موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب حقائق عن التصوف

للشيخ عبد القادر عيسى الحسيني الشاذلي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


الرجاء

الرجاء

قال الشيخ أحمد زروق رحمه الله تعالى في تعريف الرجاء:

(الرجاء: السكون لفضله تعالى بشواهد العمل في الجميع، وإلا كان اغترارا) (١).

وقد حثنا الله تعالى على الرجاء ونهانا عن القنوط من رحمته فقال: { قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ الله إِنَّ الله يَغْفِرُ اَلذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ اَلرَّحِيمُ} [الزمر: ٥٣].

وقال تعالى مبشرا بسعة رحمته: {ورَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}

[الأعراف: ١٥٥].

وقال تعالى في وصف الذين يرجون رحمته: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُو والَّذِينَ هاجَرُوا وجاهَدُوا فِي سَبِيلِ الله أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ الله} [البقرة: ٢١٨].

وجاء الحث على رجاء رحمة الله في كثير من الأحاديث الشريفة منها:

ما روى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:

والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم وجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله تعالى فيغفر لهم (٢).

__________

(١) قواعد التصوف ص ٧٤.

(٢) أخرجه مسلم في كتاب التوبة.

وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال يغفرها الله لهم، ويضعها على اليهود والنصارى (١).

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: يدنى المؤمن يوم القيامة من ربه حتى يضع عليه كنفه فيقرره بذنوبه فيقول: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: ربّ أعرف.

قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم. فيعطى صحيفة حسناته (٢).

والرجاء يختلف عن التمني، إذ الراجي هو الذي يأخذ بأسباب الطاعة طالبا من الله الرضى والقبول، بينما يترك المتمني الأسباب والمجاهدات، ثم ينتظر من الله الأجر والمثوبة، فهو الذي قال في حقه عليه الصلاة والسّلام: والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني (٣).

إذ كل من رجا الله تعالى وطلبه، عليه أن يشمر عن ساعد الجد والاجتهاد بصدق وإخلاص حتى ينال مطلوبه، ولهذا قال تعالى معلما طريق طلبه: {فَمَنْ كانَ يَرْجُو لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحًا ولا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: ١١٠].

فعلى العبد إن كان في ريعان شبابه مقارفا للذنوب مطيعا لنفسه

__________

(١) أخرجه مسلم في كتاب التوبة ..

(٢) أخرجه مسلم في كتاب التوبة، والبخاري في صحيحه في كتاب الرقاق. كنفه: ستره ورحمته.

(٣) رواه الترمذي في كتاب صفة القيامة وقال: حديث حسن، وابن ماجه في كتاب الزهد. كلاهما عن شداد بن أوس رضي الله عنه.

الشهوانية أن يغلّب جانب الخوف على الرجاء. أما إذا كان في نهاية عمره فعليه أن يغلّب الرجاء كما قال تعالى في الحديث القدسي: أنا عند ظن عبدي بي (١).

وكما قال عليه الصلاة والسّلام في الحديث الذي يرويه جابر بن عبد الله رضي الله عنه: لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل (٢).

وإن كان العبد مقبلا على ربه سالكا طريق قربه فعليه أن يجمع بين مقامي الخوف والرجاء، لا يغلّب الخوف على الرجاء حتى يقنط من رحمة الله تعالى وعفوه، ول يغلّب الرجاء على الخوف حتى يسترسل في مهاوي المعاصي والسيئات، بل يطير بهما محلق في أجواء صافية؛ فلا يزال في قرب ودنو من الحضرة الإلهية، قد حقق صفة هؤلاء الذين وصفهم ربهم بقوله: {تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وطَمَعًا} [السجدة: ١٦] خوفا من ناره، وطمعا في جنته .. خوفا من بعده، وطمعا في قربه .. خوفا من هجره وطمعا في رضاه .. خوفا من قطيعته وطمعا في وصاله ..

وليس الراجون بمرتبة واحدة، بل هم على مراتب ذكرها ابن عجيبة رحمه الله تعالى إذ قال: (رجاء العامة حسن المآب بحصول الثواب، ورجاء الخاصّة حصول الرضوان والاقتراب، ورجاء خاصة الخاصّة التمكين من الشهود وزيادة الترقي في أسرار الملك المعبود) (٣).

***

__________

(١) أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب التوحيد عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(٢) رواه مسلم في كتاب الجنة باب الأمر بحسن الظن بالله تعالى ...

(٣) معراج التشوف ص ٦.



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!