال : " وأكن من الصالحين " قرأ أبو عمرو " وأكون " بالواو ونصب النون على جواب التمني وعلى لفظ فأصدق ، قال : إنما حذفت الواو من المصحف اختصارا .
وقرأ الآخرون : " وأكن " بالجزم عطفا على قوله " فأصدق " لو لم يكن فيه الفاء ، لأنه لو لم يكن فيه فاء كان جزما . يعني : إن أخرتني أصدق وأكن ، ولأنه مكتوب في المصحف بحذف الواو .
(وَأَنْفِقُوا) أمر وفاعله والجملة معطوفة على ما قبلها (مِنْ ما) متعلقان بالفعل (رَزَقْناكُمْ) ماض وفاعله ومفعوله والجملة صلة ما (مِنْ قَبْلِ) متعلقان بأنفقوا (أَنْ يَأْتِيَ) مضارع منصوب بأن (أَحَدَكُمُ) مفعول به (الْمَوْتُ) فاعل والمصدر المؤول من أن وما بعدها في محل جر بالإضافة (فَيَقُولَ) الفاء حرف عطف ومضارع معطوف على يأتي منصوب مثله وفاعله مستتر (رَبِّ) منادى مضاف (لَوْ لا) حرف تحضيض بمعنى هلا (أَخَّرْتَنِي) ماض وفاعله ومفعوله (إِلى أَجَلٍ) متعلقان بالفعل (قَرِيبٍ) صفة أجل والجملة الفعلية مقول القول.
(فَأَصَّدَّقَ) الفاء للسببية ومضارع منصوب بأن مضمرة بعد الفاء والفاعل مستتر والمصدر المؤول من أن والفعل معطوف بالفاء على مصدر مؤول سابق (وَأَكُنْ) الواو حرف عطف ومضارع ناقص مجزوم بعطفه على محل فأصدق واسمه مستتر (مِنَ الصَّالِحِينَ) خبره.
Traslation and Transliteration:
Waanfiqoo min ma razaqnakum min qabli an yatiya ahadakumu almawtu fayaqoola rabbi lawla akhkhartanee ila ajalin qareebin faassaddaqa waakun mina alssaliheena
And spend of that wherewith We have provided you before death cometh unto one of you and he saith: My Lord! If only thou wouldst reprieve me for a little while, then I would give alms and be among the righteous.
Ve birinize ölüm gelip çatmadan ve derken o da Rabbim, beni yakın bir zamanadek öldürmeyip bıraksaydın da ben de sadaka vermeye çalışsaydım ve temiz kullardan olsaydım demeden önce sizi rızıklandırdığımız şeylerden harcayın.
Et dépensez de ce que Nous vous avons octroyé avant que la mort ne vienne à l'un de vous et qu'il dise alors: «Seigneur! si seulement Tu m'accordais un court délai: je ferais l'aumône et serais parmi les gens de bien».
Und gebt vom Rizq, das WIR euch gewährten, bevor zum einem von euch der Tod kommt, dann sagt er: "Mein HERR! Hättest DU mir doch bis zu einer nahen Frist Aufschub gewährt! - dann werde ich spenden und von den gottgefällig Guttuenden sein."
 |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة المنافقون (Al-Munafiqun - The Hypocrites) |
ترتيبها |
63 |
عدد آياتها |
11 |
عدد كلماتها |
180 |
عدد حروفها |
780 |
معنى اسمها |
النِّفَاقُ: إِبْطَانُ الْكُفْرِ وَإِظْهَارُ الإِيمَانِ. وَالمُرَادُ (بِالمُنَافِقِينَ): المُشْرِكُونَ الَّذِينَ سَكَنُوا الْمَدِينَةَ الْمُنَوَّرَةَ |
سبب تسميتها |
حَدِيثُ السُّورَةِ عَنِ الْمُنَافِقِينَ؛ فَسُمِّيَتْ بِهِم |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (الْمُنَافِقُونَ)، وَتُسَمَّى سُورَةَ: ﴿إِذَا جَآءَكَ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ﴾ |
مقاصدها |
بَيَانُ صِفَاتِ أَهْلِ النِّفَاقِ وَالتَّحْذِيرُ مِن الاتِّصَافِ بِهِم |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَدَنيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِن صَحَّ لِبَعضِ آياتِها سَبَبُ نُزُولٍ |
فضلها |
مِن النَّظَائِرِ التِي كَانَ يَقرَأُ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ فِي الصَّلَوَاتِ، فَعَنِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: «كان النَّبِيُّ ﷺ يقرأُ فِي صَلاةِ الجُمُعَةِ (سُورَةَ الجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقُونَ)». (رَوَاهُ مُسلِم) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (المنافقون) بِآخِرِهَا: السُّورَةُ كُلُّهَا تَتَحَدَّثُ عَن صِفَاتِ المُنَافِقِينَ.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الْمُنَافِقُونَ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (الْجُمُعَةِ): (الجُمُعَةُ) أَعْطَت مِثَالًا لِوَحْدَةِ الصَّفِّ؛ وَ(المُنَافِقُونَ) أَعْطَت مِثَالًا لِمَن انْشَقَّ عَن وِحْدَةِ الصَّفِّ. |