
لواقح الأنوار القدسية في مناقب الأخيار والصوفية
وهو كتاب الطبقات الكبرى
تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني
![]() |
![]() |
ومنهم أبو الحسن السري بن المغلس السقطي رضي الله عنه
خال الجنيد وأستاذه رضي الله تعالى عنهما، صحب معروفاً الكرخي وكان أوحد أهل زمانه في الورع والأحوال السنية وعلم التوحيد وهو أول من يتكلم فيه ببغداد وإليه ينتمي أكثر المشايخ ببغداد ومات بها سنة إحدى وخمسين ومائتين وقبره بالشونيزية ظاهر يزار. ومن كلامه رضي الله عنه: من أراد أن يسلم له دينه ويستريح بدنه ويقل غمه من سماع الكلام الذي يغمه فليعتزل الناس لأن هذا زمان عزلة ووحدة وكان يقول: أقوى القوة أن تغلب نفسك ومن عجز عن أدب نفسه كان عن أدب غيره أعجز وكان يقول: من علامة الاستدراج للعبد عماه عن عيبه واطلاعه على عيوب الناس، وكان رضي الله عنه يقول: كيف يستنير قلب الفقير وهو يأكل من مال من يغش في معاملته، ويعامل الظلمة وأكلة الرشا لا سيما إن كان يسألهم بذلة وخضوع لعدم حرفة تكون بيده وقال علي بن الحسين، بعثني أبي إلى السري رضي الله عنه بشيء من حب السعال لسعال كان به فقال لي كم ثمنه فقلت له لم يخبرني بشيء فقال: اقرأ عليه السلام وقل له نحن نعلم الناس منذ خمسين سنة ألا يأكلوا بأديانهم أفتراني اليوم آكل بديني ثم رده ولم يأخذ منه شيئاً وكان رضي الله عنه يقول: من سكن إلى قول الناس فيه أنه ولي الله فهو في يد نفسه أسير وكان رضي الله عنه يقول: لو علمت أن جلوسي في البيت أفضل من خروجي إلى المسجد ما خرجت ولو علمت أن انفرادي عن الناس أفضل ما جالستهم وكان يقول ثلاثة من علامة سخط الله على العبد كثرة اللعب، والاستهزاء والغيبة، وكان رضي الله عنه يقول: إياكم ومجاورة الأغنياء وقراء الأسواق والأمراء، فإنهم يفسدون كل من جالسهم وكان يقول لا تصح المحبة بين اثنين حتى يقول أحدهما للآخر: يا أنا وكان رضي الله عنه يقول: ما رأيت شيئاً أحبط للأعمال ولا أفسد للقلوب ولا أسرع في هلاك العبد ولا أدوم للأحزان، ولا أقرب للمقت ولا ألزم لمحبة الرياء والعجب والرياسة من قلة معرفة المجد نفسه ونظره في عيوب الناس لا سيما إن كان مشهوراً معروفاً بالعبادة وامتد له الصيت حتى بلغ من الثناء ما لم يكن يؤمله وتربص في الأماكن الخفية بنفسه، وسراديب الهوى وفي تجريحه في الناس ومدحه فيهم وقيل له إن العابد الفلاني يعظم فلاناً ويعتقده والأمير الفلاني لا يقدم أحداً على فلان من الفقراء وأطبقت أهل بلده على اعتقاده فقال إنه لهلك مع الهالكين وكان رضي الله عنه يقول: الدنيا أفاعي قلوب العلماء وسحارة قلوب العباد والقراء تلعب بهم كما يلعب الصبيان بالأكرة، وكان يقول خصلتان تبعدان العبد من الله تعالى أداء نافلة بتضييع فريضة: وعمل بالجوارح من غير صدق بالقلب وكان رضي الله عنه يبكي ويقول: قد توعرت طريق الصالحين وقل فيها السالكون وهجرت الأعمال وقل فيها الراغبون ورفض الحق ودرس هذا الأمر فلا أراه إلا في لسان كل بطال ينطق بالحكمة ويفارق الأعمال الصالحة قد افترش الرخص وتمهد التأويلات واعتل بذلك العاصون ثم يقول واغماه من فتنة العلماء واكرباه من حيرة الأدلاء وكان رضي الله عنه يقول: من أنس بربه في الظلام نشرت عليه غداً الأعلام، وكان رضي الله عنه ينشد كثيراً ويقول:
لا في النهار ولا في الليل لي فرح ... فما أبالي أطال الليل أم قصر
لأنني طول ليلي هائم دنف ... وبالنهار أقاسي الهم والفكرا رضي الله عنه.
![]() |
![]() |