موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب حقائق عن التصوف

للشيخ عبد القادر عيسى الحسيني الشاذلي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


طريقة المجاهدة

وكذلك صفة الكبر فهي مذمومة حين يتكبر المسلم على إخوته المسلمين، أما حين يتكبر على المتكبرين الكافرين فتصبح هذه الصفة محمودة لأنها في سبيل الله وضمن حدود شرعه.

وهكذا معظم الصفات المذمومة تحوّل بالمجاهدة وتصعّد إلى صفات ممدوحة.

طريقة المجاهدة:

وأول مرحلة في المجاهدة عدم رضى المرء عن نفسه، وإيمانه بوصفها الذي أخبر عنه خالقها ومبدعها: {إِنَّ اَلنَّفْسَ لَأَمّارَةٌ بِالسُّوءِ}

[يوسف: ٥٣].

وعلمه أن النفس أكبر قاطع عن الله تعالى (١). كما أنها أعظم موصل إليه وذلك أن النفس حينما تكون أمّارة بالسوء لا تتلذذ إلا بالمعاصي والمخالفات، ولكنه بعد مجاهدتها وتزكيتها تصبح راضية مرضية لا تسرّ إلا بالطاعات والموافقات والاستئناس بالله تعالى.

وإذا اكتشف المسلم عيوب نفسه وصدق في طلب تهذيبها لم يعد

__________

(١) والقواطع عن الله تعالى أربعة: النفس، والدنيا، والشيطان، والخلق. أم عداوة النفس والشيطان فظاهرة، وأما الخلق فملاحظة مدحهم وذمهم تعرقل سير السالك إلى ربه، وأما الدنيا فالاهتمام بها وانشغال القلب بتقلباتها قاطع كبير عن الله تعالى، ففي حالة الفقر تكثر هموم المرء فتشغله عن الله، وفي حال الغنى ينشغل بزينته وزخرفها عن الله تعالى: {إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى (٦) أَنْ رَآهُ اِسْتَغْنى} [العلق: ٦ - ٧]. أما إذا أخرج حبها من قلبه فإنها لا تضره، كما قال شيخ الصوفية سيدي عبد القادر الجيلاني رحمه الله: (أخرج الدنيا من قلبك، وضعها في جيبك أو في يدك فإنها لا تضرك) وراجع بحث الزهد في هذا الكتاب.

عنده متسع من الوقت للانشغال بعيوب الناس وإضاعة العمر في تعداد أخطائهم، وإذا رأيت أحدا من الناس قد صرف وقته في إحصاء أخطاء الآخرين غافلا عن عيوب نفسه فاعلم أنه أحمق جاهل. قال أبو مدين:

ولا تر العيب إلا فيك معتقدا ... عيبا بدا بيّنا لكنه استترا

وقال بعضهم:

لا تلم المرء على فعله ... وأنت منسوب إلى مثله

من ذم شيئا أتى مثله ... فإنما دل على جهله

ولذا قالوا: (لا ترعيب غيرك ما دام فيك عيب، والعبد لا يخلو من عيب أبدا).

فإذا عرف المسلم ذلك أقبل على نفسه يفطمها عن شهواتها المنحرفة وعاداته الناقصة، ويلزمها بتطبيق الطاعات والقربات.

ويتدرج في المجاهدة على حسب سيره، فهو في بادئ الأمر يتخلى عن المعاصي التي تتعلق بجوارحه السبعة، وهي:

اللسان والأذنان والعينان واليدان والرجلان والبطن والفرج (١)، ثم يحلي هذه الجوارح السبعة بالطاعات المناسبة لكل منها (٢) فهذه الجوارح

__________

(١) لكل جارحة من الجوارح السبعة معاص تتعلق بها، فمن معاصي اللسان: الغيبة والنميمة والكذب والفحش. ومن معاصي الأذنين: سماع الغيبة والنميمة والأغاني الفاحشة وآلات اللهو. ومن معاصي العينين: النظر للنساء الأجنبيات وعورات الرجال. ومن معاصي اليدين: إيذاء المسلمين وقتلهم، وأخذ أموالهم بالباطل، ومصافحة النساء الأجنبيات. ومن معاصي الرجلين: المشي إلى محلات المنكرات والفجور. ومن معاصي البطن: أكل المال الحرام، وأكل لحم الخنزير، وشرب الخمور. ومن معاصي الفرج: الزنا واللواطة ...

(٢) فمن طاعات اللسان: قراءة القرآن الكريم، وذكر الله تعالى، والأمر بالمعروف -

السبعة منافذ على القلب إما أن تصب عليه ظلمات المعاصي فتكدره وتمرضه، وإما أن تدخل عليه أنوار الطاعات فتشفيه وتنوره.

ثم ينتقل في المجاهدة إلى الصفات الباطنة فيبدل صفاته الناقصة كالكبر والرياء والغضب ... بصفات كاملة كالتواضع والإخلاص والحلم.

وبما أن طريق المجاهدة وعر المسالك متشعب الجوانب، يصعب على السالك أن يلجه منفردا كان من المفيد عمليا صحبة مرشد خبير بعيوبها، عالم بطرق معالجته ومجاهدتها، يستمد المريد من صحبته خبرة عملية بأساليب تزكية نفسه، كما يكتسب من روحانيته نفحات قدسية تدفع المريد إلى تكميل نفسه وشخصيته، وترفعه فوق مستوى النقائص والمنكرات.

فقد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المرشد الأول والمزكي الأعظم الذي ربّى أصحابه الكرام وزكّى نفوسهم بقاله وحاله، كما وصفه الله تعالى بقوله: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ ويُزَكِّيهِمْ ويُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ والْحِكْمَةَ وإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (١)} [الجمعة: ٢].

__________

= والنهي عن المنكر. ومن طاعات الأذنين: سماع القرآن الكريم والأحاديث نبوية والنصائح والمواعظ. ومن طاعات العينين: النظر إلى وجوه العلماء والصالحين، والنظر إلى الكعبة المشرفة، والنظر التأملي لآيات الله في الكون. ومن طاعات اليدين: مصافحة المؤمنين، وإعطاء الصدقات. ومن طاعات الرجلين: المشي إلى المساجد وإلى مجالس العلم، وعيادة المريض، والإصلاح بين الناس. ومن طاعات البطن: تناول الطعام الحلال بنية التقوّي على طاعة الله تعالى. ومن طاعات الفرج: النكاح المشروع بغية الإحصان وتكثير النسل ...

(١) من هنا نجد أن التزكية شيء وتعليم الكتاب والحكمة شيء آخر، لذا قال الله تعالى: {ويُزَكِّيهِمْ ويُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ والْحِكْمَةَ ففرق كبير بين علم التزكية وحالة التزكية، كما يلاحظ الفرق الواضح بين علم الصحة وحالة الصحة، إذ قد يكون -



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!