موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب حقائق عن التصوف

للشيخ عبد القادر عيسى الحسيني الشاذلي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


أدب المريد مع شيخه وإخوانه ** | ** 1 - آداب المريد مع شيخه

أدب المريد مع شيخه وإخوانه

بعد أن عرفنا فائدة الصحبة وأهميتها، وبصورة خاصة صحبة الوارث المحمدي؛ وهو الشيخ المرشد المأذون بالتربية الذي ترقّى في مقامات الرجال الكمل على يد مرشد كامل مسلسلا إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، وجمع بين الشريعة والحقيقة، ثم تبيّن معنا أهمية بيعته وأخذ العهد عنه وملازمته، نذكر هنا بعضا من الآداب التي تطلب من المريد الصادق كي يتحقق له الوصول إلى مطلوبه، فقد اتفق أهل الله قاطبة على أن من لا أدب له لا سير له، ومن لا سير له لا وصول له، وأن صاحب الأدب يبلغ في قليل من الزمن مبلغ الرجال، وها نحن نورد بعض آداب المريد مع شيخه وإخوانه:

١ - آداب المريد مع شيخه:

وهي نوعان: آداب باطنة، وآداب ظاهرة.

فأما الآداب الباطنة فهي:

١ - الاستسلام لشيخه وطاعته في جميع أوامره ونصائحه، وليس هذا من باب الانقياد الأعمى الذي يهمل فيه المرء عقله ويتخلى عن شخصيته، ولكنه من باب التسليم لذي الاختصاص والخبرة؛ بعد الإيمان الجازم بمقدمات فكرية أساسية، منها التصديق الراسخ بإذنه وأهليته واختصاصه وحكمته ورحمته، وأنه جمع بين الشريعة

والحقيقة .. الخ. وهذا يشبه تماما استسلام المريض لطبيبه استسلاما كليا في جميع معالجاته وتوصياته، ولا يعدّ المريض في هذا الحال مهملا لعقله متخليا عن كيانه وشخصيته، بل يعتبر منصفا عاقلا لأنه سلّم لذي الاختصاص، وكان صادقا في طلب الشفاء.

٢ - عدم الاعتراض على شيخه في طريقة تربية مريديه، لأنه مجتهد في هذ الباب عن علم واختصاص وخبرة، كما لا ينبغي أن يفتح المريد على نفسه باب النقد لكل تصرف من تصرفات شيخه؛ فهذا من شأنه أن يضعف ثقته به ويحجب عنه خيرا كثيرا، ويقطع الصلة القلبية والمدد الروحي بينه وبين شيخه.

قال العلامة ابن حجر الهيثمي: (ومن فتح باب الاعتراض على المشايخ والنظر في أحوالهم وأفعالهم والبحث عنها فإن ذلك علامة حرمانه وسوء عاقبته، وأنه لا ينتج قط، ومن ثمّ قالوا: [من قال لشيخه لم؟ لم يفلح أبدا] (١) أي لشيخه في السلوك والتربية) (٢).

وإذا أورد الشيطان على قلب المريد إشكالا شرعيا حول تصرف من تصرفات شيخه بغية قطع الصلة ونزع الثقة فما على المريد إلا أن يحسن الظن بشيخه ويلتمس له تأويل شرعيا ومخرجا فقهيا، فإن لم يستطع ذلك فعليه أن يسأل شيخه مستفسرا بأدب واحترام، كما سيأتي في بحث مذاكرة المريد لمرشده.

__________

(١) المقصود بهذا الأدب هو مريد التربية والكمال والوصول إلى الله تعالى، أما التلميذ الذي يأخذ علمه عن العلماء فينبغي له مناقشتهم وسؤالهم حتى تتحقق له الفائدة العلمية.

(٢) الفتاوى الحديثية ص ٥٥. للمحدث ابن حجر الهيثمي المكي المتوفى سنة ٩٧٤ هـ.

قال العلامة ابن حجر الهيثمي: (ومن فتح باب التأويل للمشايخ، وغض عن أحوالهم، ووكل أمورهم إلى الله تعالى، واعتنى بحال نفسه وجاهدها بحسب طاقته، فإنه يرجى له الوصول إلى مقاصده، والظفر بمراده في أسرع زمن) (١).

٣ - أن لا يعتقد في شيخه العصمة، فإن الشيخ وإن كان على أكمل الحالات فليس بمعصوم، إذ قد تصدر منه الهفوات والزلات، ولكنه لا يصر عليها ولا تتعلق همته أبد بغير الله تعالى، لأنه إذا اعتقد المريد في شيخه العصمة، ثم رأى منه ما يخالف ذلك، وقع في الاعتراض والاضطراب مما يسبب له القطيعة والحرمان.

ولكن لا ينبغي للمريد حين يعتقد في شيخه عدم العصمة أن يضع بين عينيه دائما احتمال خطأ شيخه في كل أمر من أوامره أو توجيه من توجيهاته، لأنه بذلك يمنع عن نفسه الاستفادة، كمثل المريض الذي يدخل إلى طبيبه وليس في قلبه إلا فكرة احتمال خطأ الطبيب في معالجته فهذا من شأنه أن يضعف الثقة ويحدث الشكّ والاضطراب في نفسه.

٤ - أن يعتقد كمال شيخه وتمام أهليته للتربية والإرشاد، وإنما كوّن هذ الاعتقاد بعد أن فتش ودقّق بادئ أمره؛ فوجد شروط الوارث المحمدي التي سبق ذكرها قد تحققت في شيخه، ووجد أن الذين يصحبونه يتقدمون في إيمانهم وعباداتهم وعلمهم وأخلاقهم ومعارفهم الإلهية (٢).

__________

(١) الفتاوى الحديثية ص ٥٥.

(٢) لا ينبغي للمرء أن يكون عاطفيا تغره المظاهر؛ فيقع في صحبة أدعياء التصوف دون أن يكون له ميزان شرعي صحيح وتفكير عقلي سليم، إذ ليس كل من ادعى التصوف صار صوفيا ومربيا؛ ولو تزيا بزي المرشدين. كما أنه ليس كل من لبس ثوب -

٥ - اتصافه بالصدق والإخلاص في صحبته لشيخه، فيكون جادا في طلبه، منزها عن الأغراض والمصالح.

٦ - تعظيمه وحفظ حرمته حاضرا وغائبا. قال إبراهيم بن شيبان القرميسيني: (من ترك حرمة المشايخ ابتلي بالدعاوي الكاذبة وافتضح بها) (١).

وقال محمد بن حامد الترمذي رضي الله عنه: (إذا أوصلك الله إلى مقام ومنعك حرمة أهله والالتذاذ بما أوصلك إليه، فاعلم أنك مغرور مستدرج).

وقال أيضا:

(من لم ترضه أوامر المشايخ وتأديبهم فإنه لا يتأدب بكتاب ولا سنة) (٢).

وقال أبو العباس المرسي:

(تتبّعنا أحوال القوم فما رأينا أحدا أنكر عليهم ومات بخير) (٣).

وقال الشيخ عبد القادر الجيلاني:

(من وقع في عرض وليّ ابتلاه الله بموت القلب) (٣).

٧ - أن يحب شيخه محبة فائقة شريطة أن لا ينقص من قدر بقية

__________

= الأطباء في المستشفى صار طبيبا لأن هذه الثياب يلبسها الممرضون والآذنون وغيرهم.

(١) طبقات الصوفية ص ٤٠٥.

(٢) طبقات الصوفية ص ٢٨٣.

(٣) مدارج السلوك إلى ملك الملوك ص ١٢. للشيخ أبو بكر بن محمد بناني الشاذلي المتوفى سنة ١٢٨٤ هـ.

الشيوخ، وأن لا يصل غلوه في المحبة إلى حدّ فاسد؛ بأن يخرج شيخه عن طور البشرية، وإنما تقوى محبة المريد لشيخه بموافقته له أمرا ونهيا، ومعرفته لله تعالى في سيره وسلوكه، فالمريد كلما كبرت شخصيته بالموافقة ازدادت معرفته، وكلما ازدادت معرفته ازدادت محبته.

٨ - عدم تطلعه إلى غير شيخه لئلا يتشتت قلبه بين شيخين، ومثال المريد في ذلك كمثل المريض الذي يطبب جسمه عند طبيبين في وقت واحد فيقع في الحيرة والتردد (١) ..

وأما الآداب الظاهرة فهي:

١ - أن يوافق شيخه أمرا ونهيا، كموافقة المريض لطبيبه.

٢ - أن يلتزم السكينة والوقار في مجلسه، فلا يتكئ على شيء يعتمده، ول يتثاءب ولا ينام، ولا يضحك بلا سبب، ولا يرفع صوته عليه، ولا يتكلم حتى يستأذنه لأن ذلك من عدم المبالاة بالشيخ وعدم الاحترام له. ومن صحب المشايخ بغير أدب واحترام حرم مددهم وثمرات ألحاظهم وبركاتهم.

٣ - المبادرة إلى خدمته بقدر الإمكان، فمن خدم خدم.

٤ - دوام حضور مجالسه، فإن كان في بلد بعيد فعليه أن يكرر زيارته بقدر المستطاع، ولذلك قيل: (زيارة المربي ترقي وتربي).

وإن السادة الصوفية بنوا سيرهم على ثلاثة أصول الاجتماع

__________

(١) ينبغي الملاحظة أن المقصود بالشيخ هنا هو شيخ التربية لا شيخ التعليم؛ إذ يمكن لطالب العلم أن يكون له عدة أساتذة، ويمكن للمريد أن يكون له أساتذة في العلم لأن ارتباطه بهم ارتباط علمي، بينما صلة المريد بشيخ التربية صلة قلبية وتربوية.



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!