موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب حقائق عن التصوف

للشيخ عبد القادر عيسى الحسيني الشاذلي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


التحذير من الفصل بين الحقيقة والشريعة

التحذير من الفصل بين الحقيقة والشريعة:

هناك أناس ادّعوا التصوف كذبا ونفاقا، انحرفوا عن الإسلام، وقالوا: إن المقصود من الدين هو الحقيقة فقط، وعطلوا أحكام الشريعة، فأسقطوا عن أنفسهم التكاليف، وأباحوا المخالفات، وقالوا: إن المعوّل عليه صلاح القلب، ويقولون: [نحن أهل الباطن، وهم أهل الظاهر]. فهؤلاء ضالون منحرفون زنادقة، لا يجوز أن نأخذ أعمالهم وأحوالهم حجة على السادة الصوفية الصادقين المخلصين.

وإن السادة أئمة الصوفية قد نبهوا إلى خطرهم، وحذروا من صحبتهم ومجالستهم، وتبرؤوا من سيرهم وانحرافهم. قال أبو يزيد البسطامي رحمه الله تعالى لبعض أصحابه: (قم بنا حتى ننظر إلى هذا الرجل الذي قد شهر نفسه بالولاية، وكان رجلا مقصود مشهورا بالزهد، فمضينا إليه، فلما خرج من بيته ودخل المسجد رمى ببصاقه تجاه القبلة، فانصرف أبو يزيد ولم يسلّم عليه، وقال: هذا غير مأمون على أدب من آداب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكيف يكون مأمونا على ما يدعيه) (١). وقال أيضا: (لو نظرتم إلى رجل أعطي من الكرامات حتى يرتقي في الهواء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي وحفظ الحدود وأداء الشريعة) (٢).

وقال الشيخ أحمد زروق رحمه الله تعالى في قواعده: (وكل شيخ

__________

(١) الرسالة القشيرية ص ١٦.

(٢) الرسالة القشيرية ص ١٦.

لم يظهر بالسنة فلا يصح اتباعه لعدم تحقق حاله، وإن صح في نفسه وظهر عليه ألف ألف كرامة من أمره) (١).

وقال سهل بن عبد الله التستري رحمه الله تعالى: (احذر صحبة ثلاث من أصناف الناس: الجبابرة الغافلين، والقرّاء المداهنين، والمتصوفة الجاهلين) (٢).

وقال السيد أحمد الرفاعي رحمه الله تعالى: (لا تقولوا كما يقول بعض المتصوفة: [نحن أهل الباطن، وهم أهل الظاهر]. هذا الدين الجامع باطنه لب ظاهره، وظاهره ظرف باطنه، لو لا الظاهر لما بطن، لو لا الظاهر لما كان الباطن ولما صح. القلب لا يقوم بلا جسد، بل لو لا الجسد لفسد، والقلب نور الجسد. هذا العلم الذي سماه بعضهم بعلم الباطن، هو إصلاح القلب، فالأول عمل بالأركان وتصديق بالجنان. إذ انفرد قلبك بحسن نيته وطهارة طويته، وقتلت وسرقت وزنيت، وأكلت الربا، وشربت الخمر، وكذبت وتكبرت وأغلظت القول، فما الفائدة من نيتك وطهارة قلبك؟ وإذا عبدت الله وتعففت، وصمت وتصدقت وتواضعت، وأبطن قلبك الرياء والفساد، فما الفائدة من عملك؟) (٣).

وينكر الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله تعالى على من يعتقد أن التكاليف الشرعية تسقط عن السالك في حال من الأحوال، كما مرّ بك

__________

(١) قواعد التصوف للشيخ أحمد رزوق ص ٧٦.

(٢) شرح الحكم لابن عجيبة ج ١. ص ٧٦.

(٣) البرهان المؤيد للسيد أحمد الرفاعي رحمه الله تعالى. توفي سنة ٥٧٨ ه بأم عبيدة بالعراق ص ٦٨.

قوله: (ترك العبادات المفروضة زندقة، وارتكاب المحظورات معصية. لا تسقط الفرائض عن أحد في حال من الأحوال) (١).

وقال شيخ الصوفية الإمام الجنيد رحمه الله تعالى: (مذهبنا هذا مقيد بأصول الكتاب والسنة) (٢).

وقال أيضا: (الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا على من اقتفى أثر الرسول عليه الصلاة والسّلام، واتبع سنته ولزم طريقته، فإنّ طرق الخيرات كلها مفتوحة عليه) (٣).

وذكر رجل عنده المعرفة فقال: أهل المعرفة بالله يصلون إلى ترك الحركات [الأعمال] من باب البر والتقرب إلى الله عز وجل. فقال الجنيد رحمه الله تعالى: (إن هذا قول قوم تكلموا بإسقاط الأعمال [الصالحة التكليفية] وهو عندي عظيمة، والذي يسرق ويزني أحسن حالا من الذي يقول هذا، فإن العارفين بالله تعالى أخذوا الأعمال عن الله تعالى، وإليه رجعوا فيها، ولو بقيت ألف عام لم أنقص من أعمال البر ذرة إلا أن يحال بي دونها) (٤). وقال أيضا: (ما أخذنا التصوف عن القيل والقال لكن عن الجوع [الصوم] وترك الدنيا وقطع المألوفات والمستحسنات) (٥).

وقال إبراهيم بن محمد النصر أباذي رحمه الله تعالى: (أصل التصوف ملازمة الكتاب والسنة، وترك الأهواء والبدع، وتعظيم

__________

(١) الفتح الرباني للشيخ عبد القادر الجيلاني ص ٢٩.

٢ - (٣) طبقات الصوفية للسلمي ص ١٥٩.

٤ - (٥) الرسالة القشيرية ص ٢٢.



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!