موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب حقائق عن التصوف

للشيخ عبد القادر عيسى الحسيني الشاذلي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


تأويل كلام السادة الصوفية

تأويل كلام السّادة الصّوفية

إن ما نراه في كتب الصوفية من الأمور التي يخالف ظاهرها نصوص الشريعة وأحكامها، هي:

- إما أن تكون مدسوسة عليهم من قبل الزنادقة والحسدة وأعداء الإسلام كم بيّنّا.

- وإما أن يكون كلاما قابلا للتأويل، تحدثوا به من باب الإشارة أو الكناية أو المجاز، كما نرى ذلك في كثير من الكلام العربي، ونجده بارزا في كتاب الله تعالى في مواطن عديدة، كما في قوله تعالى: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} [البقرة: ٩٣]. أي حب العجل.

وقوله تعالى: {وسْئَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: ٨٢]. أي أهل القرية.

وقوله عز وجل: {أَومَنْ كانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْناهُ} [الأنعام: ١٢٢]. أي كان ميت القلب، فأحياه الله تعالى.

وقوله تعالى: {لِتُخْرِجَ اَلنّاسَ مِنَ اَلظُّلُماتِ إِلَى اَلنُّورِ} [إبراهيم: ١]. أي من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان.

كما نلاحظ في بعض الآيات القرآنية الكريمة تعارضا في الظاهر، ولكنا لو تعمقنا في فهمها، ودققنا في مدلولها ومتعلقها، لوجدناها قابلة للتأويل، وبذلك ل نستطيع أن نقول: إن في القرآن تعارضا أو تصادما.

فمثلا؛ يقول الله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص: ٥٦].

ويقول في موطن آخر: {وإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: ٥٢].

فقد يرى من ليس عنده علم في التفسير أن بين النصّين تعارضا؛ لأن الأول ينفي عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم الهداية، والثاني يثبت له الهداية. ولكنه لو سأل أهل الذكر لأخبروه أن الهداية في الآية الأولى بمعنى خلق الهداية، وأن معناه في الآية الثانية الدلالة والإرشاد. فلا تعارض بين النصّين عند أهل الفهم.

وكذلك نجد أن بعض الأحاديث النبوية الشريفة لا يصح حملها على ظاهرها، بل لا بد من تأويلها على معان تلائم باقي نصوص الشرع، وتطابق صريح القرآن الكريم، وفي هذا المعنى يقول الإمام الشعراني رحمه الله تعالى: (وقد أجمع أهل الحق على وجوب تأويل أحاديث الصفات، كحديث: ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حتى يبقى ثلث الليل الآخر؛ فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ (١). وقد بلغ بأحد الضالين أن يقول، وكان على منبر، فنزل درجة منه وقال للناس: ينزل ربكم عن كرسيه إلى السماء؛ كنزولي عن منبري هذا، وهذا جهل ليس فوقه جهل) (٢).

ومن جملة التأويل في الحديث، تأويل حديث إن الله خلق آدم على صورته (٣). قال العلامة ابن حجر الهيثمي رحمه الله تعالى مؤولا

__________

(١) أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب أبواب التهجد عن أبي هريرة رضي الله عنه، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء.

(٢) التصوف الإسلامي والإمام الشعراني لطه عبد الباقي سرور ص ١٠٥.

(٣) رواه مسلم في صحيحه في كتاب البر والصلة عن أبي هريرة رضي الله عنه وأول الحديث: إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه .. .

ذلك: (ويصح أن يكون الضمير لله تعالى كما هو ظاهر السياق، وحينئذ يتعين أن المراد بالصورة الصفة، أي أن الله تعالى خلق آدم على أوصافه. من العلم والقدرة وغيرهما، ويؤيد هذا الحديث الصحيح عن عائشة رضي الله عنها: كان صلّى الله عليه وسلّم خلقه القرآن (١)، وحديث:

تخلقوا بأخلاق الله تعالى .

فالمطلوب من الكامل أن يطهّر أخلاقه، وأوصافه من كل نقص، ليحصل له نوع تأسّ بأخلاق ربه، أي صفاته، وإلا فشتّان ما بين أوصاف القديم والحادث. وبهذ التقرير يعلم أن هذا الحديث غاية المدح لآدم عليه السّلام، حيث أوجد الله فيه صفات كصفاته تعالى بالمعنى الذي قررته .. إلى أن قال: والحاصل أن الحديث إن أعيد الضمير فيه لله تعالى، وجب تأويله على ما هو المعروف من مذهب الخلف الذي هو أحكم وأعلم، خلافا لفرقة ضلوا عن الحق، وارتكبوا عظائم من الجهة والتجسيم اللذين هما كفر عند كثير من العلماء، أعاذنا الله من ذلك بمنّه وكرمه) (٢).

قال العلامة المناوي في شرحه على الجامع الصغير، عند قوله صلّى الله عليه وسلّم:

إن الله يقول يوم القيامة، يا ابن آدم مرضت فلم تعدني. قال:

يا رب، كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أنّ عبدي

__________

(١) هذا الحديث فقرة من حديث طويل ولفظه: قال سعد بن هشام: يا أم المؤمنين أنبئيني عن خلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالت: أ لست تقرأ القرآن؟ قلت: بلى، قالت: فإن خلق نبي الله صلّى الله عليه وسلّم كان القرآن . رواه مسلم في صحيحه في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب جامع صلاة الليل.

(٢) الفتاوى الحديثية لابن حجر الهيثمي ص ٢١٤.

فلانا مرض فلم تعده؟ أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده ؟ (١) ..

إلخ الحديث: (سئل بعض العارفين عن تنزّلات الحق في إضافة الجوع والظم لنفسه؛ هل الأولى إبقاؤها على ما وردت، أو تأويلها كما أوّلها الحق لعبده حين قال: كيف أطعمك .. إلخ؟ فقال: الواجب تأويلها للعوام لئلا يقعوا في جانب الحق بارتكاب محظور وانتهاك حرمة، وأما العارف فعليه الإيمان بها على حد ما يعلمه الله، لا على حد نسبتها للخلق لاستحالته، وحقيقته تعالى مخالفة لسائر الحقائق، فلا يجتمع قط مع خلقه في جنس ولا نوع ولا شخص، ولا تلحقه صفة تشبيه؛ لأنها لا تكون إلا لمن يجتمع مع خلقه في حال من الأحوال. ولذا أبقاها السلف على ظاهرها لئلا يفوتهم كمال الإيمان، لأنه ما كلفهم إلا بالإيمان به لا بما أولوه، فقد لا يكون مرادا للحق، فالأدب إضافتنا إليه كلّ ما أضافه لنفسه تعالى .. إلخ) (٢).

فإذا كان كلام سيد المرسلين صلّى الله عليه وسلّم وقد أوتي الفصاحة والبلاغة ووضوح اللفظ وإشراق التعبير وجوامع الكلم؛ قد احتاج في بعض الأحيان إلى التأويل؛ بحمل معانيه على غير ما يفيده ظاهر لفظه، فإن كلام غيره من أمته ممن لم يبلغ شأوه في البيان والفصاحة قابل للتأويل محتمل للتفسير من باب أولى.

ومن ناحية أخرى، فإن لكل فن من الفنون أو علم من العلوم كالفقه والحديث والمنطق والنحو والهندسة والجبر والفلسفة اصطلاحات خاصة به، لا يعلمها إلا أرباب ذلك العلم، فهل يفهم الطبيب اصطلاح

__________

(١) أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب البر والصلة عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(٢) فيض القدير شرح الجامع الصغير للعلامة المناوي ج ٢ ص ٣١٣.



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!