موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب حقائق عن التصوف

للشيخ عبد القادر عيسى الحسيني الشاذلي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


4 - الإمام أحمد رحمه الله تعالى ** | ** 5 - الإمام المحاسبي رحمه الله تعالى

وقال أيضا: (حبّب إليّ من دنياكم ثلاث: ترك التكلف، وعشرة الخلق بالتلطّف، والاقتداء بطريق أهل التصوف) (١).

٤ - الإمام أحمد رحمه الله تعالى:

كان الإمام أحمد رحمه الله تعالى (٢) قبل مصاحبته للصوفية يقول لولده عبد الله رحمه الله تعالى: (يا ولدي عليك بالحديث، وإياك ومجالسة هؤلاء الذين سمو أنفسهم صوفية، فإنهم ربما كان أحدهم جاهلا بأحكام دينه. فلمّا صحب أبا حمزة البغدادي الصوفي، وعرف أحوال القوم، أصبح يقول لولده: يا ولدي عليك بمجالسة هؤلاء القوم، فإنهم زادوا علينا بكثرة العلم والمراقبة والخشية والزهد وعلو الهمة) (٣).

ونقل العلامة محمد السفاريني الحنبلي رحمه الله تعالى عن إبراهيم بن عبد الله القلانسي رحمه الله تعالى أن الإمام أحمد رحمه الله تعالى قال عن الصوفية: (ل أعلم أقواما أفضل منهم. قيل: إنهم يستمعون ويتواجدون، قال: دعوهم يفرحوا مع الله ساعة ... ) (٤).

٥ - الإمام المحاسبي رحمه الله تعالى:

ويقول الإمام المحاسبي رحمه الله تعالى، متحدثا عن جهاده المرير للوصول إلى الحق حتى اهتدى إلى التصوف ورجاله، وهو من أروع

__________

(١) كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس للإمام العجلوني المتوفى سنة ١١٦٢ هـ. ج ١. ص ٣٤١.

(٢) الإمام أحمد رحمه الله تعالى أحد الأئمة الأربعة المشهورين توفي سنة ٢٤١ هـ.

(٣) تنوير القلوب ص ٤٠٥ للعلامة الشيخ أمين الكردي المتوفى سنة ١٣٣٢ هـ.

(٤) غذاء الألباب شرح منظومة الآداب ج ١. ص ١٢٠.

ما كتب في وصف الحياة الصوفية والخلقية والإيمانية: (أما بعد، فقد انتهى البيان إلى أن هذه الأمة تفترق على بضع وسبعين فرقة، منها فرقة ناجية، والله أعلم بسائرها؛ فلم أزل برهة من عمري، أنظر اختلاف الأمة، وألتمس المنهاج الواضح والسبيل القاصد، وأطلب من العلم والعمل، وأستدل على طريق الآخرة بإرشاد العلماء، وعقلت كثيرا من كلام الله عز وجل بتأويل الفقهاء، وتدبرت أحوال الأمة، ونظرت في مذاهبه وأقاويلها، فعقلت من ذلك ما قدّر لي، ورأيت اختلافهم بحرا عميقا، غرق فيه ناس كثير، وسلم منه عصابة قليلة، ورأيت كل صنف منهم، يزعم أن النجاة لمن تبعهم، وأن المهالك لمن خالفهم، ثم رأيت الناس أصنافا:

فمنهم العالم بأمر الآخرة، لقاؤه عسير، ووجوده عزيز.

ومنهم الجاهل، فالبعد عنه غنيمة.

ومنهم المتشبه بالعلماء، مشغوف بدنياه، مؤثر لها.

ومنهم حامل علم، منسوب إلى الدين، ملتمس بعلمه التعظيم والعلو، ينال بالدين من عرض الدنيا.

ومنهم حامل علم، لا يعلم تأويل ما حمل.

ومنهم متشبه بالنّسّاك، متحرّ للخير، لا غناء عنده، ولا نفاذ لعلمه [إلى قلوب السامعين]، ولا معتمد على رأيه.

ومنهم منسوب إلى العقل والدهاء، مفقود الورع والتقى.

ومنهم متوادّون، على الهوى وافقون، وللدنيا يذلون، ورياستها يطلبون.

ومنهم شياطين الإنس، عن الآخرة يصدون، وعلى الدنيا

يتكالبون، وإلى جمعها يهرعون، وفي الاستكثار منها يرغبون، فهم في الدني أحياء، وفي العرف موتى، بل العرف عندهم منكر، والاستواء [بين الحي والميت] معروف.

فتفقدت في الأصناف نفسي، وضقت بذلك ذرعا، فقصدت إلى هدى المهتدين، بطلب السداد والهدى، واسترشدت العلم، وأعملت الفكر، وأطلت النظر، فتبيّن لي من كتاب الله تعالى وسنة نبيه وإجماع الأمة، أن اتباع الهوى يعمي عن الرشد، ويضل عن الحق، ويطيل المكث في العمى.

فبدأت بإسقاط الهوى عن قلبي، ووقفت عند اختلاف الأمة مرتادا لطلب الفرقة الناجية، حذرا من الأهواء المردية والفرقة الهالكة، متحرزا من الاقتحام قبل البيان، وألتمس سبيل النجاة لمهجة نفسي.

ثم وجدت باجتماع الأمة في كتاب الله المنزل أن سبيل النجاة في التمسك بتقوى الله وأداء فرائضه، والورع في حلاله وحرامه وجميع حدوده، والإخلاص لله تعالى بطاعته، والتأسّي برسوله صلّى الله عليه وسلّم. فطلبت معرفة الفرائض والسنن عند العلماء في الآثار، فرأيت اجتماعا واختلافا، ووجدت جميعهم مجتمعين على أن علم الفرائض والسنن عند العلماء بالله وأمره، الفقهاء عن الله العاملين برضوانه الورعين عن محارمه المتأسين برسوله صلّى الله عليه وسلّم والمؤثرين الآخرة على الدنيا؛ أولئك المتمسكون بأمر الله وسنن المرسلين.

فالتمست من بين الأمة هذا الصنف المجتمع عليهم والموصوفين بآثارهم، واقتبست من علمهم، فرأيتهم أقل من القليل، ورأيت علمهم مندرسا كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا

كما بدأ فطوبى للغرباء (١)، وهم المتفرّدون بدينهم، فعظمت مصيبتي لفقد الأولياء الأتقياء، وخشيت بغتة الموت أن يفاجئني على اضطراب من عمري لاختلاف الأمة، فانكمشت في طلب عالم لم أجد لي من معرفته بدّا، ولم أقصّر في الاحتياط ولا في النصح. فقيّض لي الرؤوف بعباده قوما وجدت فيهم دلائل التقوى وأعلام الورع وإيثار الآخرة على الدنيا، ووجدت إرشادهم ووصاياهم موافقة لأفاعيل أئمة الهدى، [و وجدتهم] مجتمعين على نصح الأمة، لا يرجّون أبدا في معصيته، ولا يقنّطون أبدا من رحمته، يرضون أبدا بالصبر على البأساء والضراء والرضا بالقضاء والشكر على النعماء، يحبّبون الله تعالى إلى العباد بذكرهم أياديه وإحسانه، ويحثّون العباد على الإنابة إلى الله تعالى، علماء بعظمة الله تعالى، علماء بعظيم قدرته، وعلماء بكتابه وسنته، فقهاء في دينه، علماء بما يحب ويكره، ورعين عن البدع والأهواء، تاركين التعمق والإغلاء، مبغضين للجدال والمراء، متورّعين عن الاغتياب والظلم مخالفين لأهوائهم، محاسبين لأنفسهم، مالكين لجوارحهم، ورعين في مطاعمهم وملابسهم وجميع أحوالهم، مجانبين للشبهات، تاركين للشهوات، مجتزئين بالبلغة من الأقوات، متقللين من المباح، زاهدين في الحلال، مشفقين من الحساب، وجلين من المعاد، مشغولين بينهم، مزرين على أنفسهم من دون غيرهم، لكل امرئ منهم شأن يغنيه، علماء بأمر الآخرة وأقاويل القيامة وجزيل الثواب وأليم العقاب.

ذلك أورثهم الحزن الدائم والهمّ المقيم، فشغلوا عن سرور الدنيا ونعيمها. ولقد وصفوا من آداب الدين صفات، وحدّوا للورع حدودا

__________

(١) أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان عن أبي هريرة رضي الله عنه.



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!