موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

لواقح الأنوار القدسية في مناقب الأخيار والصوفية

وهو كتاب الطبقات الكبرى

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


ومنهم سيدي الشيخ محمد أبو المواهب الشاذلي رضي الله عنه

كان من الظرفاء الأجلاء الأخيار، والعلماء الراسخين، والأبرار أعطى رضي الله عنه ناطقة سيدي على أبي الوفاء، وعمل الموشحات الربانية، وألف الكتب الفائقة اللدنية، وكان مقيماً بالقرب من الجامع الأزهر، وكان له خلوة فوق سطحه موضع المنارة التي عملها السلطان الغوري، وكان يغلب عليه سكر الحال، فينزل يتمشى ويتمايل في الجامع الأزهر، فيتكلم الناس فيه بحسب ما في أوعيتهم حسناً، وقبحاً، وله كتاب القانون في علوم الطائفة، وهو كتاب بديع لم يؤلف مثله يشهد لصاحبه بالذوق الكامل في الطريق، وكان أولاد أبي الوفاء لا يقيمون له وزناً لأنه حاكى دواوينهم، وصار كلامه ينشد في الموالد، والاجتماعات والمساجد على رؤوس العلماء والصالحين، فيتمايلون طرباً من حلاوته، وما خلا جسد من حسد، وكان هو معهم في غاية الأدب، والرقة، والخدمة، وأمسكوه مرة، وهو داخل يزور السادات فضربوه حتى أدموا رأسه، وهو يتبسم، ويقول: أنتم أسيادي، وأنا عبدكم، ومن كلامه رضي الله عنه إذا أردت أن تهجر إخوان السوء، فاهجر قبل أن تهجرهم أخلاقك السوء فإن نفسك أقرب إليك، والأقربون أولى بالمعروف، وكان يقول: كل أبناء الدنيا يقبلون عليها، وهم راحلون عنها في كل نفس لأنهم عمي عن شهود ما إليه يصيرون، وكان رضي الله عنه يقول: تفاخر الغنى، والفقر، فقال: الغنى أنا وصف الرب الكريم فمن أنت يا غير فقال له: الفقر لولا وصفي ما تميز وصفك، ولولا تواضحي ما رفع قدرك، وأنا وصفي وسم بذل العبودية، وأنت وصفك نازع الربوبية، وكان يقول: الفقيه منا ترتضع بلبن حي الصدور دون قديد ميت السطور وكان يقول: من علامة المرائي إجابته عن نفسه إذا أضيف إليه نقص، وتنقيص الصالحين من أهل زمانه إذا ذكروا، وكان يقول: الفقراء يراءون بالأحوال والفقهاء يراءون بالأقوال وكان يقول من طلب الشهرة بين الناس فمن لازمه أر يرضيهم بما يسخط الله تعالى، وأن يصحبهم لهواه لا لله، وكان يقول: العارف ينمو حال حال حياته، ولا يشتهر إلا بعد مماته، وكان يقول: العارف كلما علا به المقام صغر في أعين العوام كالنجم يرى صغيراً، وإنما العيب من العيون، وكان يقول: لو أن الحلاج رضي الله عنه كمل حقيقة الفناء لتخلص مما وقع فيه من الغلط بقوله: أنا هو، ومن قوله أدنيتني منك حتى ظننت أنك أنا، وكان يقول: ثم من يدخل في مقام البقاء قبل الفناء بحكم الإرث للأنبياء ولكنه قليل وقوعه في القوم، ولذلك أنكروه، وكان يقول: إذا أردت أن تفتح كنزاً، فإياك أن تلهو عن صرف العوائق أو تغفل عن العزيمة قبل حضور صاحب الكنز فإذا فتحت الكنز فإياك أن تشتغل بشيء من الأمتعة عن الملك بل اجعل قصدك الملك لا غير حتى يهبك الخاتم خادم الاستخدام إن شاء، فإن لم يعطك الملك سر الخاتم، فإنما ذلك لكونه يريد اتخاذك جليساً له، وذلك أعظم من سر الخاتم فإن جليس الملك لا يحتاج قط إلى استخدام، ولا تعب، وقال: في معنى قولهم إن للربوبية سراً لو ظهر لعطل نور الشريعة المراد به الفناء، وإعطاء سر التكوين، وأن العبد يفعل ما يشاء يعني لو أعطى العبد ذلك لتعطلت أفعال الشريعة كلها، وبطل القول بالكسب، واختل النظام، وقال رضي الله عنه في معنى قول بعضهم يصل الولي إلى حد يسقط عنه التكليف المراد به سقوط كلفة الأعمال ومشقتها من باب " أرحنا بها يا بلال " وقال: في معنى قول سيدي عمر بن الفارض رضي الله عنه: وكل بلا أيوب بعض بليتي أي لأن بلاء أيوب عليه السلام في الجسد دون الروح، وبلاء العارف فيهما معاً، وقال في معنى قول بعضهم:

مقام النبوة في برزخ ... فويق الرسول، ودون الولي

يعني أن مقام النبوة يعطي للأخذ عن الله بواسطة، وحي الله، ومقام الرسالة يعطي تبليغ ما أمره الله به للعباد، ومقام الولاية الخاصة يعطي الأخذ عن الله بالله من الوجه الخاص. قال: وهذه الحقائق الثلاثة كلها موجودة فيمن كان رسولا فافهم، ولا تظن أن أحداً من أهل الله تعالى يعتقد تفضيل الولاية على النبوة والرسالة، وقال في معنى قول: الشيخ محيي الدين بن العربي رحمه الله تعالى:

توضأ بماء الغيب إن كنت ذا سر ... وإلا تيمم بالصعيد، وبالصخر

وقدم إماماً كنت أنت إمامه ... وصل صلاة الفجر في أول العصر

فهذى صلاة العارفين بربهم ... فإن كنت منه فانضح البر بالبحر

المراد بالوضوء طهارة أعضاء الصفات القلبية من النجاسات المعنوية، وماء الغيب هو خلوص التوحيد فإن لم يخلص لك بالعيان فتطهر بصعيد البرهان، وقدم إماماً كان إمامك في يوم الخطاب ثم صرت أنت إمامه بعد سدل الحجاب وصل صلاة الفجر التي هي صلاة نهار كشف الشهود بعد حجاب ظلمة الوجود في أول العصر الذي هو أول زمان انفجار، فجرك، ولا تتأخر لآخر دورك لأن الحكم للوقت، والتأخير له مقت فهذه صلاة العارفين بربهم، وهم الذين لم يخرجوا عن متابعة الأحكام الشرعية في جميع مشاهدة الربوبية، فإن كنت منهم، فانضح يعني اغسل بماء بحر الحقيقة ما تدنس من بر الشريعة. وقال: في قولهم النبي مشرع للعموم، والولي مشرع للخصوص أي النبي مبين للعوام برسالته ومبين للخواص بولايته لا أن الولي يشرع الأحكام الشرعية، فإنه ليس له ذلك، وإنما له تبيين الحقائق الكشفية بطريق الولاء، والوراثة للأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

كما أن الأولياء رضي الله عنهم تبين ما أجمل في السنة، والنبي يبين ما أجلم في القرآن، وقال: في إنكار بعض المنكرين على قول: بعض العارفين إن الخضر مقام لا إنسان لا إنكار لأن الولي المحبوب يعطي من الكرامات كما كان للخضر من المعجزات وذلك عند الوراثة، والوراثة الخضرية قبل الوراثة الموسوية، والوراثة بلا شك مقام فافهم يا غلام.

وقال: في إنكار بعضهم على من قال: حدثني قلبي عن ربي لا إنكار لأن المراد أخبرني قلبي عن ربي من طريق الإلهام الذي هو وحي الأولياء، وهو دون وحي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولا إنكار على من قال: كلمني الله تعالى كما كلم موسى، ففرق بين أخبر، وكلم يا من أنكر، وتوهم، وكان يقول: إثبات المسألة بدليلها تحقيق، وإثباتها بدليل آخر تدقيق، والتعبير عنها بفائق العبارة ترقيق، ومراعاة علم المعاني والبيان في تركيبها تنميق، والسلامة من اعتراض الشرع فيها توفيق، وكان يقول: أقسم الحي القدوس ألا يدخل حضرته أحد من أصحاب النفوس، وكان يقول: احذر أن تخرق سور الشرع يا من لم يخرج عن عادة الطبع، واحذر أن تقول: أنا مطلق من الحدود لأنني دخلت حضرة الشهود فإن الذي دعاك هو الذي نهاك.

وكان يقول: أهل الخصوصية مزهود فيهم أيام حياتهم متأسف عليهم بعد مماتهم، وهناك يعرف الناس قدرهم حين لم يجدوا عند غيرهم ما كانوا يجدونه عندهم، وكان يقول: لأصحابه عليكم بالتسليم للفقراء فيما ادعوه من المقامات، والأحوال، وكان يقول: من تحقق بمعارف الحضرة الإلهية، وانمحق وصفه بوصفها خرج من الاعتماد على عمله، وعلمه، وعن كل شيء من بقايا كونه، وكينونته التي كان بها مع معية وجوده تدقيقاً، وتحقيقاً لا بباطل، وهمه في إثبات، وجوده فافهم وكان يقول: الاعتماد على العمل أول عائق يقع لأصحاب السلوك في بدايتهم، وذلك من غلبة الوهم على وجوههم، وتراكم الخيال على مزايا عقولهم، فلا يخرجون عن ذلك إلا بنور الكشف بأنه تعالى خالق لأعمالهم، وكان رضي الله عنه يقول: قد ادعى أقوام محو آثار البشرية، فأخطئوا الطريق فإن الأكابر من الصحابة، والتابعين وصلوا إلى محو الصفات البشرية، وما تركوا قط شيئاً من الواجبات الدينية علماً منهم أنها اختيار الرب لهم، ودعوته لهم حين أذن بها أن يأتوه بها، ومن كان بأمر سيده كان بغير أمر نفسه فافهم معنى الفناء يا من وقع في العناء " وما يعقلها إلا العالمون " " العنكبوت: 43 " وكان يقول: علامة الخروج عن الشيء تعسره، وعلامة الدخول في الشيء تيسره فمن صدق في خروجه عن الدنيا تعسرت أسبابها عليه فلا يتيسر له إلا ما كان على اسم غيره، وكان يقول: لا تطلب الأكوان، فإنها ما خلقت بالأصالة إلا لك، وأنت خلقت لربك، فإن طلبت ما خلق لك، وتركت ما أنت مطلوب له انعكس بك السير، وإن أقبلت على ربك طلبتك الأكوان بنفسها، وخدمك كل شيء، فافهم وقد قال: الحق لسيدي أحمد بن الرفاعي رضي الله تعالى عنه في منامه ما تريد يا أحمد فقال: أريد ما تريده قال: تعالى لك المراد ولك مني كل يوم مائة حاجة مقضية.

وكان يقول: إذا فتح على السالك فتح التعرف لا يبالي قل: العمل أو كثر، وكان يقول: لما علم أهل الله تعالى أن كل نبات لا ينبت، ويثمر إلا بجعله تحت الأرض تعلوا الأرجل جعلوا نفوسهم للكل أرضاً ليعطيهم ما أعطى أصفياءه، وأولياءه.

وكان رضي الله تعالى عنه يقول: وقوع بعضهم في بعض المحرمات ليتستر بها عن أهل الزمان يقاس على من لم يجد ما يسبغ به اللقمة إلا الخمر قاله الغزالي قال: وإذا ساغ ذلك لأجل حياة دنيوية، فأولى ما يفوت به حياة أخروية لا يقال ارتكابهم فيه ما يوقع الناس في سوء الظنون بهم، وهو حرام لأنا نقول إن من أخلاقهم العفو والصفح، وعدم المؤاخذة بل هم رحمة بين أظهر العباد.

قلت: ولو سامح العبد فحق الله باق من حيث أنه تعدى حدود الله تعالى، فالإشكال باق والله أعلم، وكان يقول: قال: علماؤنا لا تصلح العزلة إلا لمن تفقه في دينه، وقد كان السلف يشتغلون أولا بالعلم إلى سن الأربعين ثم يعتزلون للاستعانة بالعزلة على العمل بما علموا فافهم، وكان رضي الله تعالى عنه يقول: دليلنا في القول بالخلوة ما صح أنه صلى الله عليه وسلم يختلي في غار حراء حتى، فجأة الوحي فدل على أن الخلوة حكم مرتب عليه الوحي وذريعة لمجيء الحق، وظهور نور الله تعالى، وكان يقول: من شرط الخلوة الطي، وله تأثير كبير، واختار القوم الأربعين لأن الأربعين فيها يكون نتاج النطفة علقة ثم مضغة ثم صورة، وهي مدة الدر في صدفه وعدد أيام توبة داود عليه الصلاة والسلام، وكان يقول: الفرق بين الكشف الحسي، والخيالي أنك إذا رأيت صورة شخص أو فعلا من أفعال الخلق فغمض عينيك فإن بقي لك الكشف فهو خيالي وإن غاب عنك فهو حسي، فإن الإدراك تعلق به في الموضع الذي رأيته.

وكان رضي الله عنه يقول: إذا ورد وارد الوقت فاقبله، ولا تتعشقه فإن تعشقته حجبت به عن الترقي، وكان يقول: إذا ورد عليك، وارد فاحفظه فإنك تحتاج إليه إذا ربيت، فإن أكثر الشيوخ إنما أتى عليهم في التربية لتفريطهم في حفظ ما ذكرناه وزهدهم فيه، وكان يقول: من المحال أن ينفتح باب الملكوت، والمعارف، وفي القلب شهوة كما أن من المحال أن ينفتح باب العلم بالله من حيث المشاهدة، وفي القلب لمحة للعالم بأسره الملكي، والملكوتي، وكان يقول: إذا ورد الوارد بخفة، ولطافة، وأعقب علماً فهو من الملك، وإن ورد بثقل، وتعب في الأعضاء، فهو من الشيطان، فاعلم ذلك تفرق بينهما، وكان يقول: لما خلت المرآة المحسوسة من جميع الألوان انطبعت فيها صورة الأكوان، وكذلك القلب إذا تفرغ من انطباع الطباع، والأوهام أشرق فيه نور الشعاع فأحرق هشيم الشهوات، وتراءت لهم المغيبات، وأبصر ما مضى، وما هو آت، وكان يقول: ما يبدو لك من الإشراق إنما هو نور ذكرك يشرق في مرآة قلبك ثم ينشد:

مثل لنفسك بيتاً أنت ساكنه ... من المرائي، وأثبت قطب مركزك

وقل له: يا أنا هل كنت قط أنا ... فلا يجيبك إلا أنت عنك بك

وكان يقول: التطهر من الجنابة المعنوية مقدم على الحسية فإن الجنابة الحسية ربما رخص لصاحبها في بعض الأوقات، والمعنوية لا رخصة فيها البتة، ولهذا ترى كثيراً من الموسوسين ليس عنده نشقة من نسيم الحضرة القدسية لعمى بصيرة قلبه، فافهم، وكان رضي الله عنه يقول: أهل الطبيعة هم الدهرية القائلون بأن لا صانع للعالم إلا وجود الطبيعة، وأهل العلة هم الفلاسفة القائلون بقدم العالم، وكلهم في ظلمات بعضها فوق بعض وكان يقول: كل ما دلك على الله فهو نور، وكل ما لم يدلك عليه فهو ظلمة فتأمل، وكان يقول: في معنى قول: بعضهم في كل شيء اسم من أسمائه تعالى أي أن وجود الأشياء كلها مضافة إلى أسمائه تعالى متعلقة بها غير خارجة عنها من خير، وشر، ونفع، وضر، وإعطاء، ومنع، وغير ذلك.

وكان يقول: يصل العارف إلى مقام، ويكون خطابه لغيره من باب خطاب الصفة لموصوفها، فافهم ما تحته، وكان يقول: ليس في الوجود إلا ما سبق به العلم، وأوجدته القدرة، وخصصته الإرادة، ورتبته الحكمة، فذرات الوجود ما خرجت عن حكم هذا الشهود فكيف يكون الغير حجاباً على الحمقى، والغير منفى بهذا الاعتبار، الله أكبر قد طلع النهار، وأضاءت الأنوار على رغم أنف الكفار:

إذا ما تجلى الحق من غيب ذاته ... تلاشى وجود الغير حقاً بلا شك

وطاح حجاب الكون في كل مشهد ... فنزه وجود الحق منك عن الشرك

وكان يقول: لما طلب موسى عليه السلام من الحق الرؤية زيادة على ما آتاه من الكلام لم يجبه، وقال: " فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين " " الأعراف: 144 " فدلت الآية على أنه لا ينبغي للعبد أن يطلب الزيادة على ما أعطاه الله تعالى إلا مع التفويض، وكان يقول: الفتح على المريد بالأمور قد يكون امتحاناً، وقد يكون تأنيساً، وقد يكون تثبتاً، وكان يقول؛ ينبغي للمريد أن يجتهد أن لا يخرج له نفس إلا بمحمود، ولا يدخل عليه نفس إلا بمحمود فإن تم له ذلك فهو المريد. قلت: هذا شيء لا يجيء بالتفعل إنما هي خلعة يخلعها الله تعالى على من يشاء والله أعلم، وكان يقول: إنما كان الأين في حقه تعالى محالا لأن الأين محتاج إلى أين فيتسلسل، وما يتسلسل، فلا يتحصل، ولا يلزم من إطلاق مجاز اللفظ أن يكون له حقيقة فافهم وإذا فهمت المعاني فلا مشاحة في الألفاظ، وقد قال: الإمام مالك رضي الله تعالى عنه: بالمعاني تعبدنا لا بالألفاظ، وكان يقول: كل ما سوى الله تعالى لهو ولعب، ولو أعطاك من الشهود ما أعطاك فلكل مقام مقال، ولما سمعت رابعة العدوية رضي الله تعالى عنها شخصاً يتلو قوله تعالى: " وفاكهة مما يتخيرون " " ولحم طير مما يشتهون " " الواقعة: 20 و 21 " قالت نحن إذن صغار حتى نفرح بالفاكهة والطير، فانظر رحمك الله تعالى كيف لم تفرح بغير الله تعالى وعلمت أن ما سواه من الموهبة، والعطاء كالخشخاشة التي يسكت بها الصغير وكان يقول: نظر الحق تعالى بالبصر جائز وقوعه في الدنيا عقلا لمن شاء الله تعالى صرح بذلك أبو الحسن الأشعري رضي الله تعالى عنه، ولا يلزم على ذلك محال فإياك يا أخي أن تقع في ورطة الإنكار فإنه يستحيل على السيد موسى عليه الصلاة والسلام أن يسأل ما كان مستحيلا أو أن يعطل صفة من صفات ربه أو أن يجهلها، وكان يقول: إنما حجب الخفاش عن الأبصار لضوء النهار ما غلب عليه من تراكم الأنوار فافهم، وكان يقول: في معنى قول موسى عليه السلام " رب أرني أنظر إليك " " الأعراف: 143 " بلسان الإشارة أرني أي بالغيبة عني أنظر قدس ذاتك بتنزيه صفاتك إذ لا يراك سواك وامح عني الظلام ولا تحجبني بوهم الخيال، وكان قول: شهود حضرة الحق بحسب الحاضر لا بحسب الحضرة لأن الحقائق الربانية لا تدركها الإنسانية من جميع وجوهها، فافهم تعلم أن تلون حقائق التجريد في مقامات التوحيد بحسب الرائي لا بحسب المرئي في جميع أطوار التجليات مما يقال، ومما لا يقال، وكان يقول: احذروا زخارف أهل الرضا عن النفس خصوصاً الذين اتخذوا العلم حرفة، وشبكة لصيد حرام الدنيا مع تكبرهم على الناس فإنهم قد حرموا خيري الدنيا والآخرة ولهم نعوت مصوتة، وأحوال مزريه لم تبق لهم بين الناس حرمة، ولا قبول شفاعة. اتخذوا حسن الزي شعاراً، وتكبروا بذلك استكباراً، وقد قال: الشيخ تاج الدين رحمه الله تعالى في الحكم لأن تصحب جاهلا لا يرضى عن نفسه خير لك من أن تصحب عالماً يرضى عن نفسه فافهم، ومما جربناه فصح أنه من أراد قضاء حوائجه، ودفع مصائبه، فليرفع الأمر إلى الله تعالى قبل أن يعلم بها الناس هكذا عادة الله تعالى مع من يتعلق به أول مرة، فاعمل على ذلك فإنه الكبريت الأحمر، والفرج القريب، والمعين على ذلك الصبر.

وكان يقول: بلغنا أن يونس عليه السلام اجتمعت روحه بروح قارون لما التقمه الحوت فرأى قارون نازلا، فقال: ليونس عليه السلام تعلق بربك يا يونس في أول أمرك ينجيك، فقال: له يونس، وأنت قال تعلقت بابن الخالة موسى، فوكلني إليه ولهذا كما قيل عاتب الله موسى عليه السلام، وقال، وعزتي، وجلالي لو استغاث بي لأغثته، وكان يقول: أحسن الظن بربك من حيث محبة جماله، وجلاله، فإن ذلك. وصف له لا يتحول، ولا تحسن الظن بربك لأجل إحسانه إليك فربما قطع ذلك عنك فتسيء الظن به، فليحذر السالك من علة هذا المقام وكان يقول غاية رحلة السائرين بالأشباح السير إلى الله وبداية رحلة السائرين بالأرواح في الله أي في التنزه في عجائب قدرته فافهم، فالأولون ينتهي سيرهم، والآخرون لا ينتهي لهم سير، وقد قيل مرة للشيخ أبي الفتح الواسطي رضي الله عنه ما تقول: في جماعة من أئمة الزهاد، ومن صدور هذه الأمة فلان، وفلان وفلان، فقال أولئك قوم خرجوا عن شهواتهم الدنيوية لأجل شهواتهم الأخروية، فأين الفناء في الله والبقاء به.

ولما سمع الشبلي رضي الله عنه قوله: " منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة " صاح صيحة عظيمة، وقال فأين الذين يريدون الله تعالى. وكان يقول: في قوله تعالى: " كلوا واشربوا " " البقرة: 60 " وإن كان ظاهره إنعاماً فباطنه انتقام، وابتلاء، واختبار لينظر تعالى من هو معه، ومن هو مع حظ نفسه فافهم دقائق أحكام الباطن، ولا تغتر برخص الظاهر تكن من أهل الفهم عنه، وكان رضي الله عنه يقول: إذا لم تجد أيها المريد صاحب الحال فعليك بصاحب القال: " فإن لم يصبها وابل فطل " " البقرة: 265 " وإياك، وصحبة من لا قال له ولا حال، وكان يقول: يجب على الفقير إذا آخى في الله تعالى أن يشاطر أخاه في ماله كما فعلت الأنصار مع المهاجرين حين قدموا عليهم المدينة، وهم فقراء فكل من ادعى الأخوة في الله فامتحنه بهذه الميزان، وكان يقول: أخوك حقيقة من وافقك في الذوق، ومدد الإفهام لا من شاركك في معنى صورة النطفة في الأرحام، وكان يقول: ما رقي أحد إلى مركز عال إلا قلت أشكاله المعنوية، وجلت نفائس دقائقه على غالب الإفهام، وهذا موجب قلة الأتباع، والأصحاب لكمل العارفين، وكان يقول: الأدب أن يقول: العبد فلان من أصحابي إلا إن كان دونه بدرجات، فإن كان مساويه أو فوقه فليقل أنا خادمه أو مريده هكذا درج السلف، وكان يقول: ينبغي لمن خدم كبيراً كاملا ثم فقده أن لا يخدم من دونه إلا إذا كان أكمل منه، وإلا جعل صحبته مع الله تعالى، وكان يقول: ما ثقل على الأشياخ خدمة أحد من الفقراء لهم إلا لعلة في قلب الخادم كتمها عنهم، وهذه علة لا يسلم منها إلا من أتى الله بقلب سليم، ولو أن الخادم كان أظهر لهم تلك العلة لربما وصفوا له دواءها أو شفعوا له فمحاها الله تعالى عنه من اللوح أو سألوا النبي صلى الله عليه وسلم في الشفاعة فيه فيشفع إلا إذا كان قضاء مبرماً لا مرد له، وقد رأى السيد عبد القادر الجيلي لمريده أنه لا بد له أن يزني بامرأة سبعين مرة، فقال: يا رب اجعلها في النوم، فكان كذلك.

وكان رضي الله عنه يقول: مما اخترته من أدب المصاحبة، والمجالسة أنك إذا جالست أهل الدنيا، فحاضرهم برفع الهمة عما بأيديهم مع تعظيم الآخرة، وإذا جالست أهل الآخرة، فحاضرهم بوعظ الكتاب، وآداب السنة، وتعظيم دار البقاء، وإذا جالست الملوك، فحاضرهم بسيرة أهل العدل، وسياسة العقلاء مع حفظ الأدب معهم، والعفاف عما بأيديهم، وإذا جالست العلماء، فحاضرهم بالروايات الصحيحة والأقوال المشهورة في المذاهب المعلومة بالحق دون الهوى مع الإنصاف لهم، في القول: والفهم المبتكر إذا وافق الصواب مع عدم الجدال، والمراء المظهر لحب العلوم عليهم، وإذا جالست الصوفية لحاضرهم بما يشهد لأحوالهم الحقانية، ويقيم لهم الحجة على المنكر عليهم مع آداب الباطن قبل الظاهر وإذا جالست العارفين فحاضرهم بما شئت، فإن لكل شيء عندهم وجهاً من وجوه المعرفة لكن بشرطين الكلام، وحفظ الحرمة، والأدب فإن حضرتهم صياغة، فالمعنى الذي تدخل عليهم به يخرج منهم يكسوك مشهدك فيهم، ويلبسك ما توجهت به إليهم إن خيراً، فخير، وإن شراً فشر، وكان يقول: عليك بتكثير سواد القوم فإن من كثر سواد قوم فهو منهم.

وكان يقول: سمعت شيخنا أبا عثمان المغربي رضي الله عنه يقول إذا زار إنسان قبر الولي فإن ذلك الولي يعرفه وإذا سلم عليه رد عليه السلام وإذا ذكر الله على قبره ذكر معه لا سيما إن ذكر لا إله إلا الله، فإنه يقوم، ويجلس متربعاً، ويذكر معه ثم قال الشيخ أبو المواهب رضي الله عنه، وحاشا قلوب العارفين أن تخبر بغير فهم، ومعلوم أن الأولياء إنما ينقلون من دار إلى دار، فحرمتهم أمواتاً كحرمتهم أحياء، والأدب معهم بعد موتهم كالأدب معهم حال حياتهم فلا يعرض عنه بقدميه، ولا يمشي على قبره برجليه، ولا تعاشر الأولياء إلا بالأدب في حال الحياة، وفي حال الموت قال: وإذا مات الولي صلى عليه جميع أرواح الأنبياء، والأولياء ثم قال: وعلى هذا الذي ذكره شيخنا قول صاحب الحقائق، والدقائق حاشا الصوفي أن يموت، وكان يقول: من الأولياء من ينفع مريده الصادق بعد موته أكثر ما ينفعه حال حياته، ومن العباد من تولى الله تربيته بنفسه بغير واسطة، ومنهم من تولاه بواسطة بعض أوليائه ولو ميتاً في قبره، فيربي مريده وهو في قبره، ويسمع مريده صوته من القبر ولله عباد يتولى تربيتهم النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه من غير واسطة بكثرة صلاتهم عليه صلى الله عليه وسلم.

وكان رضي الله عنه يقول: سمعت شيخنا أبا عثمان رضي الله عنه يقول: بالدرس على رءوس الأشهاد لعن الله من أنكر علي هذا الطريق، ومن كان يؤمن بالله، واليوم الآخر فليقل لعنة الله عليه، وكان يقول: من اعترض على هذا الطريق لا يفلح أبداً، وسمعت شيخنا أبا عثمان يقول: إنما جاءت " ألم نشرح " " الانشراح: 1 " عقب " وأما بنعمة ربك فحدث " " الضحى: 11 " إشارة إلى أن من حدث بالنعمة، فقد شرح الله تعالى صدره كأنه تعالى يقول: إذا حدثت بنعمتي، ونشرتها، فقد شرحت صدرك ثم قال رضي الله عنه اعقلوا على هذا الكلام، فإنه لا يسمع إلا من الربانيين، وكان رضي الله عنه كثير الرؤيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يقول: قلت: لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن الناس يكذبونني في صحة رؤيتي لك، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعزة الله، وعظمته من لم يؤمن بها أو كذبك فيها لا يموت إلا يهودياً أو نصرانياً أو مجوسياً هذا منقول من خط الشيخ أبي المواهب رضي الله تعالى عنه، وكان رضي الله تعالى عنه يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على سطح الجامع الأزهر عام خمسة وعشرين وثمانمائة فوضع يده على قلبي، وقال: يا ولدي الغيبة حرام ألم تسمع قول الله تعالى: " ولا يغتب بعضكم بعضاً " " الحجرات: 12 " وكان قد جلس عندي جماعة فاغتابوا بعض الناس ثم قال صلى الله عليه وسلم، فإن كان، ولا بد من سماعك غيبة الناس، فاقرأ سورة الإخلاص، والمعوذتين، وأهد ثوابها للمغتاب، فإن الغيبة والثواب يتوارثان، ويتوافقان إن شاء الله تعالى، وكان رضي الله عنه يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لي هات يدك أبايعك، فقلت: يا رسول الله لا قدرة لي أخاف أن يقع مني معصية بعد المبايعة، فقال: هات يدك فبايعني، ولا تضرك الفلتة، والزلة إن وقعت، وتبت منها وكأنه يشير صلى الله عليه وسلم إلى أن العبد قد يصلح الله تعالى حاله ليسد عنه بها ثلمة تقع في دينه يعجب أو كبر، ونحوهما هذا منقول من خطه رضي الله تعالى عنه، وكان رضي الله تعالى عنه يقول: جاءني جماعة يأخذون عني الطريق فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لي: الجماعة غير مؤمنين بك إلا واحداً بعض الإيمان، فهو يراك بالعين العوراء، وسيختم الله له بخاتمة الخير، والموت على الإسلام.

وكان رضي الله عنه يقول: ألبسني رسول الله صلى الله عليه وسلم خرقة التصوف، وكان رضي الله عنه يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال لي: قل: عند النوم أعوذ بالله من الشيطان الرجيم خمساً بسم الله الرحمن الرحيم خمساً ثم قل: اللهم بحق محمد أرني وجه محمد حالا، ومآلا فإذا قلتها عند النوم، فإني آتي إليك، ولا أتخلف عنك أصلا ثم قال: وما أحسنها من رقية، ومن معنى لمن آمن به هذا منقول من لفظه رضي الله عنه، وكان رضي الله عنه يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله لا تدعني، فقال: لا ندعك حتى ترد علي الكوثر، وتشرب منه لأنك تقرأ سورة الكوثر، وتصلي علي أما ثواب الصلاة، فقد وهبته لك، وأما ثواب الكوثر فأبقه لك ثم قال: ولا تدع أن تقول أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم، وأتوب إليه، وأسأله التوبة، والمغفرة إنه هو التواب الرحيم مهما رأيت عملك، أو وقع خلل في كلامك هذا منقول من لفظه رضي الله عنه. وكان رضي الله عنه يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فقال لي: أنت تشفع لمائة ألف قلت: له بم استوجبت ذلك يا رسول الله قال: بإعطائك لي ثواب الصلاة علي، وكان رضي الله عنه يقول: استعجلت مرة في صلاتي عليه صلى الله عليه وسلم، وسلم لأكمل وردي، وكان ألفاً، فقال لي: صلى الله عليه وسلم أما علمت أن العجلة من الشيطان ثم قال: قل: اللهم صل على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد بتمهل وترتيل إلا إذا ضاق الوقت، فما عليك إذا عجلت ثم قال: وهذا الذي ذكرته لك على جهة الأفضل وإلا فكيفما صليت، فهي صلاة، والأحسن أن تبتدئ بالصلاة التامة أول صلاتك، ولو مرة واحدة وكذلك في آخرها تختم بها قال لي: صلى الله عليه وسلم، والصلاة التامة هي اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم، وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم، وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد السلام عليك أيها النبي ورحمة الله، وبركاته هذا منقول من لفظه رضي الله عنه، وكان رضي الله عنه يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي: إن شيخك أبا سعيد الصفوري يصلي علي الصلاة التامة، ويكثر منها، وقل له إذا ختم الصلاة أن يحمد الله عز وجل، وكان رضي الله عنه يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إذا كان لك حاجة، وأردت قضاءها، فانذر لنفيسة الطاهرة، ولو فلساً فإن حاجتك تقضي، وكان رضي الله عنه يقول: خذوا من مال السلطان دون حواشيه، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمرني أن أطلع إلى السلطان جقمق، وأسأله من الدنيا شيئاً، فطلعت له فأعطاني مائة دينار، واعتذر إلي بأن ما عنده غيرها، وكان رضي الله عنه كثير البكاء، والحزن قريب الخشية قل من سمعه يبكي إلا، ويبكي معه، وكان يقول: رأيت امرأة بمصر تدور على الأبواب، وهي تغني في مدح المصطفى صلى الله عليه وسلم، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عنها، فقال: هي ولية كبيرة، ولكنها تتستر بذكر محبوبها ألا تراها لا تذكر في كلامها إلا جداً، وكان يقول: وقع بيني، وبين شخص من الجامع الأزهر مجادلة في قول: صاحب البردة رحمه الله تعالى:

فمبلغ العلم فيه أنه بشر ... وأنه خير خلق الله كلهم

وقال لي ليس له دليل على ذلك فقلت له: قد انعقد الإجماع على ذلك فلم يرجع، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم، ومعه أبو بكر، وعمر جالساً عند منبر الجامع الأزهر، وقال لي: مرحباً بحبيبنا ثم قال: لأصحابه أتدرون ما حدث اليوم؟ قالوا: لا يا رسول الله، فقال: إن فلاناً التعيس يعتقد أن الملائكة أفضل مني، فقالوا بأجمعهم لا يا رسول الله ما على وجه الأرض أفضل منك، فقال لهم: فما بال فلان التعيس الذي لا يعيش، وإن عاش عاش ذليلا خمولا مضيقاً عليه خامل الذكر في الدنيا، والآخرة يعتقد أن الإجماع لم يقع على تفضيلي، أما علم أن مخالفة المعتزلة لأهل السنة لا تقدح في الإجماع. قال رضي الله عنه ورأيته صلى الله عليه وسلم مرة أخرى فقلت: يا رسول الله قول الأبوصيري فمبلغ العلم فيه أنه بشر معناه منتهى العلم فيك عند من لا علم عنده بحقيقتك أنك بشر، وإلا فأنت وراء ذلك كله بالروح القدسي والقالب النبوي قال صلى الله عليه وسلم: لا صدقت، وفهمت مرادك " .

وكان رضي الله عنه يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: ما أحسن مجلسك قد غفر الله لكل من حضره بذكركم لله تعالى عقب فراغ القارئ، وكان يقول: رأيت مرة كأن حنشاً دخل بين ثيابي، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألته عن ذلك، فقال: الحنش هو صاحبك فلان قد بدا له فيك ورجع يؤذيك ولولا خوفه منك لعمل جهده في إيذائك، فكان الأمر كما قال صلى الله عليه وسلم، كان رضي الله عنه يقول: كناني سيدي يحيى بن أبي الوفاء بأبي عابد، فرأيت سيدي علياً رضي الله عنه، وقال لي: هذه الكنية لا تصلح لك إنما تصلح لأرباب الأثقال، وإنما كنيتك أبو حامد قال: ثم رأيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: كنيتك عندنا أبو حامد، وكذلك في السماء، وقد دخلت، في دائرة بني الوفاء ومقامك كبير، وأنت ولي، وكان رضي الله عنه يقول: كنت أطلب من شيخي أبي سعيد الصفروي رضي الله عنه أن أقبل قدميه، فكان يوعدني بذلك، ويقول لي: حتى يجيء الوقت، فلما مات سنة إحدى وخمسين، وثمانمائة رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي: اطلب من شيخك وعدته، فأخذت قدميه رضي الله عنه بعد وفاته، وقبلتهما، وقلت له: يا سيدي هذا إنجاز وعدك، وحرمتك ميتاً كحرمتك حياً، وكان يقول: قلت: لسيدي، وشيخي أبي سعيد الصفروي رضي الله عنه هل أترك أصحابي وأعتزل عنهم خصوصاً الذين يؤذونني، فقال: لا تتركهم، وخالطهم بحسن الظاهر، وجاملهم وابق على ما أنت عليه ثم رأيت النبي صلى الله عليه وسلم، فسألته عن قول شيخي، فقال: هو صحيح، وامش على طريق شيخك، وكان رضي الله عنه يقول: انقطعت عن رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة، فحصل لي غم بذلك، فتوجهت بقلبي إلى شيخي يشفع في عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحضر عنده رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ها أنا فنظرت فلم أره ففلت ما رأيته، فقال: عليه الصلاة والسلام سبحان الله غلبت عليه الظلمة، وكنت قد اشتغلت بقراءة جماعة في الفقه، ووقع بيني وبينهم جدال في إدحاض حجج بعض العلماء، فتركت الاشتغال بالفقه، فرأيته فقلت: يا رسول الله الفقه من شريعتك ضال: بلى ولكن يحتاج إلى أدب بين الأئمة، وكان رضي الله عنه يقول: تفل رسول الله صلى الله عليه وسلم في فمي فقلت: يا رسول الله ما فائدة هذا التفل فقال: لا تتفل بعدها على مريض إلا ويبرأ، وكان رضي الله عنه يقول: امتنعت عني الرؤيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رأيته، فقلت: يا رسول الله ما ذنبي، فقال: إنك لست بأهل لرؤيتنا لأنك تطلع الناس على أسرارنا، وقد كنت قد أخبرت شخصاً من إخواني بشيء من الرؤيا فتبت إلى الله تعالى فرأيته بعد ذلك، وكان رضي الله عنه يقول: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا لا أجتمع بمن يجلس مجالس الغيبة مع الناس، ولا يقوم منها.

وكان يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي: يا محمد ما هذه الغفلة، وما هذه الرقدة، وما هذا الإعراض مالك تركت تلاوة القرآن، وما هذه الوريدات في جانب تلاوة القرآن لا تفعل ذلك أصلاً بل اتل كل يوم، ولو حزبين لا أقل من ذلك كل يوم قال: بعض أصحاب الشيخ، فما ترك الشيخ تلاوة القرآن من ذلك اليوم وكان يردد بعض الآيات مراراً كثيرة يبكي، وتنحدر دموعه على خديه، ولحيته، ويتأوه حتى لا يقدر أحد أن يتكلم بحضرته لما يرى من وجده، وكثرة بكائه، وكان رضي الله عنه كثيراً ما يسجد بعد السلام من النافلة سجود الشكر بعد ما يدعو، وكان رضي الله عنه يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله قد وهبت لك ثواب صلاتي عليك، وثواب كذا، وكذا من أعمالي إن كان ذلك ما أردته بقولك للسائل الذي قال لك: " أفأجعل لك ثواب صلاتي كلها فقلت له إذا تكفي همك ويغفر لك ذنبك " .

فقال لي: رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم ذلك أردت، ولكن أبق لنفسك ثواب الكذا والكذا، فإني غني عنه.

وكان رضي الله عنه يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقبل فمي، وقال: أقبل هذا الفم الذي يصلي على ألفاً بالنهار، وألفاً بالليل ثم قال لي، وما أحسن " إنا أعطيناك الكوثر " " الكوثر: ا " لو كانت وردك بالليل ثم قال لي: ويكون دعاؤك اللهم فرج كرباتنا اللهم أقل عثراتنا اللهم اغفر زلاتنا، وتصلي علي وتقول، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وكان يقول: لا يأتي النصر قط إلا بعد حصول الذل قال تعالى: " ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة " وكان رضي الله عنه يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله صلاة الله تعالى عشراً على من صلى عليك مرة واحدة هل ذلك لمن كان حاضر القلب؟ قال لا بل هو لكل مصل علي غافلاً، ويعطيه الله تعالى أمثال الجبال من الملائكة تدعو له، وتستغفر له، وأما إذا كان حاضر القلب فيها، فلا يعلم ذلك إلا الله، وكان رضي الله عنه يقول: قلت: مرة في مجلس محمد بشر لا كالبشر بل هو ياقوت بين الحجر فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لي: قد غفر الله لك، ولكل من قالها معك، وكان رضي الله عنه لم يزل يقولها في كل مجلس إلى أن مات، وكان رضي الله عنه يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال لي: كن أصحابك فلاناً كذا، وفلاناً كذا وكن فلاناً أبا الظهور لأنه يتبع ظهور النساء ببصره، ولا عليك منه، كان رضي الله عنه يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت له: يا رسول الله إني متطفل في علم التصوت، فقال: صلى الله عليه وسلم اقرأ كلام القوم، فإن المتطفل على هذا العلم هو الولي، وأما العالم به فهو النجم الذي لا يدرك هذا منقول من لفظه رضي الله عنه يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي: عن نفسه لست بميت، وإنما موتي عبارة عن تستري عمن لا يفقه عن الله، وأما من يفقه عن الله فها أنا أراه، ويراني، وكان رضي الله عنه: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألته عن الحديث المشهور " اذكروا الله حتى يقولوا مجنون " وفي صحيح ابن حبان " أكثروا من ذكر الله حتى يقولوا مجنون " فقال: صلى الله عليه وسلم صدق ابن حبان في روايته، وصدق راوي اذكروا الله، فإني قلتهما معاً مرة، قلت: هذا ومرة قلت هذا، وكان رضي الله عنه يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي: لا تخف من الحساد، فإنهم إن كادوك، فإن الله عز وجل يكيديهم ألم تسمع قول الله عز وجل " إنهم يكيدون كيداً وأكيد كيداً فهل الكافرين أمهلهم رويداً " " الطارق: 15 و 16 و 17 " ورأى بعض العارفين رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً في مكان، فدخل عليه الشيخ أبو المواهب.

فقام له صلى الله عليه وسلم فقص ذلك على سيدي أبي المواهب، فقال له: يا فلان اكتم ما معك فإن النبي صلى الله عليه وسلم هو روح الوجود، وما قام لأحد إلا قام له الوجود، وكان رضي الله عنه يقول: من أراد أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم، فليكثر من ذكره ليلاً، ونهاراً مع محبته في الساعة الأولياء وإلا فباب الرؤيا عنه مسدود لأنهم سادات الناس، وربنا يغضب لغضبهم، وكذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رضي الله عنه يقول: إن أولياء الله يطلعون على أمور لم يطلع عليها العلماء، فلا يسع الخائف على دينه إلا الأدب والتسليم، وكان رضي الله عنه يقول: عليك بصحبة الفقراء لو لم يكن إلا أخذهم بيدك يوم القيامة مع ما يحملونه عن أصحابهم في دار الدنيا من المصائب، والهموم، والأحزان، وما يتلقون به القادم عليهم في البرزخ من الفرح والأكوان، وكان يقول: ينبغي للفقير أن يتعاهد مع أخيه أن كل من سبق لحضرة الله تعالى منهما يكون وسيلة له عند ربه، وكان رضي الله عنه يقول: انظر إلى المؤمن لما صحب الحق تعالى من حيث تخلقه باسمه المؤمن كيف لا تقدر عليه النار، وتقول له: جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي، وكان يقول: بلغنا أنه يؤتى بمن اسمه محمد يوم القيامة، فيقول: الله له أما استحيت إذ عصيتني، وأنت سمي حبيبي لكن أنا أستحي أن أعذبك، وأنت سمي حبيبي اذهب، فادخل الجنة.

وكان يقول: صحبة المبتدي للمنتهي الذي لم يقف على مراسم الرسوم مضرة غير نافعة لا سيما إن كان المنتهي خضري المقام المباين لحكم عالم الملك والشهادة فهذا ليس به انتفاع لأصحاب البداية البتة قال: المحقق أبو عبد الله النفري أوقفني الحق تعالى في التيه ثم قال لي: من جملة كلامه أصحب المحجوب، وفارق الموصول، وذلك لأن صحبة المحجوب أنفع للمحجوب من صحبة المكاشف بالغيوب لأنه يفعل على شاكلة ما شهد في الملكوت، وربما يكون ذلك غير مطابق له في الملك لأن حكم الغيب غير حكم الشهادة واعتبر أيها المنكر بقصة موسى عليه السلام مع الخضر عليه السلام، ففي ذلك مقنع للعاقل فافهم.

وكان رضي الله عنه يقول: التسليم للقوم أسلم لكن الاعتقاد فيهم أغنم فكم استغنى بصحبتهم فقير وجبر كسير وارتفع وضيع، وستر شنيع، ومات غوي، وهلك ظالم ورفعت مظالم.

وفيهم ورد الحديث " بهم ترزقون وتمطرون وترحمون " وكان رضي الله عنه يقول: قد غلط أكثر الناس في وصف أهل الصلاح بالتحول والتقشف فقط وليس الأمر كما ظنوا ير فيهم السمين، والهزيل، والمترفه، والمتقشف، ودليل السمين قوله تعالى: " وزاده بسطة في العلم والجسم " " البقرة: 247 " وكان صلى الله عليه وسلم له عكن من السمن، وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه بديناً عظيم البطن، وكذا ذكر شيخنا الحافظ ابن حجر في صفة الأستاذ الكبير سيدي أحمد البدوي رضي الله عنه أنه كان غليظ الساقين عظيم البطن، وأما دليل المترفه، والمتقشف، فكثير في السنة المحمدية، وكان رضي الله عنه يقول: احذر بعد صحبة القوم أن تفشي أسرارهم لغيرهم، ومن ليس له مشربهم، ولا فوقهم، فإن الله تعالى ربما مقتك، فخسرت الدنيا، والآخرة، فلا يخفى أن إظهار السر كإظهار العورة، وقد حرم كشفها، والنظر إليها والتحدث بها وورد " من ستر عورة أخيه ستر الله عورته " ، ومن كشف عورة أخيه كشف الله عورته حتى يفضحه " وهذا الأمر يقع فيه كثير ممن يدخل في صحبة الفقراء من غير صدق، ويفارقهم بغير جميل وأنشد:

تغير إخوان هذا الزمان ... فكل خليل عراه الخلل

وكانوا قديماً على صحة ... فقد داخلتهم حروف العلل

قضيت التعجب من أمرهم ... فصرت أطالع باب البدل

وكان رضي الله عنه يقول: إذا نقل إليك أحد كلاماً عن صاحب لك فق له: يا هذا أنا من صحبة أخي ووده على يقين، ومن كلامك على ظن، ولا يترك يقين لظن، وكان ينشد كثيراً:

شاور أخاك إذا نابتك نائبة ... يوماً، وإن كنت من أهل المشورات

فالعين تلقى كفاحاً ما نأى ودنا ... ولا نرى نفسها إلا بمرآة

وكان رضي الله عنه يقول إياك، وعثرات اللسان عن بعض الأصدقاء فقد أصيب من هذا الباب خلق كثير لثقتهم بأصدقائهم، وما علموا أنهم جعلوا ذلك سلاحاً لوقت العداوة فإياك ثم إياك، وكان يقول من صحب ظالماً فهو ظالم لأن مشاهدة الظالم تورث الغفلة عن الله تعالى، والرضا عن النفس وتعقبه مجالسة الشيطان، وكان يقول إياكم، وصحبة الأحداث، والنساء، والأمراء، والسلطان، وأرباب الدنيا الذين لا خير فيهم، وكان رضي الله عنه يقول: إذا كثرت النيات كثر معنى العمل، وإن كان منفرد الصورة، وذلك كمن صلى صلاة واحدة ناوياً بها أداء الفرض، وإحياء سنة الجماعة، والاقتداء به في ذلك وإظهار بهجة الإسلام، وتكثير سواد المصلين مع زيادة الزهد في الثناء عليه بذلك، وعدم الالتفات إليه، ونحو ذلك فهذه حسنات كثيرة حفت عملاً واحداً، وكان رضي الله عنه يقول العبادة مع محبة الدنيا شغل قلب، وتعب جوارح فهي، وإن كثرت فهي قليلة، وإنما هي كثيرة في وهم صاحبها وهي صور بلا أرواح إنما هي أشباح خالية غير حالية، ولهذا ترى كثيراً من أرباب الدنيا يصومون كثيراً، ويصلون كثيراً، ويحجون كثيراً، وليس لهم نور الزهاد، ولا حلاوة العباد، وكان يقول إنما ضرب الله مثل الحياة الدنيا بالماء لأن الماء إذا أمسكته تغير ونتن، وصار بلية فكذلك الدنيا تصير بلية، وكان يقول أعلى الزهد زهد الرجل في المقامات العلية، والأحوال السنية.

وكان يقول إنما كان ذكر الله أكبر من الصلاة لأن الصلاة، وإن كانت أشرف العبادات

فقد لا تجوز في بعض الأوقات بخلاف الذكر فإنه مستدام في عموم الحالات، وكان يقول لا يجد أنس الذكر إلا من ذاق وحشة الغفلة، وكان يقول اختلفوا أيما أفضل الذكر سراً أو جهراً. والذي أقول أنا به أن الذكر جهراً أفضل لمن غلبت عليه القسوة من أهل البداية، والذكر سراً أنفع لمن غلبت عليه الجمعية، وكان يقول إنما اختار أهل التعريف ذكر الله الله الله فقط دون لا إله إلا الله لوحشتهم من توهم ثبوت الإلهية حتى ينفونها، والذي أقول به أن من غلب عليه الأهواء فذكر لا إله إلا الله أنفع له، ومن خلص من الأهواء فذكر الجلالة فقط أنفع له، وكان رضي الله عنه يقول: كل عمل اتصل به شهوده فهو غير متقبل لأنه تعالى يقول، والعمل الصالح يرفعه فمن شهد له عملاً، ودام ذلك فعمله عند نفسه لا عند ربه فافهم وكان يقول الطامع كلب المطموع فيه فإن لم يكن عنده طمع سلم من ذلك الكلاب. وكان يقول الله أكبر ما أخفى لطائف التعريف يشرد عبده عن حضرته فيرده إليها بالتعنيف مع أنه في ذلك رب لطيف، وكان يقول سألت ربي ليلة أن يلهمني حمداً أحمده به فأملى على لساني الوارد في الحال الحمد لله ولله الحمد بكل المحامد على كل المحامد بجميع المدائح المحمودة في جميع الحمد، والمدح بما يجب للحمد لك حمداً أزلياً لا أول لبداية حمده غير حمده بحمد لحمده في جميع المحامد الأزلية، والأبدية بلسان جمع الحمد، وفرقه في جمع المحمود بذاته لذاته، وبصفاته لصفاته، وبفعله على فعله، وأطال في ذلك في شرح قوله في الحكم: من لم يشكر النعم فقد تعرض لزوالها فراجعه إن شئت، وكان يقول: احذر أن يكون شكرك لأجلك بل اجعل شكرك امتثالاً لأمر ربك لك بالشكر، ولهذا قال تعالى: " أن اشكر لي " ، " لقمان: 14 " فافهم تعلم، وإن لم تعلم، واعرف قدر فوق أهل المعرفة، وكان رضي الله عنه يقول مقام الفقر من كل شيء لله أتم من طلب المزيد، وكان يقول ذكر أهل الحضرة الحمد لله وأستغفر الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله وزدت أنا عليهم آية من كتاب الله تعالى لتكون حرزاً عليهم لأن كل أحد يحب دوام النعمة عليه، وهي قوله تعالى: " ما شاء الله لا قوة إلا بالله " وهي كانت هجير الإمام مالك رضي الله عنه فكان لا يقوم، ولا يقعد إلا قالها حتى إنه كتبها على باب داره، وقال جنة الرجل داره، والله تعالى يقول: " ولولا إذا دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله " أي لو قالها الرجل لسلمت جنته من الآفات، وكان رضي الله عنه يقول في قوله تعالى: " سنستدرجهم من حيث لا يعلمون " أي بحقيقة الاستدراج، وذلك أن يغطي عليهم حقائق الحق، ويلقى في أوهامهم أنهم على صواب، وحق وأنهم غير مؤاخذين على أفعالهم نسأل الله اللطف، فمن أراد الوقاية من الاستدراج فليخف عند ورود النعم عليه أن يستعملها في غير ما وضعت له، وكان رضي الله عنه يقول ربما منع المريد من أجل قوله لشيخه لم فإنه ذنب عند أهل الطريق لا يشعر به كل أحد.

وكان يقول الطريق كلها أدب، وتأديب فهم يناقشون من جهة الحق مناقشة الجليس جليسه، والصاحب صاحبه لأنهم جلساء الحق، وصاحب الأدب لم يزل مستور العورة في الدنيا، والآخرة، والعكس بالعكس، وكان يقول: لا تجالسوا العارفين إلا بالأدب فربما مقت من أساء أدبه معهم، ومحي من ديوان القرب وكان يقول من لم تؤدبه الصوفية فليس بأديب، وكان يقول الواردات مختلفة من حيث المورودة عليه لا من حيث نفسها فإنها واحد فهي كالمطر على أرض فيها أنواع من البذر فالمطر واحد، والنبات مختلف " يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل " " الرعد: 4 " .

فافهم وكان يقول التعبد هو مفتاح باب الخير فمن فاتته الأوراد في بدايته فقد حرم الواردات في نهايته فللأعمال أنوار كما أن للمعارف أسراراً فعليك أيها السالك بالدوام على الأوراد، ولو بلغت المراد وكان يقول في معنى قول القوم فلان عنده استعداد أي صقل مرآة قلبه بأنواع المجاهدات التي سببها يكون الجلاء الموجب لتجلي صور الحقائق في القلب الصافي كما هو معلوم حساً هذا في المحبين، وأما في المحبوبين فقلوبهم منورة مصقولة اختصاصاً إلهيا، وكان يقول ما ورد عليك هو ما ظهر منك لك، وما جلى عليك هو منك إليك مثال ذلك النواة إذا زرعت فكل شيء ورد عليها من ورقها وثمرها كان فيها مودعاً بالقوة كذلك أنت أيها الإنسان لا يرد عليك قط خارج منك من غيرك بل الوارد عليك فيك غيباً ثم ظهر لك شهادة لتعرف مقدار ما أنعم الله عليك ووراء ما أشرت إليه رموز، ولغوز ضمنها كنوز سعد من لها يحوز، وبحرها يجوز.

وكان رضي الله عنه يقول: ثم من العلوم اللدنية ما لا يمكن الجواب عنها حقيقة، ولا شريعة مع أن التعبير عن كل ما يشهده الإنسان غير ممكن، وذلك أن من المشهود ما هو أو سمع أن يدخل في ضيق العبارة، وألطف من أن تكشفه الإشارة، وذكر كل معلوم يدل على قلة علم صاحبه لأن من العلوم ما لا يدخل تحت دائرة الحصر كالعلوم الملكوتية المفاضة من عوالم الغيوب مما لا يفهمه العقل، ولا يدركه الوهم، ولا يسعه الحفظ وهو في قلوب العارفين به يكون أولاً مجملاً ثم يفصل لهم بحسب الوقائع، والحاجة إليه ثم منه ما لا يكون إلا غيباً في غيب ومنه ما يكون غيباً في شهادة ومنه ما لا يؤذن في إفشائه لأحد البتة، ومنه ما يؤذن في إفشائه لقوم دون آخرين، وإذا كان ذلك كذلك فالجواب عن كل سؤال قال بعض من لاح له ما أشرنا إليه أكون حالة الأخذ عن البشرية في حضرة أشاهد فيها ملائكة يتكلمون بعلوم لدنية أفهمها هناك بفهم يناسب تلك الحالة الملكية فإذا عدت إلى بشريتي نسيت ما علمت، ولم أذكر شيئاً مما سمعت، وذلك لأن خرجت من وصف إلى وصف، ومن عالم إلى عالم، وكل علم له عالم بوصف ذلك العلم يدرك حقائقه العالم، ولهذا كانت العلوم الكشفية غير العلوم العقلية، والعقلية غير النقلية، وعلم العبارة غير علم الإشارة فمن أراد أن يأخذ علم الإشارة من العبارة فقد طلب المحال، وأنكر على الرجال، وحرم تمام الكمال، وكان يقول: الدرجات في الدنيا دليل على الدرجات في الآخرة، والكرامات هنا دليل على الكرامات في الآخرة كما أن البعد هنا دليل على الطرد في الآخرة قال تعالى: " ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى " " الإسراء: 72 " والمراد بهذا العمى هو عمى البصيرة بالضلال عن الرشد وطريق الحق نسأل الله العافية، وكان رضي الله عنه يقول: من كان عمله متعلقاً بالظواهر فله في الجنة منزلة تناسب الظواهر، ومن كان عمله متعلقاً بالبواطن فله منزلة تناسب البواطن، ومن كان علمه بدنيا فله منزلة في الآخرة تناسب أعماله العلمية، وكذلك القول فيمن كان علمه قلبياً أو روحياً أو سرياً فلكل حال مقام عند الله تعالى، وعلى قدر سلوك الطريق يكون التحقيق، وكان يقول احذروا من قولكم. ذهب الأكابر، والصادقون من الفقراء فإنهم ما ذهبوا حقيقة، وإنما هم ككنز صاحب الجدار، وقد يعطي الله تعالى من جاء في آخر الزمان ما حجبه عن أهل العصر الأول فإن الله تعالى قد أعطى سيدنا، وحبيبنا محمداً صلى الله عليه وسلم ما لم يعط الأنبياء قبله ثم قدمه صلى الله عليه وسلم في المدح عليهم، ويا لله العجب من كثير من المتفقهة ينكرون ما أجمع عليه الأولياء ويصدقون بما وصل إليهم على لسان فقيه واحد. وربما يكون استناده في ذلك القول إلى دليل قياسي ضعيف أو إلى شذوذ من القول ما ذاك والله إلا لغلبة الحرمان ثم مع إنكاره إذا أصابه هم أو مصيبة يأتي إلى قبورهم فيحملهم الحملة دون الفقيه الذي صدق قوله، وقدمه عليهم، وكان الأمر بالعكس فإياك يا أخي أن تحرم احترام أصحاب الوقت فتستوجب الطرد، والمقت فإن من أنكر على أهل زمانه حرم بركة أو أنه وكان يقول: من وقف مع عاداته، وعلومه، ولم يظن أن فوق علمه علوماً فهو محروم من جميع المواهب حتى من أهل مذهبه، ويسمى هذا بالجاهل المركب فإياك، والبحث مع مثل هذا أو الجدال ليرجع فإنه لا يرجع، ويتسع المجال بينكما، وربما صار يستفتي عليك، وينسبك إلى أمور أنت منها بريء حتى يتعب سرك فكف عنه ما دام يرى نفسه عليك فإن الجاهل لا ينصف المحق أبداً لعدم ذوقه لحاله إلا أن يداركه الله تعالى بالتسليم فيؤمن أن فوق كل في علم عليم، وكان يقول لا ينبغي للفقير أن يستكثر شيئاً من الدنيا في مقابلة عمل قليل أخروي يبقى، وقد أعطى الشيخ ابن أبي زيد القيرواني مؤدب ولده مائة دينار حين أقرأه حزبين من القرآن فقال المؤدب هذا كثير فأخرج ولده من عنده، وقال هذا يعظم الدنيا، وكان يقول: إذا رأيت نفسك محرضة عن مودة أهل الله تعالى فاعلم أنك مطرود عن باب الله، وكان يقول: إذا رأيت من رزق العلوم، وفتح له خزائن الفهوم فلا تحاججه بنقل الطروس ولا تجادله بعزة النفوس، وتقول هذا لم نجده في الأسفار عن أحد من الأخيار فإن المواهب تفوق المكاسب، وكان يقول من أنكر ما لم يجد حرم بركة ما وجد، ومن كان كثير الكير فهو فاقد التنوير وكان يقول تولو

الجميل للرجل الجليل.ل للرجل الجليل.

وكان يقول من علامة من أذن له في الكلام قبول الناس له وان يقول: من ادعى أنه بر فلا يؤذي الذر، وكان يقول: في قول بعضهم ما فعلت كذا إلا بإذن من الله تعالى مراده بالإذن نور يقع في القلب ينشرح له الصدر وليس ذلك بحجة لفقد العصمة لا سيما إن كان على غير قانون الشرع فما كل واقع للفقير حق، وكان يقول هذا الكون كبيت يعمه الصدى ما قلته فيه رده عليك، ومرآة يتجلى فيها ما بدا منك إليك، وكان يقول العابد في وهم، وتقييد، والمقرب في فرح، وتأييد، وكان يقول: تنزهت أبناء الأزل عن الوقوف مع العمل بالعلل وكان يقول لا تكن ممن يعبد ليعد، ولا ممن يسود الجاه للجاه بل اعبد ربك لا لغرض، ولا لعرض، وكان يقول: علم اليقين يحصل عن قاطع البرهان، وعين اليقين يحصل بشهود العيان، وحق اليقين تحقيق صورة العيان مثال ذلك ما استفيد بالعلم المتواتر علم يقين، وفوقه عين يقين، والحلول به حق يقين، وكان يقول الوارد مثل العطاس لا يرد إذا ورد، ولا يستجلب بحيلة، ولو دفع كان عناء، وتعباً وعللاً، وكل وارد لا يوافق الشرع فهو الظلمة وكان يقول: أحسن بذر الفلاح ما بذره الفلاح ثم ستره بعد بذره حتى ينبت في بطن الأرض، وأقبحه ما نبت فوقها لأنه لا ثبات له، وكان يقول اتباع شهوات النفوس هي التي تنكس الرءوس، ومن أطلعه الله تعالى على دسائس نفسه أمن من عكسه، ونكسه، وكان يقول علامة قبح القلوب أن لا يدخل فيه خلل، وعلامة قبح النفوس السامة منه، والملل، وكان رضي الله عنه يقول حقيقة الكشف أن تنظر الظلمة عين النور، وتشهد رفع الغطاء في الستور، وأعلى مراتب الكشف أن يطلعه الله على المقر المستودع، ودونه من أطلعه الله على البداية دون الغاية، وكان رضي الله عنه يقول من شهد بواطن الأواني. نال أسرار المعاني، وكان يقول: ظهور الأخيار من غير اختبار.

وكان يقول من علامة المعتني به في الأزل أن لا يسلب ما فتح، ولا يخلع، ومن رام مزاحمة أهل العناية، وقع في شرك العناء، والتعب ولا يقضي أرب، وكان يقول إن أردت الوصول بلا تعب فاستمسك بأهل الحسب، وكان يقول من كان له بالتعظيم بين العوام صورة لم يكن له بالتخصيص عند أهل التحقيق سورة، وذلك لأن محب الله مشهور، ومحبوب الله مستور، وكان يقول إساءة الأدب على أهل الرتب توجب العطب، وكان يقول الإسرار بالذكر من شأن الخواص لا المريدين لأن المريد يذكر ليستنير قلبه، والمراد من وجد النور قبل الذكر، ومن العجب ذكر الحاضر القريب فما بقي للذكر سلطان إلا على سبيل التعظيم أو حال غيبة الذاكر عن المذكور، وكان يقول في قولهم قيل لي ليلة البارحة كذا مثلاً مرادهم إما هاتف الحقيقة أو أنه سمع الملك من غير رؤية لشخصه أو رؤيته على غير صورته الأصلية أو مرادهم ما يسمعونه من قلوبهم ألم ما يفهم من حال الشيء بحسب مراتبهم في ذلك الوقت، والأخير خاص بالمريدين، وكان يقول من كان للخلق أرضاً فهو لربه أرضي، ومن على الخلق يتعالى لا يقال له تعال، وكان يقول إذا رأيت في منامك شيئاً من البشرى فلا ترض عن نفسك حتى تعلم رضا الله عنها، وكان يقول رب امريء مزار حمله الزائر الأوزار فتفقدوا نفوسكم عند قدوم الزائر.

وكان يقول من حمل الفقراء ما يرد عليه من النكد فكأنه لجال عيهم إذ ورد، وكان يقول كان الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المراكز العلية ليشهد الملائكة الملكوتية ما ليس فيهم، ولا في الملكوت من عزيز الخصائص وكمال النعوت فأراد الحق بالإسراء أن يرى محمداً صلى الله عليه وسلم قدر ما أنعم به عليه فكان ظاهره اجتباء وباطنه ابتلاء لعدم قيام العبد بشكر جميع النعم الربانية فافهم، وكان يقول لا تستقل بالعالم الفقير، ولا تنظر إليه بالتحقير فربما تقدم على أهل الزمان إذا جاء وقت الامتحان لهم وكان رضي الله عنه يقول شيخ الأمير طبل كبير، وشيخ السلطان أخو الشيطان، وكان يقول الأستاذ هو من كمل الدوائر، وانطوى فيه علم الأوائل، والأواخر ويسمى بالعالم المطلق فكل أستاذ شيخ، ولا عكس، وكان يقول: من شرط المريد أن لا يخرج عن التحديد، وكان كثيراً ما يتمثل بقول الشيخ محيي الدين رضي الله عنه حين يستغرب أحد قولاً:

تركنا البحار الزاخرات وراءنا ... فمن أين يدري الناس أين توجهن

وكان رضي الله عنه يقول: كان سجود الملائكة عليهم السلام لآدم عليه السلام إشارة لتواضع الصغير للكبير، وإظهاراً للكرامة بظهور صورته بسمة محمد صلى الله عليه وسلم وذلك أن رأس آدم عليه السلام ميم، ويديه حاء وسرته ميم، ورجليه دال، وكذا كان يكتب في الخط القديم وإنما لم تظهر اليد الأخرى حتى يكون يميناً، وشمالا هكذا.

لأن الأول أعظم في المدح، لأنه صلى الله عليه وسلم كان ينظر من خلفه كما ينظر من أمامه فيصير يسار الخلق يميناً لذلك الوجه المختص به صلى الله عليه وسلم، ومن هنا قال بعض العارفين لا يقال ليد النبي صلى الله عليه وسلم يسار، وإنما يقال اليمين الأول اليمين الثاني أو يمين وجهه، ويمين خلفه. وهنا دقيقة وهي خروج عدد المرسلين الثلاثمائة عشر من اسمه محمد فالميم الأول منه إذا نطقت بها كانت ثلاثة أحرف، والحاء حرفان حاء، وألف، والهمز ساقط، والميم المضعف كذلك بستة أحرف، والدال كذلك دال ألف لام فإن عددت حروف اسمه كلها ظاهرها، وباطنها حصل لك من العدد ثلاثمائة وثلاثة عشر على عدد الرسل المتفرعين منه صلى الله عليه وسلم الجامعين للنبوة، ويبقى واحد من العدد هو لمقام الولاية المفرق على جميع الأولياء التابعين للأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وله صلى الله عليه وسلم فافهم، وقد التقطت جميع ما نقلته عنه من شرحه للحكم، ومن كتاب القانون له رضي الله عنه والله أعلم.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!