موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب حقائق عن التصوف

للشيخ عبد القادر عيسى الحسيني الشاذلي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


الحب الإلهي

الحب الإلهي

المحبة لله هي الغاية القصوى من المقامات، والذروة العليا من الدرجات، فم بعد إدراك المحبة مقام إلا وهو ثمرة من ثمارها، وتابع من توابعها، كالشوق والأنس والرضا ... ولا قبل المحبة مقام إلا وهو مقدمة من مقدماتها كالتوبة والصبر والزهد .. (١).

والمحبة لا تحدّ بحد أوضح منها، والتعاريف والحدود لا تزيدها إلا خفاء، فتعريفها وجودها؛ إذ التعاريف للعلوم. أما المحبة فهي حالة ذوقية تفيض على قلوب المحبين، ما لها سوى الذوق إفشاء. وكل ما قيل في المحبة ما هو إلا بيان لآثارها، وتعبير عن ثمارها، وتوضيح لأسبابها.

قال الشيخ الأكبر ابن عربي الحاتمي رحمه الله تعالى: (واختلف الناس في حدّها، فما رأيت أحدا حدّها بالحد الذاتي، بل لا يتصور ذلك، فما حدّها من حدّها إل بنتائجها وآثارها ولوازمها، ولا سيما وقد اتصف بها الجناب الإلهي العزيز وهو الله. وأحسن ما سمعت فيها ما حدثنا به غير واحد عن أبي العباس الصنهاجي، قالوا: سمعناه وقد سئل عن المحبة، فقال: الغيرة من صفات المحبة، والغيرة تأبى إلا الستر، فلا تحد) (٢).

__________

(١) الإحياء للإمام الغزالي كتاب المحبة والشوق ج ١٣. ص ٢٥٧٠.

(٢) الفتوحات المكية لابن عربي الحاتمي الطائي. الباب الثامن والسبعون بعد المئة في معرفة مقام المحبة.

وقال ابن الدباغ رحمه الله تعالى: (فإن المحبة لا يعبّر عنها حقيقة إلا من ذاقها، ومن ذاقها استولى عليه من الذهول على ما هو فيه أمر لا يمكنه معه العبارة، كمثل من هو طافح سكرا، إذا سئل عن حقيقة السكر الذي هو فيه، لم يمكنه العبارة في تلك الحال؛ لاستيلائه على عقله. والفرق بين السكرين: أن سكر الخمر عرضي، يمكن زواله، ويعبر عنه في حين الصحو، وسكر المحبة ذاتي ملازم، لا يمكن من وصل إليه أن يصحو عنه، حتى يخبر فيه عن حقيقته، كما قيل:

يصحو من الخمر شاربوها ... والعشق سكر على الدوام (١)

لذلك لما سئل الإمام الجنيد رحمه الله تعالى عن المحبة، كان جوابه فيضان الدموع من عينيه، وخفقان القلب بالهيام والشوق، ثم عبر عما يجده من آثار المحبة.

قال أبو بكر الكتاني رحمه الله تعالى: (جرت مسألة في المحبة بمكة أعزه الله تعالى أيام الموسم، فتكلم الشيوخ فيها، وكان الجنيد أصغرهم سنا، فقالوا: هات ما عندك يا عراقي! فأطرق رأسه، ودمعت عيناه ثم قال: عبد ذاهب عن نفسه، متصل بذكر ربه، قائم بأداء حقوقه، ناظر إليه بقلبه، أحرق قلبه أنوار هيبته، وصفاء شربه من كأس ودّه، وانكشف له الجبار من أستار غيبه، فإن تكلم فبالله، وإن نطق فعن الله، وإن تحرك فبأمر الله، وإن سكن فمع الله، فهو بالله ولله ومع الله، فبكى الشيوخ وقالوا: ما على هذا مزيد، جزاك الله يا تاج العارفين) (٢).

__________

(١) مشارق أنوار القلوب ومفاتح أسرار الغيوب لعبد الرحمن بن محمد الأنصاري المعروف بابن الدباغ ص ٢١.

(٢) مدارج السالكين ج ٣. ص ١١.



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!