موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب بلغة الغواص في الأكوان إلى معدن الإخلاص في الإنسان

ينسب خطأً للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


فصل

قد أخبرتك أن الكون ينقسم إلى ظاهر وباطن، وقد سمى الله سبحانه الباطن بالأمر والظاهر بالخلق، فقال: ﴿أَلاَ لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ﴾ [الأعراف: 54]، وقال: ﴿قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾ [الإسراء: 85]، فعالم الأمر هو عالم الغيب الذى هو الأسماء الذاتية، ويليها أمهات أسماء الألوهية وتوابعها.

واعلم أن بعض هذه الطائفة يسمي ما وجد بهذا العالم الباطن عالم القدرة، وما وجد بالعالم الظاهر عالم الحكمة، واعلم أن الله سبحانه خاطب الخلق على الوجه الذى هم عليه؛ من الميل إلى العالم الظاهر قصدًا للاعتدال، فغلب إضافة الربوبية إلى العالم الباطن، وجعل كل ما كان مقربًا منه قربة إليه، وما كان وجوده به أشرف، وأضافه إلى نفسه وغلب إضافة العبودية والمخلوقية والمفعولية إلى الظاهر، وما اشتركا فيه أضافه إلى الأغلب أو إلى الجمعية، فاعتبر ذلك واستقره شرعًا تجده كذلك، لاسيما إذا عدم الاختيار، فأضاف إنزال المطر إليه، وقال ﷺ: «أنه حديث عهد بربه»، وأضاف خلق آدم، وجنة عدن، والناقة، وكتابة التوراة إليه، وأخبر أنه تولى هذه الأربعة، وجعل الصوم قربة إليه، وقال: «فإنه لي وأنا أجزي به»كل ذلك استدعاء إلى العدل بالميل إلى الباطن؛ لغلبة الميل الآن إلى الظاهر، إذ الأمر دور بينهما حجاب عن الآخر، وجاذب له إليه، فمن حيث هذين العالمين وصف الحق نفسه بالحجب النورية، التي هي الأرواح، والحجب الظلمانية التي هي الأجسام، فكل واحد منهما حجاب عن الآخر، فافهم.

والظهور والبطون دور بينهما أعني: اللطيف والكثيف، فإذا اعتبرتهما خلقًا وأمرًا، ولطيفًا وكثيفًا، ويدين وحجابين، فمن إضافتهما إلى الألوهية التي هي الوجه الأعم الذى هو الكون، أعني: الأسماء التي هي سلسلة الترتيب والوسايط المتكثرة، فهذا الوجه هو ظاهر الخلافة، الذي منه يكثر الوجود، وإذا اعتبرتهما حقًا أعني: من الوجه الخاص الذى نبهتك عليه، فبذكره زال هو، وهما، وهم، وزالت الكثرة واتحد الكل، من حيث أن الساري فى الكل هو الذات؛ لتعين الأسماء من حيث عدم التغاير بين الاسم والمسمى، والصفة والموصوف، وارتفعت الوسايط، فهذا باطن الخلافة، وبهذا الوجه صح على التنزيل أنه غير مخلوق من ارتفاع الوسايط، ومن الإضافة إلى الاسم، صح عليه التكثر بالحروف والآي، والسور والأجزاء والتبعيض، فافهم ما نبهتك له من الإضافة إلى الاسم، الذي هو عين المسمى، ولذلك تكثر فى وحدته، ولم يوصف بالمخلوقية مع التكثر؛ لأن القول والكلام والحكم والوصف لله، من حيث الذات، أعني: من حيث هذا الاسم هو المسمى، سواء كان ظهوره ذلك بالباطن أو بالظاهر، فإن كُلاً من الظاهر والباطن، إما أن يكون ظهوره بواسطة أو بلا واسطة، أعني: أن يضاف إلى الذات أو إلى الألوهية، فما أضيف إلى الذات فهو واحد، وما أضيف إلى الاسم، فإما من الخلق ولا من الأمر فافهم، ولذلك قال في عيسى بن مريم: ﴿قَوْلَ الحَقِّ﴾ [مريم: 34] وكلمته من حيث عدم اعتبار واسطة جبريل، لعدم تأثير وساطته بغنائه فأخذه هذه الكلمة التي ألقاها إلى مريم هو أخذه ذاته من الحق لا غير ذلك، فهو قول قبل النفخ، وكلمة بعد النفخ، وكلمة بعد الإلقاء، ولذلك أضاف القول  إلى الحق، والكلمة إلى غيب الذات، فى قوله: روح الله وكلمته، وليس كذلك اعتبار عيسى روح الله، فإن اعتباره روحًا أيضًا لجبريل بلا واسطة جبريل، ومريم تمثل لها بشرًا سويًا، ولذلك إضافة إلى الاسم الجامع فإن جبريل أخذه من الحق كما أخذ حقيقته، ثم هو كمال روحيته  الألوهية كما قدمناه، وليس كذلك مريم، فإذا تمثل  جبريل للنبي ﷺ فأقراه القرآن سمع  من الله بواسطة، وإذا نزل به على قلبه لا بالتمثل سمعناه من الله بلا واسطة، إذ النبي ﷺ قد غاب عن اختياره وشعوره، كما كان يوصف من أحواله، والحق لسانه وجنانه، وكذلك جبريل فى التمثل، فإن كل موجود مطلقًا له الأخذ عن الله سبحانه بواسطة وبلا واسطة، سواء علم بذلك أم لا، إلا القلم الأعلى فإنهم يأخذون عن الله بلا واسطة، ونسبة الشرف والتميز عبارة عن زوال الواسطة جملة أو قلتها، وغلبة الوحدانية عليه، ونسبة المهانة والرذالة بانسداد هذا الباب، والتكثر من حيث الخلق لا من حيث الحق، وبغلبة الوسائط وتكثرها، وقلة الوحدانية،  فالوجه الأول: هو الرفع والارتفاع إلى الله، والتقريب منه، وهو أحسن تقويم فى حق الإنسان، وهو العلم بالمكانة لا بالمكان، وقد يجتمع الارتفاع بالمكان والمكانة بنسبة ما، والوجه الثاني: هو الهبوط والنزول والإكباب على الوجه، والرد إلى أسفل سافلين، ومنه الذبذة أيضًا، فالنقص والكمال للإنسان فى الجانبين بحسب القرب منهما والبعد، ثم اعتبار الكمال المطلق الإنساني لكمال الاتصاف بالوجهين، أعني: بالظهور بحقائق الصفات الإلهية الوجودية فى حقائق الصفات الكونية على الكشف، فلا تزال حقيقته فى خليقه حاكمة على خليقته شهودًا محققًا.

ثم هذا الكمال المطلق متفاوت بين الأنبياء والأولياء من الأناسي، فالمستغرق له فى كل عصر وزمان بالذوات والمرتبة، والعلم والحال والفعل، فى جميع الأسماء والصفات الإلهية، والحقائق الكونية، والأحكام الكلية والجزئية، الذي هو من حيث كونه برزخ البرازخ، الجامع بين الغيب الذاتي المطلق الواجب، وبين أحكامه الألوهية الكونية اللإمكانية، هو خليفة الله، وخليفة الخلفاء، المطلق فى عصره، الذى يعبر عنه فى هذا الزمان، بالقطب، وفى الزمان الأول بالنبي، ولمن دونه بقدره من الخلافة المنبه عليها بقوله  (سبحانه وتعالى) : «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته» وبقوله: «رحمة الله على خلفائي».

فبهذا الاعتبار قلنا: أن الإنسان الصوري المتصف بهذه الصفة  كل الوجود مطلقًا، وبه صح له الارتقاء إلى الله  (سبحانه وتعالى)  فى جميع المقامات، والأخذ منه بواسطة وبلا واسطة، وليس كذلك غيره من الموجودات، فإن لها الارتقاء فى مقاماتها، والأخذ من الله سبحانه فى مقاماتهم بواسطة وبلا واسطة، لا أنهم يتعدون مقاماتهم المعلومة؛ وإنما تم ذلك للإنسان من حيث أنه كل الوجود  على ما أخبرتك، فالقلم الأعلى والأدنى وجبريل، وميكائيل، وإسرافيل وغيره من قواه، ولذلك كنا شهداء على الناس، إذ العلماء منا؛ وهم الأقطاب الذين ذكرناهم فمن دونهم، كأنبياء بني إسرائيل، وأهل كل زمان بالنسبة إلى علمائهم كالشيخ الواحد، والقطب روح الكل، ومعول الشهادة على القلوب، والرسول عليه الصلاة والسلام شهيد علينا، وهو كل الوجود المتقدم والمتأخر، فنحن شهداء على أنفسنا، إذ ليس المتقدم والمتأخر غيره، فلذلك إليه - سبحانه وتعالى – إيابنا، وعليه حسابنا.

وسأسوق من الدلائل الشرعية على هذا الأصل ما يزيده يقينًا مع ما سلف، ولما كان ﷺ كذلك نبه على ذلك، فأما فى حق الأمة فلو لم يكن فيه إلا إخباره أن عُمر مُحدّث وأن فى الأمة محدثين لكفانا، فإن المحادثة معينة، وقد أخبرنا ﷺ عنه سبحانه بأنه أولنا وأخرنا، وظاهرنا وباطننا، وأسماعنا وأبصارنا، إلى ما فى ذلك من الأحاديث، فأما النبي ﷺ فكان يروى عن جبريل غالبًا، وعن جبريل، وعن ميكائيل، عن إسرافيل، عن الله، وعن جبريل، عن الله، وعن جبريل، عن ميكائيل، عن الله، وعن الله دون واسطة، ويقول: «قال لى ربي، وأتاني ربي، وأخبرني ربي، وأنبأني اللطيف الخبير، ويقول: لي وقت لا يسعني فيه غير ربي»وذلك أن جبريل  (سبحانه وتعالى)  اسم يقع أيضًا على الوجود مطلقًا دون واسطة، كما يقع اسم الإنسان على الوجود مطلقًا دون واسطة بالنظر إلى الحقيقة المحمدية وما حوته، وذلك أن للحقيقة المحمدية ظاهرًا وباطنًا فظاهرها جميع الظاهر، وباطنها جميع الباطن، واختص من بينهما الشبح المحمدى بهذا الاسم، لصورته بالنسبة إلى حقيقته كما أسلفناه.

وللحقيقة الجبرائيلية ظاهرًا وباطنًا، فباطنها جميع الباطن، وظاهرها جميع الظاهر، واختص من بينهما روح طبيعة عالم العناصر، وما ظهر عنها من السموات السبع، وما اشتملت عليه من المولدات باسم جبريل، كما اختص الشبح المحمدى باسم محمد، وله أعني جبريل من حيث حقيقته الجبرائيلية ظاهر وباطن، كما قلناه فظاهره الملائكة على الإطلاق، وباطنه الروحية على الإطلاق، فملائكيته تشتمل على الكثافة وهو ظاهر السموات والأرض، وفيها النيران وخُزانها، وروحيته تشتمل على اللطافة، وفيها الجنة ورضوانها، فباطنه قلم، وظاهره لوح.

ثم القلم الذي هو باطنه ثلاثة أصناف من حيث التسمية: فالقلم الأعلى روح القدس، وهو ما أشار إليه النبي ﷺ بقوله: «صرت إلى مستوى أسمع فيه صريف الأقلام»، ونبه عليه بساق العرش حيث قال: «فإن الناس يصعقون فأكون أول من يفق, فأجد موسى آخذًا بساق العرش» وهو اليد التي فوق الأيادي، والقلم الثاني: روح الله، والقلم الذى يليه الروح الأمين قال سبحانه: ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ [القلم: 1].

واللوح ثلاثة أصناف وهو إسرافيل الذي هو جد الأرواح، ومبتدأ الحس، وميكائيل الذي هو فتح الأشكال، والاتصال والانفصال، والإصعاد والإنزال، وعزرائيل الذي هو جد الأعمار، ومفصل الأنوار، ولوح المحو والإثبات، وحقيقة المحيا والممات، بأنواع التمثيل والتشكيل، والتحساس والتخييل، وهو المخصوص بالاسم الجبرائيلي؛ لأنه الخيال المطلق، فهو كرسي عزرائيل، ولذلك اختُص محمد ﷺ من الملائكة بجبريل، فإن الوجود على ما بينت لك فى كل موجود بنصفين، نصفه محمد عليه الصلاة والسلام، ونصفه جبريل، فجبريل ظاهر وباطن، ومحمد ظاهر وباطن، فظاهره باطن ظاهر محمد عليه الصلاة والسلام، وهو الذي يطلق عليه الاختصاص باسم جبريل، وهو عالم التمثيل والتخييل، ورابطة التوصيل والتفصيل، ومشكاة التنزيل، فلما اتصل ظاهر محمد بباطنه الذي هو ظاهر جبريل؛ رأه بالأفق المبين، فهي الرؤية الأولى فى صورته الحجابية الظاهرة، ولما اتصل باطنه بباطنه؛ رآه الأفق الأعلى، الذي هو روح القدس المعبر عنه الساق - جل ربنا - وهي الرؤية الثانية، ودامت الرؤية الثانية له عليه الصلاة والسلام، ولم يبق التمثيل والتشكيل، والتفصيل والتوصيل، من بعد إلا لأمته، فلذلك قال: أنه لا ينزل بعده إلى الأرض إلا مرة واحدة  – يعني - بهذا النصف الحجابي، فإنهم صورته المتأخرة بظاهر جبريل اتصلت بصورته  (سبحانه وتعالى)  المتقدمة، التي كان عليها التنزيل، فيتم له الرؤية الثانية بالرؤية الأولى، بالمناسبة التي هي الشفاعة المحققة فافهم.

فلهذا أخبر  (سبحانه وتعالى) : أنه لا يدخل الجنة إلا بعد أن لا يبقى من أمته أحد إلا دخل الجنة؛ لأن دخولهم دخوله، لأنهم بين الصورتين المتقدمة والمتأخرة، ألا ترى أول من يحرك حلقة الجنان عليه الصلاة والسلام، فبهذا يُعرف أن الجنة محرمة على النبيين حتى يدخلها هو وأمته عليه الصلاة والسلام، ويُعرف ما أشار إليه  (سبحانه وتعالى)  من عموم البركات عند ظهور الإمام المهدي، حتى يكلم الرجل عذبة سوطه وشراك نعله وفخذه بما عمله أهله من بعده، وتفتح القسطنطينية بغير سلاح ، إلى سائر ما ذكر ﷺ،  لعموم انبساط اللطيف على الكثيف، فتكون لهم سنة ما، من سنن القيامة التي عم فيها النداء، كما هو اليوم للغرباء من الأمة الأفراد، وقد نبه الرسول على ذلك بأحاديث كثيرة، ونبه عليه التنزيل العزيز، فمن ذلك قوله ﷺ فيما رواه أنس بن مالك: «بينا أنا قاعد إذ جاء جبريل  (سبحانه وتعالى)  فوكز بين كتفي، فقمت إلى شجرة فيها مثل وكريّ الطائر، فقعد فى إحداهما، وقعدت فى الآخر، فسمتُ وارتفعتُ حتى سدت الخافقين، وأنا [أفتل]  طرفي، لو شئت أن أمس السماء لمسست، فالتفتُ، فإذا جبريل  (سبحانه وتعالى)   كأنه جلس لاطى، فعرفت فضل علمه بالله تعالى على علمي»، فهذا العلم دون الإيمان الذى نذكره بعد.

وإياك والإنكار، وهذه هي الرؤية الأولى، ولذلك بقي جبريل  (سبحانه وتعالى)  لاطى لم يُغش عليه، وقوله: (فعرفت فضل علمه بالله تعالى  على علمي) يشير إلى اتحاده بجبريل على التمام  (سبحانه وتعالى) ، وتحققه بالحقيقة الجبرائيلية، فصار فى علمه ما فى علم جبريل، مما كان متميزًا عليه به.

وفى رواية أخرى عنه ﷺ قال: «لما أُسري بي، كنت أنا فى شجرة، فغشينا من أمر الله ما غشينا، فخر جبريل مغشيًا عليه، وثبتُ على أمري، فعرفت فضل إيمان جبريل على إيماني»، فغشيان جبريل أيضًا هو اتحاده به عليهما الصلاة والسلام من حيث الباطن، فذهبت الحقيقة الجبرائيلية من حيث صورته السابقة ﷺ، وبقيت الحقيقة المحمدية منبسطة متحدة بالحقائق الجبرائيلية، ولأجل بقاء جبريل لتكميل الصورة المحمدية اللائحة عليه  (سبحانه وتعالى)  أخبر  (سبحانه وتعالى)  بغشيان جبريل، وفى كمال الصورة المحمدية  اللاحقة حق الكمال، واتحاده فى الصورة الآدمية المحمدية اللاحقة يكون موته منها.

فإذا فهمت ما ذكرته لك علمت أن الوجود كله هو الحقيقة المحمدية، وأن النزول منها إليها، وبها عليها، وأن الحقيقة المحمدية فى كل شيء لها وجهان: وجه محمدي، ووجه أحمدي.

فالمحمدي علمي جبرائيلي، والأحمدي إيماني روحي أمي، وإن الجنة فيما بين هذين الوجهين مائة درجة، وإن التنزيل للوجه المحمدي، والتجلي للوجه الأحمدي، وإن آدم وكافة النبيين عليهم الصلاة والسلام لا يدخلون الجنة؛ إلا بدخول محمد عليه الصلاة والسلام، وهو لا يدخل إلا بدخول أمته، فهو الكل عليه الصلاةوالسلام، فبهذا يتضح لك أنه لا يدخلها حتى تدخلها أمته، أمنة وأنه أول من يحرك حلقها، وأنها محرمة على النبيين حتى يدخلها، مع ما علمت من قوله سبحانه فى الشهداء أنهم﴿عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران: 169]، وما جاء فى الأخبار من أن الأنبياء فى الجنان، وإن كثيرًا من الصحابة أُدخلوا الجنة، وتزوجوا من الحور فتيقظ.

واعلم أن كل خليفة ممن تقدم وتأخر، من آدم إلى آخر الخلفاء؛ إن بلغ هذه الخلافة الكلية التي ذكرتها لك، فهو خليفة الله الرحمن، من حيث هو خليفة رسول الله ﷺ الذي هو الجليس على الحقيقة على العرش، الحاكم بين سبحانه وبين خلقه، وليس خليفة الله سبحانه من حيث اسمه الرحمن حقيقة؛ إلا محمد ﷺ وكلهم خلفاء الله سبحانه من حيث هم خلفاء المهدي  (سبحانه وتعالى) ، الذى قال فيه رسول الله ﷺ: «إذا رأيتم الرايات السود تُقبلُ من أرض خُراسان فأتوها ولو حبوًا، فإن فيها خليفة الله المهدي، فإنه به يكشف عن ساق»، فهو الإمام  (سبحانه وتعالى)  الولي الخاتم للولاية، وآدم بين الماء والطين، وغيره ما كان وليًا إلا بعد أن تولاه الله سبحانه بظهور الولاية فيه، كما أن النبي هو النبي، وآدم بين الماء والطين، وغيره ليس كذلك حتى نبأه الله سبحانه، فهو عليه الصلاة والسلام لم يزل خليل الرحمن، حتى تمكن للخلة الكاملة بغير سير، فكان خليل الرحمن محضًا من حيث هو خليل الله تقربًا، ثم انتقل قبل موته ﷺ إلى خلة الله، فهو خليل الله محضًا من حيث هو حبيب الله محضًا، وأوتي مفاتيح خزائن الأرض والسماء، وهنا نفترض عنان البيان، بأفصح من هذا اللسان، فى هذا الزمان، والله أعلم.

وحسبنا الله ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير، وصلى الله على سيدنا محمد البشير النذير، السراج المنير، وعلى آله، وأصحابه، وأشياعه، وأتباعه، ومحبيه، وأحبابه، وعلينا معهم بالتبعية، وإن كنا مقصرين، والحمد لله رب العالمين، آمين، آمين، آمين.

قد وقع الإتمام من كتابة هذا الكتاب العُجاب، التي لا يكاد أن يوجد بين الأمة، على يد (عبد الفتاح ابن المرحوم الشيخ عبد المتعال) من أضعف الطلبة، أحسن الله له ولوالديه ولمشايخه، ولمن دعا لهم بخير حالهم، برفعة الدارين، بحرمة حبيبه المرسل للثقلين، وثبت أقدامهم على شريعته، ونول أمرهم بذاته، وأهداهم إلى صراطه المستقيم، وصلى الله على من نزل فى حقه ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: 4]، وعلى آله وأصحابه ما دام الفوق والأديم، فى ستة عشر من ربيع الأول العظيم لسنة (1322) هجرية اثنين وعشرين وثلثمائة وألف، من هجرة النبي الكريم صلى الله عليه وآله وأصحابه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!