موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب حقائق عن التصوف

للشيخ عبد القادر عيسى الحسيني الشاذلي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


23 - أبو الحسن الندوي

٢٣ - أبو الحسن الندوي:

يقول أبو الحسن علي الحسني الندوي عضو المجمع العلمي العربي بدمشق ومعتمد ندوة العلماء بالهند في بحث الصوفية في الهند وتأثيرهم في المجتمع، من كتابه المسلمون في الهند: (إن هؤلاء الصوفية كانوا يبايعون الناس على التوحيد والإخلاص واتباع السنة، والتوبة عن المعاصي وطاعة الله ورسوله، ويحذّرون من الفحشاء والمنكر والأخلاق السيئة والظلم والقسوة ويرغّبونهم في التحلي بالأخلاق الحسنة، والتخلي عن الرذائل مثل الكبر والحسد والبغضاء والظلم وحب الجاه، وتزكية النفس وإصلاحها، ويعلمونهم ذكر الله والنصح لعباده والقناعة والإيثار، وعلاوة على هذه البيعة التي كانت رمز الصلة العميقة الخاصة بين الشيخ ومريديه إنهم كانوا يعظون الناس دائما، ويحاولون أن يلهبوا فيهم عاطفة الحب لله سبحانه، والحنين إلى رضاه، ورغبة شديدة لإصلاح النفس وتغيير الحال ..

ثم تحدث عن مدى تأثير أخلاقهم وإخلاصهم وتعليمهم وتربيتهم، ومجالسهم في المجتمع والحياة، وضرب بعض الأمثلة التي تلقي الضوء على هذا الواقع التاريخي فتحدث عن الشيخ أحمد الشهيد رحمه الله تعالى فقال: إن الناس أقبلوا عليه إقبالا منقطع النظير، وإنه لم يمر ببلدة إلا وتاب عليه، وبايعه عدد كبير من الناس، وإنه أقام في كلكتّا شهرين، ويقدر أن الذين كانوا يدخلون في البيعة لا يقل عددهم عن ألف نسمة يوميا، وتستمر البيعة إلى نصف الليل، وكان من شدة الزحام لا يتمكن من مبايعتهم واحدا واحدا فكان يمد سبعة أو ثمانية من العمائم، والناس

يمسكونها ويتوبون ويعاهدون الله، وكان هذا دأبه كل يوم سبع عشرة أو ثماني عشرة مرة ..

وتحدّث عن شيخ الإسلام علاء الدين رحمه الله تعالى فقال: إن السنوات الأخيرة من عهده، تمتاز بأن كسدت فيها سوق المنكرات من الخمر والغرام، والفسق والفجور، والميسر والفحشاء بجميع أنواعها، ولم تنطق الألسن بهذه الكلمات إلا قليلا، وأصبحت الكبائر تشبه الكفر في أعين الناس، وظلّ الناس يستحيون من التعامل بالرب والادخار والاكتناز علنا، وندرت في السوق حوادث الكذب والتطفيف والغش .. ثم قال: إن تربية هؤلاء الصوفية والمشايخ ومجالسهم كانت تنشئ في الإنسان رغبة في إفادة الناس وحرصا على خدمتهم ومساعدتهم ..

ثم بيّن الأستاذ الندوي أنّ تأثير هذه المواعظ، ودخول الناس في الدين، وانقيادهم للشرع أدى إلى أن تعطلت تجارة الخمر في كلكتّا وهي كبرى مدن الهند ومركز الإنجليز، وكسدت سوقها، وأقفرت الحانات، واعتذر الخمارون عن دفع الضرائب للحكومة، متعلّلين بكساد السوق، وتعطل تجارة الخمر .. ثم قال: إن هذه الحالة كانت نتيجة أخلاق هؤلاء المصلحين والدعاة والصوفية والمشايخ وروحانيتهم، أن اهتدى بهم في هذه البلاد الواسعة عدد هائل من الناس، وتابوا عن المعاصي والمنكرات واتباع الهوى. لم يكن بوسع حكومة أو مؤسسة أو قانون أن يؤثر في هذه المجموعة البشرية الضخمة ويحيطه بسياج من الأخلاق والمبادئ الشريفة لزمن طويل ..

وفي ختام البحث قال الأستاذ الندوي حفظه الله تعالى: لقد كانت هناك بجهود هؤلاء الصوفية أشجار كثيرة وارفة الظلال في مئات من بلاد

الهند، استراحت في ظلها القوافل التائهة والمسافرون المتعبون، ورجعو بنشاط جديد وحياة جديدة) (١).

وتحدث الأستاذ أبو الحسن الندوي في كتابه رجال الفكر والدعوة في الإسلام عن الصوفية وأثرها في نشر الإسلام بصدد حديثه عن الصوفي الشهير والمرشد الكبير سيدي عبد القادر الجيلاني قدس الله روحه، فقال: (وكان يحضر مجلسه نحو من سبعين ألفا، وأسلم على يديه أكثر من خمسة آلاف من اليهود والنصارى، وتاب على يديه من العيارين والمسالحة (٢) أكثر من مائة ألف، وفتح باب البيعة والتوبة على مصراعيه، فدخل فيه خلق لا يحصيهم إلا الله، وصلحت أحوالهم، وحسن إسلامهم، وظلّ الشيخ يربيهم ويحاسبهم، ويشرف عليهم وعلى تقدمهم. وأصبح هؤلاء التلاميذ الروحانيون يشعرون بالمسؤولية بعد البيعة والتوبة وتجديد الإيمان، ثم يجيز الشيخ كثيرا منهم ممن يرى فيه النبوغ والاستقامة والمقدرة على التربية، فينتشرون في الآفاق يدعون الخلق إلى الله، ويربون النفوس، ويحاربون الشرك والبدع والجاهلية والنفاق، فتنتشر الدعوة الدينية وتقوم ثكنات الإيمان ومدارس الإحسان، ومرابط الجهاد ومجامع الأخوة في أنحاء العالم الإسلامي.

وقد كان لخلفائه وتلاميذه، ولمن سار سيرتهم في الدعوة وتهذيب النفوس من أعلام الدعوة وأئمة التربية في القرون التي تلته فضل كبير في المحافظة على روح الإسلام وشعلة الإيمان، وحماسة الدعوة والجهاد

__________

(١) المسلمون في الهند ص ١٤٠ - ١٤٦ للعلامة الكبير أبي الحسن الندوي.

(٢) المسالح: الجماعة أو القوم ذووا السلاح.



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!