ومنهم الشيخ الصالح العابد الزاهد الشيخ علي العياشي (رضي الله عنه)
كان من أجل أصحاب سيدي أبي العباس الغمري رضي الله عنه، ومكث رضي الله عنه نحو نيف، وسبعين شنة لا يضع جنبه الأرض إلا من مرض شديد، وكان اشتغاله دائماً ليلا، ونهاراً، من قراءة إلى ذكر إلى صلاة، وكان ينظر إبليس، ويضربه بالعصا فقال يوماً إني لا أخاف من العصا، وإنما أخاف من نور القلب، وجلس معنا ليلة في مجلس الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجمعة فأخذ عصاه، وضرب بها إنساناً في المجلس فقال: لم ضربتني فقال له؛ إنما ضربت الشيطان الذي رأيته راكباً على عنقك، ورجلاه مدلاتان على صدرك، وكانت الأولياء الأموات يزورونه كثيراً لا سيما الإمام الشافعي رضي الله عنه فكان يخبر كل قليل أنه كان عنده يقظة لا نوماً، وكان من لا يعرف حاله يقول هذا خراف، ورأيته مرة افتتح القرآن من صلاة العشاء إلى طلوع الفجر فقرأ خمسة أحزاب فقط بترتيل، وتكراراً، وكنا ونحن شباب نقوم من الليل فنجده قائماً يصلي هكذا على الدوام، وما رأيت له قط فروة يجلس عليها، ولا مخدة، ولم يزل على ذلك إلى أن كف بصره أواخر عمره فلم ينقص من أوراده شيئاً، وكان إذا لم يجد من يوضئه تأتيه الأولياء فيوضئونه فيقول وضأني الإمام الشافعي رضي الله عنه هذا الوقت وضأني فلان وضأني فلان ويصلي بذلك الوضوء، وكان يعض الناس ينكر ذلك حيث لم ير من يوضئه، ويقول هذا خف عقله رضي الله عنه، مات رضي الله عنه سنة نيف، وتسعمائة.