موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب الحكمة الإلهامية

ينسب للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

وهو لإسحق الحكيم الرومي

وفيه مقدمة طويلة في الرد على الفلاسفة، خصوصًا منهم أرسطوطاليس وابن سينا، ثم في تكفير من قال بوحدة الوجود من الصوفية، أما باقي الكتاب فهو على أربعة فنون: فـ1ـي أحوال تعم الأجسام، فـ2ـي أحوال العناصر وما يتكون منها من الحيوانات والنباتات الخ، فـ3ـي حقائق الأفلاك وحقائق الكواكب وكيفياتها وخواصها، [فـ4ـي الالهيات]؛ ويبدو أنه من تأليف بعض الحكماء من موالي الروم، في عهد السلطان سليمان القانوني (926 هجري -974/1520 هجري -1566)، وقد اعتنق والده الإسلام

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[4] فصل في بيان الماهية والوجود

واعلم أنَّ الماهية هي التي بها يتعين الممكن ، وبها يكون وجوده على ما كان عليه ، وبها يكون هو هو . و أفلاطون قد عرَّف الماهية بأنها مبدأ وجود الممكن ، وعلَّة ما كان عليه وجوده . فلذلك سمَّاها بالمبدأ والعلة ، وقد سمَّاها بـ "المثال" ، لأنَّ ماهية كل موجود ممكن إذ حصلت في الذهن ليست إلا مثال تلك الماهية . وقال أفلاطون : إنَّ الماهية إذا نسبت إلى الله ليست غير علمه بها ، وإذ نسبت إلى العالم ، كانت مثاله . ومن حيث هي هي: جوهر. والوجود زائد على كل ماهية ممكنة ، وعارض لها ، وهو بديهي . وبأي شيء عرفته يكون المعرِّف أخفى من المعرَّف ، فتعريفه إذاً يكون باطلاً .

ويدل على وجود الماهية وجوه : أحدها أنّ الوجود وصفٌ مشتركٌ فيه بين الموجودات ، وخصوصيات الماهيات غير مشترك فيها بين الموجودات . فالوجود مغاير للماهية . والثَّاني أن الممكن إن أخذناه مع اعتبار الوجود ، كان غير قابل للعدم ؛ لأنَّ الشيء حال كونه موجوداً لا يقبل العدم ، وما لا يقبل العدم لا يكون ممكن الوجود . والعدم وإن أخذْناه مع اعتبار العدم كان غير قابل للوجود ؛ لأنَّ الشيء حال كونه معدوماً لا يقبل الوجود ، وما لا يقبل الوجود لا يكون ممكن العدم والوجود . فلو لم يكن ماهية مغايرة للوجود والعدم ، لما كانت الماهية ممكنة أصلاً ، ولما ثبت وجوده . فقد علمْنا أنها مغايرة للوجود والعدم . والثَّالث أنَّا نعقل الشكل المسبع مع شكنا في وجوده الخارجي ،  والمعلوم غير المشكوك . فالوجود غير الماهية .

ثمَّ اعلمْ أنَّ كلَّ ماهية وحقيقة فهي إمَّا أن تكون بسيطةً أو مركبة ، وأعني البسيطة أن تكونَ مفردة ، ولا يكون تحققها بسبب اجتماع عدة أمور . وأعني بالمركبة ما يكون تحققها بسبب اجتماع عدة أمور . أما البسيطة فلا بدَّ من الاعتراف به لأنَّه لا بدَّ من البسيط ؛ لأنَّ المعقول من المركب ما يحصل  اجتماع الوحدات . فم لم يتقرر الوحدة لم يتقرر الوحدات . فثبت أنه لا بدَّ من الاعتراف بوجود الماهية البسيطة ، وهذه الماهية لا يكون لها شيء من الأجزاء . وإذا كان مرادنا بالذاتي جزء الماهية ثبت أنَّ البسيطة لا ذاتي لها البتة . أما الماهية المركبة فلا شك أنها من حيث هي هي إنما تحققت من تلك الأجزاء ، فيكون كلُّ واحدٍ من تلك الأجزاء ذاتياً لها ، بمعنى كونه جزءاً من قوام تلك الماهية .

فإذا عرفْتَ هذا فنقول : الجزء متقدم على الكل في الوجود وفي العدم ؛ أما في الوجود ، فلأنَّ وجود المركب موقوف على وجود المفرد ، ووجود المفرد غير موقوف على وجود المركب . فإنه قد يعقل حصول المفرد منفكاً عن حصول المركب . وأما في العدم فلأنه ما لم يعدمْ جزء من أجزاء المركب ، أو كل واحد من أجزائه ، يمتنع عدم ذلك المركب . فثبت أنَّ عدم المركب موقوف على عدم أجزائه ، أو جزئه .

فاعلم أنَّ في جانب الوجود ما لم يوجدْ كل تلك الأجزاء امتنع وجود المركب . أما في جانب العدم ، فلا يتوقف عدم المركب على عدم جميع أجزاء ذلك المركب ، أي جزء من تلك الأجزاء عدم يكفي عدمه في عدم ذلك المركب . ألا ترى أن البيت إذا خرب ، فإنَّ الذي عدم ليس إلا الكل والهيئة ؟ وأما الأجزاء المادية ، فكلها باقية ، وإنَّ عدم الجزء الصوري كفى في عدم البيت . فثبت بما ذكرنا أنَّ في جانب الوجود ، لا يوجد المركب إلاَّ عند وجود جميع أجزائه ،  أما في جانب العدم ، فإنه يكفي في عدم المركب عدم جزء واحد من أجزاء ماهيته .

فثبت بما ذكرنا أنَّ المفرد متقدم على المركب في الوجود الخارجي ، والعدم الخارجي. وكذلك الأمر في الوجود الذهني وعدمه ؛ لأن العلم بجزء الماهية سابق على العلم بكله ؛ لأنَّ العلم بالماهية يتوقف على العلم بكل واحد من أجزائها ، وأنَّ العلم بكل واحد من أجزائها لا يتوقف على العلم بالماهية . فثبت أنَّ العلم بجزء الماهية متقدم على العلم بالماهية في الوجود الذهني وعدمه .

ثمَّ اعلم أنَّ الفلاسفة اليونانيين قد اتفقوا على أنَّ لفظ الموجود يفيد معنى واحداً في الموجودات كلِّها ، ويدل على ذلك وجوه : أحدها أن الموجود مورد التَّقسيم إلى الواجب والممكن ، وكلُّ ما كان مورد التَّقسيم إلى قسمين ، فإنه مشترك المفهوم بينهما . فالموجود : أمر مشترك المفهوم بين الواجب والممكن . والثَّاني أنَّ المفهوم من الموجود أمر باقٍ لا يغير الاعتقاد في كونه واجباً أو ممكناً. وكلُّ ما كان باقياً مع قسمين، فهو مشترك بينهما ، فالموجود مشترك المفهوم بين الواجب والممكن . والثَّالث أن العقل ببداهته حاكم بأنَّ المعقول من الجوهرية والعرضية والجسمية والسوادية والبياضية مفهوم واحد . وكذلك حاكم بأنَّ المعقول من الموجودية مفهوم واحد .



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!