
لواقح الأنوار القدسية في مناقب الأخيار والصوفية
وهو كتاب الطبقات الكبرى
تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني
![]() |
![]() |
ومنهم الشيخ عبد الرحمن الطغسونجي (رضي الله عنه)
هو من أكابر مشايخ العراق، وأعيان العارفين، وصدور المقربين صاحب الأحوال الفاخرة، والكرامات الظاهرة والتصريف النافذ.
وكان رضي الله عنه يقول: أنا بين الأولياء كالكركي بين الطيور أطولهم عنقاً، وكان رضي الله عنه يتكلم في الشريعة، والحقيقة بطغسونج على كرسي عال، ويحضره المشايخ والعلماء، ويلبس لباس العلماء، ويركب البغلة. ومن كلامه رضي الله عنه المراقبة لعبد راقب الحق بالحق، وتابع المصطفى صلى الله عليه وسلم في أفعاله، وأخلاقه وآدابه والله عز وجل قد خص أحبابه، وخاصته بأن لا يكلهم في شيء من أحوالهم إلى نفوسهم، ولا إلى غيره فهم يراقبون الله تعالى، ويسألونه أن يرعاهم فيها، والمراقبة تقتضي حال القرب، والله عز وجل قرب القلوب إليه بما هو قريب منها فهو يقرب من قلوب عباده على حسب ما يرى من قرب قلوب عباده منه فانظر بماذا يقرب من قلبك، وحال القرب يقتضي حال المحبة وهي تتولد من نظر القلب إلى الله عز وجل، وجلاله، وعظمته، وعلمه، وقدرته فطوبى لمن شرب كأساً من محبته وذاق نغباً من مناجاته فامتلأ قلبه حباً فطار بالله طرباً، وهام به اشتياقاً ليس له سكنى، ولا مألوف سواه فهو محب خرج من رؤية المحبة إلى المحبوب بفناء علم المحبة من حيث كان له المحبوب في الغيب ولم يكن هو بالمحبة فإذا خرج المحب إلى هذه النسبة كان محباً بلا علة، والمحبة تقتضي الذكر فلا يزال المحب يذكر ربه ويدخل الخلل في ذكره لنفسه حتى يصير الغالب عليه ذكر ربه وصار كالغافل عن نفسه ثم يغفل عن ذهوله عن نفسه وينسى باستيلاء ذكر ربه عليه جميع الإحساس فيقال اندرج في رؤية مذكوره، ويقال فني عن نفسه ويقال فني بربه، ويقال فني عن فنائه أي غفل عن ذكر غفلته عن نفسه باستيلاء ذكر ربه عليه، وصار ليس يشهد غيره.
وهاهنا يكون مصطلماً عن مشاهده مختطفاً عن نفسه ممحواً عن جملته فانياً عن كله، وما دام هذا الوصف باقياً فلا تمييز، ولا إخلاص، ولا صدق، وهذا جمع الجمع وعين الوجود، وهذا هو الوصول الذي يرد على أحوال التمييز والتكليف فيحجب عن هذا الوصف بنوع ستر ليفوز بحق الشرع، والمغاليط هاهنا كثيرة، والمحفوظ من رجع إلى أداء أحكام الشريعة، وكان رضي الله عنه يقول: من اشتغل بطلب الدنيا ابتلى بالذل فيها ومن تعامى عن نقائض نفسه طغى وبغى ومن تزين بباطل فهو مغرور. وكان يقول: أنفع العلوم العلم بأحكام العبودية، وأرفع العلوم علم التوحيد وكان يقول: لا يضر مع التواضع بطالة إذا قام بالواجبات والسنن، ولا ينتج مع الكبر عمل مندب، ولا علم مطلوب. وكان يقول: إذا أقامك ثبت، وإذا قمت بنفسك سقطت.
سكن رضي الله عنه طغسونج بلدة بأرض العراق، وبها مات مسناً وقبره بها ظاهر يزار. رضي الله عنه.
![]() |
![]() |