موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب حقائق عن التصوف

للشيخ عبد القادر عيسى الحسيني الشاذلي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


فضله وآثاره

وقد نبّه السادة الصوفية السالكين إلى ناحية قلبية دقيقة، وهي أنه يجب في كل عمل من الأعمال أن يتخذوا أسبابه، مع عدم الاعتماد على تلك الأسباب أو الالتفات إليها بقلوبهم.

قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: (ذهب المحققون من الصوفية إلى ضرورة السعي فيما لا بد منه، ولكن لا يصح عندهم التوكل مع الالتفات والطمأنينة إلى الأسباب، بل فعل الأسباب سنة الله وحكمته، والثقة بأنها لا تجلب نفعا، ولا تدفع ضرا، والكل من الله) (١).

فضله وآثاره:

التوكل نتيجة من نتائج الإيمان، وثمرة من ثمار المعرفة، فعلى قدر معرفة العبد بالله وصفاته يكون توكله، وإنما يتوكل على الله من لا يرى فاعلا سواه.

والمتوكل على الله تعالى معتز به لا يذل إلا له، واثق به لا يطلب إلا منه، وقد قالوا: قبيح بالمريد أن يتعرض لسؤال العبيد، وهو يجد عند مولاه ما يريد.

ولهذا ربط الله تعالى التوكل بالإيمان فقال: {وعَلَى الله فَتَوَكَّلُو إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: ٢٣].

وقال: {وعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [إبراهيم: ١١].

ومن يتوكل على الله تعالى حق التوكل ملتجئا إليه بصدق الحال يكرمه بالمحبة، ويكفه ما يهمه من محن وفتن، ويملأ قلبه غنى ويقينا، ويزيّن

__________

(١) دليل الفالحين ج ٢ ص ٣.

ظاهره بالعفة والكرم، قال تعالى: {إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: ١٥٩]. وقال: {ومَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: ٢٣].

والتوكل على الله تعالى يبعث في القلوب السكينة والطمأنينة، وخصوصا عند الشدائد والمحن. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (حسبنا الله ونعم الوكيل، قاله إبراهيم عليه السّلام، حين ألقي في النار، وقالها محمد صلّى الله عليه وسلّم حين قالوا: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا، وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل) (١).

فالمتوكل على الله تعالى حقيقة راض بقضائه، مستسلم لفعله، مطمئن لحكمه، قال بشر الحافي رحمه الله تعالى: (يقول أحدكم: توكلت على الله، وهو يكذب على الله تعالى، ولو توكل على الله تعالى لرضي بما يفعله الله تعالى به) (٢).

وقد مدح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم التوكل، وبيّن أهميته في الحياة وقيمته في إحلال الطمأنينة في النفوس فقال: لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كم يرزق الطير، تغدو خماصا وتروح بطانا (٣). أي تذهب صباحا وهي جائعة، وتعود مساء شباعا. وفي هذا الحديث إشارة إلى أن التوكل لا يتعارض مع الأسباب، بدليل أن الطير غادرت عشها صباحا باحثة عن رزقها معتمدة على ربها، واثقة به، ولذلك فهي لا تعرف الهم ولا الأحزان.

__________

(١) أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب التفسير، تفسير سورة آل عمران.

(٢) الرسالة القشيرية ص ٧٦.

(٣) رواه الترمذي في كتاب الزهد وقال: حديث حسن صحيح. وأخرجه الحاكم في المستدرك (ج ٤/ص ٣١٨) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال: الحديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين.



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!