
لواقح الأنوار القدسية في مناقب الأخيار والصوفية
وهو كتاب الطبقات الكبرى
تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني
![]() |
![]() |
ومنهم الشيخ داود الكبير بن ماخلا (رضي الله عنه)
شيخ سيدي محمد، وفا الشاذلي رضي الله عنه، كان رضي الله عنه شرطياً في بيت الوالي بالإسكندرية، وكان يجلس تجاه الوالي، وبينهما إشارة يفهم منها وقوع المتهوم، أو براءته، فإن أشار إلي أنه بريء عمل بإشارته، أو أنه فعل ما اتهم به عمل بذلك، وكانت إشارته أنه إن قبض على لحيته، وجذبها إلى صدره علم أنه وقع، وإن جذبها إلى فوق علم أنه بريء، وله كلام عال في الطريق، وكان أمياً لا يكتب، ولا يقرأ، ومن كلامه رضي الله عنه في كتابه المسمى بعيون الحقائق في قوله: " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى " ، على قدر ارتقاء همتك في نيتك يكون ارتقاء درجتك عند عالم سريرتك، وكان رضي الله عنه يقول: إنما كانت العلل، والأسباب لوجود البعد، والحجاب، ومن استنار قلبه علم أن الخضوع لرب الأرباب حتم لازم للعبد من غير العلل.
وكان رضي الله عنه يقول: للولي نوران نور عطف، ورحمة يجذب به أهل العناية ونور فيض، وعزة، وقهر يدفع به أهل البعد والغواية لأنه يتصفح بين دائرتي فضل وعدل، فإذا أقيم بالفضل ظهر فجذب فنفع هو إذا أقيم بالعدل، والعز حجب، فخفي، ودفع، ولذلك أقبل بعض، وأدبر بعض، وكان رضي الله عنه يقول: كلما ازداد علم العبد زاد افتقاره، ومطلبه، وعلت همته لأنه في حال جهله يطلب العلم، وفي حال علمه يطلب جلاء العلوم، والمعلومات درجات لا غاية لمنتهاها، ولا حد لعلو مرماها، فواعجباً من لوعة كلما ارتوت زاد تأججها، وضرامها، وكان يقول: أسرار يتنزل العلم عليها، وأسرار تترقى هي إليه، وأعلاهما أولاهما لأن العلم إذا ورد عليها صارت هي عيناً فيه فتخفي رسومها، وتتضح علومها، وتحق شواهدها، وأما إذا ترقت الأسرار إلى العلوم، فإن طعم كأسها يشوب طعمها، وتتنزل خلع مواهبها قريباً من جنس لباسها، فيحصل فيها ضرب من الإخفاء، والإشكال، وكان يقول: عالم الظاهر كلما اتسع علمه اتسع في الوجود، وفشا، وعالم الباطن كلما اتسع علمه، وعلا دق من الإدراك، ومال إلى الخفاء لأن العالم بالخفاء خفي عكس الظاهر، وأيضاً، فإن عالم الظاهر ينقضي علمه بانقضاء هذه الدار لأنه منوط بالتكليف، وإنما يبقى له إذا صدق، وأخلص لله الجزاء، والثواب، وكان يقول: من أعظم المواهب بعد الإيمان بالله تعالى وملائكته، وكتبه، ورسله الإيمان بنور الولاية في خلقه سواء ظهرت في ذات العبد، أو في غيره من العباد، فإنه كما هو مطلوب أن يؤمن بها في غيره كذلك مطلوب أن يؤمن بها في نفسه.
وكان رضي الله عنه يقول: الناس صنفان صنف اشتغل بالدنيا وإقامة دولتها، وشعائر دينها فهو في كفالة علماء المسلمين، وصنف سمت هممهم بعد أن حصلوا ما حصل الأولون إلى فهم الأسرار، وطلبوا من يسير بها في منازل التحقيق فهم في كفالة العارفين، وكان رضي الله عنه يقول: لا يكن كبر همك من العبادة إلا القرب من المعبود دون الأجر، والثواب، فإنه إذا من عليك بالدخول إلى حضرته فهنالك الأجور، وأعلى منها ثم ينعم عليك حتى تكون أنت منعماً على ذلك، وكان يقول: الجزء لا يطيق حمل الكل، وكان رضي الله عنه يقول: من صحت ولايته من رجل كبير أحاط نوره بسره سراً، وجهراً وكان لا يدخل حضرة من حضرات القرب إلا، وهو معه، وكان رضي الله عنه يقول: إذا نطق المحجوب بغرائب العلوم، وعجائب الفهوم، فلا تستغربن ذلك، فإن مداد قلم الغيوب فياض، وكان يقول: حاشى قلوب العارفين أن تخبر عن غير يقين، وكان يقول: لسان العارف قلم يكتب به في ألواح قلوب المريدين فربما كتب في لوح قلبك ما لم تعلم معناه، وبيانه عند ظهور آياته وكان رضي الله عنه يقول: القلب ظل نور الروح، والروح ظل نور السر، والسر مظهر تجلي أشعة الحقيقة الأولى، في أوائل عوالم التكوين، والنفس عبارة عن توجه القلب إلى سياسة العالم الشهادي والتفاته إلى تدبير عالم شهادته، وكان يقول: إقبال القلب مع لا إله إلا الله خير من ملء الأرض عملاً مع الإعراض عن الله عز وجل، وكان يقول: العارف أثره في الآخذين عنه بإمداده وأنواره كثر من آثارهم فيهم بأذكارهم، وأعمالهم، وكان رضي الله عنه يقول: قلب العارف كالنار لواحة للبشر لا تبقى، ولا تفر، وكان يقول: الذنب الأعظم شهود ما سوى الله أي شهوده ثابتاً بنفسه.
وكان يقول: إقبال القلب على الله حسنة يرجى أن لا يضر معها ذنب، وإعراض القلب عن الله سيئة لا يكاد ينفع معها حسنة، وكان رضي الله عنه يقول: شهود الغافل سم قاتل، وكان يقول: إذا أكرم الله عز وجل عبداً طوى عنه شهود خصوصيته، وأقامه في تحقيق عبوديته، فالعبد، إذا كان غائباً عن مراعاة حقوق عبوديته خيف عليه من الشطح، والانبساط، وتعدى عن حدود الأدب، والعدول عن سواء الصراط وكان يقول: النبي صلى الله عليه وسلم يؤمر والولي يلهم وكان رضي الله عنه يقول: قلوب المؤمنين تحت ظل قلوب الأولياء، وقلوب الأولياء تحت ظل قلوب الأنبياء عليم الصلاة والسلام، وقلوب الأنبياء تحت ظل أنوار العناية، والإمداد تتنزل، فيما بين ذلك، ويتلوها الشاهد منه، وكان يقول: ليس الشأن الخفاء في الخفاء إنما الشأن الخفاء في الظهور، وكان يقول: من أعظم أبواب الفتح يقظة العبد من غفلته، وكان يقول: احذروا هذه النفوس، فإن لها في الطاعات غوائل، وآفات، وكان يقول: من نظر إلى الأكوان نظر قلب عوقب بالحجاب، أو بالحساب، أو بالعذاب، وكان يقول: بنور النبوات يتضح الإيمان، وتثقل الأعمال، وبنور الولاية تزكو العبادات، وتثمر الأحوال، وكان رضي الله عنه يقول: إذا لم يكن ابن آدم عمالاً في مصالح الدنيا، والآخرة، فهو كالجماد في ذلك الوقت، وإن اشتغل بالمعصية، والشر، فهو كالشيطان، وإن اشتغل بأمر الدنيا، والآخرة، فهو كالحيوان، وإن اشتغل بفكره فيما هو لله تعالى، فهو كذلك، فانظر رحمك الله تعالى إلى درجة من تريد أن تلحق، وكان يقول: من الأولياء من يتكلم من خزانة قلبه، ومنهم من يتكلم من خزانة غيبه فالمتكلم من خزانة قلبه محصور، والمتكلم من خزانة غيبه غير محصور، وكان يقول: كما قويت الظلمة في قلوب الخلائق نطقت ألسنة العارفين بصرائح الحقائق، وذلك لأنها أمنت من ملاحظة النظار، وكان يقول: إن سكنت إلى ما نلت، فما نلت لأن العطاء يحرك الأشواق إلى لقاء المعطى وإن نلت فهيجك العطاء إلى المعطى فتلك بشارة على وجود العطاء، ومن هنا قال: بعضهم ليس لله على كافر نعمة إنما هي نقمة، وكان يقول: جلت الحقيقة أن تكون البشرية محلاً لتلقيها، ولكن إذا أراد أن يوصلها إليك انبسط شعاع سلطان شعاعها، فمهد في قلبك محلاً لتلقيها فبها وجدتها لا بك:
أعارته طرفاً رآها به ... فكان البصير بها طرفه
وكان رضي الله عنه يقول: جلت الحقيقة أن يكون لها جزاء من المخلوقين إنما يطلب جزاؤها من رب العالمين، وكان يقول: لا يصح من مريد أن يجازي أستاذه الذي أخذ عنه أبداً لأن ما استفاده منه لا يقابل بالأعراض، وكان يقول: قلوب علماء الظاهر، وسائط بين عالم الصفاء، ومظاهر الأكدار رحمة بالعامة الذين لم يصلوا إلى إدراك المعاني الغيبية، والادراكات الحقيقية، وكان رضي الله عنه يقول: أهل التصوف قوم ساروا عن الأجساد إلى ما وراءها فنزلوا في حضرة الوفاء، وحلوا في محل الصفاء وكان يقول: من أعجب العجب محب وقف بباب غير باب الحبيب.
وكان رضي الله عنه يقول: ألح على الكرام في السؤال، وإن لم تكن أهلاً للعطاء، فإن لهم أخلاقاً جميلة، وكان رضي الله عنه يقول: ما ذل قلب قط لبارئه إلا أفاده نوراً، وخيراً وكان رضي الله عنه يقول: ما وقفت همة مريد في سيرها إلى الله تعالى عند كون لكون قط إلا ناداه منادي التحقيق أثبت وجود ما أنت واقف معه، وكان يقول: لا تجعل مستند إيمانك نتائج الفكرة البشرية بل فر من ذلك إلى الله تعالى، إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، واستعذ بالله منه، واطلب ذلك من مدد الله عز وجل.
وفي رواية أخرى عنه إن أدرت سلوك المحجة البيضاء، والوصول إلى ذروة أهل التقى، والاقتداء بأهل الرتبة الأولى، فإياك أن تجعل دينك وإيمانك من نتائج العقول، والأفكار، أو مستنداً إلى أدلة النظار بل عرج إلى المحل الأعلى، والمنزل الأعز الأحمى، واستمد البركات، والأنوار من رسول الله صلى الله عليه وسلم واسأل الله تعالى أن يمن عليك بمدد من عنده يغنيك به عن كل شيء سواه، ويهديك بنوره إليه حتى، لا تشهد في ذلك إلا إياه وقل رب إني أعوذ بك أن يكون إيماني بك، وبما أنزلت، وبمن أرسلت مستفاداً من فكرة مشوبة بالأوصاف النفسية، أو مستنداً إلى عقل ممزوج بأمشاج الطينة البشرية بل من نورك المبين، ومددك الأعلى، ونور نبيك المصطفى وكان رضي الله عنه يقول: إن أردت الوصول إلى معرفة نور الولي، فاطلب الله تعالى، فهناك تجده لأنهم، ودائع غيبه، وخبايا حضرته، وكان يقول: لا تطلب من الأعمال، والعلوم والأحوال خلوصها من كل الشوائب البشرية لئلا تكلف شططاً، وتظن وجود ما لا يمكن، وجوده سهواً، وغلطاً بل من بين فرث الماء، والطين، ودم ذلك الأمر الخفي عن إدراك المدركين لبناً خالصاً سائغاً للشاربين، وكان رضي الله عنه يقول: لا يهولنكم كثرة عدد الفجار، وقلة عدد الأخيار، فإن أولئك، وإن كثر عددهم أمرهم صغير حقير، وهؤلاء، وإن قل عددهم، فأمرهم واسع كبير أولئك كثرت ظلال ظواهرهم، ومعانيهم الزائلة الدنية التي هي غير حقيقية، فهم كالعالم الثاني من نبات، وخشاش، ونحو ذلك من نبات قوالب خالية من المعاني العلية النورانية سكانها لوم النفوس الخسيسة الأرضية، ومعالم عمارها رذائل المعاني الحيوانية، وصفات الأشكال الشيطانية كثيرهم قليل، وعزيزهم ذليل: " أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون " " الأعراف: 179 " ، وهؤلاء الأخيار قل عدد ظواهرهم، وكثر مدد سرائرهم بوزن الرجل منهم بعدد كثير من جنسه الأبرار، فما ظنك بأولئك الذين لهم بالنسبة إلى سعة أنواره، وما قدر أولئك الذين لا قدر لهم مع عظيم مقداره، وكان رضي الله عنه يقول: كلما جدد العبد المؤمن بالصدق حقيقة الإيمان اقتضى تجديده ذلك فناء عوالم الأكوان، وكان يقول: النعمة العظمى الانطواء بالفناء الأكبر في ظل الغنى الأعظم قال تعالى: " قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون " " الأنعام: 91 " وفي الحديث: " كان الله ولا شيء معه " ، وقالوا:
تسترت من دهري بظل جناحه ... فصرت أرى دهري، وليس يراني
فلو تسئل الأيام ما اسمي ما درت ... وأين مكاني ما عرفن مكاني
وكان يقول: ليس الرجل من يصف لك دواء تستعمله إنما الرجل من داواك في حضرته، وكان يقول: أعلى النور ما غاص في القلوب والأسرار، ولم يظهر إلى انقضاء هذه الدار، وذلك لأنه أثبت وأقوى وأرفع، وأعلى مما يسرع ظهوره، وتأمل حبات النبات البطيء ظهوره تجدها أثبت، وأقوى وأرقى وأرفع مما ليس كذلك، وكان يقول: لا تبع ذرة من المحبة لله تعالى أوفى الله بقناطير من الأعمال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المرء مع من أحب " . وكان يقول: إن الرجل ليعانق الرجل، وإن بينه وبينه لأبعد مما بين المشرق، والمغرب، وكان رضي الله عنه يقول: للسر لسان، وللروح لسان وللقلب لسان، وللعقل لسان علموا ذلك من مواطن أصول لسانهم، وغيوبهم الأصلية، والعارف الكامل يخاطب كلا منها بلسانه، ولغته، ويسقيه بكأسه من شرابه، وكان رضي الله عنه يقول: ما ظهر متلصص كون إلا عند غيبة حارس المعرفة، ولولاها ما لاح متلصص كون أبداً، وإن شئت قلت: تنويعاً لمثل التوصيل ما لاح كوكب كون إلا عند غيبة شمس المعرفة ومتى طلعت شمس المعرفة من مشارق التوحيد أفلت كواكب الآثار، وغابت نجوم الأغيار، ولو علم الناس قدر الولي لتأدبوا مع كل إنسان لأنه لابس مثل لبسته، وظاهر في مثل صورته، وكان يقول: إذا أمرك آمر العلم، وزجرك زاجره، فائتمر لأمره وقف عند وجود زجره، وإن كان مقامك أعلى، ورتبتك في منازل القرب أدنى أدباً مع الله تعالى ووفاء بحق حكمته، ووقوفاً مع حدود الأوامر الإلهية، إذ من تمام أدب جليس الملك أن يتأدب، إذا زجره صاحب الباب تتميماً لدوائر الملك، وتأدباً بآدابه، وكان رضي الله عنه يقول: ما ظهر كون قط علوي ولا سفلي إلا، وهو دليل، أو مثال على حضرة ربانية، ونور معرفة خفية، وثم معارف لم يظهر لها مثال، ولا تخطر لذي بصيرة على بال، وكان يقول: سهم المعرفة متى وقف أمامه هدف إيمان قلب أصابه، ولم يخطئه، وكان يقول: نشأ هذا العالم على التدريج، فإذا توجه الإنشاء للدائرة الآخرى والنشأة الثانية عادت السماء كالأب، والأرض كالأم، وكان المتولد واحداً دفعة واحدة، وثبتت حبات نبات الآدميين عن بطن الأرض نباتاً واحداً، وكان يقول: إذا نطق لسان العارف بالمعرفة صمت، وجوده كله، وكان يقول: لو علمت النفوس قدر ما تدعي إليه لكانت تسابق داعيها إليه، وكان يقول: لا تشرب من شراب الدنيا إلا بعد أن تمزجه بشراب الآخرة، وذلك لتكون محفوظاً، وكان رضي الله عنه يقول: ما من وقت جديد إلا وفيه مدد جديد يتلقاه كبراء الوقت، ووسائطه، وهم أرباب التلقي للمدد الوقتي وسفراؤه، وقد ورد الأثر: " إن لربكم في دهركم هذا نفحات ألا فتعرضوا لنفحات رحمة الله تعالى " فأشار إلى المدد الوقتي، وكان رضي الله عنه يقول: ما وردت حقيقة على عارف قط إلا وذهب شاهده تحت سلطان أنوارها، وأما السامع منه فيمكن بقاء شاهده مع وجود تلقيها منه لأنها وردت من بشير إليه، وكان يقول: خفيت الأرواح في الأشباح لظهور الأشباح في هذه الدار، فوقع الاعتناء بالظواهر فشغل العبد بشهوده ظاهره عن مراعاة القلوب، والسرائر، والموفق لسعيد من زاحم لروحه، فأظهرها وجاهد في إصلاح حقيقته فخلصها، وحررها، وكان يقول: ليس الشأن من تغرب عليك بتستير أمر بشريته إنما الشأن من أظهر أمرها، وأوصافها ثم أبى لك آثار التحقيق عليها، وأبرز لك من مكنوناتها ذخائر الغيوب، وفي ذلك إشارة لفهم قوله تعالى: " قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي " " الكهف: 110 " وكان يقول: العارف لا يبقى مع غير الله تعالى بحال، ولا يقف مع ما بدا له من الحق، ومتى وقف معه حجب به عن ربه تعالى، وكان يقول: رب شارب دواء نافع ظن الشارب أنه ماء لكونه على صورته، فكان فيه شفاؤه من جميع الأمراض كذلك الولي ربما عثر عليه من رآه في صورة العوام، فوصله إلى حضرة ربه، وهو عنه غافل لا يدري مقامه، ثم إذا استنار قلبه عرفه. وكان يقول: إنما ثبت البشر لسلطان نور التجلي، وتدكدك الجبل لأن طينة البشر عجنت من أصل أصيل بخلاف الجبل وكان يقول: الألسنة ثلاثة لسان نقل عن لسان، ولسان نقل عن قلب، ولسان نقل عن غيب، فالناقل عن لسان حاك، والناقل عن قلب عالم، والناقل عن غيب عارف، فلسان اللسان هواء عن هواء، ولسان القلب داع إلى هدى، ولسان الغيب يشير إلى عالم المحق، والفناء، وانطوى الفرع الأدنى في الأصل الأعلى.
وكان يقول: مهر العلوم حسن الفهوم، ومهر الحقائق الفناء تحت قهر سلطانها وكان يقول: نفس العارف المجعولة لسياسة معيشة الحياة الدنيا تلميذ تحت نور معرفته، ومريد تحت يد أستاذ روحه، وحقيقته تأخذ عنه مع جملة الآخذين، وتستفيد منه مع جملة المستفيدين، وتربى عنه كما يربي غيره من المريدين، وتؤمن بخصوصيته كما يؤمن به من شاء الله من المؤمنين، وهو معزول عن معرفة حقائق علومه الربانية، ومقاماته العلوية لأن ذلك كله من الأسرار المغيبة التي لا يطلع علماء الظواهر منها إلا على ظواهر آثارها، وكان يقول: إن لم يسمعك الغيب بالتجليات، والأنوار فاسمعه أنت بالطاعة، والأذكار وكان يقول: من تجددت له يقظات في وقت فذلك دليل على أن له غفلات وأهل التخصيص لا يقظة لهم لأنه لا غفلة لهم وكان رضي الله عنه يقول: إذا كنت مفتقراً في إنشاء نطفتك الإنسانية إلى خلقه، وتصويره فكيف لا تكون مفتقراً في هداية حقيقتك الأصلية إلى لطفه، وتنويره وكان يقول: قال الله عز وجل: " يا عبدي إذا لقيتني، وأنت لي عارف كتبت لك بعدد الأكوان حسنات " وكان يقول: رب عبد كان يستصغر نفسه أن يكون موجوداً، فلما كسى خلعة الفضل صار يستحي من الله أن يرى الوجود الكوني مع الله شيئاً مشهوداً، وكان رضي الله عنه يقول: عليك باستماع الأخبار الطرية التي لم تحدث عن وجود فكر، وروية، فإنها دواء للقلوب، وكان يقول: ذاتك مرآة، وشكل ذاتك مرآة ذاتك، وكان يقول: إذا رأيت من رأى، فقد رأيت، وكان يقول: كل حقيقة بدت، فغاب تحت سلطانها شاهد شاهدها، فذلك مشهد حق، وإن لم يغب، ففي شهود ذلك مزج، وتلبيس، وكان يقول: الأرواح في عين ذاتها لا صورة لها، وإنما ذلك من حيث أشباحها، ولذلك لما عصى بنو آدم بدت السوءة لانطواء الأرواح، فإن عالم الأرواح إذا ظهر يشهد ربه، ولا عصيان مع وجود ذلك، وكان رضي الله عنه يقول: أعز الأشياء وجود الصدق في الطلب، ويليه في العزة القبول، وأعز منهما الظفر بالوصول وكان يقول: شيئان لا يكاد القلب يثبت عليهما معرفة الله، والخروج عما سوى الله تعالى، وكان يقول: ليس الشأن تجلي حبيبك مع وجدان رقيبك إنما الشأن تجلي حبيبك مع فقدان رقيبك، وكان يقول: العارف إن لم يطلبه الخلق ليصلوا بواسطته إلى الله تعالى طلبهم هو لاقتضاء حق الله تعالى، وكان يقول: الجنة مطلوبة والنار طالبة، ولهذا تعامل هذه بالطلب، وهذه بالهرب، وكان رضي الله عنه يقول: يرسل الوالد الشفوق ولده الطفل إلى الطبيب من حيث لا يشعر الطفل، ويقال له: تلطف به ولا تشقق عليه، وإكرامك علينا، ولا تكلفه معرفة دائه، ولا معرفة مداواته كذلك يقال: للعارف داو مرضى عبادنا إذا أتوك بتيسيرنا، وهم لا يشعرون ولا تكلفهم معرفة دائهم، ولا معرفة مداواتهم، فإنهم ربما شق ذلك عليهم، وعاملهم كما عاملناهم، فإنك داع إلينا، ومطالب بحقنا، فقد دعوناهم إلى حضرتنا، وجنتنا، وهم بها غير عالمين، وبكنه حقائقها على الحقيقة غير عارفين، وكان يقول: تتصارع الأسرار، والأنوار، ويدير كل واحد منهما كأسه على الآخر، فيسكران من كأسهما، فيغيبان عن وجودهما، فلا أسرار، ولا أنوار، وكان يقول: نعمة، وأي نعمة خطابهم لك ولو كلمة، وكان يقول: إنما زهد العارفين في الدارين لرؤية ما هو أشرف، وأعلى، وأجل، وكان يقول: العابد يعادي فعل نفسه، والعارف يعادي ذات نفسه، وكان يقول: " لازم على قول لا إله إلا الله " حتى تغيب عن لا إله إلا الله بلا إله إلا الله، وكان يقول: إنما صد عن العارف المحقق، وجود شركهم لأن العارف يدفع بهم في حضرات الجمع، والتفريد، فتفر نفوسهم من حر نار الأنوار إلى ظل ظلال الأغيار، وكان رضي الله عنه يقول: من أحب الله تعالى أحب كل ما كان سبباً منه كما قال: مجنون بني عامر:
أحب لحبها السودان حتى ... حببت لحبها سود الكلاب
وكان رضي الله عنه يقول: للعارف إذا اشتكى آثار بشريته إنما نريد أن نعمر بك دوائر الحس كما عمرنا بك دوائر القدس، وكان يقول: خرج ابن آدم إلى الدنيا بجناح لحمي، وفوقه سماء، وتحته نار، فإن ربى جناحه، وريشه طار، وإن أهمله وتركه سقط في النار، وقد جاء في الحديث: " إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة " .
وكان يقول: من قهر القهار أن يشهدك ما يشهدك، ولا تستطيع أن تسلكه، ولا تعمل على مقتضاه إلا إذا شاء، وأراد، وكان رضي الله عنه يقول: كل شيء أردته، وأنت محجوب، فليس هو عين الأمر المطلوب وكان يقول: كلما ازداد عبد بالحضور ازداد الوقت به نوراً وكان يقول: لا تأكل النار إلا محل الشرك إن كان كلا، فكلا، وإن كان جزءاً، فجزءاً، وإنما نالت النار من بعض المؤمنين لأنهم كانوا بعصيانهم على خفاء من الشرك مشتملين، وكان رضي الله عنه يقول: حقيقة السر لا تظهر لأحد في الدارين، وكان يقول: لا يباح إظهار الأسرار عند الاضطرار إلا بفتاوى علمائها، وكان يقول: لا يظهر لب حقيقة الإنسان إلا بإزعاج ظاهر طينته، كما لا يظهر باطن لب إلا بعد إزعاج ظاهر قشرته، وكان يقول: لا يلزم من ذكر أوصاف آداب المعاملات وجود الاتصاف بها لكنها من المتصف بها أنفع لسامعها، فإن غير المتصف بها قصده مدخول ونشر علمه في ذلك معلول.
وكان يقول: يقول الحق تعالى لبني آدم ملأتم الأرض طولا، وعرضاً ولم يأتنا منكم إلا القليل، وكان يقول: ما سكت عارف قط، ولو نفساً لا عقوبة لأهل زمانه، وما تكلم قط كلمة إلا انتفع بها كل من سمعها وكان رضي الله عنه يقول: من غفلة العبد، وعمى قلبه نسبته الأشياء لغير ربه، وكان يقول: لن تستطيع أن تسلم من الشيطان الملصق بذات وجودك الملتقم بإذن قلبك الجاري منك مجرى الدم إلا برجوعك إلى من هو أقرب إليك منه وهو الله تعالى، وكان يقول: سيئات الظواهر في طريق المعاملات في معرض العفو لكونها مخالفة للأوامر السمعية الواردة على الخلق من وراء الحجاب، بخلاف أنوار القلوب، والأسرار إذا حصل فيها خلل، فلا مغفرة لسيئاتها، ولا عوض من فواتها، قيل لبعضهم حين كان عنده خلل:
كل ذنب لك مغفو ... ر سوى الإعراض عن
قد غفرنا لك ما فا ... ت بقي ما فات من
وكان يقول: ما تعقب ندامة قط وقتاً فارغاً، أو مظلماً إلا ملأته، أو نورته، وكان رضي الله عنه يقول: أولا تسمع ثانياً تفهم ثالثاً تعلم رابعاً تشهد خامساً تعرف، وكان يقول: ابن آدم ذو عوالم ثلاث عالم إنساني وعالم شيطاني، وعالم روحاني، فله من حيث المعنى الطيني الجهل، والنسيان، ومن حيث الريح الشيطاني التكذيب، والكفران، والجحود، والطغيان، ومن حيث الوصف الروحاني التصديق، والإذعان ثم اليقين والعرفان، ثم الشهود، والعيان، وكان يقول: القلوب ثلاثة قلب أرضي، فالشيطان يأوي إليه، وربما استحوذ بالإغواء عليه، وقلب سماوي، فهو يلقى إليه، ويسترق السمع من نواحيه، فهو ينال من سماع أخباره، وربما رجم بشهاب من أنواره، وقلب عرشي، فهو أبداً لا يدانيه، ولا يصل أبداً إليه.
وكان يقول: أول مراتب السماع للقرآن غيبة السامع عن شهود الأكوان، وكان يقول: إذا أراد الله بعبد خيراً أوصل إلى قلبه العلوم الحقيقية المتلقاة من حضرة الربوبية بطريق ليس فيه إشكال على الظواهر الشرعيات، ولا تعدي القواعد العقليات، وكان يقول: الكون الشهادي كله منطو في ظاهرية آدم، وظاهريته منطوية في معنى روحه غيب في طي النفخ فيه، والنفخ منطو في الإفاضة، وذلك منقطع الإشارة، وكان يقول: لما شهد الكون انفاني بعين الغفلة موجوداً مع الله تعالى قضى الله عز وجل بفنائه غيرة لأحديته وكان يقول: لو نطق العارف بلسان حقيقته لم يسع الكون الشهادي كلمة من كلماته، وكان يقول: كان الحق تعالى يقول: يا من طلب مني خذ، ويا من طلبني قف، وكان يقول: من مزج لك كأساً من التذكرة بذرة من بشريته فقد آذاك وكان يقول: لو خير العارف بين مائة ألف خصوصية لو كشف حجاب لا اختار أن يكشف له ذرة من حجاب.
وكان يقول: الحال ما جذبك إلى حضرته، والعلم ما ردك إلى خدمته، وكان يقول: لولا ضيق المجاري كنت ترى الرز جاري، وكان يقول: ما منعك من شم نسيم القرب إلا زكامك، ولا حجبك عن شهود النور إلا ظلامك، وكان يقول: من تزايد له حب في محبوبه بسبب جديد فهو في دعوى نهاية المحبة بعيد، وكان يقول: الحالة التي لا اعتراض عليها من ظاهر، ولا باطن جمع لا شطح فيه، وفرق لا شرك فيه، وكان يقول: من أبدى من أسرار الله تعالى ما لا يليق إبداؤه وأفشى من العلم المكنون ما لا يناسب إفشاؤه عوقب بسوء الظنون فيه، أو بما هو فوق ذلك من العقوبات، وكان يقول: لو زال منك أنا للاح لك من أنا، وكان يقول: لا ينال الشيطان من آدمي نيلا إلا إن نزل إلى أرض شهوته، وكان يقول: إنما نفر العباد من الخلق لجهلهم بأسرار الله فيهم، ولو عرفوا أسرار الله فيهم لأنسوا بهم كما أنس بهم العارفون.
وكان يقول: كلما دق الكشف الغيبي، وخفي كان أعلى، وكان يقول: كل دليل تستدل به على معرفة الله تعالى، فأنت أظهر منه، وكان يقول: ما عمل العارفون في هذه الدار على حال ولا مقام وإنما عملوا على تحقيق انحيازهم إلى الله تعالى وأن الكل في طي ذلك، وكان يقول: كل ما كان من الموجودات بعيداً عن شهود الاختيار في أفعاله طال بقاؤه كالسماء، والأرض، والجبال، والبحار، وكل ما كان قريباً من شهود اختياره قصر بقاؤه كالآدمي، والحيوان تذكرة لأولي الألباب، وكان يقول: سوابق العناية قبل نواطق الهداية، وكان يقول: أنت في الدنيا غير قار فيها، والآخرة لم تصل بعد إليها، فلم يبق إلا رجوعك إلى القريب المجيب، وكان يقول: ما أكرم الله عز وجل عبداً بمثل نور أهبطه على قلبه، وكان يقول: إذا تكلم العارف بكلمة غاب فيها وجود المستمع، وذلك لأن الكلام ذكر، والسماع أنثى، والرجال قوامون على النساء، وكان رضي الله عنه يقول: لو تنفس عارف في بلدة ثبت إيمان كل عبد فيها، وكان يقول: أمام كل وصول غيبي عارض شهواني وكان يقول: كل عارف لا يميت وجوده أمام مريده لا يصل مريده إلى الله تعالى، وكان يقول: لا يصل إلى حضرات الأنوار إلا الخالص من الأسرار، وكان يقول: ما نظر مريد لعارف بعين توقير، ووداد إلا كان سالكاً سبيل حق، ورشاد، وكان رضي الله عنه يقول: لا يباح التوحيد بالفهم إلا في محل التكليف خاصة وكان يقول: من تواجد بالفهم في موطن لم يصل إليه زل به قدمه عما كان فيه إلى أسفل منه وإنما يباح ذلك لمأذون له أو لمن هو تحت إشارة عارف، وكان يقول: الواردات الربانية لا تصل إلى الفهوم، وما وصل إلى الفهوم إنما هو من رشاش مائها، ومن شعاع ضيائها، وكان يقول: لا يلوح لك نور حقائق الإيمان حتى تخرج عن عامة الأكوان.
وكان يقول: من علامة العلم الحقيقي، إذا ورد على القلب أن تذهب الأمثال، والصور، وإن كانت الأمثال الظنية سبباً لأخذ الحقائق الأصلية، وكان يقول: إنما خلق فيك ما خلق لتعرف به الأكوان لا المكنون، فإنه لا يعرف الكون إلا به تعالى، وكان يقول: مواد الحكمة منطوية في القوة الإنسانية، وإنما يفضل الحكيم على غيره باستخراجها من قوته إلى فعله وكان يقول: الآدمي لا تقع عليه الإشارة لأنه نسبة تاهت في أنوار الفناء، وكان يقول: إن كان لك في الوصول نية فلا تبقى منك بقية وكان يقول: ابن آدم ذو وجودات مطوية، فتبصروا في خلالها فعسى يلوح لكم شيء من جمالها وكان يقول: لا يظهر جواهر الإيمان إلا وجود الامتحان وكان يقول: نيل الشهوات في الحياة الدنيا عذاب معجل مستور، وكان يقول: الحقائق كلما بدت بوصفها خفاء في ظهور وظهور في خفاء ومددها من الواو في قوله: " هو الأول والآخر والظاهر " " الحديد: 3 " وكان يقول: ما ورد وارد عال، وله نهية قط " وكان يقول: المحققون قسمان مأذون له في الدلالة، والإفصاح، وغير مأذون له في ذلك، وكان يقول: أمتعة الدنيا فيها لطف وبركة لأنها بساط لعطاء لا ينقطع، وفضل لا ينحصر وإطلاق في عوالم البقاء، والفسيح الأعلى، وكان يقول: إذا مرت بك سحابة حقيقية غيبية فقف تحتها فهي إما أن تظلك، وإما أن تبلك، وكان يقول: من علامة عدم حرية الرجل نقله قدمه حيث قاده هواه وكان يقول: اثبت على حسن قصدك لتحقق حصول مقصودك، وكان يقول: من دليل استقامة المؤمن شوقه لما ليس فيه هوى نفسه، وخوفه، ورجاؤه مما لا يلائم نفسه، وكان يقول: من عصر لك من ما ظاهر بشريته، فإياك أن تشرب منه، فإنه يجرك إلى اتباع الهوى، وركوب الضلال، ومن عصر لك من باطن خصوصيته، فاشرب هنيئاً مريئاً، فإنه الشراب النافع.
وكان يقول: كل كلام كنت مختاراً في قبوله ودفعه فنفعه عندك قليل، وكل كلام قهرك على قبوله، فذاك الذي يدفع بك إلى الأمر الحسن الجميل وكان يقول: المريد سيره بباطنه، وظاهره تبع، والعابد سيره بظاهره، وباطنه تبع، فالعابد يراقب، أوراده والمريد يراقب، وارداته، وكان يقول: ما تعلم العلماء ليعصموا، وإنما تعلموا ليرحموا، وما تعلموا ليتحصنوا بعلمهم من الأقدار، وإنما تعلموا ليفروا إلى الله تعالى باللجأ، والافتقار، وكان يقول: أحوال أهل المعرفة غريبة جداً، فإنهم إن كانوا مع بشريتهم، فحيتان في ماء، وإن كانوا مع خصوصياتهم، فطيور في هواء فهم إذا كانوا بوصف نفوسهم غرقى في بحار الدنيا، وإذا كانوا بوصف أرواحهم جوالون في أفق العوالم الأعلى، وأقل مكثاً في الدنيا من العوالم كلها ما كان أكثر شبهاً بالعالم الأعلى، وأقوى في الأصالة، وكان يقول: كل ما كان فوق إدراك العقل لا يمشي فيه إلا بأحد أمرين إما بالنور، أو بالاعتقاد، وكان يقول: كلما قلت: الحيلة من المخلوقات كثر من الخالق التوفيق، والإعانات، وكان يقول: أصل حجاب بني آدم وقوفهم مع الظلال مع غيبتهم عن شهود حقائقها كما أنهم إنما حجبوا بالعلم لوقوفهم خلف حجابه دون حقائقه.
وكان رضي الله عنه يقول: للشاكر في حال شكره لسان ينطق عن ربه إن الله تعالى يقول: على لسان عبده سمع الله لمن حمده، وكان يقول: العارف في الدنيا لغيره لا لنفسه وغيره لنفسه لا لغيره، وكان يقول: كلما وجه العبد قلبه إلى الله تعالى انجمع، وكلما وجه قلبه إلى الخلق تفرق وكان يقول: كل سبب فرقك فقد أفناك وأماتك، وكل سبب جمعك، فقد أحياك وأثبتك، وكان يقول: المحبة جسد لأرواح الحقائق، وباب لحضراتها، وكان رضي الله عنه يقول: إنما فر العباد من الناس لأنهم، وجدوا منهم نتن جيفة الدنيا لظواهر بشرياتهم، وإنما أقبل العارفون عليهم لأنهم، وجدوا منهم طيب ريح الأرواح لباطن خصوصياتهم، وكان يقول: إن الله عز وجل ليغار على وليه أن يعرفه غيره، وكان يقول: لا يعرف الولي حتى يعرف الله تعالى لأنه عنده فلا يعرف إلا بعد معرفته، ولو عرف قبل معرفته لكان حجاباً عن الله تعالى، وكان يقول: للعلم بالله تعالى في هذه الدار طريقتان العلم الإلهامي للأولياء، والوحي للأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وكان رضي الله عنه يقول: الأعين في مناظرها عين صحيحة الذات قوية النظر، وهي عيون الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وعين صحيحة الذات ضعيفة النظر، وهي عيون الأولياء رضي الله تعالى عنهم، وعين موجودة الذات محجوبة النظر، وهي عيون المؤمنين الغافلين، وعين عمياء، وهي عيون الكافرين الجاهلين وكان يقول: منذ حصر الآدميون في قوالب البشريات، وسجنوا في سجون المظاهر الحسيات لم يأتهم نفس العالم الغيبي، ولا شيء من شعاع أنوار المحل الكوني، ولا علم حقيقي جديد إلا على أيدي. الأنبياء والمرسلين ثم بوسائط أتباعهم من الأولياء، والصديقين، والعلماء العارفين، وليس مع أحد منهم زيادة على ذلك إلا ما أوتوه في أوائل فطرتهم فليس لهم علوم جديدة طرية إلا من تلك المنابع العلية القدسية وكان يقول: من عرف العارف تعب به العارف لأنه يصير حامل أثقاله في جميع تقلباته، ومن جهل العارف استراح به العارف، وكلما قويت معرفة العارف زاد افتقاره، وإفلاسه، وذلك لأنه كلما ازداد معرفة ازداد قرباً، وعند القرب نزول النسب، إذ وجود النسب، والأسباب لا يمون إلا مع البعد، وإرخاء الحجاب وكان يقول: العارف في الدنيا كشمعة تضيء مع خفائها وكان يقول: لا نجاة يوم يخسر المبطلون إلا لنبي أو تابع لنبي أو محب، وكان يقول: الأمثال للمريدين، والحقائق للعارفين، ومثال العارف مثال رجل عند البحر، فهو يغترف منه حيث شاء، ومثال المريد مثال رجل عنده جمد ماء قليل، فهو ينتظر حله ليسيغه، وكان يقول: إذا حاولت نفسك في فهم القرآن، فذاك من عجيب حالك لأنك تريد أن تفعل، فيما هو فاعل فيك، وكان يقول: إذا بقي المؤمن يوماً واحداً في الإيمان تمسك بأكثر منا مائة ألف عروة كل عروة منها لا انفصام لها، وكان يقول: إذا قاد الشيطان الإنسان إلى الذنوب، والعصيان، ولم يصر بل رجع، وتاب، فكأنه ما انقاد له قط، وكان يقول: إذا دعوت عبداً لغير هوى نفسه، فاتقه ما أمكنك، فإنه يعاديك بنفسه، ويواليك بإيمانه، وكان يقول: إذا أصلحت عملك أقبلت الجنة عليك، وإذا أصلحت قلبك أقبل الحق سبحانه وتعالى بإحسانه إليك، وكان يقول: إذا أجنب العبد ألف جنابة كفاه غسل واحد، وأباح له الدخول في الصلوات، وكذلك العبد، إذا أجنب بالغفلة ألف جنابة، ثم ذكر الله تعالى مرة واحدة، واستغفره كان ذلك مطهراً له من تلك الجنابات، ومبيحاً له الدخول، في الحضرات، وكان يقول: إذا حصل لك الأطيبان فلا تبال الإيمان بالله، والعود بعد العود لله، وكان يقول: والله لولا أن الله تعالى يريد ستر أوليائه في هذه الدار ما سلط عليهم أحداً يؤذيهم، وكان يقول: استمع الكلمات الرادعة عن الغي، والنصائح النافعة في زمن الرخاء قبل أن تبدو الحقائق بذواتها، فإن أولها كتاب، وثانيها خطاب، وثالثها عتاب، ورابعها حجاب وخامسها عذاب. " يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها " الآية، وكان يقول: نسبتك إلى الله تعالى بالتقصير خير من نسبتك إلى غيره بالوفاء، والصدق، وكان يقول: كأن الحق تعالى يقول: من طلب مني بما يبدو منه، فقد طلب مني بوصفه، فالحرمان إليه أقرب، ومن طلب مني بوصفي فالكرم إليه أقرب، وكان يقول: إذا نهيت النفس عن الهوى، فإن الجنة هي المأوى، وإذا سعيت بقدم التقوى بما ليس للنفس فيه
هوى كانت الحضرة هي المأوى، وكان يقول: لو رفعت لك الستور لاحت لك السطور، وكان يقول: الأنبياء عليهم الصلاة، والسلام استقرت حقائهم في دوائر الغيب فهم بذواتهم هنالك، ولهم رقائق في عوالم الشهادة، وفاء بحق دوائر الظواهر، والأولياء استقرت حقائقهم في عوالم الشهادة، ولهم رقائق. جوالة في عوالم الغيب، فالأنبياء تعدوا الحجاب بحقائقهم، والأولياء تعدوا الحجاب برقائقهم، وكان رضي الله عنه يقول: إنما يستجيب لمن دعاهم إلى الله تعالى بالاختيار العبيد الأحرار وكان يقول: رأس مالك في صلاح حالك وجود إقبالك، وكان يقول: الصلاة المقبولة قطعاً هي التي اتصلت بالمتابعة الحقيقية، وكان يقول: لو أن عارفاً بالله تعالى في مشرق الشمس ينطق بحقيقة، ورجل محب له في مغربها لكان له نصيب من ذلك على حسب قسمته، وتهذيب محبته، وكان يقول: كل عمل، فهو موعود بجزائه آجلا إلا التذكرة، فإن جزاءها عاجل مع مالها آجلا قال تعالى: " وذكر الذكرى تنفع المؤمنين " " الذاريات: 55 " وكان يقول: عزت معرفة العارفين أن تكون هذه الدار لآثارها مظهراً، وكان يقول: لأن تلقى الله تعالى، وقلبك مستنير خير من أن تلقى الله تعالى وعملك كثير، وكان يقول: لسان الحس أعجمي، ولسان القلب عربي فمهما وقع لك شيء بعجمة حسك ففسره بعربية قلبكم تجد الهدى والبيان، وكان يقول: القلوب على أصل سذاجتها لم تزل، ولكنها إذا حركت بالتذكرة، فإما تستقيم فيعينها الله تعالى، وإما أن تعوج، فيزيدها الله عوجاً قال تعالى: " وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيماناً " " التوبة: 124 " الآيتين، وكان يقول: القول بالحق، وسماعه عبادة عمل به عامل، أو لم يعمل، وكان يقول: إنما اضطر العارفون إلى ملابسة الخلق، والدنيا لإنقاذ من فيها من الغرقى، وتخليص من بها من الأسرى وليتحملوا كثيراً من أكدارها عن الضعفاء، وكان يقول: لسان التوحيد في الدنيا غراب ينعق بفنائها وزوالها، وكان يقول: لما كانت هذه الأمة أقوى الأمم بحقائق التوحيد كانت لذلك أضعف الأمم أجساداً وأقلها أعماراً، وكان يقول: لا واسطة في شيء من الأسرار المبثوثة في خواص بني آدم للملأ الأعلى، وإنما الحق يوصلها إلى سرائرهم بقدرته، وما عدا الأسرار، فلا يصل قط منها شيء إلى الأسفل إلا بواسطه العالم الأعلى، وكان يقول: ما خاطبك قط كوناً، وخاطبك إلا بغير حقيقتك الأصلية إلا الحقائق، فإنك لا تتلقاها إلا بغير ذاتك الأصلية، وكان يقول: لو باشر صريح الحقائق قلب المريد الصادق لم تسعه الأكوان، وكان يقول: إذا علمت الحقيقة لم تظهر إلا على أشرف الخليقة كما أن نور النبي صلى الله عليه وسلم لما كان أعلى الأنوار لم يظهر إلا على أشرف الأبشار صلى الله عليه وسلم وكان يقول: استقرار الحقيقة في ذهن السامع أكثر من استقرارها في ذهن الناطق لأن الناطق بها يشاهدها عيناً فيقل زمن مكثها عنده، والسامع يأخذها من شهادة، فيطول زمن مكثها عنده، وكان يقول: متى لاح لك نور، فاستصحب منه شهوداً، أو محبة فقد حصل لك نصيب من ذلك، وكان يقول: الأنوار العرفانية بارزة من غير محل البشرية، فإن أردت أن تلقيها، فلا تجعل البشرية شرطاً فيها، وكان يقول: متى سمعت كلاماً عن رجل في كتاب، أو نقل، فإن لم يكن له نسبة في شهود حقيقته لم تنتفع بكلامه، وكان يقول: إذا عرض الكون الدنيوي حجب، وإذا عرض الكون الآخروي، أوقف، وكان يقول: لا يطفئ نور الحقيقة، وشمسها هبوب هواء النفوس، والدنيا لأن جواهرها مستقرة في قعر بحار القلوب، ولا يصل إليها غواص النفس، والهوى، وكان يقول: لو لم يبعد العارف الحقيقة عن ذاته قليلا ما أمكنه التعبير عنها، وكان يقول: إذا نظر العارف بين بصيرته غابت الدنيا في مراته لأن حدقة بصيرته أوسع منها، وكان يقول: العالم الدنيوي محل ظهور المعنى الإنساني، ومن بعد الموت إلى آخر المحشر محل ظهور النور الإيماني، ومن مبتدأ دخول الجنة محل ظهور السر العرفاني، وكان يقول: لله تعالى في كل حقيقة علم لا يعلمه فيها غيره، والناس، فيما دون ذلك متفاوتون، وكان رضي الله عنه يقول: القلوب الغافلة إذا سمعت الحقائق نفرت، ولا يثبت لسماع الحقائق إلا قلب أراد الحق ترقيه، وكان يقول: لا يظهر ولي في الدنيا قط بحقيقته، وإنما يظهر بعلمه لا بعينه، فإذا كان يوم القيامة أظهرهم الله بحقائقهم
وأعيانهم وكان رضي الله عنه يقول: يا بن آدم ما أنصفت يدعوك داعي الدنيا بكلمة واحدة لشيء ذاهب كدر، فان فتجيبه ألف يوم، ويدعوك داعي الآخرة لشيء باق صاف ثابت ألف يوم، فلا تجيبه يوماً واحداً فليتك إذا لم تقدر الآخرة سويت بينهما، وكان رضي الله عنه يقول: من العجب كون الإنسان ينظر لشمس الدنيا فيستضيء بنورها، وينتفع بآثارها، وفي سر، وجوده شمس أنوار، وهو غافل عن شهود حقيقتها لظلمة ذاته الطينية.انهم وكان رضي الله عنه يقول: يا بن آدم ما أنصفت يدعوك داعي الدنيا بكلمة واحدة لشيء ذاهب كدر، فان فتجيبه ألف يوم، ويدعوك داعي الآخرة لشيء باق صاف ثابت ألف يوم، فلا تجيبه يوماً واحداً فليتك إذا لم تقدر الآخرة سويت بينهما، وكان رضي الله عنه يقول: من العجب كون الإنسان ينظر لشمس الدنيا فيستضيء بنورها، وينتفع بآثارها، وفي سر، وجوده شمس أنوار، وهو غافل عن شهود حقيقتها لظلمة ذاته الطينية.
وكان رضي الله عنه يقول: ديننا هذا قسمان ظاهر علم، وباطن حقيقة، فظاهره مضبوط بالأصول، والنقول، وباطنه مضبوط بأنوار القلوب، فمن أتاك بشيء منه، فاستشهد عليه بما هو منه فالظاهر بشواهده، والباطن بشواهده، فمن قبل شيئاً من ظاهر بغير نقل ثقة زل، ومن قبل شيئاً من باطن بغير شهود قلب ضل، وكان يقول: من أحسن الأنوار نور يرد على قلب المريد ولا يلوث بظلمة الدعوى، وكان يقول: والله ليس قصد الدعاة إلى الله تعالى علوماً، ولا أحوالاً، ولا مقامات، ولا خصائص ولا غير ذلك، وإنما قصدهم جمع كلمة الدين باطناً كما هي مجموعة ظاهراً، وكان يقول: لولا أن الله تعالى قيد الأرواح بقيدين ثقيلين لطارت إلى الله تعالى طيراناً.
قلت: ولعل المراد بالقيدين الأمر والنهي، وكان يقول: قلب العارفين يكتب، وقلب المريدين يكتب فيه، وقلب الغافلين لا يكتب، ولا يكتب فيه، وكان يقول: إذا بدت لك الحقائق كان علماً، وإذا بدت فيك كان كشفاً، وكان يقول: العالم الرباني في الوجود كالقلب والوجود له كالجوف، وما جعل الله تعالى لرجل من قلبين في جوفه، ولو أن المدد الحقيقي ورد في هذا العالم من عارفين على السواء لسري في قلوب الآخذين وجود الشرك الخفي، فافهم. قلت: مراده أن المرتبة في كل عصر لواحد في نفس الأمر، والزائد أعوان له، والله تعالى أعلم، وكان يقول: ما ثبت على عبد خصوصية نفسين إلا طغى بها.
فإن أراد الله تعالى به خيراً طهره من شهود أوصافه، وكان يقول: المؤمن الذي يجاهد نفسه يختم الله له بالإسلام أكثر من مائة ألف مرة لتكرار موته في ذات الله تعالى بسيوف المجاهدة، وكان يقول: سيرك قدماً واحداً على أثر قدم عارف أحسن من مائة ألف فرسخ تسيرها بهواك، وكان يقول: كلمة الحكمة عروس كريمة، فإن لم تجد كفؤاً رجعت إلى بيت أبيها وكان يقول: أعلى مقامات المغفرة في الدنيا وجود الفتح الحقيقي، وهو توقيع الولاية، وكان يقول: العابد يسلم في عمره مرة واحدة، والمريد يسلم في عمره كذا كذا مرة، وكان يقول: أتباع كل طائفة يأخذون بالإيمان، وأتباع هذه الطائفة يأخذون بالعيان، وكان يقول: العارف لا قلب له يعيش به لأنه بربه لا بقلبه وكان بعض العارفين يقول: عاش من لا قلب له، وأنشدوا في معناه:
يقولون لو راعيت قلبك لا رعوى ... فقلت: وهل للعارفين قلوب
وكان يقول: مكث الوارد يدل على علوه، وكان يقول: لو كشف للعبد المؤمن، أو العارف على ما في طي قلبه لأشرقت منه الأكوان، وكان يقول: لا بد أن يجلس العارفون في الجنة، ويحدثون الناس حديثاً فوق هذا من حديث الجنة، وعملها، وآدابها، وكان يقول: أكثر الناس عطاء، وكرماً من جعل الله على يديه أرزاق عباده، وكان يقول: لولا روح الحقائق ماتت الخلائق، وكان يقول: لو علمت قدرك قبل أبيك آدم لندمت إلى الممات، وكان يقول: لا تقنع قط بسمعت، ورويت بل شهدت، ورأيت، وكان يقول: يتكلم العارف مائة ألف سنة، ثم إنه لا يقدم على الله تعالى إلا بوصف السكوت قال الله تعالى: " يوم يجمع الله الرسل فيقول مذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب " " المائده: 159 " وكان يقول: لا بد للعارف من التنزل من على همته إلى درجة مريده ليربيه، وكان يقول: الرجل الكامل يربى بالدائرتين بالأبوة والأمومة، وكان يقول: لو لم يصبح واحد الزمان يتوجه في أمر الخلائق من البشر لفجأهم أمر الله عز وجل، فأهلكهم، وكان يقول: لأن تبيت وأنت في فضل الله طامع خير لك من أن تبيت، وأنت ساجد راجع، وكان يقول: من حضر في الحضرات، فلا اسم له، ولا صفة، وكان يقول: إن الله تعالى يكسو خواص أهل الجنة خلعاً لا لون لها، وكان يقول: لو تجلت شجرة في الجنة بحقيقتها ما استطاع أهل الجنة أن ينظروا إليها، وكان يقول: اليوم أنت تقول: للكون أخبرني عن مكوني، وفي الآخرة يقول: هو لك اخبرني عن مكوني، وكان يقول: من خرج عن محبة الدنيا سمي عابداً زاهداً، ومن خرج عن نفسه وعوالمها سمي عارفاً، وكان يقول: من عرف ما دون الله قبل معرفته لله حجب، ومن عرف الله قبل معرفته لخلقه لم يحجب، وكان يقول: لا تنظر في أفعال الواعظين تحجب عن فوائد أقوالهم، ولا تنظر لذات العارفين تحجب عن فهم إشاراتهم، وكان يقول: كيف تعرف خالقك بشيء هو خلقه فيك، إذ كل مدرك له سلطان على ما أدركه: " وهو القاهر فوق عباده " " الأنعام: 18 " وكان يقول: كل من ظن أن الحروف تثبت في خزانة حفظه فهو محجوب، وكان يقول: الجنة حقيقة هي إشراق عوالم الوصول، وكان يقول: الناس حول صاحب الكلام الرباني كالعجم حول الفصيح، فلا يشترط معرفتهم لذلك، وكان يقول: خدمة أستاذك مقدمة على خدمة أبيك لأن أباك كدرك، وأستاذك صفاك، أباك سفلك، وأستاذك علاك، وأباك مزجك بالماء، والطين وأستاذك رقك إلى أعلى عليين.
وكان يقول: من دخل الدنيا، ولم يصادف رجلاً كاملاً يربيه خرج منها وهو متلوث، ولو كان على عبادة الثقلين، وكان يقول: إنما كان العبد يدخله الوسواس في الصلاة، ولا يدخله إذا سمع كلام عارف، وهو بين يديه لأن المصلي يناجي ربه، والمستمع للعارف يناجي ربه، وكان يقول: من أعظم منن الله تعالى على العباد أن يظهر بينهم عارفاً، وإن لم يعرفوه، ولم يروه وكان يقول: إذا عرفت الله، فلا تظن شراً، فما هناك بعد معرفته شر.
وكان يقول: إنا لله تعالى ليستر عن العارفين كثيراً من مقاماتهم وكراماتهم حتى لا تخطر الدعوى على بالهم، وكان يقول: إن الرجل العارف ليكون في سفينة، والأولياء حوله مشاة على الماء يتلقون عنه، ويأخذون منه، وهو لو نزل معهم لغرق وكان يقول: كل ما حجبك عن الله تعالى، فهو ذنب، وكان يقول: أعظم ما يتنعم به أهل الجنة العلم الذي يعطيه الله تعالى لهم هناك، وكان يقول: إذا دخلت حضرة لا أين، فأين الأين أنظر، وكان يقول: الكامل من يستر باطنه بظاهره، وكان يقول: إذا نفخ في الصور قال: المريد الصادق سمعت هذا منذ زمان، وكان يقول: معاصي أهل السعادة كالأوهام، ومعاصي أهل الشقاوة تحقيق، وكان يقول: سماعك من العارف كلمة أدب في لحظة أفضل من أدب أبيك لك، ومعلمك في الأمر الظاهر عشرين سنة لأن العارف يؤدب روحك وغيره يؤدب نفسك، وكان يقول: إذا حضر أحد من الأغيار مجلس العارف قيل له: أنفق الآن من خزانة فكرك واستر ما في خزانة قلبك حتى يحضر أخصاء مجلسك، وتحضر قلوبهم معهم، وكان يقول: من سقاك من جسدك فقد ظلمك، ومن سقاك من نفسك،. فقد ظلمك، ومن سقاك من عقلك، ومن سقاك من شراب قلبك، فقد أحياك، وكان يقول: العلوم ثلاثة علم سلوكي، فيجب إبداؤه، وعلم كشفي، فقد لا يباح إبداؤه وعلم سري، فلا يباح إظهاره قط، وكان يقول: الاطلاع على كنه صفة أفعال الحق، وأسرار تدبيره في مكنوناته وربط الأسباب بعضها ببعض، والإشراف على وجه الحكم المبثوثة فيها مع تحقيق العلم بها، وبأوصافها ونسبها متعذر على جنس البشر إلا من أيد بنور من الله تعالى، فلم تزل النفوس البشرية مستشرفة لعلم ذلك، فإذا لاح لها بحسب ما ركب في طباعها أمور ظنية، أو خيالية، أو وهمية، أو تجريبية، أو تقليدية سارعت إلى ادعاء علم ذلك، وهو غلط، وكان يقول: ما من عبد يتوجه إلى الله تعالى بعمل إلا وينادي عليه أين قلب هذا العبد أثبتوا ديوان عمله أين كان قلبه، وكان يقول: لا عذاب على أهل النار أعظم من عذاب حرمان الجنة، وكان يقول: أول ما يجيب العارف، إذا دعى إلى الله تعالى من الإنسان روحه فإذا سلمت من العوارض تبعت، وإلا رجعت، وكان يقول: شكل الآدمي ما عدا أهل العصمة صنمي فمن أقبل عليه عبده، ومن أعرض عنه وجد الله تعالى، وكان يقول: إذا كان انطوى في ظل موسى عليه السلام سبعون رجلاً فسمعوا الكلام الرباني، فكيف لا ينطوي في ظل المحمدية سبعمائة ألف، وكثر مع أن بعض أولئك حرفوا، وكل هؤلاء عرفوا.
وكان يقول: ما أعز طريق القوم، وما أعز من يطلبها وما أعز من يجدها، وما أعز من ثبت عليها بعد، وجودها، وكان يقول: إذا حضر المريد الصادق مجلس العارف سمع كلامه من جهاته الست، وكان رضي الله عنه يقول: لا يزال الوجود يمحو ما هو لوح قلبك والنور يكتب فيه.
وكان يقول: مراد العارف أن يخرج المريد من الضيق إلى السعة في عالم الغيب، وإن لم يشعر المريد بذلك، وكان يقول: العارفون يتكلمون مع الخلق، وهم بالحق مع الحق كما حكي عن أبي القاسم الجنيد رضي الله عنه أنه قال: لي ثلاثون سنة أتكلم مع الله تعالى، والناس يظنون أني أتكلم معهم، وكان يقول: إن لله عباداً لا يستطيع مريد أن يدخل تحت حكمهم لما هم عليه من الأعمال، ولو أنهم حطوا عليه عبئاً من أعبائهم لذاب كما يذوب الرصاص، وكان يقول: لا يوزن عمل عبد إلا إذا تعرى من أنوار التجليات، فإن لبس أنوار التجليات لم يسع عمله الميزان، وكان يقول: من الرجال من يتمثل له المقام ومنهم من يشاهد المقام، ومنهم من يذوق المقام، وكان يقول: من أنفق عليك من خزانة نفسه فلا تقبل منه شيئاً، ومن أنفق عليك من خزانة عقله، فاقبل، أو اترك على حسب ما تلقح بنور الحكمة، ومن أنفق عليك من خزانة قلبه، فاقبل واستكثر، ولا ترد من ذلك شيئاً، ومن أنفق عليك من خزانة غيبه، فذاك الكنز الأكبر الذي يتنافس فيه.
وكان رضي الله عنه يقول: داعي الدنيا يدعوك من حيث تشتهي، وتميل، وداعي الآخرة يدعوك من حيث تنفر، وتكره، وداعي الحقيقة يدعوك من حيث تغنى، ويذهب شاهدك، فلهذا تستجيب النفس سريعاً للأول، وتستصعب لاستجابة الثاني وتمتنع من الاستجابة للثالث إلا إن حفت العناية، وكان يقول: لو أنطق الله لك صامت، وجودك، أو صامت الأكوان لقالوا لك مثل ما يقول: العارف، وكان يقول: والله ليس قصدي أن أذهب إلى الله بصحف أكتبها وإنما قصدي أن أذهب إليه بقلوب أجذبها وأميلها إلى ما عنده وأحببه إليها، وكان يقول: أعظم من الحجاب الحجاب عن الحجاب وكان يقول: لو صاح العارف ما وسع الكون صوته، وكان يقول: إن الله قضى أن لا يصل إلى العلم الحقيقي إلا من أخذ قلبه عن شهود الأكوان، وكان يقول: لو ذكر كون بكونه بالحقيقة لأحرقته أنوار التوحيد، ولتلاشى، وجوده حتى لا وجود له.
وكان يقول: من تكلم على الغيب من حيث هو هو لم يصح لأحد أن يأخذ عنه إلا القوي من الرجال، ومن تكلم على القلوب من حيث هي هي صح عنه أخذ المريدين وتدرب السالكين، وكان يقول: كأن الحق تعالى يقول: لعباده العارفين بلغوا عني حجتي وأوضحوا لعبادي محجتي، وأنا أكتب لكم ما لا تبلغونه بأعمالكم، ولا بمحاسن أحوالكم، وكان يقول: وجودك هذا البشري قذى في عين بصيرتك، فلو زال عن عين بشريتك قذاها رأت ماءها، ومرعاها وأبصرت رشدها، وهداها وكان يقول: أهل كل زمان يحتجون بأصوات مختلفة، والمحق الصادق، والواصل منهم قليل، وكان يقول: حقيقة الطريق أن تكون مفلساً، وأن تكون طالباً للأعلى أبداً، ومتى ظننت أنك وصلت، فما وصلت، ومتى ظننت أنك ظفرت، فما ظفرت، ومتى ظننت أنك حصلت لك حال، فلا حال لك، وكان يقول: العارف يتلون في اليوم، والليلة مائة مرة، والعابد يقيم على حالة واحدة كذا، وكذا سنة، وذلك لأن العارف مائل إلى دائرة التصريف، والعابد مائل إلى دائرة التكليف، وكان يقول: علامة الفتح أن ترى الناس كلهم نياماً، وكان يقول: لما صاح العارفون في الدنيا صاحت لهم الحقائق في الملأ الأعلى ولو أنهم سكنوا لم تسكت حقائقهم، وكان يقول: كل كون في الجنة، فهو غيب من غيوب الله عز وجل.
وكان يقول: أول هذا الأمر سماع، وتصديق، ثم فهم، وتدقيق، ثم شهود، وتحقيق، وكان رضي الله عنه يقول: في قول سيدي أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه طوبى لمن رآني، أو رأى من رآني، أو رأى من رأى من رآني: فالرائي على ثلاثة أقسام راء محجوب، وراء نافذ، وراء، وارث، فالرائي المحجوب لا عبرة به والرائي النافذ هو المقصود، والرائي الوارث يقول: مثل قوله: وكان يقول: كل كون يسبح يقول في تسبيحه: أنزه خالقي عن إدراكي له، وكان يقول: إذا نودي عليك في السماء ليعرفك أهل السماء ماذا عليك أن ينادي في الأرض أن يعرفوك، فكل من جهلك، فقد فاته حظه منك، فأضر بنفسه لا بك، وكان يقول: لو دخل الخاص طريق العام احترق إلا أن يقع التنزل بأمر من الله عز وجل، وكان يقول: من عبر عن التصوف فليس بصوفي، ومن شهد التصوف، فليس بصوفي إنما التصوف أن يغيب العبد عن التصوف، وكان يقول لأصحابه: من يبشرني بحضور قلبه أبشره بالوصول إلى أمر عظيم، وكان يقول: من الكلم كلمة تحتها ألف كلمة، وإن من الكلم كلمة تحتها مائة ألف كلمة، وإن من الكلم كلمة تحتها بحار لا يحاط بقطراتها، ولا يدرك عظيم غاياتها، وكان يقول: قلب كل مؤمن ليلة قدر جسده، وليلة قدر كل سنة قلب عامها، وكان يقول: المريدون على قسمين مريد يعرض ما يرد عليه من مربيه على عقله قبل أن يصل إلى قلبه، ومريد ألا يعرض ذلك على عقله بل يصل إلى قلبه ببادئ الرأي، وهذا أقرب إلى النفع، وفي كل خير، وكان يقول: إذا اعترضت النفوس للسالكين، أوقفتهم عن مزيد الأذكار، وتحصيل الطاعات، وإذا اعترضت للعارفين حجبتهم عن لذيذ المشاهدات، والارتقاء إلى أعلى الدرجات، فالنفس مانعة للفريقين عن السير، وكان يقول: ألجمت النفوس في مفتاح التوحيد بلجام لا حتى ترجع عن جميع دعاويها، وكان يقول: الكأس العلياء هي التي لا يشربها صاحبها وحده.
وليكن ذلك آخر ما التقطناه من كلامه رضي الله تعالى عنه.
![]() |
![]() |