موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

لواقح الأنوار القدسية في مناقب الأخيار والصوفية

وهو كتاب الطبقات الكبرى

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


ومنهم الشيخ عبد القادر الدشطوطي رضي الله عنه ورحمه

كان من أكابر الأولياء رضي الله عنه صحبته، نحو عشرين سنة، وحصل لي منه نفحات وجدت بركتها وكان صاحياً، وهيئته هيئة المجاذيب رضي الله تعالى عنه، وكان مكشوف الرأس حافياً، ولما كف صار يتعمم بجبة حمراء، وعليه جبة أخرى فإذا اتسخت تعمم بالآخرى، واجتمعت به في أول يوم من رمضان سنة اثنتي عشرة وتسعمائة، وكنت دون البلوغ، فقال: اسمع من هذه الكلمات، واحفظها تجد بركتها إذا كبرت فقلت له: نعم فقال يقول: الله عز وجل يا عبدي لو سقت إليك ذخائر الكونين فملت بقلبك إليها طرفة عين فأنت مشغول عنا لابنا فحفظتها فهذه بركتها. وقال لي: أموراً أخر لم يأذن لي في إفشائها، وكان يسمى بين الأولياء صاحب مصر،

وقالوا: إنه ما رؤى قط في معدية إنما كانوا يرونه في مصر، والجيزة، وحج رضي الله عنه ماشياً حافياً، وأخبرني الشيخ أمين الدين إمام جامع الغمري رحمه الله أنه لما وصل إلى المدينة المشرفة وضع خده على عتبة باب السلام، ونام مدة الإقامة حتى رجع الحج، ولم يدخل الحرم، وعمر عدة جوامع في مصر، وقراها، وكان رضي الله عنه له القبول التام عند الخاص، والعام وكان السلطان قايبتاي يمبرغ وجهه على أقدامه.

ومن مناقبه أنهم زوروا عليه برجل كان يشبهه، فأجلسوه في تربة مهجورة في القرافة ليلا، وراحوا إلى السلطان، وقالوا له: إن سيدي عبد القادر الدشطوشي يطلبك في بالقرافة ليلا فنزل إليه، وصار يقبل أقدامه فقال: الرجل المزور عليه الفقراء محتاجون لعشرة آلاف دينار فقال: السلطان بسم الله فمضى ثم أرسلها له فبلغ السلطان أنهم زوروا عليه، فأرسل خلف المزور فضربه إلى أن مات، وكان من شأنه التطور، وحلف اثنان أن الشيخ نام عند كل منهما إلى الصباح في ليلة واحدة في مكانين، فأفتى شيخ الإسلام الشيخ جلال الدين السيوطي بعدم وقوع الطلاق، وأخبرني الأمير يوسف بن أبي أصبغ قال: لما أراد السلطان قايتباي أن يسافر إلى بحر الفرات استأذن الشيخ عبد القادر الدشطوطي في السفر، فأذن له قال: الأمير يوسف فكنا طول الطريق ننظره يمشي أمامنا، فإذا أراد السلطان ينزل إليه يختفي، فلما دخلنا حلب وجدنا الشيخ رضي الله عنه ضعيفاً بالبطن في زاوية بحلب مدة خمس شهور، فتحيرنا في أمره رضي الله عنه، ودخلت، وأنا شاب أعزب.

فقال لي: تزوج، واتكل على الله خذ بنت الشيخ محمد بن عنان فإنها صبية هائلة، فقلت ما معي شيء من الدنيا فقال: بلى قل: معي أشر في قل: اثنان قل: ثلاثة معي قل: أربعة قل: خمسة، وكان لي عند شخص بنواحي المنزلة ذلك القدر فحسبه الشيخ، وكنت أنا ناسيه ثم أذن الظهر فتغطى الشيخ بالملاية، وغاب ساعة ثم تحرك ثم قال: الناس معذورون يقولون عبد القادر ما يصلي والله ما أظن أني تركت الصلاة منذ جذبت، ولكن لنا أماكن نصلي فيها فقلت: للشيخ محمد بن عنان رضي الله عنه فقال: صدق له أماكن إنه يصلي في الجامع الأبيض برملة لد، وسمعته مرة يقول كل من قال: السعادة بيد أحد غير الله كذب، وإني كنت جهدان في الدنيا يضرب بي المثل فحصل لي جاذب إلهي، وصرت أغيب اليومين، والثلاثة ثم أفيق أجد الناس حولي، وهم متعجبون من أمري ثم صرت أغيب العشرة أيام، والشهر لا آكل، ولا أشرب فقلت: اللهم إن كان هذا وارد منك فاقطع علائقي من الدنيا فمات الأولاد، ووالدتهم، والبهائم، ولم يبق أحد دون أهل البلد، فخرجت سائحاً إلى وقتي هذا فهل كان ذلك في قدرة العبد. قلت له لا،

وسمعته يقول: للشيخ جلال الدين البكري: يا جلال الدين وقفنا هذا كله للفقراء، والمساكين، والمتكشفين الركب، وكأني بك، وقد جاءوا إليك بسياق فلان، وفلان اجعل لهذا وظيفة فتخرب المكان، وكان رضي الله عنه عالماً بأحوال الزمان، وما الناس عليه، وكان رضي الله عنه أكثر ما ينام عند شخص نصراني في باب البحر فيلومه الناس، فيقول: هذا مسلم، ومن بركته أسلم النصراني على يديه، وحسن إسلامه،

وسمعته يقول: وقد سأله الشيخ شمس الدين البهنسي عن جماعة في مصر من الفقراء الذين في عصره فقال: يا ولدي هؤلاء بعيدون عن الطريق والله ما يذوقون قشر الطريق فضلا عن لبها، ولما دنت وفاته أكثر من البكاء، والتضرع وكان يقول: للبناء الذي يبنى في القبة عجل في البناء، فان الوقت قد قرب فمات، وبقي منها يوم فكملت بعده، ودفن في قبره وأوصي أن لا يدفن عليه أحد، وأوصى أن يعمل فوقه، وجانبه مجاديل حجر حتى لا تسع أحداً يدفن معه. مات سنة نيف وثلاثين وتسعمائة وصلى عليه ملك الأمراء خير بك، وجميع الأمراء، وأكابر مصر، وكراماته مشهورة في مصر، والبلاد التي كان يمر فيها رضي الله عنه.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!