موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب حقائق عن التصوف

للشيخ عبد القادر عيسى الحسيني الشاذلي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


الخوف

الخوف

قال حجة الإسلام الإمام الغزالي رحمه الله تعالى: (اعلم أن حقيقة الخوف هو تألم القلب واحتراقه بسبب توقع مكروه في المستقبل، وقد يكون ذلك من جريان ذنوب، وقد يكون الخوف من الله تعالى بمعرفة صفاته التي توجب الخوف لا محالة، وهذا أكمل وأتم، لأن من عرف الله خافه بالضرورة، ولهذا قال الله تعالى: {إِنَّما يَخْشَى الله مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ} [فاطر: ٢٨] (١).

وقد دعا الله تعالى عباده إلى الخوف منه وحده فقال: {وإِيّايَ فَارْهَبُونِ} [البقرة: ٤٠].

ومدح المؤمنين ووصفهم بالخوف فقال: {يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ}

[النحل: ٥٠].

وجعل الله الخوف من شروط كمال الإيمان فقال: {وخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: ١٧٥].

ووعد الله من خاف مقامه جنتين: جنة المعارف في الدنيا، وجنة الزخارف في الآخرة فقال: ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ} [الرحمن: ٤٦].

وجعل الله الجنة مأوى من خاف مقام ربه فقال: {وأَمّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ ونَهَى اَلنَّفْسَ عَنِ الْهَوى (٤٠) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى} [النازعات: ٤٠ - ٤١].

__________

(١) الأربعين في أصول الدين ص ١٩٦.

قال الشيخ أحمد زروق رحمه الله تعالى في قواعده: (من بواعث العمل وجود الخشية وهي تعظيم يصحبه مهابة. والخوف هو انزعاج القلب من انتقام الرب) (١).

والخوف يتمثل في نشيج من يقدّر خطورة العواقب فيقف عند الواجب، ولا يعرض نفسه لزيغ ولا إثم؛ بل ولا يقف في مواطن توشك أن توقعه في الشر والفساد، ثم يترقى الصوفي في الخوف فيتحلى بأشرف ما يتحلى به المقربون، وعندئذ تنتقل مظاهر الخوف من عالم الجسم إلى عالم الروح؛ فتكون للعارف أشجان لا يدركها إلا أهل الصفاء.

وفي هذا المقام يصف سيدي عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه السيدة رابعة العدوية بأنها كانت كثيرة البكا والحزن، وكانت إذا سمعت ذكر النار غشي عليها زمانا، وكان موضع سجودها كهيئة الحوض الصغير من دموعها، وكأن النار ما خلقت إلا لأجلها، وسر ذلك الخوف إنما هو الاعتقاد بأن كل بلاء دون النار يسير، وأن كل خطب دون البعد عن الله تعالى هين.

ويرى الصوفية أن المحب لا يسقى كأس المحبة إلا بعد أن ينضح الخوف قلبه. ومن لم يكن له مثل تقواه لم يدر ما الذي أبكاه، ومن لم يشاهد جمال يوسف لم يدر م الذي آلم يعقوب.

وليس الخائف الذي يبكي ويمسح عينيه، إنما الخائف من يترك ما يخاف أن يعذّب عليه.

__________

(١) قواعد التصوف ص ٧٤.

قال أبو سليمان الداراني رحمه الله تعالى: (ما فارق الخوف قلبا إلا خرب) (١).

وليس الخائفون بمرتبة واحدة؛ بل هم على مراتب مختلفة، وقد صنف ابن عجيبة رحمه الله تعالى مراتبهم إلى ثلاث مراتب فقال:

(خوف العامة من العقاب وفوات الثواب، وخوف الخاصة من العتاب وفوات الاقتراب، وخوف خاصة الخاصة من الاحتجاب بعروض سوء الأدب) (٢).

***

__________

(١) الرسالة القشيرية ص ٦٠.

(٢) معراج التشوف إلى حقائق التصوف ص ٦.



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!