موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب حقائق عن التصوف

للشيخ عبد القادر عيسى الحسيني الشاذلي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


فضله

فالرضا مقام قلبي، إذا تحقق به المؤمن استطاع أن يتلقّى نوائب الدهر وأنواع الكوارث بإيمان راسخ، ونفس مطمئنة، وقلب ساكن، بل قد يترقى إلى أرفع من ذلك فيشعر بالسرور والفرحة بمر القضاء، وذلك نتيجة ما تحقق به من المعرفة بالله تعالى، والحبّ الصادق له سبحانه.

فضله:

هو أسمى مقاما وأرفع رتبة من الصبر، إذ هو السّلام الروحي الذي يصل بالعارف إلى حب كل شيء في الوجود يرضي الله تعالى، حتى أقدار الحياة ومصائبها، يراها خيرا ورحمة، ويتأملها بعين الرضا فضلا وبركة.

كان بلال رضي الله عنه يعاني سكرات الموت وهو يقول: وافر حتاه! غدا ألقى الأحبة، محمدا وصحبه (١).

وقد بين الرسول صلّى الله عليه وسلّم أن الراضي بقضاء الله هو أغنى الناس لأنه أعظمهم سرورا واطمئنانا، وأبعدهم عن الهم والحزن والسخط والضجر، إذ ليس الغنى بكثرة المال إنما هو بغنى القلب بالإيمان والرضا، قال عليه الصلاة والسّلام: (اتق المحارم تكن أعبد الناس، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما، ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب) (٢).

__________

(١) السيرة النبوية لأحمد زيني دحلان. ص ٢٤٢.

(٢) أخرجه الترمذي في كتاب الزهد عن أبي هريرة رضي الله عنه، وقال: هذ حديث غريب.

وأوضح الرسول صلّى الله عليه وسلّم أن الرضا سبب عظيم من أسباب سعادة المؤمن الدنيوية والأخروية، كما أن السخط سبب الشقاء في الدنيا والآخرة فقال: (من سعادة ابن آدم رضاه بما قضى الله له، ومن شقاوة ابن آدم تركه استخارة الله تعالى، ومن شقاوة ابن آدم سخطه بما قضى الله تعالى له) (١).

ولقد كانت نعمة الرضا من العوامل في تلك السكينة التي شملت قلوب العارفين، ومن أقوى الأسباب في محق نوازع اليأس التي يوجدها التفكير في عدم الحصول على حظوظ الحياة وملذاتها؛ مما يجلب لصاحبه القلق والحيرة والاضطراب.

ولقد كان من هديه صلّى الله عليه وسلّم أن يعلّم أصحابه ويغرس في قلوبهم الرضا بالله تعالى ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلّى الله عليه وسلّم نبيا ورسولا، وكان يندبهم لتكرارها فيقول: (من قال إذا أصبح وأمسى: رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا، كان حقا على الله أن يرضيه) (٢)، فكانوا يحرصون على تكراره صباحا ومساء، يعربون بذلك عما تكنّه قلوبهم من نعيم الرضا بالله والتسليم له.

وما أكثر من يكرر هذا القول بلسانه، وهو غير مطمئن القلب به، ولا متذوق لمعانيه السامية، ولا متحقق بمقاصده العالية، خصوصا حين تزدحم عليه المصائب، وتداهمه الخطوب، وتتكاثف على قلبه

__________

(١) أخرجه الترمذي في كتاب القدر عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وقال: حديث غريب.

(٢) رواه أبو داود في باب ما يقول إذا أصبح عن أنس بن مالك رضي الله عنه ورواه الترمذي في كتاب الدعوات.

ظلمات الهموم والأكدار، أو عند ما يدعى إلى حكم من أحكام الشرع يخالف هواه ويعارض مصالحه الخاصة.

لهذا نرى أن ترداده باللسان فحسب لا يفيد صاحبه إذا لم ينبع من قلبه. حيث إن من لوازم الرضا بالله تعالى ربا؛ الرضا بكل أفعاله في شؤون خلقه؛ من إعطاء ومنع وخفض ورفع، وضر ونفع، ووصل وقطع.

ومن لوازم الرضا بالإسلام دينا أن يتمسك بأوامره ويبتعد عن نواهيه، ويستسلم لأحكامه ولو كان في ذلك مخالفة لهوى نفسه، ومعارضة لمصالحه الخاصة.

ومن لوازم الرضا بسيدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم نبيا ورسولا أن يتخذ شخصيته مثلا أعلى وأسوة حسنة، فيتبع هديه، ويقتفي أثره، ويتحلى بسنته، ويجاهد هواه حتى يكون تبعا لما جاء به، وحتى يكون أحب إليه من والده وولده ونفسه والناس أجمعين، كما دعا إلى ذلك عليه الصلاة والسّلام: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين (١).

وإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال للنبي صلّى الله عليه وسلّم: لأنت ي رسول الله أحبّ إليّ من كل شيء إلا من نفسي فقال: لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحبّ إليك من نفسك . فقال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحبّ إليّ من نفسي، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: الآن يا عمر (٢).

__________

(١) رواه البخاري في صحيحه في كتاب الإيمان باب حب الرسول من الإيمان عن أبي هريرة وأنس رضي الله عنهما.

(٢) رواه البخاري في صحيحه في كتاب الأيمان والنذور باب كيف كانت يمين النبي صلّى الله عليه وسلّم ج ٨. ص ١٦٠، ورواه أحمد في المسند ج ٤/ ٢٣٣.



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!