موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

لواقح الأنوار القدسية في مناقب الأخيار والصوفية

وهو كتاب الطبقات الكبرى

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


ومنهم أبو عبد الله الحارث بن أسد المحاسبي (رضي الله عنه)

وهو من علماء مشايخ القوم بعلوم الظاهر وعلوم الأصول وعلوم المعاملات له التصانيف المشهورة عديم النظير في زمانه وهو أستاذ أكثر البغداديين بصري الأصل.

مات ببغداد سنة ثلاث وأربعين ومائتين رضي الله عنه، ومن كلامه رضي الله عنه من صحح باطنه بالمراقبة والإخلاص زين الله تعالى ظاهره بالمجاهدة واتباع السنة وكان رضي الله عنه يقول خيار هذه الأمة هم الذين لا تشغلهم آخرتهم عن دنياهم ولا دنياهم عن آخرتهم وأنشدوا بين يديه مرة:

أنا في الغربة أبكي ... ما بكت عين غريب

لم أكن يوم خروجي ... عن مكاني بمصيب

عجباً لي ولتركي ... وطناً فيه حبيبي

فقام وتواجد حتى رق له كل من حضره وسئل رضي الله عنه عن المتوكل هل يلحقه طمع من طريق الطباع فقال خطرات لا تضره شيئاً، وكان رضي الله عنه يقول: عملت كتاباً في المعرفة وأعجبت فيه فبينما أنا ذات يوم أنظر فيه مستحسناً له إذ دخل علي شاب عليه ثياب رثة فسلم علي وقال يا أبا عبد الله المعرفة حق للحق على الخلق أو حق للخلق على الحق فقلت له: حق على الخلق للحق، فقال هو أولى أن يكشفها لمستحقها، فقلت بل حق للخلق على الحق فقال: هو أعدل من أن يظلمهم ثم سلم علي وخرج قال الحارث: فأخذت الكتاب وحرقته وقلت لا عدت أن أتكلم في المعرفة بعد ذلك وكان رضي الله عنه يقول: أول بلية العبد تعطل القلب من ذكر الآخرة وحينئذ تحدث الغفلة في القلب وقيل لأحمد بن حنبل رضي الله عنه إن الحارث المحاسبي يتكلم في علوم الصوفية ويحتج لها بالآي والحديث فهل لك أن تسمع كلامه من حيث لا يشعر فقال: نعم فحضر معه ليلة إلى الصباح ولم ينكر من أحواله ولا من أحوال أصحابه شيئاً قال لأني رأيتهم لما أذن بالمغرب تقدم فصلى ثم حضر الطعام فجعل يحدث أصحابه وهو يأكل وهذا من السنة فلما فرغوا من الطعام وغسلوا أيديهم جلس وجلس أصحابه بين يديه وقال: من أراد منكم أن يسأل عن شيء فليسأل فسألوه عن الرياء والإخلاص وعن مسائل كثيرة فأجاب عنها واستشهد عليه بالآي والحديث فلما مر جانب من الليل أمر الحارث قارئاً يقرأ فقرأ فبكوا وصاحوا وانتحبوا ثم سكت القارئ فدعا الحارث بدعوات خفاف ثم قام إلى الصلاة فلما أصبحوا اعترف أحمد رضي الله عنه بفضله وقال كنت أسمع من الصوفية خلاف هذا أستغفر الله العظيم رضي الله عنه.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!