إيجازُ البَيَانِ عَنْ سِيرَةِ فَضِيلةِ الشَّيْخِ رَمَضَانْ
حَيَاةٌ لا مَوْتَ فِيهَا وَمَوْتٌ لا حَيَاةَ فِيه
5- علماء الشام في تلك الفترة:
![]() |
![]() |
5- علماء الشام في تلك الفترة:
على الرغم من جميع الظروف والصعوبات التي مرَّت بها بلاد الشام في فترة انهيار الدولة العثمانية والاحتلال الفرنسي لسورية، إلا أن الوجه المشرق لتاريخ الشام العلمي لم ينكسف، بل ربما زادت هذه الظروف القاسية من أهمية العلماء الذين كانوا العزاء الأخير للناس كما كانوا قدوة لهم وقادة للثورة والإصلاح ومقاومة الغزو الثقافي الذي حاولت القوى المهيمنة فرضه على البلاد.
برز في تلك الفترة في العشرينيات من القرن الماضي عدد كبير من العلماء الذين شكلوا جبهة ضد الجهل والاستعمار عن طريق الوعظ والإرشاد وبناء المدارس الأهلية لمواجهة المدارس التي كانت تديرها فرنسة. وبالإضافة إلى شيوخ التربية والتزكية الذين ذكرنا بعضهم أعلاه فيما يخص الطريقة النقشبندية، فقد كان من أبرز علماء الشام في القرن الماضي الشيخ بدر الدين الحسني الذي كان مدرسة كاملة في الحديث والعلوم الإسلامية كافة، وحتى في العلوم العامة والرياضيات، ويعود إليه الفضل في مقاومة الاستعمار ونشر العلم عن طريق النهضة العلمية التي رعاها من بعده عدد من تلامذته مثل الشيخ عبد القادر القصاب، والشيخ طاهر الأتاسي مفتي حمص، والشيخ محمد المبارك، والشيخ توفيق الأيوبي، والشيخ محمد كامل الهبراوي الحلبي، والشيخ محمد رضا الزعيم الدمشقي، والمؤرخ الكبير الشيخ محمد راغب الطباخ، ومؤرخ مكة الشيخ عبد الستار الهندي المكي، والشيخ محمد بن سالم المنوفي المصري المالكي الأزهري، والشيخ نجم الدين بن عبد الله البغدادي، والسيد محمد درويش الألوسي البغدادي، والشيخ أبو الخير علي بن محمد عواد السلاوي المغربي، والشيخ جمال الدين القاسمي، والشيخ سليم الكزبري، والشيخ مصطفى نجا مفتي بيروت، والشيخ عبد الرزاق الأسطواني، والشيخ علي الدقر، والشيخ محمد هاشم الخطيب، والشيخ مكي الكتاني، والشيخ محمد صالح الفرفور، والشيخ محمد الشريف اليعقوبي، والشيخ عارف الجويجاتي، والشيخ عارف الصواف الدوجي، والشيخ راشد القوتلي، والشيخ محمود العطار، والشيخ وسيم أفندي الجندي، والشيخ أمين سويد، والشيخ يحيى المكتبي، والشيخ محمد رفيق السباعي، والشيخ محمود الرنكوسي، والشيخ حسن حبنكه الميداني، والشيخ طه المكتبي، والشيخ أحمد التلمساني، والشيخ أحمد العربيني، والشيخ سعيد الهرباوي، وعدد كبير من العلماء الذين لم نتمكن من ذكرهم.
كان الشيخ بدر الدين الحسني من أكابر علماء الشام وقد بعث فيها نهضة هائلة في التعليم الشرعي بقيادة تلميذه الشيخ علي الدقر الذي أسس الجمعية الغرَّاء التي انبثق عنها عدد من المدارس والمعاهد الشرعية وقد درس فيها الشيخ رمضان وشيخه الشيخ أحمد كفتارو كما سنرى في الفصل القادم.
|
محدِّث الديار الشامية الشيخ محمد بدر الدين الحسني رضي الله عنه |
والشيخ بدر الدين هو محمد بدر الدين بن يوسف الحسني، أصله من المغرب من ذرية الشيخ الجزولي،[78] ولد في دمشق سنة 1267هـ/1850م من أبوين فاضلين ووالده هو العلاَّمة الكبير والإمام الشهير الشيخ يوسف بن العلامة الشيخ بدر الدين الحسني، وكان مالكي المذهب قادري الطريقة، من سادة المغرب، رحل إلى مصر لطلب العلم فأخذ عن أعلامها وعن علماء مكة المكرمة والمدينة المنورة، ثم جاء إلى الشام ليأخذ عن أقطابها فاستقر فيها ودرّس وخرّج طلاب العلم الذين برزوا ولمعوا في هذا المجال. نشأ الشيخ بدر الدين في حجر والده وقد أتمَّ حفظ القرآن الكريم وتعلم الكتابة وهو ابن سبع سنين، ثمَّ أخذ في دراسة علوم الحديث وحفظ المتون فكان يحفظ غيبًا صحيحي البخاري ومسلم بأسانيدهما، وموطأ مالك ومسند أحمد وسنن الترمذي وأبي داود والنسائي وابن ماجه، وكان يحفظ أسماء رجال الحديث وما قيل فيهم من جرح وتعديل ويحفظ سنيّ وفاتهم، وكان له الباع الطويل والقدم الراسخة في كافة العلوم حتى الرياضيات العالية، والحكمة، والفلسفة، والطب، والهيئة، والجغرافيا، والهندسة، والنحو، والصرف، والبلاغة، والمنطق، والفقه، وغيرها، بالإضافة لكونه من أكابر علماء الحديث؛ فكان إذا ذكر حديثًا جلس ساعة يتكلم في شرحه وما يُستنبط منه، كان يجلس بعد صلاة الجمعة إلى صلاة العصر في شرح حديث واحد في الجامع الأموي، وكان يقرأ عن ظهر قلبه من صحيح البخاري، وقد أُعجب الناس بفصاحته حتى أخذ بمجامع قلوب السامعين من حكام وحكماء وعلماء وخطباء وأدباء وعامة الناس. ولما أحس أنه قد ألَمَّ بنفوس العلماء بعض القلق حيث أقبل الناس على درسه، اعتزل في غرفته في مدرسة دار الحديث الأشرفية ولم يخرج منها مدة عشر سنين وكان يصلي الجمعة في حجرته الملاصقة للمسجد من جهة الشرق. ولما جاوز الثلاثين من عمره عاد إلى التدريس في جامع الأقصاب والمسجد الأموي إلى أن توفي رحمه الله يوم الجمعة الواقع في 27 ربيع الأول سنة 1354هـ/1935م في دمشق وقد دفن في تربة باب الصغير.[79]
L:
بسم الله الرحمن الرحيم
الفصل الثاني
![]() |
![]() |






