موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب حقائق عن التصوف

للشيخ عبد القادر عيسى الحسيني الشاذلي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


21 - الشيخ محمد راغب الطباخ رحمه الله تعالى

٢١ - الشيخ محمد راغب الطباخ رحمه الله تعالى:

قال الأستاذ والمؤرخ محمد راغب الطباخ رحمه الله تعالى في كتابه الثقافة الإسلامية: (فإذا كان التصوف عبارة عن تزكية النفوس وتصفية الأخلاق، فنعم المذهب ونعم المقصد، وذلك هو الغاية من بعثة الأنبياء عليهم الصلاة والسّلام، ففي الحديث عنه عليه الصلاة والسّلام:

إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق (١). وقد تأملنا سيرة الصوفية في القرون الأولى من الإسلام، فوجدناها سيرة حسنة جميلة مبنية على مكارم الأخلاق والزهد والورع والعبادة، منطبقة على الكتاب والسنة.

وقد صرّح بذلك سيد هذه الطائفة أبو القاسم الجنيد رحمه الله تعالى كما في ترجمته في تاريخ ابن خلّكان حيث قال: مذهبنا هذا مقيد بأصول الكتاب والسنة.

وفي شرح الإحياء للعلامة الزبيدي ج ١ ص ١٧٤: وقال الجنيد: الطرق كله مسدودة على الخلق، إلا على من اقتفى أثر الرسول صلّى الله عليه وسلّم.

وهي في ترجمته في الرسالة [القشيرية] ص ١٩. وفيها: قال الجنيد: من لم يحفظ القرآن، ولم يكتب الحديث، لا يقتدى به في هذا الأمر، لأن علمنا مقيد بالكتاب والسنة. ثم قال بعد السند عن الجنيد: مذهبنا هذا مقيد بأصول الكتاب والسنة. وقال الجنيد: علمنا هذا مشيّد بحديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

__________

(١) رواه البخاري في الأدب المفرد في باب حسن الخلق عن أبي هريرة رضي الله عنه، وأخرجه الإمام أحمد والبيهقي والحاكم في الترجمة النبوية وقال: صحيح على شرط مسلم.

وقال سري السقطي: التصوف اسم لثلاثة معان: وهو الذي لا يطفيء نور معرفته نور ورعه، ولا يتكلم بباطن علم ينقضه عليه ظاهر الكتاب، ولا تحمله الكرامات على هتك محارم الله تعالى.

وفي شذرات الذهب ج ٥. ص ٢٧٩ في ترجمة أبي الحسن الشاذلي، ومن كلامه: كل علم تسبق إليك فيه الخواطر، وتميل النفس وتلتذ به فارم به، وخذ بالكتاب والسنة.

ولغيرهم في هذا الباب عبارات كثيرة، تجدها منثورة في كتاب التعرف لمذهب أهل التصوف للإمام الكلاباذي، وفي الرسالة القشيرية وغيرهما ..

وهؤلاء فوق ما اتصفوا به من تهذيب النفس والورع والزهد والعبادة، قد قامو في عصورهم بالواجب عليهم؛ من إرشاد الخلق إلى الحق، والدعوة إليه، وصدّهم الناس عن التكالب على الدنيا وجمع حطامها من أي وجه كان، والاسترسال في الشهوات والملذات مم يؤدي إلى الانهماك في المحرمات والغفلة عن الواجبات وما خلق الإنسان له، وتكون نتيجة ذلك انتشار الفوضى، وظهور الفساد، وكثرة البغي والهرج.

فكان هؤلاء بوعظهم وإرشادهم، والحكم والحقائق التي تفجرت من ينابيع قلوبهم، هم حراس الأخلاق، والآخذين بيد الأمة إلى مناهج الحق وسبل الرشاد، والدعاة إلى السعادة الحقيقية، وهي قيام الإنسان بجميع ما أمر به مع عدم نسيانه نصيبه من الدنيا، فكانوا في جملة السامعين في هذه الأمة والمجيبين لقوله تعالى: {ولْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ويَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ويَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: ١٠٤].

فسلف الصوفية هم أعلام الملة وسادة الأمة وسراجها الوهاج ونورها الوضاح، وبهم وبأمثالهم من المحدّثين والفقهاء اهتدت الأمة إلى الصراط المستقيم، وسلكت المنهاج القويم، وانتظمت أحوال معاشهم، وصلحت أمور معادهم، وفازوا فوزا عظيما.

وإذا تتبعنا آثار الصوفية وتراجمهم، نجد أن الكثير منهم قد كان للواحد منهم أتباع يعدون بالألوف، كلما انتسب إليه شخص آخى بينه وبين سابقيه؛ فتمكنت بين أتباعه والمنتسبين إليه أواصر الألفة وروابط المحبة، وتواسوا فيما بينهم، وتواصو بالحق، وعطف غنيّهم على فقيرهم، ورحم كبيرهم صغيرهم، فأصبحوا بنعمة الله إخوانا، وصاروا كالجسد الواحد، وكانوا في منتهى الطاعة والانقياد لشيخهم، يقومون لقيامه، ويقعدون لقعوده، ويمتثلون أوامره، ويتبادرون لأدنى إشاراته.

ومن جليل أعمال الصوفية وآثارهم الحسنة في الأمة الإسلامية أن الملوك والأمراء متى قصدوا الجهاد، كان الكثير من هؤلاء بإيعاز، وبغير إيعاز يحرّضون أتباعهم على الخروج إلى الجهاد. ولعظيم اعتقادهم فيهم، وانقيادهم لهم كانوا يبتدرون إلى الانتظام في سلك المجاهدين، فيجتمع بذلك عدد عظيم من أطراف ممالكهم، وكثيرا م كان أولئك يرافقون الجيوش بأنفسهم، ويدافعون ويحرّضون؛ فيكون ذلك سببا للظفر والنصر.

وإذا تتبّعت بطون التاريخ وجدت من ذلك شيئا كثيرا، على أننا لا ننسى أن مثل هذا العمل قد كان في كثير من المحدّثين والعلماء العاملين.

ومن آثار الصوفية أنه إذا حصل اختلاف بين الناس في أمور دنياهم



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!