موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب حقائق عن التصوف

للشيخ عبد القادر عيسى الحسيني الشاذلي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


بين الحقيقة والشريعة ** | ** تمهيد وتعريف ** | ** 1 - فركن الإسلام ** | ** 3 - وركن الإحسان

بين الحقيقة والشريعة

تمهيد وتعريف:

لقد ورد في حديث جبريل المشهور الذي يرويه عمر بن الخطاب رضي الله عنه تقسيم الدين إلى ثلاثة أركان، بدليل قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم لعمر: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم (١).

١ - فركن الإسلام:

هو الجانب العملي؛ من عبادات ومعاملات وأمور تعبدية، ومحله الأعضاء الظاهرة الجسمانية. وقد اصطلح العلماء على تسميته بالشريعة، واختص بدراسته السادة الفقهاء.

٢ - وركن الإيمان:

وهو الجانب الاعتقادي القلبي؛ من إيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقضاء والقدر .. وقد اختص بدراسته السادة علماء التوحيد.

٣ - وركن الإحسان:

وهو الجانب الروحي القلبي؛ وهو أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، وما ينتج عن ذلك من أحوال وأذواق وجدانية، ومقامات عرفانية، وعلوم وهبية، وقد اصطلح العلماء على تسميته بالحقيقة، واختص ببحثه السادة الصوفية.

ولتوضيح الصلة بين الشريعة والحقيقة نضرب لذلك مثلا الصلاة،

__________

(١) أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان. والإمام أحمد في مسنده في باب الإيمان والإسلام والإحسان ج ١. ص ٦٤.

فالإتيان بحركاتها وأعمالها الظاهرة، والتزام أركانها وشروطها، وغير ذلك مما ذكره علماء الفقه، يمثل جانب الشريعة، وهو جسد الصلاة.

وحضور القلب مع الله تعالى في الصلاة يمثل جانب الحقيقة، وهو روح الصلاة.

فأعمال الصلاة البدنية هي جسدها، والخشوع روحها. وما فائدة الجسد بل روح؟! وكما أن الروح تحتاج إلى جسد تقوم فيه، فكذلك الجسد يحتاج إلى روح يقوم بها، ولهذا قال الله تعالى: {وأَقِيمُوا الصَّلاةَ وآتُوا الزَّكاةَ} [البقرة: ١١٠]. ول تكون الإقامة إلا بجسد وروح، ولذا لم يقل: أوجدوا الصلاة.

ومن هذا ندرك التلازم الوثيق بين الشريعة والحقيقة كتلازم الروح والجسد. والمؤمن الكامل هو الذي يجمع بين الشريعة والحقيقة، وهذا هو توجيه الصوفية للناس، مقتفين بذلك أثر الرسول عليه الصلاة والسّلام وأصحابه الكرام.

وللوصول إلى هذا المقام الرفيع، والإيمان الكامل، لا بد من سلوك الطريقة، وهي مجاهدة النفس، وتصعيد صفاتها الناقصة إلى صفات كاملة، والترقي في مقامات الكمال بصحبة المرشدين، فهي الجسر الموصل من الشريعة إلى الحقيقة.

قال السيد رحمه الله تعالى في تعريفاته: (الطريقة هي السيرة المختصة بالسالكين إلى الله تعالى، من قطع المنازل والترقي في المقامات) (١).

فالشريعة هي الأساس، والطريقة هي الوسيلة، والحقيقة هي الثمرة

__________

(١) تعريفات السيد ص ٩٤.

وهذه الأشياء الثلاثة متكاملة منسجمة، فمن تمسّك بالأولى منها سلك الثانية فوصل إلى الثالثة، وليس بينها تعارض ولا تناقض. ولذلك يقول الصوفية في قواعدهم المشهورة: (كل حقيقة خالفت الشريعة فهي زندقة). وكيف تخالف الحقيقة الشريعة وهي إنما نتجت من تطبيقها.

يقول إمام الصوفية أحمد زروق رحمه الله تعالى: (لا تصوف إلا بفقه، إذ ل تعرف أحكام الله الظاهرة إلا منه. ولا فقه إلا بتصوف، إذ لا عمل إلا بصدق وتوجه لله تعالى. ولا هما [التصوف والفقه] إلا بإيمان، إذ لا يصح واحد منهما دونه. فلزم الجميع لتلازمها في الحكم، كتلازم الأجسام للأرواح، ولا وجود لها إلا فيها، كما ل حياة لها إلا بها، فافهم) (١).

ويقول الإمام مالك رحمه الله تعالى: (من تصوف ولم يتفقه فقد تزندق، ومن تفقه ولم يتصوف فقد تفسق، ومن جمع بينهما فقد تحقق) (٢).

تزندق الأول لأنه نظر إلى الحقيقة مجردة عن الشريعة، فقال بالجبر وأن الإنسان لا خيار له في أمر من الأمور، فهو يتمثل قول القائل:

ألقاه في اليمّ مكتوفا وقال له إياك إياك أن تبتلّ بالماء

فعطّل بذلك أحكام الشريعة والعمل بها، وأبطل حكمتها والنظر إليها.

وتفسّق الثاني لأنه لم يدخل قلبه نور التقوى، وسر الإخلاص وواعظ

__________

(١) قواعد التصوف للشيخ أحمد زروق قاعدة ٣. ص ٣.

(٢) شرح عين العلم وزين الحلم للإمام ملا علي القاري ج ١. ص ٣٣.



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!