موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب حقائق عن التصوف

للشيخ عبد القادر عيسى الحسيني الشاذلي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


22 - أحمد الشرباصي

وخصوصا بين إخوانهم المنسوبين إليهم، فإنهم يرجعون إلى شيخهم، فيفصل بينهم بما أنزل الله، ويعودون وهم راضون، ويستغنون عن الترافع إلى الحكام لفصل ما بينهم من الخصومات.

وهذا مما شاهدناه بأعيننا، وسمعناه بآذاننا في أوائل هذا القرن من بعض بقاياهم، بل كان بعض الناس ينذر أخاه بالشكوى إلى الشيخ إن لم ينصفه، فيعود هذا إلى حظيرة الحق خشية أن يبلغ الشيخ عنه شيئا، وهو يحرص أن تبقى سمعته لديه طيبة وسيرته حسنة) (١).

٢٢ - أحمد الشرباصي:

قال الأستاذ الشيخ أحمد الشرباصي الكاتب الإسلامي المعروف والمدرّس في الأزهر الشريف في مجلة الإصلاح الاجتماعي تحت عنوان: الأخلاق عند الصوفية، بعد أن تحدث عن التصوف وتعريفه واشتقاقه: (وأنا أعتقد أن حقيقة التصوف الكاملة، هي مرتبة الإحسان الذي حدده رسول الإسلام محمد عليه الصلاة والسّلام في حديث جبريل حين قال: الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك (٢). ومن هذا تفهم أن كثيرا من أدعياء التصوف لا ينطبق عليهم ذلك القانون الدقيق العميق، فهم عن حقيقته خارجون.

وأساس التصوف في الواقع هو تربية الذوق. والخلق الكريم ليس إلا ذوق سليما، تتغلب به شخصية الإنسان على شخصية الحيوان في حياة الناس.

__________

(١) الثقافة الإسلامية للمؤرخ الكبير الأستاذ محمد راغب الطباخ ص ٣٠٢ - ٣٠٤ ولد ١٢٩٣ هـ وتوفي ١٣٧٠ هـ في حلب.

(٢) رواه مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان عن عمر رضي الله عنه.

وقد اهتم الصوفية أكبر الاهتمام بالأخلاق، بل لقد جعلوا الأخلاق في مناهجهم، هي العماد والسناد، وهي عمود أمرهم كله، بحيث لو رفعت كلمة التصوف، ووضعت بدلها كلمة الأخلاق لما فارقت الحقيقة، ولما جانبت الواقع في قليل أو كثير، لأن العمدة في التصوف على مجاهدة النفس وتطهيرها، وتحليتها بكل جمال وكمال، وهذا جماع مكارم الأخلاق.

ولقد كان من مظاهر اهتمام الصوفية بالجوانب الأخلاقية أنهم تبنّوا حركة الفتوة ومبادئ الفروسية، ومزجوا بين مبادئهم ومبادئ الفتيان، حتى تكوّن من ذلك في تاريخ الفتوة فصل مستقل، اتخذ عنوان فتوة الصوفية. ومن هذا أخذ الصوفية مبد الإيثار، وتقديم الغير على النفس، حتى قال القشيري: أصل الفتوة أن يكون العبد أبد في أمر غيره. وقال ابن أبي بكر الأهوازي: أصل الفتوة ألا ترى لنفسك فضلا أبدا.

وأخذوا بمبادئ كفّ الأذى، وبذل الندى، وكفّ الشكوى، وستر البلوى، والعفو عن العدا، والسمّو إلى العلا.

وهم يأخذون بالمبدأ الأخلاقي المحمدي: طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس (١). ولذلك يقول ابن عطاء الله السكندري، وهو ممن جمع بين عمق التفكير وروعة التعبير: تشوّفك إلى ما بطن فيك من العيوب خير من تشوفك إلى ما حجب عنك من الغيوب.

ومن منهاج الصوفية الأخلاقي عملهم بمختلف الوسائل والأسباب على إماتة المطامع، لتقوى الشخصية الروحية في نفس الإنسان. ولذا قال أبو بكر الوراق وهو من أعلام القوم: لو قيل للطمع من أبوك؟

__________

(١) رواه الديلمي في الفردوس عن أنس رضي الله عنه.

لأجاب: الشك في المقدور. فلو قيل له: فما هي حرفتك؟ لأجاب: اكتساب الذل، فلو قيل له: فما هي غايتك؟ لأجاب: الحرمان. وفي هذا المجال يقول ابن عطاء الله السكندري: ما بسقت أغصان ذلّ إلا على بذر طمع.

وقد قدم الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه البصرة، فدخل جامعها، فوجد القصّاص يقصون على الناس، فأقامهم، حتى إذا جاء إلى الحسن البصري، وهو سيد الفتيان عند الصوفية، فقال له علي:

يا فتى! إني سائلك عن أمر؛ فإن أجبتني أبقيتك، وإلا أقمتك كما أقمت أصحابك - وكان قد رأى عليه سمتا وهديا - فقال الحسن: سل ما شئت. فقال علي: ما ملاك الدين؟ فقال الحسن: الورع. قال:

فما فساد الدين؟ قال: الطمع. قال: اجلس، فمثلك من يتكلم على الناس.

وهمّ ابن عطاء الله السكندري يوما بشيء من الطمع، فسمع هاتفا يقول له: السلامة في الدين بترك الطمع في المخلوقين.

وصاحب الطمع لا يشبع أبدا، ألا ترى أن حروفه كلها مجوفة، الطاء والميم والعين؟!. ولما علّم الصوفية أتباعهم القناعة والاستغناء فتحوا أمامهم الباب إلى الأنفة والعزّة، ومن هنا نراهم يتحدثون كثيرا عن استخفافهم بالبغي والبغاة، وعدم اكتراثهم بالطغيان أو الطغاة، وعدم اغترارهم بالجاه أو أصحاب الجاه.

ومن منهاج الصوفية الأخلاقي الدعوة إلى التضحية والجهاد، والتحريض على استجابة داعي الكفاح والاستشهاد.

ومن منهاجهم الأخلاقي تعليم الصبر والمبالغة فيه، وكدت أقول والإسراف فيه، فلقد دخل ذو النون على أخ له صوفي مريض، واشتد

الداء به فأنّ أنّة، فقال له ذو النون: ليس بصادق في حبه من لم يصبر على ضربه. فقال المريض كالمستدرك: بل ليس بصادق في حبه من لم يتلذذ بضربه ..

ومن منهاجهم الأخلاقي التنشئة على المراقبة لله، حتى يرث العبد من وراء هذه المراقبة صلة بالله وقربا منه. ومن لطائفهم في التربية الأخلاقية، أنهم يطالبون إخوانهم باليسر والسهولة والمطاوعة في الصداقة، حتى لا تكون هناك كلفة، وما دام الصوفي قد وثق بأخيه دينا وخلقا وتصرفا؛ فلا محل لاعتراضه عليه في شيء. ويتصل بهذ تنفيرهم من الاغترار بالطاعة، وإبعادهم عن اليأس من المغفرة.

ومن منهاجهم الأخلاقي تعليم الثبات والرزانة وعدم الاستجابة لدواعي الاستخفاف) (١).

وقال الأستاذ أحمد الشرباصي أيضا في تقدمته لكتاب نور التحقيق:

(هذا هو التصوف الجليل النبيل، أضاعه أهله، وحاف عليه أعداؤه الصرحاء، وشوّه جماله أدعياؤه الخبثاء، وتطاول عليه الزمن، وهو مجهول منكور، أو مذموم محذور، على الرغم من جماله وعظم رجاله الماضين وأبطاله، واتساع اختصاصه ومجاله، وخطورة أقواله وأعماله، فغدا كالدرة الثمينة حجبتها اللفائف السود؛ فظنها الجاهلون سوداء بسواد لفائفها، وهم لو وصلوا إليها، وجلوا عنها ما حاق بها أو حاطها من أستار لانبهرت أعينهم من ساطع الضياء وفريد البهاء.

لهفي على التصوف الحق الناطق بنقائه وصفائه، أين الذين يطلعون الحيارى من أبناء الكون على ما فيه من أخبار وأسرار؟! أين الذين

__________

(١) مجلة الإصلاح الاجتماعي ص ٤.

يصرخون بين القطعان الضالة من البشر، ليقولوا لها: إن التصوف جزء من الإسلام وجانب من هدي الرسول عليه الصلاة والسّلام، وأن التصوف مظلوم، فقد أضيف إليه كثير مما ليس منه عن حسن نية أو سوء قصد، وقد كتم أدعياؤه كثيرا من أموره، وقد تطاول عليه بالتحريف قوم نكل حسابهم إلى الله، وقد تسرع بالسخرية منه من لم يطرقو بابه، ولم يذوقوا شرابه، ولم يطالعوا كتابه .. ولم يجد التصوف الكريم الذي أضاعه الناس مع هذه العوامل الهدامة كلها من يأخذ بناصره، أو يجلو الغياهب عن مآثره، أو يعرض على الشانئين أو الخاطئين سلاسل مفاخره. وقد علمتنا الدراسات والتجارب أن الحق إذا لم يجد أهلا، ولم يفز بمؤيد أو مستجيب انطوى وتوارى، حتى يهيء الله له بعد قليل أو طويل من يذكّر به أو يدعو إليه، أو يحمل الناس رغبة أو رهبة عليه، فإذا هو بعد انطوائه السيد المطاع.

أ رأيت إلى كنز وسيع عجيب، فيه المال الغزير الذي لا يحصى، وفيه أدوية الجسم الشافية التي لا تخون، وفيه علاج النفس الذي يهدي، وفيه نور القلب الذي ل يخبو .. ماذا يكون من شأنك لو أن إنسانا أخبرك بوجود هذا الكنز في مكان ما، ورسم لك الطريق إليه، وذكر لك ما تحتاجه الرحلة نحوه من مجهود وتكاليف؟ .. ألا تحاول أن تبذل جهدك وتستنفذ طاقتك، وتعمل وسعك حتى تصل إلى هذا الكنز الذي ستجد عنده جاه الدنيا وعز الآخرة؟ ..

كذلك شأن التصوف يا صاح، إنه الدواء المخفي والكنز المطوي والسر العلمي، إنه الدواء الذي يحتاج إليه جسمك وفهمك وخلقك، ولكنك لن تصل إليه ولن تنتفع به حتى تتجه بمشاعرك نحوه، وحتى تقبل ببصرك وبصيرتك عليه، وحتى تبذل من ذات يدك، وذات نفسك ومن

وقتك وبحثك ما يهيء لك البلوغ إليه والوقوف عليه، فهل فعلت من ذلك شيئ وقد عرفت الطريق إلى النعيم؟.

إنه لا يعنيني أبدا أن تكون صوفيا أو لا تكون، ولا يهمني كثيرا أن تكون من أعداء الصوفية أو من أوليائهم، ولكن يهمني أولا وقبل كل شيء أن تكون على بصيرة من أمرك، وأن لا تجهل شيئا جليلا يطالبك دينك وعقلك بأن تعرفه، ومن هنا يتحتم عليك أن تدرس التصوف لتتصوره وتفهمه وتفقهه، وبعد ذلك تحكم له أو عليه، وأزيدك بيانا فأقول لك: إنه قد يكون في التصوف وتاريخه وسير رجاله ما أضيف إليه أو افتراه المفترون عليه، ومن هنا يستتر حق وراء باطل، ومن هنا أيضا يطالبك دينك بأن تقوم لتهتك حجاب الباطل، وتستضيء بنور الحق ..

فهلاّ يكفي ذلك لتحريضك على دراسة التصوف؟.

وكم أودّ في النهاية أن تقوم حركة علمية واسعة بيننا، تدور حول دراسة التصوف ونشر أسفاره، وتمحيص أموره وموضوعاته، بل وبسط ما يلحق به من شطحات نابية وخرافات منكرة ودسائس خبيثة، حتى نعرف الباطل ونتبين جذوره، ثم نكرّ عليه بالحجة الدامغة، فإذا الباطل زاهق، وإذا الحق سيد مطاع.

يا أبناء الإسلام! إنّ التصوف يحتل من أخلاقكم وتاريخكم جانبا كبيرا، وقد ضيعتموه أزمانا طوالا، فحسبكم ما كان، وأقبلوا على التصوف ففيه غذاء ودواء، والله الهادي إلى سبيل السواء) (١).

__________

(١) تصدير كتاب نور التحقيق للشيخ حامد إبراهيم محمد صقر ص ١ - ٣.



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!