موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

تراجم الشيوخ والعلماء والأعيان


عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى العدوي القرشي أبي حفص

نبذة مختصرة:

عمر بن الْخطاب - رَضِي الله عَنهُ - هُوَ [الإِمَام] عمر [بن الْخطاب] بن نفَيْل بن عبد الْعُزَّى بن ريَاح - بِكَسْر الرَّاء وَتَخْفِيف التَّحْتَانِيَّة آخر الْحُرُوف - بن قرط رزاح بن عدي بن كَعْب بن لؤَي. أَمِير الْمُؤمنِينَ، أَبُو حَفْص الْقرشِي الْعَدْوى، الْفَارُوق. عَن جَابر قَالَ رَسُول لله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- ((لَا يبغض أَبَا بكر وَعمر مُؤمن وَلَا يحبهما مُنَافِق)) . أحد الْعشْرَة الْمَشْهُود لَهُم بِالْجنَّةِ، وَثَانِي الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة.
تاريخ الولادة:
-40 هـ
مكان الولادة:
مكة المكرمة - الحجاز
تاريخ الوفاة:
23 هـ
مكان الوفاة:
المدينة المنورة - الحجاز
الأماكن التي سكن فيها :
  • المدينة المنورة - الحجاز
  • مكة المكرمة - الحجاز

اسم الشهرة:

عمر بن الخطاب

ما تميّز به:

    الشيوخ الذين قرأ عليهم وتأثر بهم:

      بعض تلاميذه الذين تأثروا به:

      • عبد الرحمن بن هنيدة القرشي
      • عبد الله الأصغر بن عامر بن ربيعة أبي محمد العدوي العنزي
      • عبد الرحمن بن غنم بن كريز الأشعري
      • عبد الله بن ثوب أبي مسلم الخولاني اليماني الشامي
      • مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية الأموي القرشي أبي عبد الملك
      • سعيد بن المسيب بن حزن القرشي المخزومي أبي محمد
      • عبد الله بن أبي الحسين بن بشران القرشي
      • فرات بن زيد الليثي
      • كثير بن شهاب بن الحصين الحارثي المازني أبي عبد الرحمن
      • حضين بن المنذر بن الحارث الرقاشي أبي ساسان
      • عبد الله بن سرجس المزني المخزومي البصري
      • عبد الملك بن حبيب الأسدي أبي عمران
      • عمران بن تيم العطاردي البصري
      • عمرو بن الأسود أبي عياض العنسي
      • عبد الله بن قيس بن سليم أبي موسى الأشعري اليماني التميمي
      • عمر بن عبد الله بن الأشج
      • عبيد الله بن عدي بن الخيار القرشي النوفلي
      • نفيع أبي رافع الصائغ المدني البصري
      • عبد الله بن الحارث بن نوفل أبي محمد ببه القرشي الهاشمي النوفلي المدني
      • قيس بن عوف بن عبد الحارث بن عوف بن حشيش الأحمسي
      • عبد الرحمن بن أبي ليلى يسار أبي عيسى الأنصاري الكوفي أبي محمد
      • زينب أو رائطة أو رابطة أو ريطة بنت عبد الله بن معاوية الثقفية
      • عامر بن واثلة بن عبد الله بن عمرو بن جحش الليثي الكناني أبي الطفيل
      • معدان بن أبي طلحة اليعمري
      • المسيب بن دارم البصري أبي صالح
      • حماد بن السائب بن بشر الكلبي أبي هشام
      • عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب القرشي العدوي
      • شقيق بن سلمة أبي وائل الأسدي الكوفي
      • أوسط بن إسماعيل البجلي
      • أيوب بن بشير بن سعد أبي سليمان الأنصاري المعاوي المدني
      • حبيب بن صهبان الأسدي الكاهلي الكوفي
      • عمرو بن شرحبيل الهمداني الكوفي أبي ميسرة
      • مسروق بن الأجدع بن مالك بن أمية بن عبد الله الهمداني الوادعي
      • عبد الرحمن بن ملي بن عمرو البصري أبي عثمان النهدي
      • الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي القرشي الحجازي المكي القباع
      • محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي
      • زاذان أبي عمر الكندي الكوفي أبي عبد الله
      • شويس بن جياش أو حياش
      • عبد الله بن الصامت
      • عبد الرحمن بن عائذ أبي عبد الله الأزدي الثمالي الحمصي
      • عمرو بن ميمون الأودي أبي عبد الله
      • أسير بن جابر أبي الخباز يسير
      • لمحات من سيرته وأقوال المؤرخين فيه:

        عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى العدوي القرشي أبي حفص

        عمر بن الْخطاب - رَضِي الله عَنهُ -
        هُوَ [الإِمَام] عمر [بن الْخطاب] بن نفَيْل بن عبد الْعُزَّى بن ريَاح - بِكَسْر الرَّاء وَتَخْفِيف التَّحْتَانِيَّة آخر الْحُرُوف - بن قرط رزاح بن عدي بن كَعْب بن لؤَي. أَمِير الْمُؤمنِينَ، أَبُو حَفْص الْقرشِي الْعَدْوى، الْفَارُوق.
        أحد الْعشْرَة الْمَشْهُود لَهُم بِالْجنَّةِ، وَثَانِي الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة.
        وَأمه خَيْثَمَة بنت هِشَام المخزومية، أُخْت أبي جهل.
        أسلم عمر - رَضِي الله عَنهُ - فِي السّنة السَّادِسَة من النُّبُوَّة وَله سبع وَعِشْرُونَ سنة.

        قَالَ الْحَافِظ [أَبُو عبد الله] الذَّهَبِيّ - ويروى عَن عبد الله بن كَعْب بن مَالك - قَالَ: كَانَ عمر يَأْخُذ بِيَدِهِ الْيُمْنَى أُذُنه الْيُسْرَى ويثب على فرسه؛ فَكَأَنَّمَا خلق على ظَهره.
        [وَعَن ابْن] عمر وَغَيره من وُجُوه جَيِّدَة، أَن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- قَالَ: ((اللَّهُمَّ أعز الْإِسْلَام بعمر بن الْخطاب)) .
        وَقَالَ عِكْرِمَة: لم يزل الْإِسْلَام فِي اختفاء حَتَّى أسلم عمر.
        وَقَالَ سعيد بن جُبَير {وَصَالح الْمُؤمنِينَ} نزلت فِي عمر خَاصَّة.
        وَقَالَ شهر بن حَوْشَب عَن عبد الرَّحْمَن بن غنم: أَن رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- قَالَ لَهُ أَبُو بكر وَعمر: إِن النَّاس يزيدهم حرصا على الْإِسْلَام أَن يرَوا عَلَيْك زيا حسنا من الدُّنْيَا؛ فَقَالَ: أفعل، وأيم الله لَو أنكما تتَّفقَانِ على أَمر وَاحِد مَا عصيتكما فِي مشورة أبدا.
        قلت: وَكَانَت خلَافَة عمر بِعَهْد من أبي بكر الصّديق - رَضِي الله عَنْهُمَا -.
        وَهُوَ أول خَليفَة تسمى بأمير الْمُؤمنِينَ، وَأول من أرخ التَّارِيخ، وَدون الدَّوَاوِين، وَأول من عس بِاللَّيْلِ، وَنهى عَن بيع أُمَّهَات الْأَوْلَاد، وَأول من جمع النَّاس فِي صَلَاة الْجَنَائِز على أَربع تَكْبِيرَات، وَأول من حمل الدرة وَضرب بهَا.

        وَفِي أَيَّامه فتح الْعرَاق جَمِيعه، وَفتح الشَّام جَمِيعه، وَفتحت مصر والأسكندرية، حَتَّى قيل: إِنَّه انتصب فِي مُدَّة خِلَافَته اثْنَا عشر ألف مِنْبَر [فِي الْإِسْلَام] .
        وَحكى بعض المؤرخين: أَن مصر لما فتحت توقف نيلها حَتَّى فَاتَ أَوَانه؛ فَقَالَ المصريون لعَمْرو بن الْعَاصِ: أَيهَا الْأَمِير! إِن عادتنا أَن نَأْخُذ بِنْتا من أحسن النِّسَاء؛ فنلبسها أَفْخَر الْحلِيّ [وَالْحلَل] ونغرقها تَحت المقياس حَتَّى يطلع النّيل؛ فَكتب عَمْرو بن الْعَاصِ إِلَى عمر بذلك؛ فَكتب إِلَيْهِ عمر: ((هَذَا لَا يكون فِي الْإِسْلَام، وَقد بعثت إِلَيْك رقْعَة؛ فالقها فِي النّيل)) .
        وَكَانَ فِيهَا: ((من عبد الله عمر إِلَى نيل مصر. أما بعد: فَإِن كنت تطلع من قبلك فَلَا حَاجَة لنا فِيك، وَإِن كَانَ الله الْوَاحِد القهار الَّذِي يطلعك؛ فنسأل الله الْوَاحِد القهار أَن يطلعك)) فألقاها فِي الْبَحْر؛ فطلع النّيل فِي لَيْلَة وَاحِدَة سِتَّة عشر ذِرَاعا. إنتهى.
        وَكَانَ يحمل إِلَيْهِ خراج الْعرَاق وَالشَّام و [خراج] الْيمن ومصر والأسكندرية وَمَا والاهم. وَمَعَ هَذَا كَانَ فِي ثَوْبه اثْنَتَا عشرَة رقْعَة.
        وَلما حج [عمر] هدم الْمنَازل الَّتِي بجوار الْبَيْت الْحَرَام، وَأعْطى ثمنهَا من بَيت المَال، وزادها فِي الْمَسْجِد الْحَرَام.

        وَمَات عمر -[رَضِي الله عَنهُ]- مقتولا، طعنه أَبُو لؤلؤة فَيْرُوز - غُلَام الْمُغيرَة بن شُعْبَة - بخنجر فِي خاصرته، وَهُوَ فِي صَلَاة الصُّبْح فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء لأَرْبَع بَقينَ من ذِي الْحجَّة -. قَالَه معدان بن أبي طَلْحَة وَزيد بن أسلم، وتابعهما غير وَاحِد -. إنتهى.
        قلت: ودام جريحا، إِلَى أَن توفّي، وَدفن يَوْم الْأَحَد مستهل الْمحرم سنة أَربع وَعشْرين من الْهِجْرَة، وَهُوَ بن أَربع - أَو خمس - وَخمسين سنة؛ [لِأَن مولده كَانَ بعد عَام الْفِيل بِثَلَاث عشرَة سنة] . وَالأَصَح أَنه مَاتَ وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَسِتِّينَ [سنة]- فِي عمر النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- وَأبي بكر الصّديق -[رَضِي الله عَنهُ]-.
        وَكَانَت خِلَافَته عشر سِنِين وَنصفا.
        وَمَات عمر وَلم يعْهَد بالخلافة لأحد، وَجعلهَا شُورَى فِي سِتَّة من الصَّحَابَة الْعشْرَة وهم: عُثْمَان، وَعلي، وَطَلْحَة، وَالزُّبَيْر، وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَسعد -[رضوَان الله عَلَيْهِم]-.

        مورد اللطافة في من ولي السلطنة والخلافة - يوسف بن تغري بردي بن عبد الله الظاهري الحنفي، أبو المحاسن، جمال الدين.

        وَهُوَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بْنُ نُفَيْلِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ رَبَاحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرْطِ بْنِ رِزَاحِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ، يَلْتَقِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَعْبٍ.
        رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الصَّلَاةِ فَأَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ، قَالَ: " بَيْنَمَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً فَبَدَا لَهُ أَنْ يَرْكَبَهَا فَأَقْبَلَتْ عَلَيْهِ، فَقَالَتْ: إِنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا، إِنَّمَا خُلِقْنَا لِلْحِرَاثَةِ "، فَقَالَ مَنْ حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سُبْحَانَ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنِّي آمَنْتُ بِهِ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ» قَالَ: " وَبَيْنَمَا رَجُلٌ فِي غَنَمِهِ إِذْ جَاءَ الذِّئْبُ فَذَهَبَ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهِ فَطَلَبَهُ رَاعِيهَا، فَلَمَّا أَدْرَكَهُ لَفَظَهَا وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: فَمَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبْعِ، يَوْمَ لَا يَكُونُ لَهَا رَاعٍ غَيْرِي ".
        فَقَالَ مَنْ حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سُبْحَانَ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنِّي آمَنْتُ بِهِ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ» .
        وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ عَلَيَّ، وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ، مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثَّدْيَ، وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ دُونَ ذَلِكَ، وَعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ» ، قَالُوا: فَمَاذَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الدِّينُ» .
        وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ رَأَيْتُ قَدْحًا أُتِيتُ بِهِ، فِيهِ لَبَنٌ فَشَرِبْتُ مِنْهُ حَتَّى إِنِّي لَأَرَى الرِّيَّ يَجْرِي فِي أَظْفَارِي، ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِيَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ» .

        قَالُوا فَمَا أَوَّلْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الْعِلْمُ» .
        وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ أَنِّي أَسْتَقِي بِدَلْوٍ بَكَرَةٍ عَلَى قَلِيبٍ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ، فَنَزَعَ نَزْعًا ضَعِيفًا وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ فَاسْتَحَالَتْ غَرْبًا فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ النَّاسِ يَفْرِي فَرِيَّهُ حَتَّى رُوِيَ النَّاسُ وَضَرُبوا بِعَطَنٍ» .
        وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَعَدَ أُحُدًا وَتَبِعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، فَرَجَفَ بِهِمْ فَضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ، فَقَالَ:

        «اثْبُتْ أُحُدُ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ» .
        وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ عنِ أَبِيهِ، قَالَ: اسْتَأْذَنَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعِنْدَهُ نِسَاءٌ مِنْ قُرَيْشٍ يَسْأَلْنَهُ وَيَسْتَكْثِرْنَهُ، عَالِيَةٌ أَصْوَاتُهُنَّ عَلَى صَوْتِهِ، فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ تَبَادَرْنَ الْحِجَابَ فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْحَكُ، فَقَالَ: أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ مَا أَضْحَكَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَجِبْتُ مِنْ هَؤُلَاءِ اللَّاتِي كُنَّ عِنْدِي، فَلَمَّا سَمِعْنَ صَوْتَكَ تَبَادَرْنَ الْحِجَابَ» ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْتَ أَحَقُّ أَنْ يَهَبْنَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقُلْنَ: نَعَمْ، أَنْتَ أَفَظُّ وَأَغْلَظُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِيهًا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ.

        فَصْلٌ
        رُوِيَ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنْتُ جَارًا لِعُمَرَ فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ عُمَرَ، إِنَّ لَيْلَهُ صَلَاةٌ، وَإِنَّ نَهَارَهُ صِيَامٌ، وَفِي حَاجَاتِ النَّاسِ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ سَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ يُرِينِيهِ فِي النَّوْمِ، فَرَأَيْتُهُ مُقْبِلًا مِنْ سُوقِ الْمَدِينَةِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: كَيْفَ أَنْتَ؟ قَالَ بِخَيْرٍ.
        قُلْتُ: مَا كَانَ؟ قَالَ: الْآنَ حِينَ فَرَغْتُ مِنَ الْحِسَابِ، وَاللَّهِ كَادَ عَرْشِي يَهْوِي لَوْلَا أَنِّي وَجَدْتُ رَبًّا رَحِيمًا.
        وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: مَا كَانَ شَيْءٌ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَعْلَمَهُ مِنْ أَمْرِ عُمَرَ، فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ قَصْرًا، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ؟ قَالُوا: لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَخَرَجَ مِنَ الْقَصْرِ، وَعَلَيْهِ مَلْحَفَةٌ كَأَنَّهُ قَدِ اغْتَسَلَ، فَقُلْتُ: كَيْفَ صَنَعْتَ؟ قَالَ: خَيْرًا، كَادَ عَرْشِي يَهْوِي لَوْلَا أَنِّي لَقِيتُ رَبًّا غَفُورًا.
        وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ رَأْسُ عُمَرَ عَلَى فَخْذِي فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَقَالَ لِي: ضَعْ رَأْسِي عَلَى الْأَرْضِ، فَقُلْتُ: وَمَا عَلَيْكَ، كَانَ عَلَى فَخْذِي أَمْ عَلَى الْأَرْضِ.
        قَالَ: ضَعْهُ عَلَى الْأَرْضِ؟ فَوَضَعْتُهُ عَلَى الْأَرْضِ، فَقَالَ: وَيْلِي وَوَيْلُ أُمِّي إِنْ لَمْ يَرْحَمْنِي رَبِّي.
        وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ أَبْشِرْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ مَصَّرَ بِكَ الْأَمْصَارَ وَدَفَعَ بِكَ النِّفَاقَ، وَأَفْشَى بِكَ الرِّزْقَ، فَقَالَ لِي: أَفِي الْإِمَارَةِ تُثْنِي عَلَيَّ؟ قُلْتُ: وَفِي غَيْرِهَا، قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوَدِدْتُ أَنِّي خَرَجْتُ مِنْهَا كَمَا دَخَلْتُ لَا أَجْرٌ وَلَا وِزْرٌ.

        فَصْلٌ
        رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَامَ أُنَاسٌ كُنْتُ فِيهِمْ يَتَرَحَّمُونَ عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ وُضِعَ عَلَى سَرِيرِهِ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ وَرَائِي فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى مَنْكِبِي، فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَتَرَحَّمَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: مَا خَلَّفْتُ أَحَدًا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ مِنْكَ، وَإِنْ كُنْتُ أَظُنُّ لَيَجْعَلَنَّكَ اللَّهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ فَإِنِّي كُنْتُ أُكْثِرُ أَنْ أَسْمَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «قَدْ كُنْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ» ، فَكُنْتُ أَظُنُّ لَيَجْعَلَنَّكَ اللَّهُ مَعَهُمَا.
        وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ مَلَكًا يَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ.

        وَرُوِيَ عَنْهُ، قَالَ: مَا كُنَّا نُنْكِرُ وَنَحْنُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَافِرُونَ، أَنَّ السَّكِينَةَ تَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ.
        وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ كَانَتْ تَكُونُ فِي الْأُمَمِ مُحَدَّثُونَ، فَإِنْ يَكُ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ مِنْهُمْ فَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
        وَفِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ رِجَالٌ يُكلَّمُونَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ، فَإِنْ يَكُ فِي أُمَّتِي مِنْهُمْ أَحَدٌ فَعُمَرُ» .
        وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: وَافَقْتُ رَبِّيَ فِي ثَلَاثٍ: فِي مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ وَفِي الْحِجَابِ وَفِي أُسَارَى بَدْرٍ.

        وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ، هَزَمَ اللَّهُ الْمُشْرِكِينَ، فَقُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ وَأُسِرَ سَبْعُونَ، فَاسْتَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَقَالَ لِي: «مَا تَرَى يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟» فَقُلْتُ: أَرَى أَنْ تُمَكِّنِّي مِنْ فُلَانٍ، قَرِيبٍ لِعُمَرَ، فَأَضْرِبُ عُنُقَهُ، وَتُمَكِّنَ عَلِيًّا مِنْ عُقَيْلٍ فَيَضْرِبُ عُنُقَهُ، وَتُمَكِّنَ حَمْزَةَ مِنْ فُلَانٍ فَيَضْرِبُ عُنُقَهُ، حَتَّى يَعْلَمَ اللَّهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي قُلُوبِنَا هَوَادَةٌ لِلْمُشْرِكِينَ، هَؤُلَاءِ صَنَادِيدُهُمْ وَأَئِمَّتُهُمْ وَقَادَتُهُمْ، فَلَمْ يَهْوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قُلْتُ فَأَخَذَ مِنْهُمُ الْفِدَاءَ، قَالَ عُمَرُ: فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ غَدَوْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا هُوَ قَاعِدٌ وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُمَا يَبْكِيَانِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يُبْكِيكَ أَنْتَ وَصَاحِبُكَ؟ فَإِنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ، وَإِنْ لَمْ أَجِدْ بُكَاءً تَبَاكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُكَ مِنَ الْفِدَاءِ، لَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُكُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ» لِشَجَرَةٍ قَرِيبَةٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى} [الأنفال: 67] إِلَى قَوْلِهِ: {عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 68] فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، قُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ وَفَرَّ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَّتُهُ وَهُشِّمَتِ الْبَيْضَةُ عَلَى رَأْسِهِ، وَسَالَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِهِ

        وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 165] .

        فَصْلٌ
        رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: «وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟» قَالَ: لَا شَيْءَ إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قَالَ: «فَإِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ» .
        قَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَمَا فَرِحْنَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ مَا فَرِحْنَا بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ» .
        قَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ، وَإِنْ كُنْتُ لَا أَعْمَلُ بِأَعْمَالِهِمْ.

        فَصْلٌ فِي ذِكْرِ إِسْلَامِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
        أخبرنا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ السِّمْسَارُ، أخبرنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ وَعَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الرَّازِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَزَّارُ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحُنَيْنِيُّ، حَدَّثَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: تُحِبُّونَ أَنْ أُخْبِرَكُمْ بِبَدْءِ إِسْلَامِي؟ قُلْنَا: نَعَمْ.
        قَالَ: كُنْتُ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَيْنَمَا أَنَا فِي يَوْمٍ حَارٍّ شَدِيدِ الْحَرِّ بِالْهَاجِرَةِ فِي بَعْضِ طُرُقِ مَكَّةَ، إِذْ لَقِيَنِي رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ قُلْتُ: أُرِيدُ ذَاكَ الرَّجُلَ الَّذِي غَيَّرَ الدِّينَ، فَقَالَ: عَجَبًا لَكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، تَزْعُمُ هَكَذَا، وَقَدْ دَخَلَ عَلَيْكَ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ فِي بَيْتِكَ، قُلْتُ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: أُخْتُكَ قَدْ أَسْلَمَتْ، قَالَ: فَرَجَعْتُ مُغْضَبًا حَتَّى قَرَعْتُ الْبَابَ، قَالَ: وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ أَوِ الرَّجُلَانِ مِمَّنْ لَا شَيْءَ عِنْدَهُمَا ضَمَّهُمَا إِلَى رَجُلٍ بِيَدِهِ قُوَّةٌ فَيَكُونَانِ مَعَهُ وَيُصِيبَانِ مِنْ فَضْلِ طَعَامِهِ، وَقَدْ كَانَ ضَمَّ إِلَى زَوْجِ أُخْتِي رَجُلَيْنِ، فَلَمَّا قَرَعْتُ الْبَابَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قُلْتُ: ابْنُ الْخَطَّابِ، فَبَادَرَ الْقَوْمُ، وَتَوَارَوْا مِنِّي، وَقَدْ كَانُوا يَقْرَءُونَ صَحِيفَةً بَيْنَ أَيْدِيهِمْ فَنَسُوهَا وَتَرَكُوهَا وَسْطَ الْبَيْتِ، فَقَامَتْ أُخْتِي فَفَتَحَتِ الْبَابَ، فَقُلْتُ: يَا عَدُوَّةَ نَفْسِهَا صَبَوْتِ، وَضَرَبْتُهَا بِشَيْءٍ فِي يَدِي

        عَلَى رَأْسِهَا فَسَالَ الدَّمُ، فَلَمَّا رَأَتِ الدَّمَ، بَكَتْ وَقَالَتْ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ مَا كُنْتَ فَاعِلًا فَافْعَلْ، فَقَدْ أَسْلَمْتُ، فَدَخَلْتُ مُغْضَبًا حَتَّى جَلَسْتُ عَلَى السَّرِيرِ، فَنَظَرْتُ إِلَى الصَّحِيفَةِ وَسْطَ الْبَيْتِ، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ الصَّحِيفَةُ؟ أَعْطِنِيهَا، فَقَالَتْ: لَسْتَ مِنْ أَهْلِهَا؛ أَنْتَ لَا تَغْتَسِلُ مِنَ الْجَنَابَةِ وَلَا تَتَوَضَّأُ وَهَذَا لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ.
        فَلَمْ أَزَلْ بِهَا حَتَّى أَعْطَتْنِيهَا فَنَظَرْتُ فِيهَا فَإِذَا فِيهَا: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَلَمَّا قرأت الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ذُعِرْتُ مِنْ ذَلِكَ، فَأَلْقَيْتُ الصَّحِيفَةَ ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى نَفْسِي فَأَخَذْتُهَا فَإِذَا فِيهَا {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الحديد: 1] فَكُلَّمَا مَرَّ بِيَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ ذُعِرْتُ مِنْهُ، ثُمَّ تَرْجِعُ إِلَيَّ نَفْسِي حَتَّى بَلَغْتُ. . {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} [الحديد: 7] قُلْتُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَلَمَّا سَمِعَ الْقَوْمُ خَرَجُوا إِلَيَّ مُبَادِرِينَ فَكَبَّرُوا ثُمَّ قَالُوا: أَبْشِرْ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ أَعِزَّ دِينِكَ بِأَحَبِّ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ، إِمَّا أَبِي جَهْلٍ، وَإِمَّا عُمَرَ بْنُ الْخَطَّابِ» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَإِنَّا نَرْجُو أَنْ تَكُونَ دَعْوَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكَ، قُلْتُ: أَخْبِرُونِي بِمَكَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا عَرَفُوا مِنِّي الصِّدْقَ وَأَخْبَرُونِي

        بِمَكَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا هُوَ فِي بَيْتٍ فِي أَسْفلِ الصَّفَا فَرُحْتُ حَتَّى قَرَعْتُ الْبَابَ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ: ابْنُ الْخَطَّابِ، وَقَدْ عَلِمُوا شِدَّتِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَعْلَمُوا بِإِسْلَامِي فَمَا اجْتَرَأَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يَفْتَحُ لِيَ الْبَابَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «افْتَحُوا لَهُ فَإِنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يَهْدِهِ» ، فَفَتَحُوا لِيَ الْبَابَ وَأَخَذَ رَجُلَانِ بِعَضُدِي حَتَّى جَاءَا بِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «خَلُّوهُ» ، فَخَلُّوا عَنِّي، فَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذَ بِمَجْمَعِ قَمِيصِي، ثُمَّ جَبَذَنِي إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَسْلِمْ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، اللَّهُمَّ اهْدِهِ» ، فَقُلْتُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ.
        فَكَبَّرَ الْمُسْلِمُونَ تَكْبِيرَةً بِطُرُقِ مَكَّةَ، وَقَدْ كَانُوا مُسْتَخْفِينَ، ثُمَّ خَرَجْتُ، فَكُنْتُ لَا أَشَاءُ أَرَى رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِذَا أَسْلَمَ يُجْتَمَعُ عَلَيْهِ فَيُضْرَبُ وَلَا يُصِيبُنِي مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا بِشَيْءٍ، فَجِئْتُ إِلَى خَالِي، فَكَانَ شَرِيفًا، فَقَرَعْتُ عَلَيْهِ الْبَابَ، فَقُلْتُ: أَعَلِمْتَ أَنِّي صَبَوْتُ؟ قَالَ: وَفَعَلْتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ.
        قَالَ: لَا تَفْعَلْ.
        قُلْتُ: قَدْ فَعَلْتُ.
        قَالَ: لَا تَفْعَلْ، فَدَخَلَ فَأَجَافَ الْبَابَ دُونِي فَذَهَبْتُ إِلَى رَجُلٍ مِنْ عُظَمَاءِ قُرَيْشٍ أَيْضًا فَقَرَعْتُ عَلَيْهِ بَابَهُ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ: ابْنُ الْخَطَّابِ.
        فَخَرَجَ إِلَيَّ،

        فَقُلْتُ لَهُ مِثْلَ مَقَالَتِي لِخَالِي.
        أَمَا عَلِمْتَ أَنِّي صَبَوْتَ؟ فَقَالَ: أَفَعَلْتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ.
        قَالَ: لَا تَفْعَلْ، قُلْتُ: قَدْ فَعَلْتُ، فَدَخَلَ فَأَجَافَ الْبَابَ دُونِي، فَقُلْتُ: مَا هَذَا بِشَيْءٍ، فَقَالَ لِي رَجُلٌ: أَتُحِبُّ أَنْ تُظْهِرَ إِسْلَامَكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِذَا اجْتَمَعَ النَّاسُ فِي الْحِجْرِ فَأْتِ فُلَانًا، لِرَجُلٍ لَمْ يَكْتُمِ السِّرَّ، فَقُلْ لَهُ فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ، فَإِنَّهُ سَيَظْهَرُ عَلَيْكَ فَلَمَّا اجْتَمَعَ النَّاسُ فِي الْحِجْرِ جِئْتُ إِلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ فَأَصْغَيْتُ إِلَيْهِ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ، فَقُلْتُ: أَعَلِمْتَ أَنِّي صَبَوْتُ؟ قَالَ: صَبَوْتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ.
        فَرَفَعَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: أَلَا إِنَّ ابْنَ الْخَطَّابِ قَدْ صَبَأَ، فَثَارَ إِليَّ النَّاسُ فَضَرَبُونِي وَضَرَبْتُهُمْ، فَقَالَ خَالِي: مَا هَذِهِ الْجَمَاعَةُ؟ قِيلَ: ابْنُ الْخَطَّابِ قَدْ صَبَأَ.
        فَقَامَ عَلَى الْحِجْرِ، ثُمَّ أَشَارَ بِكُمِّهِ أَلَا إِنِّي أَجَرْتُ ابْنَ أُخْتِي فَانْكَشَفَ النَّاسُ عَنِّي، فَكُنْتُ لَا أَزَالُ أَرَى إِنْسَانًا يُضْرَبُ وَلَا يُصِيبُنِي مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، فَقُلْتُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ حَتَّى يُصِيبَنِي مَا يُصِيبُ النَّاسَ وَأُضْرَبُ كَمَا يُضْرَبُونَ، فَأَتَيْتُ خَالِي وَالنَّاسُ مُجْتَمِعُونَ فِي الْحِجْرِ، فَقُلْتُ: يَا خَالُ، فَقَالَ: مَا تَشَاءُ يَا ابْنَ أُخْتِي، قُلْتُ: أَشَاءُ أَنَّ جِوَارَكَ عَلَيْكَ رَدٌّ، قَالَ: لَا تفعلْ يَا ابْنَ أُخْتِي، قُلْتُ: جِوَارُكَ عَلَيْكَ رَدٌّ، قَالَ: لَا تَفْعَلْ، قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: فَمَا شِئْتَ، فَمَا زِلْتُ أَضْرِبُ النَّاسَ وَيَضْرِبُونِي حَتَّى أَعَزَّ اللَّهُ الْإِسْلَامَ وَنَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

        فَصْلٌ
        رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: وَعُمَرُ سَمَّيْتُمُوهُ الْفَارُوقَ أَصَبْتُمُ اسْمَهُ.

        وَقَالَ مُسْلِمٌ الْبَطِينُ:
        أَنَّى تُعَاتِبُ - لَا أَبَالَكَ - رُفْقَةً ... عَلِقُوا الْفِرَى وَبَرَوْا مِنَ الصِّدِّيقِ
        وَبَرَوْا شِفَاهًا مِنْ وَزِيرِ نَبِيِّهِمْ ... تَبًّا لِمَنْ يَنْبِرِي مِنَ الْفَارُوقِ.

        فَصْلٌ
        رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: لَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ ابْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَمْ تَعْلَمْ قُرَيْشٌ بِإِسْلَامِهِ، قَالَ: أَيُّ أَهْلِ مَكَّةَ أَنْشَرُ لِلْحَدِيثِ؟ قَالُوا: جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرٍ الْجُمَحِيُّ، قَالَ: فَخَرَجَ إِلَيْهِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَأَنَا أَتَّبِعُ أَثَرَهُ غُلَامًا، أَعْقِلُ مَا أَرَى وَأَرْوِي مَا أَسْمَعُ، فَقَالَ: يَا جَمِيلُ هَلْ عَلِمْتَ أَنِّي أَسْلَمْتُ؟ قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا رَدَّ عَلَيْهِ كَلِمَةً حَتَّى قَامَ عَامِدًا إِلَى الْمَسْجِدِ فَنَادَى أَنْدِيَةَ قُرَيْشٍ: أَنَّ ابْنَ الْخَطَّابِ صَبَأَ فَقَالَ عُمَرُ: كَذِبَ، وَلَكِنِّي أَسْلَمْتُ، وَآمَنْتُ بِاللَّهِ، وَصَدَّقْتُ رَسُولَهُ، فَثَارُوا إِلَيْهِ، فَقَاتَلَهُمْ، وَقَاتَلُوهُ حَتَّى رَكَدَتِ الشَّمْسُ عَلَى رُءُوسِهِمْ، وَفَتَرَ عُمَرُ، وَقَامُوا عَلَى رَأْسِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: افْعَلُوا مَا بَدَا لَكُمْ، فَوَاللَّهِ لَوْ قَدْ كُنَّا ثَلَاثَ مِائَةِ رَجُلٍ لَقَدْ تَرَكْتُمُوهَا لَنَا، أَوْ تَرَكْنَاهَا لَكُمْ،

        قَالَ: فَبَيْنَمَا هُمْ قِيَامٌ عَلَيْهِ، إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ عَلَيْهِ حُلَّةٌ حَبِرَةٌ وَقَمِيصٌ مُوَشَّى، فَقَالَ: مَا لَكُمْ؟ قَالُوا: صَبَأَ ابْنُ الْخَطَّابِ، قَالَ: فَمَهْ، امْرُءٌ اخْتَارَ لِنَفْسِهِ دِينًا، فَتَظُنُّونَ أَنَّ بَنِي عَدِيٍّ تُسْلِمُ لَكُمْ صَاحِبَكُمْ، فَوَاللَّهِ لَكَأَنَّمَا كَانُوا ثَوْبًا انْكَشَفَ عَنْهُ، فَقُلْتُ: لَهُ بُعْدٌ بِالْمَدِينَةِ: يَا أَبَتِ مَنِ الرَّجُلُ الَّذِي رَدَّ عَنْكَ الْقَوْمَ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: يَا بُنَيَّ، الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ.

        فَصْلٌ
        رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَفْرَسُ النَّاسِ ثَلَاثَةٌ: الْعَزِيزُ حِينَ تَفَرَّسَ فِي يُوسُفَ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: {أَكْرِمِي مَثْوَاهُ} [يوسف: 21] ،

        وَالْمَرْأَةُ الَّتِي أَتَتْ مُوسَى، فَقَالَتْ لِأَبِيهَا: {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ} [القصص: 26] وَأَبُو بَكْرٍ حِينَ اسْتَخَلَفَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

        فَصْلٌ
        رُوِيَ عَنْ حَفْصَةَ أَنَّهَا سمعت أَبَاهَا، يَقُولُ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي قَتْلًا فِي سَبِيلِكَ، وَوَفَاةً فِي بَلَدِ نَبِيِّكَ، قَالَتْ: قُلْتُ: وَأَنَّى ذَلِكَ؟ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِأَمْرِهِ أَنَّى شَاءَ.

        فَصْلٌ فِي ذِكْرِ قَتْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
        أخبرنا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ السِّمْسَارُ، أخبرنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا أَبُو خَلِيفَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، قَالَ: سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الْقَطَوَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غَيَّاثٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونَ، قَالَ: شَهِدْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَبْلَ أَنْ يُصَابَ بِأَيَّامٍ بِالْمَدِينَةِ وَقَفَ عَلَى حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، وَعُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ، فَقَالَ: كَيْفَ فَعَلْتُمَا؟ أَتَخَافَانِ أَنْ تَكُونَا حَمَّلْتُمَا الْأَرْضَ مَا لَا تُطِيقُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ لَوْ أَضْعَفْتَ عَلَيْهَا حُمِلَتْ، وَقَالَ عُثْمَانُ: حَمَّلْنَاهَا أَمْرًا هِيَ لَهُ مُطِيقَةٌ وَمَا فِيهَا كَبِيرٌ، فَقَالَ: إِنْ سَلَّمَنِي اللَّهُ لَأَدَعَنَّ أَرَامِلَ أَهْلِ الْعِرَاقِ لَا يَحْتَجْنَ إِلَى رَجُلٍ بَعْدِي، فَمَا أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا رَابِعَةُ حَتَّى أُصِيبَ، وَإِنِّي لَقَائِمٌ مَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلَّا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا غَدَاةَ أُصِيبَ، وَكَانَ رُبَّمَا قَرَأَ بِسُورَةِ يُوسُفَ وَالنَّحْلِ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ يُطَوِّلُ ذَلِكَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ، قَالَ: فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ كَبَّرَ فَسَمِعْتُهُ،

        وَهُوَ يَقُولُ: قَتَلَنِي الْعِلْجُ أَوْ قَالَ: قَتَلَنِي الْكَلْبُ، وَكَانَ مَعَ الْعِلْجِ سِكِّينٌ ذَاتُ طَرَفَيْنِ لَا يَمُرُّ عَلَى أَحَدٍ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا إِلَّا طَعَنَهُ حَتَّى طَعَنَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا مَاتَ مِنْهُمْ تِسْعَةٌ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الرَّجُلُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ طَرَحَ عَلَيْهِ بُرْنُسًا، فَلَمَّا ظَنَّ الْعِلْجُ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ نَحَرَ نَفْسَهُ، قَالَ: وَتَنَاوَلَ عُمَرُ بِيَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَقَدَّمَهُ، فَأَمَّا مَنْ يَلِي عُمَرَ فَقَدْ رَأَوْا الَّذِي رَأَوْا، وَأَمَّا مَا فِي نَوَاحِي الْمَسْجِدِ فَلَا يَدْرُونَ إِلَّا أَنَّهُمْ فَقَدُوا صَوْتَ عُمَرَ وَهُمْ يَقُولُونَ سُبْحَانَ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ، قَالَ: فَصَلَّى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ بِالنَّاسِ صَلَاةً خَفِيفَةً، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ عُمَرُ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ انْظُرْ مَنْ قَتَلَنِي؛ فَجَالَ سَاعَةً، ثُمَّ جَاءَ، فَقَالَ: أَبُو لُؤْلُؤَةَ عَبْدٌ لِمُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ، فَقَالَ: الصنع؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: قَاتَلَهُ اللَّهُ، لَقَدْ كُنْتُ أَمَرْتُ بِهِ مَعْرُوفًا فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلْ مَيْتَتِي بِيَدِ رَجُلٍ يَدَّعِي الْإِسْلَامَ، وَقَدْ كُنْتَ أَنْتَ وَأَبُوكَ تُحِبَّانِ أَنْ تَكْثُرَ الْعُلُوجُ بِالْمَدِينَةِ، قَالَ: وَكَانَ الْعَبَّاسُ مِنْ أَكْثَرِهِمْ رَقِيقًا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنْ شِئْتَ فَعَلْنَا، أَيْ: إِنْ شِئْتَ قَتَلْنَا، فَقَالَ: أَبَعْدَ مَا تَكَلَّمُوا بِلِسَانِكُمْ وَصَلُّوا إِلَى قِبْلَتِكُمْ وَحَجُّوا حَجَّكُمْ، قَالَ: فَاحْتُمِلَ إِلَى بَيْتِهِ، فَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ تُصِبْهُمْ مُصِيبَةٌ قَبْلَ يَوْمَئِذٍ، فَقَائِلٌ يَخَافُ، وَقَائِلٌ لَا بَأْسَ، فَأُتِيَ بِنَبِيذٍ يَعْنِي مَاءً طُرِحَ فِيهِ التَّمْرُ فَشَرِبَ مِنْهُ، فَخَرَجَ مِنْ جُرْحِهِ فَعَرَفُوا أَنَّهُ مَيِّتٌ، فَوَلَجَ النَّاسُ يَثْنُونَ عَلَيْهِ، وَجَاءَ شَابٌّ، فَقَالَ: أَبْشِرْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، كَانَتْ لَكَ صُحْبَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقِدَمٌ فِي الْإِسْلَامِ، ثُمَّ وُلِّيتَ، فَعَدَلْتَ، ثُمَّ شَهَادَةٌ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا ابْنَ أَخِي لَوَدِدْتُ أَنَّ ذَلِكَ كَفَافٌ لَا عَلَيَّ وَلَا لِي، فَلَمَّا أَدْبَرَ إِذَا إِزَارُهُ مَسَّ الْأَرْضَ، فَقَالَ: رُدُّوا عَلَيَّ الْفَتَى، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي ارْفَعْ ثَوْبَكَ، فَإِنَّهُ أَتْقَى لِرَبِّكَ، وَأَنْقَى لِثَوْبِكَ، ثُمَّ قَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، انْظُرُوا مَا عَلَيَّ مِنَ الدَّيْنِ فَاحْسِبُوهُ، فَحَسَبُوهُ فَوَجَدُوهُ سِتَّةً وَثَمَانِينَ أَلْفًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنْ وَفَّى مَالُ آلِ عُمَرَ فَأَدُّوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَفِ فَسَلُوا فِي بَنِي عَدِيٍّ بَنِي كَعْبٍ فَإِنْ لَمْ يَفِ، فَسَلُوا فِي قُرَيْشٍ، وَلَا تَعُدُّوهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ فَأَدُّوا عَنِّي هَذَا الْمَالَ، اذْهَبْ إِلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَسَلِّمْ ثُمَّ اسْتَأْذِنْ، ثُمَّ قُلْ يَقْرَأُ عَلَيْكِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ السَّلَامَ، وَلَا تَقُلْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنِّي لَسْتُ الْيَوْمَ لِلْمُؤْمِنِينَ بِأَمِيرٍ، قَالَ: فَاسْتَأْذَنَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَدَخَلَ فَوَجَدَهَا قَاعِدَةً تَبْكِي، فَقَالَ: اسْتَأْذَنَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ، فَقَالَتْ: قَدْ كُنْتُ أُرِيدُهُ لِنَفْسِي وَلَأُوثِرَنَّهُ الْيَوْمَ عَلَى نَفْسِي، فَلَمَّا أَقْبَلَ، قِيلَ: هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، فَدَخَلَ فَقَالَ: أَقْعِدْنِي فَأَسْنَدَهُ رَجُلٌ إِلَيْهِ، فَقَالَ: مَا لَدَيْكَ؟ فَقَالَ: الَّذِي تُحِبُّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَذِنَتْ لَكَ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، مَا كَانَ شَيْءٌ أَهَمَّ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ الْمَضْجَعِ، إِذَا أَنَا مِتُّ فَاحْتَمِلُونِي، ثُمَّ سَلِّمْ، وَقُلْ: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ، فَإِنْ أَذِنَتْ لِي فَأَدْخِلُونِي وَإِلَّا فَرُدُّونِي إِلَى مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ: وَجَاءَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ حَفْصَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَنِسَاءٌ يَسْتُرْنَهَا، فَلَمَّا رَأَيْنَاه

        قُمْنَا فَوَلَجَتْ عَلَيْهِ فَمَكَثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً، ثُمَّ اسْتَأَذَنَ الرِّجَالُ، فَوَلَجَتْ وَكُنَّا نَسْمَعُ بُكَاءَهَا مِنْ دَاخِلٍ، فَقَالُوا لَهُ: أَوْصِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَاسْتَخْلِفْ، قَالَ: مَا أَجِدُ أَحَدًا أَحَقُّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْ هَؤُلَاءِ النَّفَرِ أَوِ الرَّهْطِ الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ، قَالَ: فَسَمَّى عَلِيًّا وَعُثْمَانَ وَالزُّبَيْرَ وَطَلْحَةَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَسَعْدًا، وَقَالَ: لِيَشْهَدْكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَلَيْسَ لَهُ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ، وَقَالَ: إِنْ أَصَابَتْ سَعْدًا، فَهُوَ ذَاكَ، وَإِلَّا فَلْيَسْتَعِنْ بِهِ أَيُّكُمْ أُمِّرَ فَإِنِّي لَمْ أَعْزِلْهُ مِنْ عَجْزٍ وَلَا خِيَانَةٍ، ثُمَّ قَالَ: أُوصِي الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي بِتَقْوَى اللَّهِ، وَأُوصِيهِ بِالْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ أَنْ يَعْرِفَ لَهُمْ حَقَّهُمْ، وَأَنْ يَحْفَظَ حُرْمَتَهُمْ وَأُوصِيهِ بِالْأَنْصَارِ خَيْرًا الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلُ أَنْ يَقْبَلَ مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَيَعْفُو عَنْ مُسِيئِهِمْ، وَأُوصِيهِ بِأَهْلِ الْأَمْصَارِ خَيْرًا، فَإِنَّهُمْ رَدْءُ الْإِسْلَامِ، وَجُبَاةُ الْمَالِ، وَغَيْظُ الْعَدُوِّ، وَأَنْ لَا يُؤْخَذَ مِنْهُمْ إِلَّا فَضْلُهُمْ عَنْ رِضًى مِنْهُمْ، وَأُوصِيهِ بِالْأَعْرَابِ خَيْرًا، فَإِنَّهُمْ أَصْلُ الْعَرَبِ وَمَادَّةُ الْإِسْلَامِ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ حَوَاشِي أَمْوَالِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، وَأُوصِيهِ بِذِمَّةِ اللَّهِ وَذِمَّةِ رَسُولِهِ أَنْ يُوَفِّيَ لَهُمْ بَعْدَهُمْ، وَأَنْ يُقَاتِلَ مِنْ وَرَائِهِمْ وَأَنْ لَا يُكَلَّفُوا مَا لَا طَاقَةَ لَهُمْ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَخْرَجْنَاهُ، فَانْطَلَقْنَا نَمْشِي مَعَهُ، قَالَ: فَسَلَّمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَاسْتَأَذَنَ، وَقَالَ: أَسْتَأْذِنُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَتْ: أَدْخِلُوهُ، فَأُدْخِلَ فَوُضِعَ هُنَاكَ مِنْ صَاحِبَيْهِ، فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ دَفْنِ عُمَرَ

        رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، رَجَعُوا وَاجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ الرَّهْطُ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَجْمِعُوا وَاجْعَلُوا أَمْرَكُمْ إِلَى ثَلَاثَةٍ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ: قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عَلِيٍّ، وَقَالَ طَلْحَةُ: قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عُثْمَانَ، وَقَالَ سَعْدٌ: قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَيُّكُمْ يَبْرَأُ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ وَيَجْعَلُهُ إِلَيْهِ، وَلِلَّهِ عَلَيْهِ وَالْإِسْلَامِ لَيُنْصَرَنَّ أَفْضَلُهُمْ فِي نَفْسِهِ، وَلَيَحْرِصَنَّ عَلَى صَلَاحِ الْأُمَّةِ، قَالَ: فَأُسْكِتَ الشَّيْخَانِ عَلِيٌّ وَعُثْمَانَ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَفَتَجْعَلُونَهُ إِلَيَّ؟ وَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ لَا آلُو عَنْ أَفْضَلِكُمْ، فَقَالَا: نَعَمْ.
        فَأَخَذَ بِيَدِ أَحَدِهِمَا فَقَالَ: لَكَ قَرَابَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِدَمٌ فِي الْإِسْلَامِ، وَمَا قَدْ عَلِمْتَ فَلِلَّهِ عَلَيْكَ إِنْ أَنَا قَدْ أَمَّرْتُكَ لَتَعْدِلَنَّ، وَإِنْ أَمَّرْتُ عُثْمَانَ لَتَسْمَعَنَّ وَلَتُطِيعَنَّ، قَالَ: ثُمَّ خَلَا عَنْهُ وَخَلَا بِالْآخَرِ، فَقَالَ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ، فَلَمَّا أَخَذَ الْمِيثَاقَ، قَالَ: يَا عُثْمَانُ ادْفَعْ يَدَكَ، فَبَايَعَهُ وَبَايَعَهُ عَلِيُّ وَوَلَجَ أَهْلُ الدَّارِ فَبَايَعُوهُ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونَ، قَالَ: شَهِدْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حِينَ طُعِنَ فَمَا مَنَعَنِي أَنْ أَكُونَ فِي الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ إِلَّا هَيْبَتُهُ، وَكَانَ مُثِيبًا، وَكُنْتُ فِي الصَّفِّ الَّذِي يَلِيهِ وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

        لَا يُكَبِّرُ حَتَّى يَسْتَقْبِلَ الصَّفَّ الْمُقَدَّمَ بِوَجْهِهِ فَإِذَا رَأَى رَجُلًا مُتَقَدِّمًا عَلَى الصَّفِّ أَوْ مُتَأَخِّرًا ضَرَبَهُ بِالدِّرَّةِ، فَذَلِكَ الَّذِي مَنَعَنِي مِنْهُ.
        وَفِي رِوَايَةِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ: لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَخَلْتُ، فَأَخَذْتُ بِعَضَادَتِي الْبَابَ، فَقُلْتُ كَيْفَ تَرَوْنَهُ؟ فَقَالُوا: كَمَا تَرَى، قُلْتُ: فَأَيْقِظُوهُ بِالصَّلَاةِ، فَإِنَّكُمْ لَنْ تُوقِظُوهُ بِشَيْءٍ أَفْزَعَ لَهُ مِنَ الصَّلَاةِ، فَقُلْتُ: الصَّلَاةُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ: الصَّلَاةُ، وَلَاحَظَّ فِي الْإِسْلَامِ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى وَجُرْحُهُ يَسْكُبُ دَمًا

        فَصْلٌ وَمِمَّا وَرَدَ فِي فَضَائِلِهِ بِالْإِسْنَادِ الْغَرِيبِ
        أخبرنا طَرَّادُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيُّ بِمَكَّةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْغِفَارِيُّ الْمَدِينِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

        «عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ سِرَاجُ أَهْلِ الْجَنَّةِ»
        أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْخِرَقِيُّ، أخبرنا عَلِيُّ بْنُ أَبِي حَامِدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أخبرنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّيْبُلِيُّ بِمَكَّةَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الصَّائِغُ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُبَيْسِ بْنِ مَرْحُومٍ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ عَرَبِيٍّ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ سَهْلٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي أَرْوَى الدَّوْسِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا فَطَلَعَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَقَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَيَّدَنِي بِكُمَا»

        أخبرنا الْمُطَهَّرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَيِّعُ، أخبرنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يَحْيَى بْنِ جَعْفَرٍ إِمَامُ الْجَامِعِ، حَدَّثَنَا فَارُوقُ بْنُ عَبْدِ الْكَبِيرِ، حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ الْكَشِّيُّ، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ مَرْوَانَ، حَدَّثَنَا فُرَاتُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ مَيْمُونَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَرَادَ أَنْ يَبْعَثَ رَجُلًا فِي حَاجَةٍ وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ يَمِينِهِ، وَعُمَرُ عَنْ يَسَارِهِ، فَقَالَ لَهُ: أَلَا تَبْعَثَ أَحَدَ هَذَيْنِ، فَقَالَ: «كَيْفَ أَبْعَثُهُمَا وَهُمَا مِنْ هَذَا الدِّينَ بِمَنْزِلَةِ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ مِنَ الرَّأْسِ»
        أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْخِرَقِيُّ، أخبرنا عَلِيُّ بْنُ أَبِي حَامِدٍ الْجُوزْجَانِيُّ، أخبرنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّبِيلِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ حَسَنٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهيمُ بْنُ رُسْتُمَ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَبٍ: أَتَى جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: «أَقْرِئْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ السَّلَامَ وَأَعْلِمْهُ أَنَّ غَضَبَهُ عِزُّ، وَأَنَّ رِضَاهُ عَدْلٌ»

        فَصْلٌ بِلَا إِسْنَادٍ فِي سِيرَتِهِ وَأَحْوَالِهِ
        تُرِكَ إِسْنَادُهُ تَخْفِيفًا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ رَقَّعَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ بِرِقَاعٍ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ.
        وَعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: سمعت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَخَرَجْتُ مَعَهُ حَتَّى دَخَلَ حَائِطًا فَسَمِعْتُهُ وَهُوَ يَقُولُ وَبَيْنِي وَبَيْنَهُ جِدَارٌ وَهُوَ فِي جَوْفِ الْحَائِطِ: عُمَرُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بَخٍ بَخٍ وَاللَّهِ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، لَتَتَّقِيَنَّ اللَّهَ، أَوْ لَيُعَذِّبَنَّكَ.
        قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: مَنْ رَأَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَنَّهُ خُلِقَ غِنَاءً لِلْإِسْلَامِ، وَكَانَ وَاللَّهِ أَحْوَذِيًّا نَسِيجُ وَحْدَهُ، قَدْ أَعَدَّ لِلْأُمُورِ أَقْرَانَهَا.

        وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: عُمَرُ الْفَارُوقُ، أَصَبْتُمُ اسْمَهُ يُفِرِّقُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ.
        وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ، قَالَ: قَرْنٌ مِنْ حَدِيدٍ، أَصَبْتُمُ اسْمَهُ.
        وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: صِفَةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي التَّوْرَاةِ: قَرْنٌ مِنْ حَدِيدٍ، أَمِيرٌ شَدِيدٌ.
        وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «مَا رَأَيْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَّا وَكَأَنَّ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَلَكًا يُسَدِّدُهُ» .

        وَقَالَ: عُمَرُ كَانَ حِصْنًا حَصِينًا لِلْإِسْلَامِ، النَّاسُ يَدْخُلُونَ فِيهِ وَلَا يَخْرُجُونَ مِنْهُ فَأَصْبَحَ الْحِصْنُ قَدِ انْهَدَمَ وَالنَّاسُ يَخْرُجُونَ مِنْهُ وَلَا يَدْخُلُونَ فِيهِ.
        وَقَالَ: إِنْ كَانَ إِسْلَامُ عُمَرَ لَفَتْحًا وَإِنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لَنَصْرًا.

        فَصْلٌ
        أخبرنا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ السِّمْسَارُ، أخبرنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ، حَدَّثَنِي أَخِي نُعْمَانُ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّهَا قَالَتْ لِأَبِيهَا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا عَلَيْكَ لَوْ لَبِسْتَ أَلْيَنَ مِنْ ثَوْبِكَ هَذَا، وَأَكَلْتَ طَعَامًا غَيْرَ هَذَا، قَدْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْأَرْضَ وَأَوْسَعَ الرِّزْقَ، فَقَالَ: أُخَاصِمُكِ إِلَى نَفْسِكِ، أَمَا تَعْلَمِينَ مَا كَانَ يَلْقَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَبْكَاهَا، قَالَ: قُلْتُ لَكِ إِنَّهُ كَانَ لِي صَاحِبَانِ سَلَكَا طَرِيقًا، وَإِنِّي إِنْ سَلَكْتُ غَيْرَ طَرِيقِهِمَا سُلِكَ بِي غَيْرُ طَرِيقِهِمَا، فَإِنِّي وَاللَّهِ لَأُشْرِكَنَّهُمَا فِي مِثْلِ عَيْشِهِمَا الشَّدِيدِ لَعَلِّي أُدْرِكُ مَعَهُمَا عَيْشَهُمَا الرَّخِيَّ يَعْنِي بِصَاحِبَيْهِ: النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
        أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْخِرَقِيُّ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ بُنْدَارٍ الْمَدِينِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ، حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ وَاصِلٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عَلَى كُرْسِيِّ شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ فِي الْكَعْبَةِ، فَقَالَ: لَقَدْ جَلَسَ هَذَا الْمَجْلِسَ عُمَرُ، فَقَالَ: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ لَا أَدَعَ صَفْرَاءَ وَلَا بَيْضَاءَ إِلَّا قَسَّمْتُهَا، فَقُلْتُ: مَا كُنْتَ لِتَفْعَلَ، قَالَ: وَلِمَ؟ قُلْتُ: إِنَّ صَاحِبَيْكَ لَمْ يَفْعَلَا، قَالَ: هُمَا الْمَرْآنِ أَقْتَدِي بِهِمَا

        فَصْلٌ
        رُوِيَ عَنْ أَوْفَى بْنِ حَكِيمٍ، قَالَ: لَمَّا كَانَ الْيَوْمَ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ عُمَرُ خَرَجَ عَلَيْنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: لِلَّهِ دَرُّ بَاكِيَةِ عُمَرَ، وَاعُمَرَاهُ قَوَّمَ الْأَوَدَ، وَأَبَرَّ الْعَمْدَ، وَاعُمَرَاهُ مَاتَ نَقِيُّ الْجَيْبِ قَلِيلُ الْعَيْبِ، وَاعُمَرَاهُ ذَهَبَ بِالسُّنَّةِ وَأَبْقَى الْفِتْنَةَ.
        وَعَنْ مَعْرُوفِ بْنِ أَبِي مَعْرُوفٍ، قَالَ: سُمِعَ صَوْتٌ يَوْمَ أُصِيبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
        لِيَبْكِ عَلَى الْإِسْلَامِ مَنْ كَانَ بَاكِيًا ... فَقَدْ أَوْشَكُوا هَلْكَى وَمَا قَدُمَ الْعَهْدُ
        فَأَدْبَرَتِ الدُّنْيَا وَأَدْبَرَ أهْلُهَا ... وَقَدْ مَلَّهَا مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالْوَعْدِ

        وَعَنْ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ جِدَّتِهِ، قَالَتْ: لَمَّا جَاءَ نَعْيُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَأَنَّ النَّاسَ يَرَوْنَ أَنَّ الْقِيَامَةَ قَدْ قَامَتْ، جَعَلَ الرَّجُلُ يُوصِي كَأَنَّهُمْ قَدْ أَتَاهُمُ الْأَمْرُ.
        وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا نَفَرَ مِنْ مِنًى أَنَاخَ بِالْأَبْطَحِ فَكَوَّمَ كُومَةً مِنْ بَطْحَاءَ فَأَلْقَى عَلَيْهَا طَرَفَ ثَوْبِهِ ثُمَّ اسْتَلْقَى عَلَيْهِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ كَبُرَتْ سِنِّي، وَضَعُفَتْ قُوَّتِي، وَانْتَشَرَتْ رَعِيَّتِي، فَاقْبِضْنِي غَيْرَ مُضَيِّعٍ، وَلَا مُفَرِّطٍ، ثُمَّ قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَخَطَبَ النَّاسَ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ فُرِضَتْ لَكُمُ الْفَرَائِضُ، وَسُنَّتْ لَكُمُ السُّنَّةُ وَتُرِكْتُمْ عَلَى الْوَاضِحَةِ إِلَّا أَنْ تَضِلُّوا بِالنَّاسِ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَمَا انْسَلَخَ ذُو الْحِجَّةِ حَتَّى طُعِنَ فَمَاتَ.

        وَقَالَ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: تُوُفِّيَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً.
        قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: قُتِلَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ لِأَرْبَعِ لَيَالٍ بَقَيْنَ عَنْ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَكَانَتْ خِلَافَتُهُ عَشْرَ سِنِينَ وَنِصْفًا وَأَيَّامًا، وَخِلَافَةُ أَبِي بَكْرٍ سَنَتَيْنِ وَأَشْهُرًا.

        فَصْلٌ فِي الْأَمْرِ بِالِاقْتِدَاءِ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
        أخبرنا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ السِّمْسَارُ، أخبرنا الْفَضْلُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ بُنْدَارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّايِغُ، حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ مَوْلًى لِرِبْعِيٍّ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْتَدُوا بِالَّذِينَ مِنْ بَعْدِي يُشِيرُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَاهْدُوا هَدْيَ عَمَّارٍ، وَتَمَسَّكُوا بِعَهْدِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ»

        فَصْلٌ فِي ذِكْرِ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي فَضْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
        رُوِيَ عَنْ شِبَاكٍ، قَالَ: بَلَغَ عَلِيًّا أَنَّ ابْنَ السَّوْدَاءِ يَنْتَقِصُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَدَعَا بِهِ، وَدَعَا لَهُ بِالسَّيْفِ، وَهَمَّ بِقَتْلِهِ فَكُلِّمَ فِيهِ، فَقَالَ لَا يُسَاكِنُنِي بِبَلْدَةٍ أَنَا فِيهَا، فَسَيَّرَهُ إِلَى الْمَدَائِنِ.
        وَعَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفْلَةَ، قَالَ: مَرَرْتُ بِنَفَرٍ مِنَ الشِّيعَةِ وَهُمْ يَتَنَاوَلُونَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي مَرَرْتُ آنِفًا بِنَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِكَ وَهُمْ يَذْكُرُونَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ بِغَيْرِ الَّذِي هُمَا لَهُ مِنَ الْأَمْرِ أَهْلًا، وَلَوْلَا أَنَّهُمْ يَرَوْنَ أَنَّكَ تُضْمِرُ لَهُمَا بِمِثْلِ مَا أَعْلَنُوا مَا اجْتَرَءُوا عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أُضْمِرَ لَهُمَا، لَعَنَ اللَّهُ مَنْ أَضْمَرَ لَهُمَا إِلَّا الْحَسَنَ الْجَمِيلَ، أَخَوَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَاهُ وَوَزِيرَاهُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا.
        ثُمَّ نَهَضَ دَامِعًا عَيْنَاهُ يَبْكِي قَابِضًا عَلَى يَدَيَّ حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَصَعَدَ الْمِنْبَرَ، فَجَلَسَ عَلَيْهِ مُتَمَكِّنًا قَابِضًا عَلَى لِحْيَتِهِ يَنْظُرُ فِيهَا وَهِيَ بَيْضَاءُ حَتَّى اجْتَمَعَ لَهُ النَّاسُ، ثُمَّ قَامَ فَتَشَهَّدَ بِخُطْبَةٍ بَلِيغَةٍ مُوجَزَةٍ، ثُمَّ قَالَ: مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَذْكُرُونَ سَيِّدَيْ قُرَيْشٍ

        وَأَبَوَيِ الْمُسْلِمِينَ بِمَا أَنَا عَنْهُ مُتَنَزِّهٌ وَعَمَّا يَقُولُونَ بَرِيءٌ، وَعَلَى مَا يَقُولُونَ مُعَاقِبٌ، أَمَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّهُمَا إِلَّا مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ، وَلَا يَبُغِضُهُمَا إِلَّا فَاجِرٌ رَدِيٌّ، صَحِبَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْوَفَاءِ وَالصِّدْقِ يَأْمُرَانِ، وَيَنْهَيَانِ، وَيَقْضِيَانِ، وَيُعَاقِبَانِ، وَلَا يُجَاوِزَانِ رَأْيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرَى مِثْلَ رَأْيِهِمَا رَأْيًا، وَلَا يُحِبُّ كَحُبِّهِمَا أَحَدًا، مَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَنْهُمَا رَاضٍ، وَمَضَيَا وَالْمُؤْمِنُونَ عَنْهُمَا رَاضُونَ، أَمَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى صَلَاةِ الْمُؤْمِنِينَ فَصَلَّى بِهِمْ تِسْعَةَ أَيَّامٍ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قَبَضَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاخْتَارَ لَهُ مَا عِنْدَهُ وَلَّاهُ الْمُؤْمِنُونَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَعْطَوْهُ الْبَيْعَةَ طَائِعِينَ غَيْرَ كَارِهِينَ، أَنَا أَوَّلُ مَنْ سَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَهُوَ لِذَلِكَ كَارِهٌ يَوَدُّ لَوْ أَنَّ أَحَدَنَا كَفَاهُ ذَلِكَ، كَانَ وَاللَّهِ خَيْرَ مَنْ بَقِيَ، أَرْحَمَهُ رَحْمَةً وَأَرْأَفَهُ وَأَبْيَنَهُ وَرَعًا، وَأَقْدَمَهُ سِنًّا وَإِسْلَامًا، شَبَّهَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِيكَائِيلَ رَحْمَةً، وَبِإِبْرَاهِيمَ عَفْوًا وَوَقَارًا، فَسَارَ بِنَا سِيرَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى مَضَى عَلَى ذَلِكَ، رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ، ثُمَّ وَلِيَ الْأَمْرَ بَعْدَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَاسْتَأْمَرَ الْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ، فَمِنْهُمْ مَنْ رَضِيَ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَ، فَكُنْتُ فِيمَنْ رَضِيَ، فَلَمْ يُفَارِقِ الدُّنْيَا حَتَّى رَضِيَ عَنْهُ مَنْ كَانَ كَرِهَهُ، وَأَقَامَ الْأَمْرَ عَلَى مِنْهَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبِهِ يَتَّبِعُ آثَارَهُمَا كَاتِّبَاعِ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّهِ،

        وَكَانَ وَاللَّهِ رَفِيقًا رَحِيمًا بِالضُّعَفَاءِ وَالْمُؤْمِنِينَ، عَوْنًا وَنَاصِرًا لِلْمَظْلُومِينَ عَلَى الظَّالِمِينَ، لَا تَأْخُذُهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ، ثُمَّ ضَرَبَ اللَّهُ بِالْحَقِّ عَلَى لِسَانِهِ، وَجَعَلَ الصِّدْقَ مِنْ شَأْنِهِ، حَتَّى أَنْ كُنَّا لَنَظُنُّ أَنَّ مَلَكًا يَنْطِقُ عَلَى لِسَانِهِ، أَعَزَّ اللَّهُ بِإِسْلَامِهِ الْإِسْلَامَ، وَجَعَلَ هِجْرَتَهُ لِلدِّينِ قِوَامًا، أَلْقَى اللَّهُ لَهُ فِي قُلُوبِ الْمُنَافِقِينَ الرَّهْبَةَ، وَفِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ الْمَحَبَّةَ، شَبَّهَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجِبْرِيلَ فَظًّا غَلِيظًا عَلَى الْأَعْدَاءِ، وَبِنُوحٍ حَنِقًا مُغْتَاظًا عَلَى الْكُفَّارِ، الضَّرَّاءُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ عِنْدَهُ آثَرُ مِنَ السَّرَّاءِ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، مَنْ لَكُمْ بِمِثْلَيْهِمَا؟ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا، وَرَزَقَنَا الْمُضِيَّ عَلَى سَبِيلِهِمَا، فَإِنَّهُ لَا يَبْلُغُ مَبْلَغُهُمَا إِلَّا بِاتِّبَاعِ آثَارِهِمَا وَالْحُبِّ لَهُمَا، فَمَنْ أَحَبَّنِي فَلْيُحِبَّهُمَا، وَمَنْ لَمْ يُحِبَّهُمَا فَقَدْ أَبْغَضَنِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِنْهُ، وَلَوْ كُنْتُ تَقَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ فِي أَمْرِهِمَا لَعَاقَبْتُ عَلَى هَذَا أَشَدَّ الْعُقُوبَةِ، إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ أُعَاقِبَ قَبْلَ التَّقَدُّمِ، أَلَا فَمَنْ أُتِيتُ بِهِ يَقُولُ هَذَا بَعْدَ الْيَوْمِ فَإِنَّ عَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُفْتَرِي، أَلَا وَخَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا: أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وَعُمَرُ الْفَارُوقُ، ثُمَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِالْخَيْرِ أَيْنَ هُوَ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَيَغْفِرُ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ.

        وَفِي رِوَايَةٍ: فَلَمَّا قَبَضَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاخْتَارَ لَهُ مَا عِنْدَهُ وَلَّاهُ الْمُؤْمِنُونَ ذَلِكَ، وَفَوَّضُوا إِلَيْهِ الزَّكَاةَ لِأَنَّهُمَا مَقْرُونَتَانِ، ثُمَّ أَعْطَوْهُ الْبَيْعَةَ.
        وَعَنْ صِلَةَ، قَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا ذُكِرَ عِنْدَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: مَا اسْتَبَقْنَا إِلَى خَيْرٍ قَطُّ إِلَّا سَبَقَنَا إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ.
        وَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَحَدٌ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ بِصَحِيفَتِهِ مِنْ هَذَا الْمَسْجِيِّ عَلَيْهِ - يَعْنِي عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

        فَصْلٌ
        أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْخِرَقِيُّ، أخبرنا الْفَضْلُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، أخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ بُنْدَارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّايِغُ، حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي الْأَشْهَبِ، قَالَ: رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عُمَرَ ثَوْبًا غَسِيلًا، فَقَالَ: «الْبِسْ جَدِيدًا، وَعِشْ حَمِيدًا، وَمُتْ شَهِيدًا، وَيُعْطِيكَ اللَّهُ قُرَّةَ عَيْنٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ»

        قَالَ: وَحَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ زِيَادِ بْنِ فَيَّاضٍ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ عُمَرُ الشَّامَ تَلَقَّاهُ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فَخَاضَ إِلَيْهِ عُمَرُ الْمَاءَ فِي خُفَّيْهِ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّكَ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ فَقَالَ: دَعْنَا مِنْكَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَزَّنَا بِالْإِسْلَامِ، قَالَ: وَقَبَّلَ أَبُو عُبَيْدَةَ يَدَهُ، ثُمَّ خَلَوْا فَجَعَلَا يَبْكِيَانِ

        قَالَ وَحَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: لَوْ أَنَّ عِلْمَ عُمَرَ وُضِعَ فِي كِفَّةِ مِيزَانٍ، وَوُضِعَ عِلْمُ أَهْلِ الْأَرْضِ فِي كِفَّةٍ أُخْرَى رَجَحَ عِلْمُ عُمَرَ

        فَصْلٌ
        رُوِيَ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ زِيَادٍ الْحَارِثِيِّ، أَنَّهُ وَفَدَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَأَعْجَبَتْهُ هَيْئَتَهُ وَنَحْوَهُ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِطَعَامٍ لَيِّنٍ وَمَرْكَبٍ لَيِّنٍ وَمَلْبَسٍ لَيِّنٍ لَأَنْتَ، وَكَانَ أَكَلَ طَعَامًا غَلِيظًا، فَرَفَعَ عُمَرُ جِرِيدَةً كَانَتْ مَعَهُ، فَضَرَبَ بِهَا رَأْسَهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ مَا أَرَاكَ أَرَدْتَ بِهَا اللَّهَ، مَا أَرَدْتَ بِهَا إِلَّا مُقَارَبَتِي، إِنْ كُنْتُ لَأَحْسَبُ أَنْ يَكُونَ فِيكَ خَيْرٌ، وَيْحَكَ، هَلْ تَدْرِي مَا مَثَلِي وَمَثَلَ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: وَمَا مَثَلُكَ وَمَثَلُهُمْ؟ قَالَ: مِثْلُ قَوْمٍ سَافَرُوا فَدَفَعُوا نَفَقَاتِهِمْ إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَقَالُوا: أَنْفِقْ عَلَيْنَا.
        فَهَلْ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَسْتَأْثِرَ مِنْهُمَا بِشَيْءٍ؟ قَالَ: لَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: فَذَاكَ مَثَلِي وَمَثَلُهُمْ، ثُمَّ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنِّي لَمْ أَسْتَعْمِلْهُمْ عَلَيْكُمْ أَنْ يَضْرِبُوا أَبْشَارَكُمْ وَلِيَشْتِمُوا أَعْرَاضَكُمْ وَلِيَأْكُلُوا أمْوَالَكُمْ، وَلَكِنِ اسْتَعْمَلْتُهُمْ لِيُعَلِّمُوكُمْ كِتَابَ رَبِّكُمْ، وَسُنَّةَ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَنْ ظَلَمَهُ عَامِلُهُ بِمَظْلَمَةٍ فَلْيَرْفَعْهَا إِلَيَّ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: أَرَأَيْتَ إِنْ أَدَّبَ أَمِيرٌ رَجُلًا أَتَقُصُّهُ مِنْهُ؟ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَمَالِي لَا أَقُصُّهُ مِنْهُ، وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُصُّ مِنْ نَفْسِهِ، وَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ: «لَا تَضْرِبُوا الْمُسْلِمِينَ فَتُذِلُّوهُمْ، وَلَا تَحْرِمُوهُمْ فَتُكَفِّرُوهُمْ، وَلَا تُجَمِّرُوهُمْ فَتَفْتِنُوهُمْ، وَلَا تُنْزِلُوهُمُ الْغِيَاضَ فَتُضَيِّعُوهُمْ» وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: لَمَّا وَلِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، خَطَبَ النَّاسَ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ: إِنِّي وَاللَّهِ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تُؤْنِسُونَ مِنِّي شِدَّةً وَغِلَظًا، وَذَلِكَ أَنِّي كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكُنْتُ عَبْدَهُ وَخَادِمَهُ وَجِلْوَازَهُ، وَكَانَ كَمَا قَالَ اللَّهُ: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128] وَكُنْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ كَالسَّيْفِ الْمَسْلُولِ إِلَّا أَنْ يَغْمِدَنِي أَوْ يَنْهَانِي عَنْ أَمْرٍ فَأَكُفُّ عَنْهُ، وَإِلَّا أَقْدَمْتُ عَلَى النَّاسِ لِمَكَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ أَزَلْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ رَاضٍ عَنِّي، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى ذَلِكَ كَثِيرًا وَأَنَا بِهِ أَسْعَدُ، ثُمَّ قُمْتُ ذَلِكَ الْعَامَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ خَلِيفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَانَ مَنْ عَلِمْتُمْ فِي كَرَمِهِ وَدِعَتِهِ وَلِينِهِ، وَكُنْتُ خَادِمَهُ وَجِلْوَازَهُ، وَكُنْتُ كَالسَّيْفِ الْمَسْلُولِ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى النَّاسِ، أَخْلِطُ شِدَّتِي بِلِينِهِ، إِلَّا أَنْ يَتَقَدَّمَ إِلَيَّ فَأَكُفُّ وَإِلَّا أَقْدَمْتُ، فَلَمْ أَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ عَنِّي رَاضٍ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَأَنَا أَسْعَدُ بِهِ ثُمَّ جَاءَ أَمْرُكُمْ إِلَيَّ الْيَوْمَ، فَأَنَا أَعْلَمُ أَنْ سَيَقُولُ قَائِلٌ: قَدْ كَانَ مُتَشَدِّدًا عَلَيْنَا وَالْأَمْرُ إِلَى غَيْرِهِ، فَكَيْفَ بِهِ إِذَا صَارَ الْأَمْرُ إِلَيْهِ.
        أَعْلَمُ أَنَّكُمْ لَا تَسْأَلُونَ عَنِّي أَحَدًا، قَدْ عَرَفْتُمُونِي، وَجَرَّبْتُمُونِي، وَقَدْ عَرَفْتُ بِحَمْدِ اللَّهِ مِنْ سُنَّةِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا عَرَفْتُ وَمَا أَصْبَحْتُ نَادِمًا عَلَى شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَسْأَلَ عَنْهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا وَقَدْ سَأَلْتُهُ، وَاعْلَمُوا أَنَّ شِدَّتِي الَّتِي كُنْتُمْ تَرَوْنَ تَزْدَادُ أَضْعَافًا إِذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى الظَّالِمِ وَالْمُعْتَدِي، وَالْأَخْذُ لِلْمُسْلِمِينَ لِضَعِيفِهِمْ مِنْ قَوِيِّهِمْ، وَإِنِّي بَعْدَ شِدَّتِي ذَلِكَ وَاضِعٌ خَدَّيَّ بِالْأَرْضِ لِأَهْلِ الْعَفَافِ وَأَهْلِ الْكَفِّ فِيكُمْ وَالتَّسْلِيمِ، وَإِنِّي لَسْتُ آلِي إِنْ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَحَدٍ مِنْكُمْ شَيْءٌ فِي أَحْكَامِكُمْ أَنْ أَمْشِيَ مَعَهُ إِلَى مَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ، فَيَنْظُرُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ، فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ وَأَعِينُونِي عَلَى أَنْفُسِكُمْ بِكَفِّهَا وَأَعِينُونِي عَلَى نَفْسِي بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَإِحْضَارِي النَّصِيحَةَ فِيمَا وَلَّانِيَ اللَّهُ مِنْ أَمْرِكُمْ.
        قَالَ سَعِيدٌ: فَوَاللَّهِ لَقَدْ وَفَى لِلَّهِ بِمَا قَالَ.
        وَزَادَ فِي مَوْضِعِ الشِّدَّةِ عَلَى أَهْلِ الرَّيْبِ وَالظُّلْمِ، وَالرِّفْقِ بِأَهْلِ الْحَقِّ مَنْ كَانُوا.

        فَصْلٌ
        أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ السِّمْسَارُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي عَمِّي، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي حَرْمَلَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ بِالْحَدِيثِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ.

        فَصْلٌ
        أخبرنا طَرَّادُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيُّ، بِمَكَّةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، وَحَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ الْفَضْلِ الْعَنْزِيُّ، أخبرني إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُبَيْدٍ الْعِجْلِيُّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا عَمَّارُ أَتَانِي جِبْرِيلُ آنِفًا فَقُلْتُ لَهُ: يَا جِبْرِيلُ، حَدِّثْنِي بِفَضَائِلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي السَّمَاءِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ لَوْ حَدَّثْتُكَ بِفَضَائِلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي السَّمَاءِ مِثْلَ مَا لَبِثَ نُوحٌ فِي قَوْمِهِ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا مَا نَفِدَتْ فَضَائِلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَإِنَّ عُمَرَ حَسَنَةٌ مِنْ حَسَنَاتِ أَبِي بَكْرٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
        أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ، أخبرنا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ، /أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَعْفَرٍ الْبَزَّازُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غَيْلَانَ الْخَزَّازُ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجُنَيْدِ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ يَمِينِهِ وَعُمَرُ عَنْ شِمَالِهِ آخِذًا بِأَيْدِيهِمَا، قَالَ: «هَكَذَا نُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»
        وَأخبرنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، أخبرنا هِبَةُ اللَّهِ، أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ،

        أخبرنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُبَشِّرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، حَدَّثَنَا رَبَاحٌ وَهُوَ ابْنُ أَبِي مَعْرُوفٍ الْمَكِّيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جَبُيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: " أَلَا أُخْبِرُكُمَا بِمَثَلِكُمَا فِي الْمَلَائِكَةِ، وَمَثَلِكُمَا فِي الْأَنْبِيَاءِ؟ أَمَّا مَثَلُكَ أَنْتَ يَا أَبَا بَكْرٍ فِي الْمَلَائِكَةِ كَمَثَلِ مِيكَائِيلَ يَنْزِلُ بِالرَّحْمَةِ، وَمَثَلُكَ أَيْضًا فِي الْأَنْبِيَاءِ كَمَثَلِ إِبْرَاهِيمَ، إِذْ كَذَّبَهُ قَوْمُهُ وَصَنَعُوا بِهِ مَا صَنَعُوا، قَالَ: {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [إبراهيم: 36] وَمَثَلُكَ يَا عُمَرُ فِي الْمَلَائِكَةِ مَثَلُ جِبْرِيلَ يَنْزِلُ بِالْبَأْسِ وَالشِّدَّةِ وَالنِّقْمَةِ عَلَى أَعْدَاءِ اللَّهِ وَفِي الْأَنْبِيَاءِ مَثَلُ نُوحٍ، إِذْ قَالَ: {رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نوح: 26]

        فَصْلٌ آخَرُ نَحْذِفُ الْأَسَانِيدَ
        رُوِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ لَقَدْ لانَ قَلْبِي فِي اللَّهِ حَتَّى لَهُوَ أَلْيَنُ مِنَ الزُّبْدِ، وَاشْتَدَّ قَلْبِي فِي اللَّهِ حَتَّى لَهُوَ أَشَدُّ مِنَ الْحَجَرِ.
        وَرُوِيَ.
        وَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ فِي وَجْهِ عُمَرَ خَطَّانِ أَسْوَدَانِ مِنَ الْبُكَاءِ.
        قَالَ الْحَسَنُ: وَكَانَ عُمَرُ يَمُرُّ بِالْآيَةِ فِي وِرْدِهِ، فَتَخْنِقُهُ، فَيَبْكِي حَتَّى يَسْقُطَ، ثُمَّ يَلْزَمُ بَيْتَهُ حَتَّى يُعَادَ يَحْسَبُونَهُ مَرِيضًا.
        وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: بَكَتِ الْجِنُّ عَلَى عُمَرَ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ بِثَلَاثٍ:
        جَزَى اللَّهُ خَيْرًا مِنْ أَمِيرٍ وَبَارَكَتْ ... يَدُ اللَّهِ فِي ذَاكَ الْأَدِيمِ الْمُمَزَّقِ
        فَمَنْ يَسْعَ أوْ يَرْكَبْ جَنَاحَيْ نَعَامَةٍ ... لِيُدْرِكَ مَا أَسْدَيْتَ بِالْأَمْسِ يُسْبَقِ
        وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَمِعُوا:

        عَلَيْكَ سَلَامٌ مِنْ أَمِيرٍ وَبَارَكَتْ ... يَدُ اللَّهِ فِي ذَاكَ الْأَدِيمِ الْمُمَزَّقِ
        قَضَيْتَ أُمُورًا ثُمَّ غَادَرْتَ بَعْدَهَا ... بِوَاضِحَ فِي أكَمَامِهَا لَمْ تُغْلَقِ
        فَمَنْ يَسْعَ أَوْ يَرْكَبْ جَنَاحَيْ نَعَامَةٍ ... لِيُدْرِكَ مَا قَدَّمْتَ فِي الْخَيْرِ يُسْبَقِ
        قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: فَنُعِتَ بَعْدَهُ.
        وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ مَرَّ عَلَيَّ رَجُلَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ قَدِ اخْتَلَفَا فِي آيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: لَقَدْ أَقْرَأَنِيهَا عُمَرُ، وَقَالَ الْآخَرُ: أَقْرَأَنِيهَا أُبَيُّ، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: اقْرَأْ كَمَا أَقْرَأَكَهَا عُمَرُ، ثُمَّ هَمَلَتْ عَيْنَاهُ حَتَّى بَلَّ الْحَصَا وَهُوَ قَائِمٌ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ عُمَرَ كَانَ حَائِطًا كَثِيفًا، فَمَاتَ عُمَرُ فَانْثَلَمَ الْحَائِطُ، فَهُمْ يَخْرُجُونَ وَلَا يَدْخُلُونَ، وَلَوْ أَنَّ كَلْبًا أَحَبَّ عُمَرَ لَأَحَبَبْتُهُ، وَمَا أَحْبَبْتُ أَحَدًا حُبِّي لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ بَعْدَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

        وَعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو طَلْحَةَ يَوْمَ مَاتَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مَا مِنْ بَيْتٍ حَاضِرٍ وَلَا بَادٍ إِلَّا وَقَدْ دَخَلَهُ مِنْ مَوْتِ عُمَرَ نَقْصٌ.

        فَصْلٌ
        رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بَعَثَ جَيْشًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا يُدْعَى سَارِيَةُ، قَالَ: فَبَيْنَمَا عُمَرُ يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمًا، فَجَعَلَ يَصِيحُ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، يَا سَارِيَ الْجَبَلَ، يَا سَارِيَ الْجَبَلَ، يَا سَارِيَ الْجَبَلَ، فَقِدَمَ رَسُولُ الْجَيْشِ، فَسَأَلَهُ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَقِينَا عَدُوَّنَا فَإِذَا صَائِحٌ يَصِيحُ يَا سَارِيَ الْجَبَلَ، فَأَسْنَدْنَا ظُهُورَنَا إِلَى الْجَبَلِ، فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ، فَقِيلَ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّكَ كُنْتَ تَصِيحُ بِذَلِكَ.

        وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَلْخٍ، قَالَ: بَيْنَمَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَاعِدًا عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمْعَةِ يَخْطُبُ النَّاسَ فَبَيْنَمَا هُوَ فِي خُطْبَتِهِ، قَالَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا سَارِيَ الْجَبَلَ، يَا سَارِيَ الْجَبَلَ، ثُمَّ أَخَذَ فِي خُطْبَتِهِ فَأَنْكَرَ النَّاسُ ذَلِكَ مِنْهُ، فَلَمَّا نَزَلَ وَصَلَّى قِيلَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ صَنَعْتَ الْيَوْمَ شَيْئًا مَا كُنَّا نَعْرِفُهُ، قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قِيلَ: قُلْتُ كَذَا وَكَذَا، وَذَكَرُوا مَا نَادَى بِهِ، فَقَالَ: مَا كَانَ شَيْئًا مِنْ هَذَا، قَالُوا: بَلَى وَاللَّهِ لَقَدْ كَانَ ذَاكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ فَاثْبُتُوا مِنْ هَذَا الْوَنِيمِ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ، ثُمَّ أَبْصِرُوا، وَكَانَ بَعَثَ سَارِيَةَ فِي بَعْثٍ فَظَفَرَ الْعَدُوُّ فَلَجَأُوا إِلَى الْجَبَلِ، فَقَالَ: يَا سَارِيَةُ لَمَّا انْصَرَفَ بَيْنَا نَحْنُ نُقَاتِلُ الْعَدُوَّ إِذْ سَمِعْنَا صَوْتًا لَا نَدْرِي مَا هُوَ: يَا سَارِيَةَ الْجَبَلَ ثَلَاثًا، فَدَفَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنَّا بِهِ فَنَظَرُوا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، فَإِذَا هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي قَالَ فِيهِ عُمَرُ مَا قَالَ.
        وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ بِإِسْنَادٍ لَهُ: مَا كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ إِلَّا حُجَّةً عَلَى النَّاسِ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَطِيعُ أَنْ يَعْمَلَ بِمِثْلِ عَمَلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَيُقَالُ: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَكَانَا حُجَّةً عَلَى النَّاسِ.

        فَصْلٌ
        رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: جَاءَ صَبِيغٌ التَّمِيمِيُّ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أخبرني عَنِ {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا} [الذاريات: 1] قَالَ «هِيَ الرِّيَاحُ» ، وَلَوْلَا أَنِّي سمعت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولَهُ مَا قُلْتُهُ، قَالَ: أخبرني عَنِ الْحَامِلَاتِ وِقْرًا قَالَ: «هِيَ السَّحَابُ» ، وَلَوْلَا أَنِّي سمعت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُهُ مَا قُلْتُهُ، قَالَ: فَأخبرني عَنِ {فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا} [الذاريات: 4] قَالَ: «هِيَ الْمَلَائِكَةُ» ، وَلَوْلَا أَنِّي سمعت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُهُ مَا قُلْتُهُ.
        قَالَ: فَأخبرني عَنِ {فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا} [الذاريات: 3] قَالَ هِيَ: «السُّفُنُ» وَلَوْلَا أَنِّي سمعت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُهُ مَا قُلْتُهُ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَضُرِبَ مِائَةٌ، وَجَعَلَهُ فِي بَيْتٍ، فَلَمَّا بَرَأَ عَادَ فَضَرَبَهُ مِائَةً أُخْرَى، وَحَمَلَهُ عَلَى قَتَبٍ وَبَعَثَ إِلَى أَبِي مُوسَى، وَقَالَ: امْنَعِ النَّاسَ مِنْ مُجَالَسَتِهِ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى أَتَى أَبَا مُوسَى فَحَلَفَ لَهُ بِالْأَيْمَانِ الْمُغَلَّظَةِ مَا يَجِدُ فِي نَفْسِهِ مِمَّا كَانَ يَجِدُ شَيْئًا، فَكَتَبَ فِي ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ، فَكَتَبَ عُمَرُ: إِنْ كَانَ صَادِقًا فَمُرِ النَّاسَ يُجَالِسُوهُ.

        فَصْلٌ
        أخبرنا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ السِّمْسَارُ، أخبرنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا الطَّبَرَانِيُّ، وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَمَّادٍ زَغَبَهُ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَيْرَ بْنَ سَلَمَةَ الدُّؤَلِيَّ، يَقُولُ: إِنَّهُ خَرَجَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَوْ أَخْبَرَ عُمَيْرُ مَنْ كَانَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: فَأَتَيْنَا عُمَرَ نِصْفَ النَّهَارِ وَهُوَ قَائِلٌ فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ، إِذْ جَاءَتْ أَعْرَابِيَّةٌ، فَتَوَسَّمَتِ النَّاسَ، فَجَاءَتْهُ، فَقَالَتْ: إِنِّي امْرَأَةٌ مِسْكِينَةٌ وَلِي بَنُونَ، وَإِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ كَانَ بَعَثَ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ سَاعِيًا فَلَمْ يُعْطِنَا، فَلَعَلَّكَ، يَرْحَمُكَ اللَّهُ، أَنْ تَشْفَعَ لَنَا إِلَيْهِ، قَالَ: فَصَاحَ: يَا يَرْفَأُ، ادْعُ لِي مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ، فَقَالَتْ: إِنَّهُ أَنْجَحُ لِحَاجَتِي أَنْ تَقُومَ مَعِيَ إِلَيْهِ، قَالَ: إِنَّهُ سَيَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَجَاءَهُ يَرْفَأُ، فَقَالَ: أَجِبْ، فَجَاءَ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَاسْتَحْيَتِ الْمَرْأَةُ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَاللَّهِ مَا آلُو أَنْ أَخْتَارَ خِيَارَكُمْ، كَيْفَ أَنْتَ قَائِلٌ إِذَا سَأَلَكَ اللَّهُ عَنْ هَذِهِ؟ فَدَمِعَتْ عَيْنَا مُحَمَّدٍ، ثُمَّ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ إِلَيْنَا مُحَمَّدًا نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَدَّقْنَاهُ وَاتَّبَعْنَاهُ فَعَمِلَ بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ فَجَعَلَ الصَّدَقَةَ لِأَهْلِهَا مِنَ الْمَسَاكِينَ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ اسْتَخْلَفَ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ فَعَمِلَ بِسُنَّتِهِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى، ثُمَّ اسْتَخْلَفَنِي فَلَمْ آلُ أَنْ أَخْتَارَ خِيَارَكُمْ، فَأَدِّ إِلَيْهَا صَدَقَةَ الْعَامِ وَعَامِ الْأَوَّلِ، وَمَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَبْعَثُكَ، ثُمَّ دَعَا لَهَا بِجَمَلٍ، وَأَعْطَاهَا دَقِيقًا وَزَيْتًا، وَقَالَ: خُذِي هَذَا حَتَّى تَلْحَقِينَا بِخَيْبَرَ فَإِنَّا نُرِيدُهَا، فَأَتَتْهُ بِخَيْبَرَ، فَدَعَا بِجَمَلَيْنِ آخَرَيْنِ، وَقَالَ: خُذِي هَذَا فَإِنَّ فِيهِ بَلَاغًا حَتَّى يَأْتِيَكُمْ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَدْ أَمَرْتُهُ أَنْ يُعْطِيَكِ حَقَّكِ الْعَامَ وَعَامَ الْأَوَّلِ

        فَصْلٌ
        أخبرنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّابُونِيُّ، أخبرنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ الْخَلَوَانِيُّ، وَعَبْدُ بْنِ حُمَيْدٍ، أخبرني يَعْقُوبُ وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أخبرني عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ، أَنَّ محمّدَ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ أَبَاهُ سَعْدًا، قَالَ: اسْتَأَذَنَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ نِسَاءُ قُرَيْشٍ يُكَلِّمْنَهُ وَيَسْتَكْثِرْنَهُ، عَالِيَةٌ أَصْوَاتُهُنَّ فَلَمَّا اسْتَأَذَنَ قُمْنَ يَبْتَدِرْنَ الْحِجَابَ، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَسُولُ اللَّهِ يَضْحَكُ، فَقَالَ عُمَرُ: أَضْحَكَكَ اللَّهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «» عَجِبْتُ مِنْ هَؤُلَاءِ اللَّاتِي كُنَّ عِنْدِي، فَلَمَّا سَمِعْنَ صَوْتَكَ ابْتَدَرْنَ الْحِجَابَ «» ، قَالَ عُمَرُ: فَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يَهَبْنَ، ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: أَيُّ عَدُوَّاتِ أَنْفُسِهِنَّ، أَتَهَبْنَنِي، وَلَا تَهَبْنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قُلْنَ: نَعَمْ، أَنْتَ أَغْلَظُ وَأَفَظُّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «» وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ سَالِكًا فَجًّا إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ «»
        قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا عُبَدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ جَاءَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ قَمِيصَهُ يُكَفِّنَ فِيهِ أَبَاهُ، فَأَعْطَاهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَقَامَ عُمَرُ فَأَخَذَ بِثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَتُصَلِّي عَلَيْهِ وَقَدْ نَهَاكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّمَا خَيَّرَنِي اللَّهُ فَقَالَ: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة: 80] وَسَأَزِيدُ عَنْ سَبْعِينَ " فَقَالَ: إِنَّهُ مُنَافِقٌ، فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: 84] وَفِي رِوَايَةٍ: فَتَرَكَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِمْ.

        قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، وَعَمْرٍو، عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَرَأَيْتُ فِيهَا دَارًا أَوْ قَصْرًا، فُقلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ، فَذَكَرْتُ غِيرَتَكَ "، فَبَكَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَالَ: أَيْ رَسُولِ اللَّهِ أَوَ عَلَيْكَ يُغَارُ؟

        فَصْلٌ فِي ذِكْرِ قَبُولِهِ الْحَقَّ مِنَ الشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ
        رُوِيَ عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِذَا هُوَ بِضَوْءِ نَارٍ وَمَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ: فَاتَّبَعَ الضَّوْءَ حَتَّى دَخَلَ دَارًا فَإِذَا سِرَاجٌ فِي بَيْتٍ فَدَخَلَ - وَذَلِكَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، إِذَا شَيْخٌ جَالِسٌ وَبَيْنَ يَدَيْهِ شَرَابٌ وَقِينَةٌ تُغْنِيهِ، فَلَمْ يَشْعُرْ حَتَّى هَجَمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا رَأَيْتُ كَاللَّيْلَةِ مَنْظَرًا أَقْبَحَ مِنْ شَيْخٍ يَنْتَظِرُ أَجَلَهُ، قَالَ: فَرَفَعَ الشَّيْخُ رَأْسَهُ، فَقَالَ: بَلَى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا صَنَعْتَ أَنْتَ أَقْبَحُ، إِنَّكَ تَجَسَّسْتَ، وَقَدْ نَهَى اللَّهُ عَنِ التَّجَسُّسِ، وَدَخَلْتَ بِغَيْرِ إِذْنٍ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: صَدَقْتَ.
        ثُمَّ خَرَجَ عَاضًّا عَلَى ثَوْبِهِ وَقَالَ: ثَكَلَتْ عُمَرَ أُمُّهُ إِنْ لَمْ يَغْفِرْ لَهُ رَبُّهُ، هَذَا كَانَ يَسْتَخْفِي بِهَذَا مِنْ أَهْلِهِ، فَيَقُولُ الْآنَ رَأَى عُمَرُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَيَتَتَابَعُ فِيهِ، قَالَ: وَهَجَرَ الشَّيْخُ مَجَالِسَ عُمَرَ حِينًا، فَبَيْنَمَا عُمَرُ بَعْدَ ذَلِكَ بِحِينٍ جَالِسٌ إِذَا هُوَ بِهِ قَدْ جَاءَ شَبِيهُ الْمُسْتَخْفِي حَتَّى جَلَسَ فِي أُخْرَيَاتِ النَّاسِ فَرَآهُ عُمَرُ، فَقَالَ: عَلَيَّ بِهَذَا الشَّيْخِ فأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ: أَجِبْ، فَقَامَ وَهُوَ يَرَى أَنَّ عُمَرَ سَيُؤَنِّبُهُ بِمَا رَأَى مِنْهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: ادْنُ مِنِّي فَمَا زَالَ يُدْنِيهِ حَتَّى جَلَسَ بِجَنْبِهِ، فَقَالَ: أَدْنِ مِنِّي أُذُنَكَ، فَالْتَقَمَ أُذُنَهُ، فَقَالَ: أَمَا وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ رَسُولًا مَا أَخْبَرْتُ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ بِمَا رَأَيْتُ مِنْكَ وَلَا ابْنَ مَسْعُودٍ، وَكَانَ مَعِيَ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَدْنِ مِنِّي أُذُنَكَ، فَالْتَقَمَ أُذُنَهُ، فَقَالَ: وَلَا أَنَا، وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ رَسُولًا مَا عُدْتُ إِلَيْهِ حَتَّى جَلَسْتُ مَجْلِسِي هَذَا فَرَفَعَ عُمَرُ صَوْتَهُ فَكَبَّرَ، فَمَا يَدْرِي النَّاسُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ يُكَبِّرُ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ عُمَرُ الشَّامَ تَلَقَّتْهُ الْجُنُودُ

        وَعَلَيْهِ إِزَارٌ وَخُفَّانِ وَعِمَامَةٌ، وَهُوَ آخِذٌ بِرَأْسِ رَاحِلَتِهِ يَخُوضُ الْمَاءَ فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، يَلْقَاكَ الْجُنُودُ وَالْبَطَارِقَةُ، وَأَنْتَ عَلَى حَالِكَ هَذِهِ، فَقَالَ: إِنَّا قَوْمٌ أَعَزَّنَا اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ فَلَنْ نَلْتَمِسَ الْعِزَّ بِغَيْرِهِ.
        وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: نَادَى عُمَرُ: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ، ثُمَّ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَمَا تَكَلَّمَ حَتَّى امْتَلَأَ الْمَسْجِدُ، ثُمَّ قَامَ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ لَقَدْ رَأَيْتَنِي أُؤَاجِرُ نَفْسِي بِطَعَامِ بَطْنِي، ثُمَّ أَصْبَحْتُ عَلَى مَا تَرَوْنَ، فَقِيلَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا تَقُولُ؟ قَالَ: إِظْهَارُ الشُّكْرِ.
        وَعَنْ أَشْيَاخٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، قَالُوا: أَتَانَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِقُبَاءَ، فَأَتَى بِشَرْبَةٍ مِنْ عَسَلٍ، فَقَالَ: ائْتِنِي بِشَرْبَةٍ هِيَ أَهْوَنُ عَلَيَّ فِي الْمَسْأَلَةِ مِنْ هَذِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
        وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: أَوْصَانِي عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: إِذَا وَضَعْتَنِي فِي لَحْدِي فَافْضِ بِخَدِّي إِلَى الْأَرْضِ.
        قِيلَ: كَانَ نَقْشُ خَاتَمِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَفَى بِالْمَوْتِ وَاعِظًا.

        فَصْلٌ فِي خُطَبِهِ وَمَوَاعِظِهِ وَكَلَامِهِ
        رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ: أَيُّهَا النَّاسُ: حَاسِبُوا أنفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا وَزِنُوا أنفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا وتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الْأَكْبَرِ: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة: 18] .
        وَمِنْ كَلَامِهِ وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ: أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّ بَعْضَ الطَّمَعِ فَقْرٌ، وَبَعْضَ الْيَأْسِ غِنًى، وَإِنَّكُمْ تَجْمَعُونَ مَا لَا تَأْكُلُونَ،

        وَتَأْمَلُونَ مَا لَا تُدْرِكُونَ، إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تُؤْخَذُونَ بِالْوَحْيِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ أَسَرَّ أُخِذَ بِسَرِيرَتِهِ وَمَنْ أَعْلَنَ أُخِذَ بِعَلَانِيَتِهِ، فَأَرُونَا أَحْسَنَ أَعْمَالِكُمْ، اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَغِيبُ عَنَّا مِنْكُمْ، أَرُونَا عَلَانِيَةً حَسَنَةً، فَإِنَّهُ مَنْ يُحَدِّثُنَا مِنْكُمْ أَنَّ سَرِيرَتَهُ حَسَنَةٌ لَمْ نُصَدِّقْهُ إِنْ كَانَتْ عَلَانِيَتُهُ غَيْرَ حَسَنَةٍ، وَاعْلَمُوا أَنَّ بَعْضَ الشُّحِّ شُعْبَةٌ مِنَ النِّفَاقِ {وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [التغابن: 16] .
        وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِذَا رَأَيْتَ مِنَ الرَّجُلِ خَصْلَةً تَسُوءُكَ فَاعْلَمْ أَنَّ لَهَا أَخَوَاتٌ، وَإِذَا رَأَيْتَ مِنَ الرَّجُلِ خَصْلَةٌ تَسُرُّكَ فَاعْلَمْ أَنَّ لَهَا أَخَوَاتٌ وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ بِالرَّجُلِ الَّذِي إِذَا وَقَعَ فِي الْأَمْرِ يَخْلَصُ مِنْهُ، وَلَكِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي يَتَوَقَّى الْأَمْرَ حَتَّى لَا يَقَعَ فِيهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْيَأْسَ غِنًى، وَأَنَّ الطَّمَعَ فَقْرٌ حَاضِرٌ، وَأَنَّ الْمَرْءَ إِذَا يَئِسَ مِنْ شَيْءٍ اسْتَغْنَى عَنْهُ.

        فَصْل
        رُوِيَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ يَحْيَى الْمَكِّيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ أَنَا وَأَهْلِي، فَانْطَلَقْتُ إِلَى قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَقْبَلْتُ فَلَقِيَتْنِي الْمَرْأَةُ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ، فَقُمْتُ مَعَهَا أَسْأَلُهَا عَنْ بَعْضِ الْأَمْرِ، فَبَيْنَا أَنَا أُكَلِّمُهَا إِذَا ضَرْبَةٌ عَلَى رَأْسِي مِنْ خَلْفِي، فَالْتَفَتُّ، فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ظَلَمْتَنِي هِيَ وَاللَّهِ امْرَأَتِي، قَالَ: أَفَلَا كَلَّمْتَهَا خَلْفَ بَابٍ أَوْ سِتْرٍ، قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، تَلَقَّتْنِي فَسَأَلْتُهَا عَنْ بَعْضِ الْأَمْرِ، فَأَلْقَى إِلَيَّ الدِّرَّةَ، فَقَالَ: اقْتَصَّ.
        قُلْتُ: لَا.
        قَالَ: فَاعْفُ. . قُلْتُ: لَا، فَأَخَذَ بِيَدِي فَانْطَلَقَ بِي إِلَى مَنْزِلِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، فَاسْتَأْذَنَ فَخَرَجَ إِلَيْهِ ابْنُهُ فَقَالَ: حَاجَتُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ: قُلْ لِأَبِيكَ يَخْرُجُ.
        قَالَ: فَخَرَجَ أُبَيُّ أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، فَجَلَسَ مَعَهُ، ثُمَّ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: اقْرَأْ عَلَيَّ {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا} [الأحزاب: 58] فَقَرَأَهَا عَلَيْهِ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فِي عُمَرَ نَزَلَتْ.
        قَالَ: لَا، قَالَ: إِنِّي أَضْرِبُ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا يَضْرِبُونِي، وَأَشْتِمُهُمْ وَلَا يَشْتِمُونِي، وَأُؤْذِيهُمْ، وَلَا يُؤْذُونِي، قَالَ: لَا، وَلَكِنِّي أُحَدِّثُكَ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ أُحَدِّثْهُ أَحَدًا قَبْلَكَ، وَلَاأُحَدِّثُهُ أَحَدًا بَعْدَكَ، رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يُنَادِي مُنَادٍ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى: أَلَا لَا يَرْفَعَنَّ أَحَدٌ كِتَابَهُ حَتَّى يَرْفَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَيُجَاءُ بِكَ مُبْيَضًّا وَجْهُكَ تُزَفُّ إِلَى رَبِّكَ، كِتَابُكَ بِيَمِينِكَ "

        فَصْلٌ
        قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ عُمَرَ كَانَ أَعْلَمَنَا بِاللَّهِ، وَأَقْرَأَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَأَتْقَانَا لِلَّهِ، وَاللَّهِ إِنَّ أَهْلَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِمْ حُزْنٌ عَلَى عُمَرَ حِينَ أُصِيبَ، لَأَهْلُ بَيْتِ سُوءٍ.
        وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: إِنِّي لَأَحْسَبُ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الْعِلْمِ ذَهَبَ يَوْمَ ذَهَبَ عُمَرُ.

        وَرُوِيَ عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أكْثِرُوا ذِكْرَ عُمَرَ فَإِنَّ عُمَرَ إِذَا ذُكِرَ، ذُكِرَ الْعَدْلُ، وَإِذَا ذُكِرَ الْعَدْلُ ذُكِرَ اللَّهُ تَعَالَى.
        وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ: ذِكْرُ عُمَرَ بنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عِبَادَةٌ.

        فَصْلٌ
        رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: كُسِرَ رِجْلُ بَعِيرٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَبَعَثَ مِنْهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ صَنَعَ مِمَّا بَقِيَ مِنْهُ طَعَامًا، فَجَمَعَ عَلَيْهِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
        فَقَالَ الْعَبَّاسُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَوْ صَنَعْتَ لَنَا كُلَّ يَوْمٍ مِثْلَ هَذَا، فَتَحَدَّثْنَا عِنْدَكَ، وَأَكَلْنَا، فَقَالَ: لَا أَعُودُ لِمِثْلِهَا أَبَدًا، إِنَّهُ مَضَى صَاحِبَانِ لِي عَمِلَا عَمَلًا وَسَلَكَا طَرِيقًا وَإِنِّي إِنْ عَمِلْتُ بِغَيْرِ عَمَلِهِمَا سُلِكَ بِي غَيْرُ طَرِيقِهِمَا.

        وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: صَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَامَ الرَّمَادَةِ، وَكَانَ عَامَ قَحْطٍ، فَتَقَرْقَرَ بَطْنُهُ، فَقَالَ لِبَطْنِهِ: اسْكُنْ فَوَاللَّهِ مَالَكَ عِنْدَنَا غَيْرُ هَذَا حَتَّى يَحْيَى النَّاسُ، وَكَانَ يَأْكُلُ الزَّيْتَ.
        وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ: كَانَ لِعُمَرَ كُلَّ شَهْرٍ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ لَحْمٍ.
        وَعَنْ أَبِي الْأَشْهَبِ، عَنْ مَنْ ذَكَرَهُ، قَالَ: مَرَّ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى مَزْبَلَةٍ فَاحْتُبِسَ عِنْدَهَا، فَكَأَنَّ أَصْحَابَهُ تَأَذَّوْا، فَقَالَ: هَذِهِ دُنْيَاكُمُ الَّتِي تَحْرِصُونَ عَلَيْهَا، وَتَبْكُونَ عَلَيْهَا.

        فَصْلٌ
        رُوِيَ عَنْ أَبِي تَمِيلَةَ مُحَمَّدُ بْنُ وَاضِحٍ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ، قَالَ: لَمَّا قُتِلَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سُمِعَ صَوْتٌ مِنَ الْجِنِّ يَقُولُ: يَبْكِيكَ نِسَاءُ الْجِنِّ يَبْكِينَ شَجِيَّاتِ

        ويَخْمِشْنَ وُجُوهًا كَالدَّنَانِيرِ نَقيَّاتِ وَيَلْبَسْنَ ثِيَابَ السُّودِ بَعْدَ الْقُصَيْبَاتِ وَعَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّهُ لَمَّا قُتِلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَظْلَمَتِ الْأَرْضُ كُلُّهَا فَجَعَلَ الصَّبِيُّ يَأْتِي أُمَّهُ، فَيَقُولُ: يَا أُمَّهُ أَقَامَتِ الْقِيَامَةُ؟ فَتَقُولُ: لَا يَا بُنَيَّ، وَلَكِنْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قُتِلَ.
        وَقَالَتْ أُمُّ أَيْمَنَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، لَمَّا مَاتَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الْيَوْمَ وَهِيَ الْإِسْلَامُ.
        وَعَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونَ، قَالَ: أُصِيبَ عُمَرُ يَوْمَ أُصِيبَ وَعَلَيْهِ إِزَارٌ أَصْفَرُ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ حِينَ وَجَدَ مَسَّ الْحَدِيدِ {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا} [الأحزاب: 38]

        سير السلف الصالحين - لإسماعيل بن محمد الأصبهاني الملقب بقوام السنة

        عمر بن الخطاب‏ بن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن عبد اللّه ابن قرط بن رزاح بن عدى بن كعب بن لؤى، أبو حفص، الفاروق، القرشى، ولى الخلافة بعهد سيدنا أبى بكر و استمر فيها إلى أن طعنه أبو لؤلؤة فيروز؛ غلام المغيرة بن شعبة فى يوم الأربعاء لأربع بقين من ذى الحجة، و استمر إلى أن توفى يوم الأحد مستهل المحرم سنة أربع و عشرين من الهجرة، و هو ابن ثلاث و ستين سنة، و قيل: أربع و خمسين، و كانت مدة خلافته عشر سنين و نصف، رضى اللّه عنه.

        - الأرج المسكي في التاريخ المكي وتراجم الملوك والخلفاء/ علي بن عبد القادر الطبري -.

        عمر بن الخطاب بن نفيل القرشي العدوي، أبو حفص:
        ثاني الخلفاء الراشدين، وأول من لقب بأمير المؤمنين، الصحابي الجليل، الشجاع الحازم، صاحب الفتوحات، يضرب بعدله المثل.
        كان في الجاهلية من أبطال قريش وأشرافهم، وله السفارة فيهم، ينافر عنهم وينذر من أرادوا إنذاره. وهو أحد العمرين اللذين كان النبي صلّى الله عليه وسلم يدعو ربه أن يعز الإسلام بأحدهما. أسلم قبل الهجرة بخمس سنين، وشهد الوقائع. قال ابن مسعود: ما كنا نقدر أن نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر. وقال عكرمة: لم يزل الإسلام في اختفاء حتى أسلم عمر. وكانت له تجارة بين الشام والحجاز. وبويع بالخلافة يوم وفاة أبي بكر (سنة 13 هـ بعهد منه. وفي أيامه تم فتح الشام والعراق، وافتتحت القدس والمدائن ومصر والجزيرة. حتى قيل: انتصب في مدته اثنا عشر ألف منبر في الإسلام. وهو أول من وضع للعرب التاريخ الهجريّ، وكانوا يؤرخون بالوقائع. واتخذ بيت مال المسلمين، وأمر ببناء البصرة والكوفة فبنيتا. وأول من دوَّن الدواوين في الإسلام، جعلها على الطريقة الفارسية، لإحصاء أصحاب الأعطيات وتوزيع المرتبات عليهم. وكان يطوففي الأسواق منفردا. ويقضي بين الناس حيث أدركه الخصوم. وكتب إلى عماله: إذا كتبتم لي فابدأوا بأنفسكم. وروى الزهري: كان عمر إذا نزل به الأمر المعضل دعا الشبان فاستشارهم، يبتغي حدة عقولهم. وله كلمات وخطب ورسائل غاية في البلاغة. وكان لا يكاد يعرض له أمر إلا أنشد فيه بيت شعر. وكان أول ما فعله لما ولي، أن ردَّ سبايا أهل الردة إلى عشائرهن وقال: كرهت أن يصير السبي سبة على العرب. وكانت الدراهم في أيامه على نقش الكسروية، وزاد في بعضها " الحمد للَّه " وفي بعضها " لا إله إلا الله وحده " وفي بعضها " محمد رسول الله ". له في كتب الحديث 537 حديثا.
        وكان نقش خاتمه: " كفى بالموت واعظا يا عمر " وفي الحديث: اتقوا غضب عمر، فإن الله يغضب لغضبه.
        لقَّبه النبي صلى الله عليه وسلّم بالفاروق، وكناه ب أبي حفص. وكان يقضي على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم. قالوا في صفته: كان أبيض عاجي اللون، طوالا مشرفا على الناس، كث اللحية، أنزع (منحسر الشعر من جانبي الجبهة) يصبغ لحيته بالحناء والكتم. قتله أبو لؤلؤة فيروز الفارسيّ (غلام المغيرة بن شعبة) غيلة، بخنجر في خاصرته وهو في صلاة الصبح. وعاش بعد الطعنة ثلاث ليال.
        أفرد صاحب " أشهر مشاهير الإسلام - ط " نحو ثلاث مئة صفحة، لترجمته. ولابن الجوزي " عمر بن الخطاب - ط " ولعباس محمود العقاد " عبقرية عمر - ط " ولبشير يموت " تاريخ عمر بن الخطاب - ط " وللشيخ علي الطنطاوي وناجي الطنطاوي " عمر بن الخطاب - ط " ولمحمد حسين هيكل " الفاروق عمر - ط " ولشبلي النعماني كتاب عنه باللغة الأردية نقله ظفر علي خان إلى الإنكليزية وسماه AL - Faroq Omarthe great وطبع معه خريطة للفتوحات الإسلامية .

        -الاعلام للزركلي-

        عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بْنِ نُفَيْلِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ رَبَاحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرْطِ بْنِ رَزَاحِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ

        حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، نا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: «آخِرُ مَا أُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيَةُ الرِّبَا , وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبِضَ قَبْلَ أَنْ يُغَيِّرَهَا , فَدَعُوا الرِّبَا وَالرِّيبَةَ»

        حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ الْمُنْذِرِ، نا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ، نا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ قَالَ: " وَافَقْتُ رَبِّيَ عَزَّ وَجَلَّ فِي ثَلَاثٍ: فِي الْحِجَابِ , وَمَقَامِ إِبْرَاهِيمَ , وَفِي أُسَارَى بَدْرٍ "

        حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَرْبِيُّ، نا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْهَاشِمِيُّ، نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: " كُنَّا نَقْرَأُ فِي الْقُرْآنِ: (لَا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ فَإِنَّهُ كُفْرٌ بِكُمْ) "

        حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شَاذَانَ، نا هَوْذَةُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ يُحَدِّثُ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَيْهِ، عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ عُمَرَ ابْنِ الْخَطَّابِ فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ , فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ»

        -معجم الصحابة - أبي الحسين عبد الباقي بن قانع البغدادي-



        يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!