كتاب شمس المغرب
سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف
هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب
وكذلك ذكر الشيخ رضي الله عنه طرقا مختلفة تتجسد له بها الأرواح فيتعلم منهم ويعلّمهم، فقال شعرا في الباب الثاني والسبعين وهو باب أسرار الحج في آخر الجزء الأول من الفتوحات المكية:
فمنهم من تجسّد لي بأرضٍ |
|
ومنهم من تجسّد في الهواء |
وذلك في تجسد الأرواح المفارقة لاجتماع أجسامها في الحياة الدنيا المسمى موتاً، حيث رأى الشيخ الأكبر منهم جماعة متجسدين من الأنبياء والملائكة والصالحين من الصحابة وغيرهم وهم يتجسدون في صور المعاني المتجسدة في صور المحسوسات؛ فإذا تجلّى المعنى وظهر في صورة حسية تبعه الروح في صورة ذلك الجسد كان ما كان؛ لأن الأرواح المدبرة تطلب الأجسام طلباً ذاتياً فحيثما ظهر جسم أو جسد، حسّاً كان ذلك أو معنى، تجسد كالعمل الصالح في صورة شاب حسن الوجه والنشأة والرائحة فإن الروح تلزمه أبداً.[1]
وقال صدر الدين القونوي تلميذ ابن العربي أن شيخه كان متمكناً من الاجتماع بروح من شاء من الأنبياء والأولياء الماضين وذلك من خلال ثلاثة طرق: إن شاء الله استنزل روحانيته في هذا العالم وأدركه متجسداً في صورة مثالية شبيهة بصورته الحسّية العنصرية التي كانت له في حياته الدنيا، وإن شاء الله أحضره له في نومه، وإن شاء انسلخ هو عن هيكله واجتمع به.[2]
رؤيته للرسل عليهم الصلاة والسلام
وهكذا فقد رأى الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي جميع الرسل عليهم السلام رؤية عين، والتقى ببعضهم كذلك في مناسبات كثيرة سواء في عالم المثال أو في عالم المُلك. فهو يقول في الفتوحات المكية أنه رأى جميع الرسل والأنبياء كلهم مشاهدة عين وكلّم منهم على وجه الخصوص هوداً أخا عاد. ويضيف أيضاً أنه رأى المؤمنين كلهم مشاهدة عين أيضاً، من كان منهم ومن يكون إلى يوم القيامة، أظهرهم الحق له في صعيد واحد في زمانين مختلفين. ثم يضيف فيقول:
[1] الفتوحات المكية: ج1ص755.
[2] صدر الدين القونوي، "الإسفار عن رسالة الأنوار"، ص102.