
لواقح الأنوار القدسية في مناقب الأخيار والصوفية
وهو كتاب الطبقات الكبرى
تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني
![]() |
![]() |
ومنهم الشيخ علي أبو خودة رضي الله عنه
كان رضي الله عنه من أرباب الأحوال، ومن الملامتية، وكان رضي الله عنه يتعاطى أسباب الإنكار عليه قصداً، فإذا أنكر عليه أحد عطبه، ورأيته خارج باب الشعرية، وهو يقول: الخادمة أيش قلت: من يخلي هذا الرجل هراره في رجليه يعني الشيخ عبد القادر الدشطوطي، فلما مر عليه كركبت بطن الشيخ عبد القادر، وساح هرره على المسطبة التي كان قاعداً عليها، فقال الله يلقيك فعرف أنه أبو خودة رضي الله عنه، وكان الشيخ عبد القادر قد كف بصره، وكانت خودة سيدي على من الحديد، وكان زنتها قنطاراً، وثلثاً لم يزل حاملها ليلاً، ونهاراً، وكان شيخاً أسمر قصيراً، وكان معه عصا لها شعبتان كل من زاحمه ضربه بها وكان رضي الله عنه يهوى العبيد السود، والحبش لم يزل عنده نحو العشر يلبسون الخود لكل واحد منهم حمار يركبه فكانوا هم جماعته كل موضع ركب يركبون معه، وما رآه أحد يصلي مع الناس إلا وحده.
وكان رضى الله عنه إذا رأى امرأة أو أمرد راوده عن نفسه، وحسن على مقعدته سواء كان ابن أمير أو ابن وزير، ولو كان بحضرة والده أو غيره، ولا يلتفت إلى الناس، ولا عليه من أحد وكان إذا حضر السماع يحمل المنشد، ويجري به كالحصان، وأخبرني الشيخ يوسف الحريثي رضي الله عنه قال: كنت يوماً في دمياط، فأراد السفر في مركب قد انوسقت، ولم يبق فيها مكان لأحد فقالوا للريس إن أخذتت هذا غرقت المركب لأنه يفعل في العبيد الفاحشة، فأخرجه الريس من المركب فلما أخرجوه من المركب قال: يا مركب تسمري، فلم يقدر أحد يسيرها بريح، ولا بغيره، وطلع جميع من فيها، ولم تسر، وأخبرني أيضاً أنه نزل معه في مركب، فمرس عليها الريح فضربها بعكازه فلم تتزحزج فنزل هو وعبيده يمشون على الماء إلى أن وصلوا إلى شربين، والناس ينظرون ذلك.
وكان رضي الله عنه يخرج خلفه على قرقماش أمير كبير كان أيام الغوري، فيضربه بحضرة جنده فإذا آلمه الضرب يهرب منه فيتبعه، فإذا قفل عليه الباب خلعه فلا يستطيع أحد أن يرده حتى يرجع هو بنفسه، واجتمعت به مرات عديدة، وقال لي: مرة أحذر أن تنيكك أمك، فقلت: لعبد من عبيده ما معنى كلام الشيخ قال: يحذرك أن يدخل حب الدنيا في قلبك لأن الدنيا هي أمك. مات سنة نيف، وعشرين وتسمعمائة، ودفن بزاويته بالحسينية بالقرب من جامع الأمير شرف الدين الكردي رضي الله عنه، ورحمنا به والمسلمين.
![]() |
![]() |