
لواقح الأنوار القدسية في مناقب الأخيار والصوفية
وهو كتاب الطبقات الكبرى
تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني
![]() |
![]() |
ومنهم أبو زكريا يحيى بن معاذ بن جعفر الواعظ الرازي (رضي الله عنه)
كان أوحد وقته في زمانه، له لسان في الرجاء خصوصاً وكلام في المعرفة.
أقام ببلخ مدة ثم عاد إلى نيسابور ومات بها سنة ثمان وخمسين ومائتين.
ومن كلامه رضي الله عنه كيف يكون زاهداً من لا ورع له. تورع عما ليس لك ثم ازهد فيما لك وكان رضي الله عنه يقول: على قدر شغلك بالله يشتغل في أمرك الخلق، وكان يقول: جميع الدنيا من أولها إلى آخرها لا تساوي غم ساعة فكيف تغتم عمرك فيها مع قلة نصيبك منها، وكان يقول الزاهدون غرباء في الدنيا، والعارفون غرباء في الآخرة، وكان يقول لأصحابه اجتنبوا صحبة ثلاثة أصناف من الناس العلماء الغافلون، والقراء المداهنون، والمتصوفة الجاهلون الذين يتعبدون قبل تعلمهم فروض دينهم وكان يقول: من لم ينتفع بأفعال شيخه لم ينتفع بأقواله.
وكان يقول لا يزال دين العبد متمزقاً ما دام قلبه بحب الدنيا متعلقاً وكان يقول: الجوع نور، والشبع نار والشهوة الحطب يتولد منه الإحراق فلا تنطفئ ناره حتى يحرق صاحبه، وكان رضي الله عنه يقول: ليس الصوف حانوت، والكلام في الزهد حرفة، وكان يقول: الولي لا يرائي ولا ينافق وما أقل صديقاً هذا خلقه وكان يقول: الولي ريحان الله في الأرض يشمه الصديقون فتصل رائحته إلى قلوبهم فيشتاقون به إلى مولاهم ويزدادون برؤيته عبادة وكان يقول: بئس الأخ أخ تحتاج أن تقول له ادع لي وبئس الأخ أخ تحتاج أن تعتذر إليه عند زلتك وكان رضي الله عنه يقول: العلماء العاملون أرأف بأمة محمد صلى الله عليه وسلم وأشفق عليهم من آبائهم وأمهاتهم قيل له: كيف ذلك قال: لأن آباءهم وأمهاتهم يحفظونهم من نار الدنيا والعلماء يحفظونهم من نار الآخرة وأهوالها وكان يقول: من صحب الأولياء بصدق ألهاه ذلك عن أهله وماله وعن جميع الاشتغال فماذا صح له ذلك معهم ترقى إلى مقام الاشتغال بالله فاشتغل به عمن سواه وإن لم يصح له هذا المقام مع الأولياء لا يشم رائحة الاشتغال بالله أبداً وكان رضي الله عنه يقول: العامة يحتاجون إلى أهل العلم في الجنة كما في الدنيا فقيل له كيف فقال: يقال للعامة في الجنة تمنوا فلا يدرون ما يقولون فيقولون نرجع لأهل العلم فنسألهم فيكون ذلك تمام مكرمة لأهل العلم، وكان رضي الله عنه يقول: إياكم والركون إلى دار الدنيا فإنها دار ممر لا دار مقر الزاد منها والمقيل في غيرها.
وكان يقول: لو أن رجلاً في علم ابن عباس وهو راغب في الدنيا لنهيت الناس عن مجالسته فإنه لا ينصحك من خان نفسه وكان يقول: مثل الأولياء مثل الصيادين يصطادون العباد من أفواه الشياطين ولو لم يصد الوالي طول عمره إلا واحداً لكان قد أوتي خيراً كثيراً وكان يقول طلب الزهد فراراً من مشقة الأعمال الشاقة بطالة ولبس الصوف من غير إماتة النفس جهالة وترك المكاسب مع الحاجة إليها كسل والكسل مع وجود الاستغناء عنه كلفة والصبر على العزلة علامة وجود الطريق والتعبد مع تضييع العيال جهل وكان يقول: كم بين من يريد حضور الوليمة للوليمة وبين من يريد حضور الوليمة ليلتقي الحبيب في الوليمة وكان يقول: محاربة الصديقين لنفوسهم مع الخطرات ومحاربة الأبدال مع الفكرات، ومحاربة الزهاد مع الشهوات، ومحاربة التائبين مع الزلات، وكان رضي الله عنه يقول في دعائه: إلهي لا أقوى على شروط التوبة فاغفر لي بلا توبة، وكان يقول: لا يكون الرجل حليماً حتى يلحظ النساء بعين الشفقة لا بعين الشهوة، وكان يقول جالسوا الذاكرين فإنهم ملازمون باب الملك رضي الله عنهم.
![]() |
![]() |