كتاب شمس المغرب
سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف
هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب
فكان كذلك.[1]
ثم أقبل شيخ القرية إلى الشيخ محي الدين ورغب أن يفطر عنده هو ومن شاء، فقال له ابن أشرف: لا تأكل من هذا الطعام شيئا واحمل جميع الفقراء فإذا أكلوا تأتي وتفطر معي. فكان ذلك.
فقال الشيخ محي الدين إنه أقام معه ثلاثة أيام ووعده أن يلقاه بإشبيلية، وأخبره بأمور كثيرة وبكل ما يتفق له من بعد مفارقته فحصل كما قال حرفا بحرف.
وسوف نعود إلى قصة وعده بلقائه في إشبيلية في بداية الفصل الثالث، ولكن لنذكر هنا بعض صفات الشيخ الرندي كما ذكرها الشيخ محي الدين. فيقول عنه أنه من الأبدال ويسميه شيخ الجبال والسواحل لأنه انقطع بالجبال والسواحل لا يأوي إلى معمور قرابة ثلاثين سنة. وكان قويّ الفراسة، كثير البكاء، طويل القيام، دائم الصمت، كثيرا ما ينكت بأصبعه في الأرض مطرقا متفكرا، يرفع رأسه فيتنفس الصعداء ولصدره أزيز، شديد الوجد، غزير الدمعة. وكان له مرتبة عالية وعنده مال وافر خرج عنه. ويقول الشيخ محي الدين أن سبب شهرته أنه كان كثيرا ما يقعد في جبل شامخ على مورور فمشى بعض الناس إليه لحاجة فرأى عمودا من نور يتشعشع ولا يستطيع النظر إليه فقصده فوجد ذلك النور صاحبنا أبا عبد الله وهو قائم يصلي فأشهره.
عاشره الشيخ محي الدين زمانا وكان الرندي يفرح به ويستبشر حين يراه. سأله يوما بالساحل عن قوله تعالى: "لا أريد منهم من رزق" فلم يجبه الشيخ محي الدين وتركه، ثم اجتمع به بعد ذلك بأربع سنين فقال له: يا أبا عبد الله! قال: نعم. قال: خذ جوابك! قال: هات بعد أربع سنين وصل الوقت. فأجابه الشيخ محي الدين عنها.
وسأله الشيخ محي الدين عن سبب بكائه فقال: آليت أن لا أدعو على أحد، فأغاظني رجل فدعوت عليه فهلك، فندمت على ذلك إلى الآن.[2]
وكعادته سوف يحرص الشيخ محي الدين أن يعرّف صاحبه بدرا الحبشي على الشيخ الرندي وسوف يحصل ذلك بعد عودتهما من مدينة فاس على ما سنرى في الفصل الثالث إن شاء الله تعالى.
بعض الشيوخ الآخرين الذين التقاهم الشيخ الأكبر في الأندلس
وقبل اختتام هذا الفصل سنذكر باختصار بعض شيوخ ابن العربي الذين ذكرهم في "روح القدس" وفي "الدرّة الفاخرة"، وهم كثيرون لا يمكننا أن نستوفيهم جميعا في هذا الكتاب ولكن ذكرنا منهم أعلاه من استطعنا من خلال ذكره إلقاء بعض الضوء على الجوانب المختلفة لحياة الشيخ محي الدين. أما هؤلاء الشيوخ الذين سنذكرهم أدناه فلا نعرف الكثير عن حياتهم وعن علاقتهم بالشيخ محي الدين سوى
[1] ربما يقصد الشيخان بهذا أن كل واحد منهما كان يستر نفسه ومرتبته عن الناس.
[2] روح القدس: ص74.