موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب حقائق عن التصوف

للشيخ عبد القادر عيسى الحسيني الشاذلي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


الفقهاء الصوفية

حرمات المشايخ، ورؤية أعذار الخلق، وحسن صحبة الرفقاء، والقيام بخدمتهم، واستعمال الأخلاق الجميلة، والمداومة على الأوراد وترك ارتكاب الرخص والتأويلات، وما ضل أحد في هذا الطريق إلا بفساد الابتداء، فإن فساد الابتداء يؤثر في الانتهاء) (١).

الفقهاء الصوفية:

لقد كان علماء الشريعة الإسلامية من الفقهاء والمحدّثين، يسيرون على أثر الرسول الأعظم صلّى الله عليه وسلّم، فيجمعون بين الشريعة والطريقة والحقيقة، ويؤدون العبادات العملية متحققين بسر الإخلاص فيها، متذوقين حلاوتها، مدركين أسرارها، وقد كانت لهم مجاهدات لتهذيب نفوسهم وإصلاح قلوبهم. ولما تحلّوا به من صلاح وتقوى ومعرفة نالوا هذه المراتب العلمية، ومنحهم الله تعالى هذا الفهم لكتابه والتعمق في شرعه، ونفع الله الأمة بعلومهم على مرّ السنين والأيام، فكأنهم أحياء بآثارهم الخالدة وجهودهم العلمية المباركة.

نقل الفقيه الحنفي الحصكفي صاحب الدر: أن أبا علي الدقاق رحمه الله تعالى قال: (أنا أخذت هذه الطريقة من أبي القاسم النصر أباذي، وقال أبو القاسم: أن أخذتها من الشبلي، وهو من السري السقطي، وهو من معروف الكرخي، وهو من داود الطائي، وهو أخذ العلم والطريقة من أبي حنيفة رضي الله عنه، وكل منهم أثنى عليه وأقرّ بفضله .. ) ثم قال صاحب الدر معلقا: (فيا عجبا لك يا أخي! ألم يكن لك أسوة حسنة في هؤلاء السادات الكبار؟ أكانوا متّهمين في هذا الإقرار

__________

(١) طبقات الصوفية للسلمي ص ٤٨٨.

والافتخار، وهم أئمة هذه الطريقة وأرباب الشريعة والحقيقة؟ ومن بعدهم في هذا الأمر فلهم تبع، وكل ما خالف ما اعتمدوه مردود مبتدع) (١).

ولعلك تستغرب عند ما تسمع أن الإمام الكبير، أبا حنيفة النعمان رحمه الله تعالى، يعطي الطريقة لأمثال هؤلاء الأكابر من الأولياء والصالحين من الصوفية!.

فهلاّ تأسى الفقهاء بهذا الإمام، فساروا على نهجه، وجمعوا بين الشريعة والحقيقة، لينفع الله بعلمهم، كما نفع بإمامهم الأعظم، الإمام الكبير، معدن التقوى والورع أبي حنيفة رحمه الله تعالى!

يقول ابن عابدين رحمه الله تعالى في حاشيته متحدثا عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى، تعليقا على كلام صاحب الدر الآنف الذكر: (هو فارس هذا الميدان، فإن مبنى علم الحقيقة على العلم والعمل وتصفية النفس، وقد وصفه بذلك عامة السلف، فقال أحمد بن حنبل [رحمه الله تعالى] في حقه: إنه كان من العلم والورع والزهد وإيثار الآخرة بمحل لا يدركه أحد، ولقد ضرب بالسياط ليلي القضاء، فلم يفعل. وقال عبد الله بن المبارك [رحمه الله تعالى]: ليس أحد أحق من أن يقتدى به من أبي حنيفة، لأنه كان إماما تقي نقيا ورعا عالما فقيها، كشف العلم

__________

(١) الدر المختار ج ١. ص ٤٣. وعليه حاشية ابن عابدين وهو محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي فقيه الديار الشامية وإمام الحنفية في عصره، له من التآليف [رد المحتار على الدر المختار] في خمسة مجلدات يعرف بحاشية ابن عابدين، وله رفع الأنظار عما أورده الحلبي على الدر المختار، والعقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية جزءان، ونسمات الأسحار شرح المنار، ومجموعة الرسائل ... مولده ووفاته في دمشق سنة ١١٩٨ - ١٢٥٢ هـ.

كشفا لم يكشفه أحد ببصر وفهم وفطنة وتقى. وقال الثوري لمن قال له: جئت من عند أبي حنيفة: لقد جئت من عند أعبد أهل الأرض) (١).

ومن هذا نعلم أن الأئمة المجتهدين والعلماء العاملين، هم الصوفية حقيقة.

فإن قال قائل: لو أن طريق التصوف أمر مشروع، لوضع فيه الأئمة المجتهدون كتبا، ولا نرى لهم قط كتابا في ذلك؟

يجيب الشعراني رحمه الله تعالى على هذا فيقول: (إنما لم يضع المجتهدون في ذلك كتابا لقلة الأمراض في أهل عصرهم، وكثرة سلامتهم من الرياء والنفاق. ثم بتقدير عدم سلامة أهل عصرهم من ذلك، فكان ذلك في بعض أناس قليلين، لا يكاد يظهر لهم عيب.

وكان معظم همة المجتهدين إذ ذاك إنما هو في جمع الأدلة المنتشرة في المدائن والثغور مع أئمة التابعين وتابعيهم، التي هي مادة كل علم، وبها يعرف موازين جميع الأحكام، فكان ذلك أهم من الاشتغال بمناقشة بعض أناس في أعمالهم القلبية التي لا يظهر بها شعار الدين، وقد لا يقعون بها في حكم الأصل.

ولا يقول عاقل قط: إن مثل الإمام أبي حنيفة أو مالك أو الشافعي أو أحمد رضي الله عنهم، يعلم أحدهم من نفسه رياء أو عجبا أو كبرا أو حسدا أو نفاقا ثم ل يجاهد نفسه ولا يناقشها أبدا. ولو لا أنهم يعلمون سلامتهم من تلك الآفات والأمراض لقدموا الاشتغال بعلاجها على كل علم) (٢).

***

__________

(١) حاشية ابن عابدين ج ١. ص ٤٣.

(٢) لطائف المنن والأخلاق للشعراني ج ١ ص ٢٥ - ٢٦.



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!