موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب حقائق عن التصوف

للشيخ عبد القادر عيسى الحسيني الشاذلي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


أقوال العارفين والمربين المرشدين في المجاهدة

والذي يحقق النفع للمريد هو استقامته على صحبة مرشده واستسلامه له كاستسلام المريض للطبيب، فإذا ما أدخل الشيطان على قلب المريد داء الغرور والاكتفاء الذاتي فأعجب بنفسه واستغنى عن ملازمة شيخه باء بالفشل ووقف وهو يظن أنه سائر، وقطع وهو يظن أنه موصول.

قال الشيخ إسماعيل حقي رحمه الله في تفسيره: (فإن كثيرا من متوسطي هذه الطائفة الصوفية تعتريهم الآفات في أثناء السلوك عند سآمة النفس من المجاهدات وملالتها من كثرة الرياضات، فيوسوس لهم الشيطان، وتسول لهم أنفسهم أنهم قد بلغوا في السلوك رتبة قد استغنوا بها عن صحبة الشيخ وتسليم تصرفاته، فيخرجون من عنده، ويشرعون في الطلب على وفق أنفسهم، فيقعون في ورطة الخذلان وسخرة الشيطان) (١).

أقوال العارفين والمربين المرشدين في المجاهدة:

قال أبو عثمان المغربي رحمه الله: (من ظن أنه يفتح له بهذه الطريقة أو يكشف له عن شيء منها لا بلزوم المجاهدة فهو في غلط) (٢).

وقال الإمام الجنيد رحمه الله تعالى: (سمعت السري السقطي

__________

= الطبيب الماهر الذي عنده علم الصحة فاقدا حالة الصحة ومصابا بالأمراض والعلل الكثيرة.

وكذلك الفرق ظاهر بين علم الزهد وحالة الزهد، كالمسلم الذي عنده علم واسع بالآيات والأحاديث والشواهد المتعلقة بالزهد ولكنه يفقد حالة الزهد ويتصف بالطمع والشره والتكالب على الدنيا الفانية.

(١) تفسير روح البيان للشيخ إسماعيل حقي ج ٢/ص ١٤٩.

(٢) الرسالة القشيرية ص ٤٨ - ٥٠.

يقول: يا معشر الشباب جدّوا قبل أن تبلغوا مبلغي فتضعفوا وتقصّروا كم ضعفت وقصّرت. وكان في ذلك الوقت لا يلحقه الشباب في العبادة) (١).

وقال أبو عثمان المغربي رحمه الله: (لا يرى أحد عيب نفسه وهو مستحسن من نفسه شيئا، وإنما يرى عيوب نفسه من يتهمها في جميع الأحوال) (١).

وقال أبو علي الدقاق رحمه الله تعالى: (من زين ظاهره بالمجاهدة حسّن الله سرائره بالمشاهدة، قال الله تعالى: {والَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا} [العنكبوت: ٦٩]. واعلم أنه من لم يكن في بدايته صاحب مجاهدة لم يجد من هذه الطريقة شمة) (٢).

وقال الإمام البركوي رحمه الله تعالى: (ما أسرع هلاك من لا يعرف عيبه، فإن المعاصي بريد الكفر) (٣).

وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري رحمه الله تعالى: (إنّ نجاة النفس أن يخالف العبد هواها، ويحملها على ما طلب منها ربّها) (٤).

وقال الإمام البركوي رحمه الله تعالى: (المجاهدة: وهي فطم النفس وحمله على خلاف هواها في عموم الأوقات، فهي بضاعة العبّاد ورأس مال الزهاد، ومدار صلاح النفوس وتذليلها، وملاك تقوية الأرواح وتصفيتها ووصولها إلى حضرة ذي الجلال والإكرام. فعليك أيها السالك بالتشمير في منع النفس عن الهوى وحملها على المجاهدة إن

__________

(١) الرسالة القشيرية ص ٤٨ - ٥٠.

(٢) الرسالة القشيرية ص ٤٨ - ٥٠.

(٣) الرسالة القشيرية ص ٤٨ - ٥٠.

(٤) تعليقات على الرسالة القشيرية للشيخ زكريا الأنصاري.

شئت من الله الهدى، قال الله تعالى: {والَّذِينَ جاهَدُوا فِين لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا} [العنكبوت: ٦٩]. وقال أيضا:

{وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ (١)} [العنكبوت: ٦].

وقال ابن عجيبة رحمه الله تعالى: (لا بد للمريد في أول دخوله الطريق من مجاهدة ومكابدة وصدق وتصديق، وهي مظهر ومجلاة للنهايات، فمن أشرقت بدايته أشرقت نهايته، فمن رأيناه جادّا في طلب الحق باذلا نفسه وفلسه وروحه وعزه وجاهه ابتغاء الوصول إلى التحقق بالعبودية والقيام بوظائف الربوبية؛ علمنا إشراق نهايته بالوصول إلى محبوبه، وإذ رأيناه مقصّرا علمنا قصوره عما هنالك) (٢).

قال محي الدين بن عربي رحمه الله (من كتاب الفتوحات المكية الرياضات والخلوات والمجاهدات وأثرها):

ولما رأت عقول أهل الإيمان بالله تعالى أن الله تعالى قد طلب منها أن تعرفه بعد أن عرفته بأدلتها النظرية، علمت أن ثمّ علما آخر بالله لا تصل إليه من طريق الفكر، فاستعملت الرياضات والخلوات والمجاهدات وقطع العلائق، والانفراد والجلوس مع الله بتفريغ المحل، وتقديس القلب عن شوائب الأفكار؛ إذ كان متعلّق الأفكار الأكوان، واتخذت هذه الطريقة من الأنبياء والرسل، وسمعت أن الحق جل جلاله (٣) ينزل إلى عباده ويستعطفهم فعلمت أن الطريق إليه من جهته أقرب إليه من الطريق من فكرها.

__________

(١) الحديقة الندية شرح الطريقة المحمدية ج ١/ص ٤٥٥.

(٢) إيقاظ الهمم في شرح الحكم ج ٢/ص ٣٧٠.

(٣) حديث ينزل الله إلى السماء الدنيا ... الخ . رواه الدارمي في باب الصلاة.

ولا بد لأهل الإيمان وقد عرفوا قوله تعالى (١) من أتاني يسعى أتيته هرولة وأن قلبه (أي قلب المؤمن) وسع جلاله وعظمته.

فتوجه العقل إليه تعالى بكله وانقطع من كل ما يأخذ عنه من هذه القوى، فعند هذا التوجه (أفاض الله عليه من نوره علما إلهيا عرّفه بأن الله تعالى من طريق المشاهدة والتجلي، لا يقبله كون ولا يردّه كون) ولذلك قال الله تعالى: {إِنَّ فِي ذلِكَ} [ق: ٣٧] يشير إلى العلم بالله من حيث المشاهدة {لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ} [ق: ٣٧] ولم يقل غير ذلك القوة كقوة وراء طور العقل تصل العبد بالرب.

فإن القلب معلوم بالتقلب في الأحوال دائما فهو لا يبقى على حالة واحدة فكذلك التجليات الإلهية، فمن لم يشهد التجليات بقلبه ينكرها بعقله، فإن العقل يقيّد غيره من القوى إلا القلب فإنه لا يتقيد وهو سريع التقلب في كل حال ولذا قال الشارع: إن القلب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء .

فهو يتقلب بتقلب التجليات، والعقل ليس كذلك، فالقلب هو القوة التي وراء طور العقل، فلو أراد الحق في هذه الآية بالقلب أنه العقل ما قال {لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ} [ق: ٣٧]، فإن كل إنسان له عقل وما كلّ إنسان يعطى هذه القوى التي وراء طور العقل، المسماة قلبا في هذه الآية، فلذلك قال {لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ (٢)} [ق: ٣٧].

__________

(١) حديث إذا تقرب إلي العبد شبرا تقربت إليه ذراعا ... رواه البخاري عن أنس وأبي هريرة وأبي عوان والطبري عن سليمان.

(٢) الفتوحات المكية ص ٤٤٣.



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!