موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب الحكمة الإلهامية

ينسب للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

وهو لإسحق الحكيم الرومي

وفيه مقدمة طويلة في الرد على الفلاسفة، خصوصًا منهم أرسطوطاليس وابن سينا، ثم في تكفير من قال بوحدة الوجود من الصوفية، أما باقي الكتاب فهو على أربعة فنون: فـ1ـي أحوال تعم الأجسام، فـ2ـي أحوال العناصر وما يتكون منها من الحيوانات والنباتات الخ، فـ3ـي حقائق الأفلاك وحقائق الكواكب وكيفياتها وخواصها، [فـ4ـي الالهيات]؛ ويبدو أنه من تأليف بعض الحكماء من موالي الروم، في عهد السلطان سليمان القانوني (926 هجري -974/1520 هجري -1566)، وقد اعتنق والده الإسلام

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[6] فصل في الزمان :

إذا فرضنا حركة واقعة في مسافة على مقدار من السرعة ، وابتدأت معها حركة أخرى أبط منها، واتفقتا في الأخذ والترك ، وجدت البطيئة قاطعة أقل من السريعة ، والسَّريعة قاطعة أكثر. ووجد بين أخذهما وتركهما أمرٌ ممتد مشترك بينهما غير الحركتين ومسافتيهما قابل للزيادة والنقصان بحسب ازديادهما وانتقاصهما .فالقابل للزيادة والنقصان ليس بمعدوم بل هو موجود ،لأن العدم الصرف لا يكون قابلاً للزيادة والنقصان ، فالعقل ببديهته يحكم بأن ذلك الأمر الممتد ليس موجوداً في الخارج . فإذاً هو موجود في علم الله تعالى وفي العقل ، فذلك هو الزمان . فإلى هذا ذهب فيثاغورس و أفلاطون و أرسطوطاليس وأتباعهم وغيرهم من الفلاسفة اليونانيين في تعريف الزمان وبيانه ، فقالوا : إنَّ الزمان ليس موجوداً في الخارج بل في علم الله تعالى ، وفي العقل ، لا في الخيال، لأنه ليس بجسم ولا جسماني .فما ليس بجسم ولا جسماني كيف يتصور أن يوجد في الخيال؟ قال أرسطوطاليس: وحركة الامتداد الزماني إنما تكون على الاستدارة ، وتلك الحركة هي : عقلية روحانية ،لا خيالية حسية . والامتداد الزماني هو الذي يعرض لأجزائه  التقدم والتأخر بالذات ، ولغيرهم باعتبار مقارنته بها فيكون الشيء المقارن بجزئه المقدم مقدماً وبجزئه المؤخر مؤخراً. وقال: ويقدر الحركة بالزمان ، والزمان بالحركة . فإنا نحكم بالحركات الطويلة والقصيرة على كثرة الزمان وقلته ، وكذلك تقدَر المسافة بالحركة ، والحركة بالمسافة . فإن المسافة الكثيرة تستدعي سيراً كثيراً ، والسير الكثير يستدعي مسافة كثيرة . وكذلك تقدر الحركات كلها بالحركة المستديرة لأنها متشابهة الأجزاء ، معروفة الحد. فكما تقدَرُ الحركات بها تَقَدَّرَ الزمان بها أيضاً.

وقال: فلمَّا كان الحركة في الزمان لا بدَّ أن يكون السكون فيه أيضاً ؛ لأنَّ السكون له ابتداء وانتهاء زماني ، فالزمان هو ذو ابتداآت الحركات وأواسطها وأواخرها. هذا م ذهب إليه الفلاسفة اليونانيون في بيان الزمان . ويدلُّ على حقيقة ما ذهبوا إليه قوله تعالى: ) اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ومابينهما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ( . وقوله تعالى: ) إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ (. وقول رسول الله r : << إنَّ الزَّمانَ قَدِ استدارَ كهيئتِه يومَ خلقَ الله السَّمواتِ و الأرضَ ، السَّنة: اثنا عَشَرَ شهراً، منها أربعةٌ حرمٌ ، ثلاثةٌ متوالياتٌ: ذو القَعدةِ وذو الحِجَّةِ ومحرَّم، ورجب مُضَر الَّذي بين جُمَادى وشَعبان >> . ويعني بقوله: في ستة أيام: مقدار ستة أيام: لأنَّ اليوم من لدن طلوع الشمس إلى غروبها، فكيف يكون يوم ولا شمس ولا سماء ؟ فالقابل لذلك المقدار الذي خلق الله فيه السموات السبع والأرض وما بينهما ، ليس شيئاً موجوداً في الخارج . فإذاً هو موجود في علم الله تعالى وفي العقل . فالله تعالى علَّم الإنسان مقدار الزمان الذي خلق فيه السموات والأرض وما بينهما. بالأيام المعلومة مقاديرها بحركة الشمس ، وعلَّمه تقدم بعض خلقه على بعض بذلك الزمان. وقال الله تعالى: ) الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ ( . وقال : ) هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ( . فانظر كيف علَّم الله الإنسان أَنْ يقدِّرَ الزمانَ ويعلمَ مقداره بحركة الشمس والقمر. فمَنْ قال بأنَّ الزمان هو مقدار الحركة لم يفهمْ شيئاً من مسائل الزمان ، فإنه قد ثبت بالآيات المذكورة خلافَ ذلك . وقد ثبت بالدليل المذكور في إثبات الزمان أنه أمر ممتد ، غير الحركة ومسافتها، وأنه غير موجود في الخارج ، بل في علم الله تعالى و في العقل والخيال. فكيف يتصور أن يكون الزمان مقدار الحركة ؟ فإذا فرض عشر حركات متفقة في الأخذ والترك مختلفة في السرعة والبطء ، فلا يشك أحد في أنَّ ما يوافق كل واحدة من الحركات المذكورة ويكون مشتركاً بينها، ويمتد ويزداد بازديادها ، وينقص بانتقاصها ، ليس غير الزمان ، ولا يمكن أن يكونَ واحدة من هذه الحركات موافقة لكل واحدة منه مشتركة بينها. ولا يمكن أيضاً أن توجد حركة توافق كل واحدة منها ؛ لأنه إذا كانت موافقة لواحدة منها كانت مخالفة لغيرها ، فلم تكن مشتركة بينها. فإذاً من المحال أن يكون الزمان مقدار الحركة .

فمن قال بإنَّ أرسطوطاليس قال : إنَّ الزمان مقدار الحركة ، فقد افتراه . ومَنْ قال بإنَّ أفلاطون عَرَّف الزمانَ بأنه جوهر قائم بنفسه مستقل بذاته ، فقد افتراه . فإنه لم يذهب أحد من الفلاسفة اليونانيين في تعريف الزمان وبيانه إلى غير ما ذكر في هذا الفصل.

وقال أرسطوطاليس: الآن أمر غير الزمان معتبر فيه ، غير قابل للانقسام . وهو باعتبار أنه يفصل الزمان الماضي عن المستقبل : فاصل ، وباعتبار أنه يوجب اتصال الجزء الماضي بالجزء المستقبل: واصل .



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!