موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

لواقح الأنوار القدسية في مناقب الأخيار والصوفية

وهو كتاب الطبقات الكبرى

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


ومنهم سيدي عثمان الخطاب (رضي الله عنه)

أجل من أخذ عن سيدي أبي بكر الدوقدسي رضي الله عنه من الزهاد المتقشفين، كان له فروة يبسها شتاء وصيفاً، وهو محزم بمنقطة من جلد، وكان شجاعاً يلعب اللبخة فيخرج له عشرة من الشطار، ويهجمون عليه بالضرب فيمسك عصاه من وسطها، ويرد ضرب الجميع فلا يصيبه واحدة هكذا أخبر عن نفسه في صباه، وكان رضي الله عنه رحيماً بالأولاد الأيتام، ويقول: أنا قاسيت مرارة اليتم لموت أبي، وأنا صغير، وكان مطرقاً على الدوام لا يرفع قط رأسه إلى السماء إلا لحاجة أو مخاطبة أحد، وكان لم يزل في عمل مصالح فقراء الزاوية، وغيرهم إما في غربلة القمح، وإما في تنقيته، وإما في طحنه، وإما في جميع آلات الطعام وإما في خياطة ثياب الفقراء، وإما في تفليتها، وإما في الوقود تحت الدست، وإما في جميع الحطب من البساتين، وبلغ الفقراء، والأرامل عنده أكثر من مائة نفس، وليس له رزقة، ولا وقف إلا على ما يفتح الله به كل يوم، وكان كل من بار عنده شيء من الخضر يقول: خلوه للشيخ عثمان، وكان إذا ضاق عليه الحال يطلع للسلطان قايتباي يطلب منه فيرسم له بالقمح، والعدس، والفول، والأرز، ونحو ذلك فقال: له السلطان يوماً يا شيخ عثمان أيش بلاك بهذه الناس كلهم أطلقهم لحال سبيلهم، وأرح نفسك فقال: له، وأنت الآخر أطلق هذه المماليك، والعسكر واقعد، وحدك فقال هؤلاء عسكر الإسلام فقال، وهؤلاء عسكر القرآن فتبسم السلطان، ولما شرع في بناء الإيوان الكبير عارضه هناك ربع فيه بنات الخطأ فطلع للسلطان فقال يا مولانا هذا الربع كان مسجداً، وهدموه، وجعلوه ربعاً فصدق قول الشيخ ورسم بهدم الربع، وتمكين الشيخ من جعله الزاوية، فأرشوا بعض القضاة فطلع إلى السلطان، وقال: يا مولانا يبقى عليكم اللوم من الناس ترسمون بهدم ربع بقول فقير مجذوب، فقال: السلطان ثبت عندي قول الشيخ فهدمه فظهر المحراب، والعمودان فأرسل الشيخ رضي الله عنه وراء السلطان فنزل فرآه بعينه، وطلب أن يصرف على العمارة.

فأبى الشيخ، فقال: أساعدك في كب التراب فقال: لا نحن نمهده فيها مهدا فهذا كان سبب علوه إلى الآن، وبقية الزاوية كانت زاوية شيخه الشيخ أبي بكر الدقدوسي رضي الله عنه، وأخبرني شيخ الإسلام الشيخ نور الدين الطرابلسي الحنفي، والسيد الشريف الخطابي المالكي النحوي رحمهما الله تعالى قالا سمعنا سيدي عثمان رضي الله عنه يقول: لما حججت مع سيدي أبي بكر سألته أن يجمعني على القطب، فقال: اجلس هاهنا، ومضى فغاب عني ساعة ثم حصل عندي ثقل في رأسي فلم أتمالك أحملها حتى لصقت لحيتي بعانتي فجلسا يتحدثان عندي بين زمزم، والمقام ساعة وكان من جملة ما سمعت من القطب يقول: آنستنا يا عثمان حلت علينا البركة ثم قال: لشيخي توص به فإنه يجيء منه ثم قرأ سورة الفاتحة، وسورة قريش ودعوا، وانصرفا ثم رجع سيدي أبو بكر رضي الله عنه فقال ارفع رأسك قلت لا أستطيع فصار يمرجني، ورقبتي تلين شيئاً فشيئاً حتى رجعت لما كانت عليه فقال يا عثمان هذا حالك، وأنت ما رأيته فكيف لو رأيته فمن ثم كان سيدي عثمان رضي الله عنه لا يريد الانصراف عن جليسه حتى يقرأ سورة الفاتحة، ولإيلاف قريش لا بد له من ذلك قال: الشيخ شمس الدين الطنبخي رحمه الله تعالى، وما رأيت سيدي أبا العباس الغمري رضي الله عنه يقوم لأحد من فقراء مصر غير الشيخ عثمان الخطاب كان يتلقاه من باب الجامع رضي الله عنهما، وكذلك كان سيدي إبراهيم المتبولي رضي الله عنه يحبه، ويعظمه، وكان كل واحد منهما يجيء لزيارة الآخر، وكان إذا قال له: شخص يا سيدي عثمان المدد يقول: عثمان حطبة من حطب جهنم فماذا ينفعكم خاطره رضي الله عنه.

وأخبرني سيدي الشيخ نور الدين الشوني رضي الله عنه أنه جاور عنده مدة فخرج يتوضأ ليلا فوجد رجلا ملفوفاً في نخ في طريق الميضأة فقال له: قم ما هو محل نوم فكشف عن وجهه، وقال: يا أخي أنا عثمان أخرجتني أم الأولاد، وحلفت أنها ما تخليني أنام في البيت هذه الليلة، وكانت مسلطة عليه، وكذلك كانت امرأة صاحبه الشيخ عثمان الديمي، وكان عيال كل منهما تخرج على الآخر، وكان كل منهما ينادي الآخر بيا عثمان فقط من غير لفظ لقب، ولا كنية رضي الله عنهما.

خرج رضي الله تعالى عنه زائراً للقدس فتوفي هناك سنة نيف وثمانمائة رضي الله عنه.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!