
لواقح الأنوار القدسية في مناقب الأخيار والصوفية
وهو كتاب الطبقات الكبرى
تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني
![]() |
![]() |
ومنهم الشيخ بقاء بن بطو (رضي الله عنه)
هو من أعيان مشايخ العراق، وأكابر الصديقين صاحب الأحوال النفيسة، والمقامات الجليلة، والكرامات الباهرة. وكان الشيخ عبد القادر الجيلي رضي الله عنه يثني عليه كثيراً ويقول: كل المشايخ أعطوا بالكيل إلا الشيخ بقاء بن بطو فإنه أعطى جزافاً انتهى إليه علم الأحوال، وكشف موارد الصادرين بنهر الملك، وما يليه وتلمذ له خلائق من الصلحاء، والعلماء وقصد بالزيارات والنذورات.
ومن كلامه رضي الله عنه الفقر تجرد القلب عن العلائق، واستقلاله بالله سبحانه وتعالى وحده، والتخلي من الأملاك أحد أوصاف الفقر لأنها شواغل، وقواطع لكل عبد سكن بقلبه إليها وعلامة صحة التجرد عن الأملاك أن لا يتغير عليه الحال بوجود الأسباب، وعدمها لا في القوة، ولا في الضعف، ولا في السكون، ولا في الانزعاج، ولا تؤثر فيه المهالك فإذا كان كذلك فهو فقير لا يأسره رق الأسباب، ولا يهزه وجودها، ولا يستفزه عدمها فإن ملك فكأن لم يملك، وإن لم يملك فكأن ملك فلا يرى لنفسه في الدنيا، والآخرة مقاماً، ولا قدرا، وكما لا يرى لا يطلب وكما لا يطلب، ولا يتمنى فهو مشتغل به واقف بلا طمع لا يسقط بالرد، ولا ينهض بالقبول، ولا يعتقد أن طريقته أفضل من غيرها، وهو موقف رفيع، والأمر فيه دقيق، وما لم يصل العبد إلى ربه عز وجل لا يصل إلى حقيقة هذا الوصف، وكان رضي الله عنه يقول: الفقر وصف كل مستغن عن غيره، ولا يكون العبد صادقاً في فقره حتى يخرج عن فقره بانتفاء شهود الفقر، وكان رضي الله عنه يقول: أنصف الناس من نفسك واقبل النصيحة ممن دونك تدرك شرف المنازل.
وكان رضي الله عنه يقول: من لم يجد في نفسه زاجراً فقلبه خراب، وكان يقول: من لم يستغن بالله على نفسه صرعته، وكان يقول: من لم يقم بآداب أهل البداية كيف يستقيم له مقام أهل النهاية وزاره ثلاثة من الفقهاء فصلوا خلفه العشاء فلم يقم القراء كما يريد الفقهاء فساء ظنهم به وباتوا في زاويته فأجنبوا ثلاثتهم، وخرجوا إلى نهر على باب الزاوية فنزلوا فيه يغتسلون فجاء أسد عظيم الخلقة، وبرك على ثيابهم، وكانت ليلة شديدة البرد فأيقنوا بالهلاك فخرج الشيخ من الزاوية فجاء الأسد، وتمرغ على رجليه فاستغفروا الله وتابوا.
سكن رضي الله عنه نانبوس قرية من قرى نهر الملك وبها توفي قريباً من سنة ثلاثة وخمسين وخمسمائة، وقبره بها ظاهر يزار. رضي الله عنه.
![]() |
![]() |