موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب حقائق عن التصوف

للشيخ عبد القادر عيسى الحسيني الشاذلي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


سند الطريقة الشاذلية

سند الطريقة الشاذلية

لما كان الإسناد من الدين، ولو لا الإسناد لقال من شاء ما شاء.

ولما كان مشرب القوم رضوان الله عليهم أجمعين أبلغ المشارب في التحقيق، وأسنى المعارج في التدقيق، تعيّن على كل منتسب إليهم أن يحقق مستنده على الوجه الأحق، لأن الحقائق لا تؤخذ من كل ذي دعوى، إلا بعد تحقق صحة دعواه على الوجه الأكمل.

ولما كان سند طريق القوم مسلسلا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقد أثبتنا هذا السند على الصفحات التالية متسلسلا شيخا عن شيخ إلى سيدنا الحسن البصري، ثم سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ثم إلى حضرة سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

إلا أن بعض العلماء أنكر سماع الحسن البصري من الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم وجهه، ولكن الحافظ المحدث الفقيه جلال الدين السيوطي رحمه الله تعالى، أثبت سماع الحسن البصري من علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، وتبعه في ذلك الفقيه المحدث الحجة أحمد بن حجر الهيثمي المكي رحمه الله تعالى.

وإليك تحقيق كل منهما في هذا الموضوع:

أولا - قال الحافظ المحدث جلال الدين السيوطي رحمه الله تعالى في كتابه الحاوي للفتاوي: (أنكر جماعة من الحفاظ سماع الحسن البصري من علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وتمسّك بهذا بعض المتأخرين؛

فخدش به طريق لبس الخرقة. وأثبته جماعة، وهو الراجح عندي لوجوه، وقد رجحه أيضا الحافظ ضياء الدين المقدسي في المختارة.

وتبعه على ذلك الحافظ ابن حجر [العسقلاني] في أطراف المختارة (١).

الوجه الأول: إن العلماء ذكروا في الأصول في وجوه الترجيح أن المثبت مقدّم على النافي، لأن معه زيادة علم.

الوجه الثاني: إن الحسن ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر باتفاق.

وكانت أمه خيرة مولاة أمّ سلمة رضي الله عنها، فكانت أم سلمة تخرجه إلى الصحابة يباركون عليه، وأخرجته إلى عمر، فدعا له: اللهم فقهه في الدين وحببه إلى الناس. ذكره الحافظ جمال الدين المزي في التهذيب، وأخرجه العسكري في كتاب المواعظ بسنده. وذكر المزي أنه [الحسن البصري] حضر يوم الدار، وله أربع عشرة سنة. ومن المعلوم أنه من حين بلغ سبع سنين أمر بالصلاة، فكان يحضر الجماعة ويصلي خلف عثمان إلى أن قتل عثمان، وعلي إذ ذاك بالمدينة، فإنه لم يخرج منها إلى الكوفة إلا بعد قتل عثمان. فكيف يستنكر سماعه منه وهو كل يوم يجتمع به في المسجد خمس مرات من حين ميّز إلى أن بلغ أربع عشرة سنة؟

وزيادة على ذلك: إن عليا كان يزور أمهات المؤمنين، ومنهن أم سلمة، والحسن في بيتها هو وأمه.

الوجه الثالث: إنه ورد عن الحسن ما يدل على سماعه منه. أورد

__________

(١) وكذلك أثبت الحافظ ابن حجر العسقلاني سماع الحسن البصري من علي كرم الله وجهه في كتابه تهذيب التهذيب ج ٢. ص ٢٦٤.

المزي في التهذيب من طريق أبي نعيم قال: حدثنا أبو القاسم عبد الرحمن بن العباس بن عبد الرحمن بن زكريا حدثنا أبو حنيفة محمد بن صفية الواسطي حدثنا محمد بن موسى الجرشي حدثنا ثمامة بن عبيدة حدثنا عطية بن محارب عن يونس بن عبيد قال: سألت الحسن قلت: يا أبا سعيد! إنك تقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وإنك لم تدركه؟ قال: يا ابن أخي! لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك، ولو لا منزلتك مني ما أخبرتك. إني في زمان كما ترى - وكان في عمل الحجاج - كل شيء سمعتني أقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فهو عن علي بن أبي طالب، غير أني في زمان ل أستطيع أن أذكر عليا.

ثم ساق الحافظ السيوطي عدة أحاديث رواها الحسن عن علي رضي الله عنهما. منها: قال أحمد في مسنده: حدثنا هشيم أخبرنا يونس عن الحسن عن علي قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: رفع القلم عن ثلاثة: عن الصغير حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المصاب حتى يكشف عنه . أخرجه الترمذي وحسنه (١)، والنسائي، والحاكم وصححه، والضياء المقدسي في المختارة. قال الحافظ زين الدين العراقي في شرح الترمذي عند الكلام على هذا الحديث: قال علي بن المديني: الحسن رأى عليا بالمدينة وهو غلام. وقال أبو زرعة: كان الحسن البصري يوم بويع لعلي ابن أربع عشرة سنة، ورأى عليا بالمدينة ثم خرج [علي رضي الله عنه] إلى الكوفة والبصرة ولم يلقه الحسن بعد ذلك. وقال الحسن: رأيت الزبير يبايع عليا. اهـ.

__________

(١) راجع تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي عند شرحه لهذا الحديث (ج ٤/ص ٦٨٦).

قلت: وفي هذا القدر كفاية، ويحمل قول النافي على ما بعد خروج علي من المدينة) (١).

ثانيا - وسئل الحافظ ابن حجر الهيثمي - نفع الله بعلومه - هل سمع الحسن البصري من كلام علي كرم الله وجهه، حتى يتم للسادة الصوفية سند خرقتهم وتلقينهم الذكر المروي عنه عن علي كرم الله وجهه؟

فأجاب بقوله: (اختلف الناس فيه، فأنكره الأكثرون، وأثبته جماعة. قال الحافظ السيوطي: وهو الراجح عندي كالحافظ ضياء الدين المقدسي في المختارة، والحافظ شيخ الإسلام ابن حجر [العسقلاني] في أطراف المختارة لوجوه:

الأول: إن المثبت مقدّم على النافي.

الثاني: إنه ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر، وميّز لسبع وأمر بالصلاة؛ فكان يحضر الجماعة ويصلي خلف عثمان إلى أن قتل، وعلي إذ ذاك بالمدينة يحضر الجماعة كل فرض، ولم يخرج منها إلا بعد قتل عثمان، وسن الحسن إذ ذاك أربع عشرة سنة. فكيف ينكر سماعه منه مع ذلك، وهو يجتمع معه كل يوم بالمسجد خمس مرات مدة سبع سنين؟! ومن ثمّ قال علي بن المديني: رأى الحسن عليا بالمدينة وهو غلام.

وزيادة على ذلك: إن عليا كان يزور أمهات المؤمنين، ومنهن أم سلمة والحسن في بيتها، هو وأمه خيرة إذ هي مولاة لها. وكانت أم سلمة رضي الله عنها تخرجه إلى الصحابة يباركون عليه. وأخرجته إلى عمر رضي الله عنه فدعا له: اللهم فقهه في الدين وعلّمه وحبّبه إلى الناس.

__________

(١) الحاوي للفتاوي للحافظ المحدث الفقيه جلال الدين السيوطي. ج ٢. ص ١٠٢ - ١٠٣.

ذكره المزي، وأسنده العسكري، وقد أورد المزي في التهذيب من طريق أبي نعيم: أنه سئل عن قوله: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولم يدركه؟ فقال:

كل شيء قلته فيه فهو عن علي؛ غير أني في زمان لا أستطيع أن أذكر عليا، أي زمان الحجاج. ثم ذكر الحافظ أحاديث كثيرة، وقعت له من رواية الحسن عن علي كرم الله وجهه. وفي بعضها ورجاله ثقات قول الحسن: سمعت عليا يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: مثل أمتي مثل المطر .. الحديث) (١).

وبعد أن ثبت سماع الحسن البصري من علي رضي الله عنهما، وصح سند السادة الصوفية إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من غير ريبة ولا شك، ولا أدنى شبهة أقول:

قد أخذ العبد الفقير الطريق عن سيدي ومولاي الشيخ محمد الهاشمي صاحب الأخلاق المحمدية طيّب الله ثراه، وجزاه عنا خير الجزاء. وقد لقننا وأذن لنا بالورد العام والورد الخاص وهو تلقين الاسم المفرد: الله.

وشيخنا محمد الهاشمي أخذ عن شيخه السيد محمد بن يلّس وعن شيخه أحمد بن مصطفى العلوي (٢)، وهما عن الشيخ محمد بن الحبيب

__________

(١) الفتاوى الحديثية لخاتمة الفقهاء والمحدثين الشيخ أحمد بن حجر الهيثمي المكي. ص ١٢٩.

وتمام الحديث: .. لا يدرى أوله خير أم آخره رواه الترمذي في كتاب الأمثال وقال: حسن غريب.

(٢) حين ترى في السند أن أحد المرشدين قد أخذ الطريق عن شيخين فالمراد أنه ابتدأ سيره عند أحدهما، وبعد وفاة الشيخ الأول التقى بالشيخ الثاني فلقنه الطريق وأذن له بالإرشاد. =

البوزيدي الشريف المستغانمي .. إلى آخر السند كما هو مذكور في شجرة السند التي أثبتناها على الصفحة التالية.

وقد رسمنا هذه الشجرة عن الكتب التالية:

١ - إرشاد الراغبين للشيخ حسن بن عبد العزيز أحد مريدي الشيخ أحمد بن مصطفى العلوي المستغانمي رحمه الله تعالى.

٢ - الأنوار القدسية للشيخ محمد ظافر المدني.

٣ - أوراد السادة الشاذلية الدرقاوية التلمسانية.

٤ - مجموع الأوراد المسمى: الدرة البهية في أوراد الطائفة العلوية للعارف بالله سيدي عدة بن تونس المستغانمي.

والحمد لله الذي شرّفنا بالانضمام في سلك هذه السلسلة الذهبية للطريقة الشاذلية الدرقاوية، ونسأله تعالى أن يكرمنا بما أكرم به رجالها، وأن يحشرنا في زمرتهم تحت لواء سيد المرسلين صلّى الله عليه وسلّم، وأن يجعلنا معهم ومنهم، إنه سميع مجيب. آمين.

***



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!