موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

لواقح الأنوار القدسية في مناقب الأخيار والصوفية

وهو كتاب الطبقات الكبرى

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


ومنهم شيخي ووالدي وقدوتي الشيخ نور الدين الشوني رضي الله تعالى عنه

وهو أطول أشياخي خدمة خدمته خمساً وثلاثين سنة لم يتغير علي يوماً واحداً، وشوني اسم بلدة بنواحي طندتا بلد سيدي أحمد البدوي رضي الله عنه ربي بها صغيراً ثم انتقل إلى مقام سيدي أحمد البدوي رضي الله عنه، وأنشأ فيه مجلس الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو شاب أمرد فاجتمع في ذلك المجلس خلق كثير، وكانوا يجلسون فيه من بعد صلاة المغرب ليلة الجمعة إلى أن يسلم على المنارة لصلاة الجمعة ثم إنه خرج يشيع جماعة مسافرين إلى مصر في بحر الفيض فخرجت المركب به من غير قصد منه فلم يقدر أحد على رجوعها إلى البر فقال توكلنا على الله فجاء إلى مصر فأقام بها أولاً في تربة السلطان برقوق بالصحراء، وأنشأ في الجامع الأزهر مجلس الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في عام سبع وتسعين وثمانمائة، وكان رضي الله عنه يقوم من التربة كل ليلة جمعة إلى الأزهر، ويرجع فلما عمر السلطان طومان ، باي العادل تربته نقله إليهما، وأعطاه، وظيفة المزملات بها فكان يسقي الناس طول النهار فأقام بها سنين عديدة ثم دخل إلى مصر، وتزوج بها، وله من العمر تسعون سنة وكان لم تزوج قط ثم انتقل إلى مدرسة السيوفية التي وقع لسيدي عمر بن الفارض مع شيخه البقال فيها ما وقع فأقام بها إلى أن مات في سنة أربع وأربعين وتسعمائة، ودفن عندنا بالقبة لمجاورة لباب المدرسة القادرية بخط بين السورين، وقبره بها ظاهر يزار.

وأخبرني رضي الله عنه قال من حين كنت صغيراً أرعى البهائم في شوني وأنا أصب لصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنت أدفع غذائي إلى الصغار، وأقول لهم كلوه، وصلوا أنا وإياكم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنا نقطع غالب النهار في الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: ولما دخلت مصر في سنة إحدى عشرة وتسعمائة لقيني الشيخ شهاب الدين الطويل المجذوب رضي الله عنه فقال لي أنت ابن الشوني أيش حال أبوك، وكنت لا أعرف قط من هو الشوني فما كان إلا نحو سنتين فأخبرني شخص أن رجلاً يسمى الشيخ نور الدين الشوني من الصالحين في تربة العادلية امض بنا نزوره فلما دخلنا عليه رحب بي أكثر من أصحابي وقال لي أيش قال لك الشيخ شهاب الدين فأخبرته، فقال هو صاحب اطلاع، وإن شاء الله تعالى يحصل لك من جهاتنا نصيب من الخير فكنت أحضر معه المجلس نحو سبع سنين فلما كانت سنة تسع عشرة قال لي مقصودي تجمع لك جماعة في الجامع الذي أنت فيه مقيم، وتحيي بهم ليلة الجمعة بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، على ترتيب هذا المجلس فشرعت فيه في السنة المذكورة فلم ينقطع ببركته ليلة واحدة إلى، وقتنا هذا ثم إنه خطر لي ليلة من الليالي أن أقرأ بالجماعة " إنا أعطيناك الكوثر " نحو ألف مرة فقرأناها فرأى جماعة بكثرة تلك الليلة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرت الشيخ بذلك ففعلها بمجلسه بالجامع الأزهر ثم إني كررت ليلة قوله تعالى: " واعف عنا واغفر لنا وارحمنا " " البقرة: 286 " نحو خمسين درجة فحصل للجماعة بسط عظيم فأخبرته بذلك فصار يفعلها بمجلسه، وتوارثها عنه جماعته. ورأيت مرة في واقعة أنني أمشي خلفه في أرض بلور أبيض، وعليها سور شاهق يقرب من السماء، وحصل لي أنس عظيم في تلك الأرض كدت أن أسكر منه فبينما نحن نمشي إذ نزل من السماء سلسلة فضة بيضاء، وفيها قربة فيها ماء أبيض من اللبن، وأحلى من العسل فنزلت إلى أن صار الإنسان يصل إليها بفمه فشرب الشيخ رضي الله عنه منها، وأعطاني الفضلة فشربتها ثم تخلف الشيخ، ومشيت حتى غبت عن الشيخ فنزلت لي سلسلة ذهب، وفيها شيء مربع نحو الشبر في شبر، وفيها ثلاث عيون مكتوب على العليا منها مستمد هذه العين من الله، وعلى الوسطى مستمد هذه العين من الله، وعلى السفلى مستمد هذه العين من الكرسي فألهمني الله تعالى فشربت من الوسطى ثم رجعت إلى الشيخ رضي الله عنه فأخبرته بما شربته، وبأنه من العين التي تستمد من العرش فقال يا فلان تتخلق إن شاء الله تعالى بالرحمة على جميع العالم وسر بذلك سروراً عظيماً رضي الله عنه.

ثم قال لي صدق كلام الشيخ شهاب الدين المتقدم. وكان رضي الله عنه حسن العشرة جميل الخلق كريم النفس حسن السمت كثير التبسم. صافي القلب ممسوحاً كباطن الطفل سواء، وهذه الصفة من صفات الجلة، وكان إذا نزل بالمسلمين هم أو غم لا يقر له قرار حتى يرتفع، وكان لا يتفوه قط برؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما كان يقول رأي بعض الفقراء، رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال له كذا، وكذا مع أن مرتبته كانت تقتضي كثرة الرؤيا له صلى الله عليه وسلم.

ورأيته عن يسار النبي صلى الله عليه وسلم، في، وقائع لا أحصيها فكنت أذكر له ذلك فيقول: اشتبهت بي، ولا يعترف بذلك.

ورأيت مرة قائلاً يقول في شوارع مصر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، عند الشيخ نور الدين الشوني رضي الله عنه فمن أراد الاجتماع به فليذهب إلى مدرسه السيوفية فمضيت إليها فوجدت السيد أبا هريرة رضي الله عنه على بابها الأول فسلمت عليه، ثم وحدت المقداد بن الأسود على بابها الثاني فسلمت عليه ثم، وجدت شخصاً لا أعرفه على بابها الثالث فلما، وقفت على باب خلوة الشيخ وجدت الشيخ، ولم أجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، عنده فبهت في وجه الشيخ فأمعنت النظر فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ماء أبيض شفافاً يجري من جهته إلى أقدامه فغاب جسم الشيخ، وظهر جسم النبي صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه ورحب بي وأوصاني بأمور وردت في سنته فأكد على ما فيها ثم استيقظت فلما أخبرت الشيخ رضي الله عنه بذلك قال، والله ما سررت في عمري كله كسروري بهذا، وصار يبكي حتى بل لحيته رضي الله عنه وروى في عرفات في الموقف مراراً لا تحصى حتى حلف شخص من أصحابه بالطلاق إنه رآه وسلم عليه فيه، وهو لم يعترف، ويقول أنا ما برحت من مصر موضعاً، وتفرعت عنه سائر مجالس الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم التي على وجه الأرض الآن في الحجاز والشام، ومصر، والصعيد، والمحلة الكبرى وإسكندرية، وبلاد الغرب وبلاد التكرور. وذلك لم يعهد بأحد قبله إنما كان الناس لهم أوراد في الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرادى في أنفسهم، وأما اجتماع الناس على هذه الهيئة فلم يبلغنا وقوعه من أحد من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عصره رضي الله عنه، ولما توفي رضي الله عنه رأيته في قبره، وقد اتسع مد البصر، وهو مغطى بلحاف حرير أخضر مساحته قدر فدان ثم إني رأيته بعد سنتين، ونصف، وهو يقول لي غطني بالملاية فإني عريان فلم أعرف ما المراد بذلك فمات ولدي محمد تلك الليلة فنزلنا به ندفنه بجاتبه في الفسقية فرأيته عرياناً على الرمل لم يبق من كفنه، ولا خيط واحد ووجدته طرياً يخر ظهره دماً مثل ما دفناه سواء لم يتغير من جسده شيء فغطيته بالملاية، وقلت له: إذا قمت وكسوك، أرسل لي ملايتي. وهذا من أدل دليل على أنه من شهداء المحبة فإن الأرض لم تأكل من جسده شيئاً بعد سنتين، ونصف، ولا انتفخ، ولا نتن له لحم، وإنما وجدنا الدم يخر من ظهره طرياً لأنه لما مرض لم يستطع أحد أن يقلبه مدة سبع وخمسين يوماً فذاب لحم ظهره فضممناه بالقطن، وورق المون، ولم يتأوه قط، ولم يئن في ذلك المرض، ورأيته مرة أخرى فقلت يا سيدي أيش حالكم فقال جعلوني بواب البرزخ فلا يدخل البرزخ عمل حتى يعرض علي، وما رأيت أضوأ، ولا أنور من عمل أصحابنا يعني من قراءة " قل هو الله أحد " والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ورأيت مرة الإمام الشافعي رضي الله عنه، وقال لي: أنا عاتب عليك وعلى نور الدين الطرابلسي ونور الدين الشوني، وكنت تلك الليلة نائماً في الروضة عند بني الوفاء فقلت للإمام نزوركم بكرة إن شاء الله فقال لا هذا الوقت فأخذ بيدي، ومشى من الروضة حتى طلع بي فوق قبته، وفرش لي حصيراً بقرب الهلال بحيث أني صرت أمسك المركب النحاس بيدي ومضى فأتى ببطيخ وجبن طري، وخبز لين، وقال: كل فقد ماتت ملوك الدنيا بحسرة الأكل في هذا الموضع فرجعت، وقصصت المنام على الشيخ نور الدين الطرابلسي فركب في الحال للزيارة دخلت للشيخ نور الدين الشوني فقلت له، وكان عنده عرعر صاحب الشريف بركات سلطان مكة فقال هذه أباطيل مثل الإمام الشافعي رضي الله عنه يعتب علي مثلكم في الزيارة الشريف عرعر تلك الليلة فرأى الإمام الشافعي رضي الله عنه، وقال له قول عبد الوهاب صحيح، وأنا عاتب على الثلاث فجاء الشيخ نور الدين، وأخبره الخبر.

ثم قال: وقال لي لولا الشوني في مصر لهوى بأهلها ما هوى ومناقبه رضي الله كثيرة، وإن شاء الله تعالى نفردها بالتأليف إن كان في الأجل فسحة، والله أعلم.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!