كتاب شمس المغرب
سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف
هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب
والمغرب مثل الشيخ عبد الله الموروري والشيخ أبي محمد عبد الله المهدوي في تونس كما سنرى بعد قليل وغيرهم الكثير. وقد ذكرنا في الفصل الأول كيف أن هناك علاقة رابطة بين الشيخ أبي مدين وداود الطائي الذي يبدو أنه من أجداد الشيخ محي الدين رضي الله عنهم أجمعين.
إقامته الأولى في تونس (590/1193)
وفي السنة نفسها وصل الشيخ محي الدين إلى تونس حيث أقام فيها مدة، وكان هدفه من هذه الزيارة كما قلنا الاجتماع بشيخ صوفي كبير هو أبو محمد عبد العزيز المهدوي القرشي، ولكنه لم يقم هناك طويلا لأنه عاد في السنة نفسها إلى إشبيلية من الطريق الذي سلكه أثناء قدومه حيث سار بمحاذاة الشاطئ ولم يتوغّل في بلاد المغرب ربما بسبب الاضطرابات التي كانت تسود المنطقة بسبب الحرب بين الموحدين وبين بني غانية.
وفي تونس كان للشيخ الأكبر شأن وقبول عند سلطانها أبي زيد بن أبي حفص محمد بن عبد المؤمن وكان من الموحدين، فكان الناس يقصدونه ليقضي لهم حاجاتهم عند السلطان، كما فعل ابن معتب أحد كبراء تونس الذي أعدّ للشيخ الأكبر وليمة كبيرة وهدايا كثيرة فلما علم الشيخ أنه يريد منه أن يقضي له حاجة عند السلطان يُردّ له بها حقّه لم يقبل منه هداياه ولا أكل من طعامه ولكنّه أجاب له طلبه وقُضيت حاجته، ولذلك يوصي الشيخ الأكبر رضي الله عنه:
وإياك أن تقبل هدية من شفعت فيه شفاعة فإن ذلك من الربا الذي نهى الله عنه بنص رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ذلك[1] ولقد جرى لنا مثل هذا في تونس من بلاد أفريقية دعاني كبير من كبرائها يقال له ابن معتب إلى بيته لكرامة استعدّها لي فأجبت فعندما دخلت بيته وقدم الطعام طلب مني شفاعة عند صاحب البلد وكنت مقبول القول عنده متحكماً فأنعمت له في ذلك وقمت وما أكلت له طعاماً ولا قبلت منه ما قدمه لنا من الهدايا وقضيت حاجته ورجع إليه ملكه ولم أكن بعد وقفت على هذا الخبر النبوي وإنما فعلت ذلك مروءة وأنفة وكان عصمة من الله في نفس الأمر وعناية إلهية بنا.[2]
مرسى عبدون
لقد اشتهرت تونس وخاصة في فترة حكم المرابطين والموحدين ثم الحفصيين بالزوايا الصوفية التي كان يتجمّع بها العديد من الفقراء والزهّاد ويحضرون فيها حلقات الذكر عند الشيوخ المرشدين. كان من أهم هذه الأماكن مكان يعرف باسم مرسى عبدون وهو مكان مشهور في تونس يؤمّه الصوفية من كل بقاع المغرب، ولا يزال حتى الآن في حيّ شهير يعرف باسم سيدي بو سعيد. في ذلك الوقت، عند قدوم
[1] أخرج أبو داود في كتاب البيوع عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: "مَنْ شَفَعَ لأَخِيهِ شَفَاعَةً فَأهْدَى لَهُ هَدِيّةً عَلَيْهَا فَقَبِلَهَا فَقَدْ أتَى بَاباً عَظِيماً مِنْ أبْوَابِ الرّبَا." (كنز العمال: رقم 15070).
[2] الفتوحات المكية: ج4ص489.