موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب حقائق عن التصوف

للشيخ عبد القادر عيسى الحسيني الشاذلي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


الحجاب الثاني

فالذي يخلصه من رؤية عمله علمه بفضل الله تعالى عليه وتوفيقه له، وأنه مخلوق هو وعمله لله تعالى: {والله خَلَقَكُمْ وما تَعْمَلُونَ} [الصافات: ٩٦]. إل أن له نسبة الكسب فقط.

وإذا دقق في صفات النفس، وعلم أنها كما وصفها الله تعالى: {إِنَّ اَلنَّفْسَ لَأَمّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف: ٥٣]. أدرك أن كل خير يصدر منه هو محض فضل من الله تعالى ومنّة، وعندئذ يتذوق معنى قوله تعالى: {ولَوْ لا فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ ورَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ} [النور: ٢١].

فتخلص العبد من رؤية أعماله وإعجابه بها يكون بمعرفة نفسه ومعرفة دخائلها، فليجتهد الإنسان في تحصيل هذه المعرفة.

الحجاب الثاني: طلبه العوض لعمله، والعوض إما أن يكون في الدنيا أو في الآخرة.

أما الذي يكون في الدنيا، فطلبه الشهوات المنوّعة، ومنها شهوة السمعة والشهرة، وحب الظهور وغير ذلك، وكذلك طلبه للأحوال والمقامات والمكاشفات والمعارف.

ولهذا يقول العارف الكبير الشيخ أرسلان رحمه الله تعالى ناصحا كل ملتفت إلى غير مطلوبه ومحبوبه ومقصوده: (يا أسير الشهوات والعبادات، يا أسير المقامات والمكاشفات، أنت مغرور) (١). وإنما كان أسيرها لأنها من جملة الأغيار ومن عالم الخلق، فالوقوف عندها قاطع عن الوصول إلى معرفة خالقها تعالى، قال تعالى: {وأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى} [النجم: ٤٢].

ويقول الشيخ عبد الغني النابلسي رحمه الله تعالى معلقا على كلامه:

__________

(١) خمرة الحان ورنة الألحان ص ١٧٧.

(إذ لو كنت صادقا ما التفتّ إلى شهوة أو عبادة، ولا مقام ولا مكاشفة، ولأفردت القصد إليه تعالى وحده دون جميع ما عداه، ولجرّدت العزم والهمة فيه تعالى، وتركت ما سواه. ثم قال: ونقل ابن عطاء الله السكندري في التنوير في إسقاط التدبير عن شيخه أبي العباس المرسي رضي الله عنه، أنه يقول: (لن يصل الولي إلى الله حتى تنقطع عنه شهوة الوصول إلى الله تعالى). ومن كلام بعضهم: (لو رفعت إلى ذروة الأكوان وترقيت إلى حيث لا مكان، ثم اغتررت بشيء طرفة عين فلست من أولي الألباب) ويقول ابن الفارض رحمه الله تعالى:

قال لي حسن كل شيء تجلّى ... بي تملّ فقلت قصدي وراك

فالالتفات إلى حسن المكوّنات والمخلوقات، والوقوف عندها اغترار وانقطاع) (١).

ويقول بعضهم ناصحا لمن هذا حاله:

ومهما ترى كلّ المراتب تجتلى عليك فحل عنها فعن مثلها حلنا

ويقول ابن عطاء الله رحمه الله تعالى: (ما أرادت همة سالك أن تقف عند م كشف لها، إلا نادته هواتف الحقيقة: الذي تطلب أمامك) (٢).

وطلب العبد لهذه المقامات وغيرها شهوة خفية، وذلك إما أن ينالها فيطمئن إليها، ويحجب بها عن المقصود؛ وإما أن لا ينالها عند ما سار

__________

(١) خمرة الحان ورنة الألحان شرح رسالة الشيخ أرسلان الدمشقي لعبد الغني النابلسي رحمه الله تعالى ص ٢٩.

(٢) إيقاظ الهمم في شرح الحكم ج ١/ص ٥١.



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!