موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب حقائق عن التصوف

للشيخ عبد القادر عيسى الحسيني الشاذلي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


ج - الذكر المنفرد والذكر مع الجماعة

الذكر ويخفى، وهو اللباب المطلوب، وذلك بأن لا يلتفت إلى الذكر ولا إلى القلب بل يستغرق المذكور جملته، ومهما ظهر له في أثناء ذلك التفات إلى الذكر فذلك حجاب شاغل. وهذه الحالة التي يعبر عنها العارفون بالفناء ... ثم قال رحمه الله: فهذه ثمرة لباب الذكر وإنما مبدؤها ذكر اللسان، ثم ذكر القلب تكلفا، ثم ذكر القلب طبعا، ثم استيلاء المذكور وانمحاء الذكر) (١).

ج - الذكر المنفرد والذكر مع الجماعة:

العبادات مع الجماعة - وفيها ذكر الله تعالى - تزيد في الفضل على العبادة في حالة الانفراد؛ ففي الجماعة تلتقي القلوب، ويكون التعاون والتجاوب، ويستقي الضعيف من القوي، والمظلم من المنوّر، والكثيف من اللطيف، والجاهل من العالم وهكذ ...

عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا. قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر (٢).

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إن لله تبارك وتعالى ملائكة سيارة وفضلاء يلتمسون مجالس الذكر في الأرض فإذا أتوا على مجلس ذكر حفّ بعضهم بعضا بأجنحتهم إلى السماء، فيقول الله من أين جئتم؟ فيقولون: جئنا من عند عبادك يسبحونك، ويحمدونك ويهللونك، ويسألونك، ويستجيرونك. فيقول: م يسألون؟ - وهو أعلم بهم - فيقولون: يسألونك الجنة. فيقول: وهل رأوها؟

__________

(١) كتاب الأربعين في أصول الدين للإمام الغزالي ص ٥٢ - ٥٥.

(٢) أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات.

فيقولون: لا يا رب. فيقول: فكيف لو رأوها؟ ثم يقول: وممّ يستجيرون؟ - وهو أعلم بهم - فيقولون: من النار. فيقول: وهل رأوها؟ فيقولون: لا. فيقول: كيف لو رأوها؟ ثم يقول: اشهدوا أني قد غفرت لهم، وأعطيتهم ما سألوني، وأجرتهم مم استجاروني.

فيقولون: ربّنا إن فيهم عبدا خطّاء جلس إليهم وليس منهم؛ فيقول:

وهو أيضا قد غفرت له، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم (١).

وعن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما من قوم يذكرون الله إلا حفّتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده (٢).

عن معاوية رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم خرج على حلقة من أصحابه فقال: ما يجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده فقال: إنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله يباهي بكم الملائكة (٣).

عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إن لله تعالى سيارة من الملائكة يطلبون حلق الذكر، فإذا أتوا عليهم حفّوا بهم (٤).

وعن أنس أيضا رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إذ مررتم برياض الجنة فارتعوا. قالوا: وما رياض الجنة يا رسول الله؟ قال:

حلق الذكر (٥).

__________

(١) أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الذكر، والترمذي في كتاب الدعوات، والحاكم.

(٢) أخرجه مسلم في كتاب الذكر، والترمذي في كتاب الدعوات.

(٣) أخرجه مسلم في كتاب الذكر، والترمذي في كتاب الدعوات.

(٤) رواه البزار وقال الهيثمي: إسناده حسن.

(٥) رواه الترمذي في كتاب الدعوات.

قال العلامة ابن علان شارح الأذكار في معنى هذا الحديث:

(والمعنى: إذا مررتم بجماعة يذكرون الله فاذكروا موافقة لهم، أو اسمعو أذكارهم، فإنهم في رياض من الجنة حالا أو مآلا. قال تعالى: {وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ} [الرحمن: ٤٦] (١).

وقال العلامة ابن عابدين في حاشيته في معرض ذكر الله تعالى مع الجماعة: (وقد شبه الإمام الغزالي ذكر الإنسان وحده وذكر الجماعة بأذان المنفرد وأذان الجماعة، قال: فكما أن أصوات المؤذنين جماعة تقطع جرم الهواء أكثر من صوت المؤذن الواحد، كذلك ذكر الجماعة على قلب واحد أكثر تأثيرا في رفع الحجب الكثيفة من ذكر شخص واحد) (٢).

وقال الطحطاوي في حاشيته:

(ونص الشعراني: أجمع العلماء سلفا وخلفا على استحباب ذكر الله تعالى جماعة في المساجد وغيرها من غير نكير، إلا أن يشوش جهرهم بالذكر على نائم أو مصلّ أو قارئ قرآن، كما هو مقرر في كتب الفقه) (٣).

وأما الذكر منفردا: فله أثر فعال في صفاء القلب وإيقاظه، وتعويد المؤمن على الأنس بربه والتنعم بمناجاته، والشعور بقربه. فلا بد للمؤمن من جلسة يذكر الله خاليا منفردا بربه بعد أن يحاسب نفسه ويطلع على عيوبه وأخطائه، فإذا ما رأى سيئة؛ استغفر وتاب وإذا ما رأى عيبا؛ جاهد نفسه للتخلص منه.

__________

(١) الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية ج ١/ ٩٤.

(٢) حاشية ابن عابدين ج ٥/ص ٢٦٣.

(٣) حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ص ٢٠٨.



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!