موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب الحكمة الإلهامية

ينسب للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

وهو لإسحق الحكيم الرومي

وفيه مقدمة طويلة في الرد على الفلاسفة، خصوصًا منهم أرسطوطاليس وابن سينا، ثم في تكفير من قال بوحدة الوجود من الصوفية، أما باقي الكتاب فهو على أربعة فنون: فـ1ـي أحوال تعم الأجسام، فـ2ـي أحوال العناصر وما يتكون منها من الحيوانات والنباتات الخ، فـ3ـي حقائق الأفلاك وحقائق الكواكب وكيفياتها وخواصها، [فـ4ـي الالهيات]؛ ويبدو أنه من تأليف بعض الحكماء من موالي الروم، في عهد السلطان سليمان القانوني (926 هجري -974/1520 هجري -1566)، وقد اعتنق والده الإسلام

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[1] فصل في إبطال تركب الجسم من الهيولى والصورة ، وإبطال تركبه من أجزاء لا تتجز وإثبات تركبه من أجسام صغار

واعلم أنَّ الجسم : إما أن يكون متصلاً واحداً في نفسه، وإما أن يكون ذا أجزاء بالفعل، فلا يكون الجسم مركباً من الهيولى والصورة إلا إذا كان متصلاً واحداً في نفسه ، فاللازم باطل والملزوم كذلك. أما بطلان اللازم فلأنه لو كان في نفسه متصلاً واحداً لكان الجسم المتناهي الأبعاد والحجم قابلاً لانقسامات غير متناهية ... وبعد ما يبلغ انقساماته إلى جسم صغير غير قابل للانقسام في الخارج ، بل في العقل، لغاية صغره، يكون ذلك الجسم أيضاً قابلاً لأنْ ينقسم إلى أجسام غير متناهية، وكل جسم من تلك الأجسام الغير المتناهية يكون أيضاً قابلاً لأن ينقسم إلى أجسامٍ غير متناهية... وكل جسم من تلك الأجسام  الغير المتناهية يكون أيضاً قابلاً لأن ينقسم الى أقسامٍ غير متناهية ... وهكذا يقبل الانقسامات إلى غير النهاية. وكذلك الخط المتناهي الطول يكون من جهة الطول قابلاً لانقساماتٍ غير متناهيةٍ، وبعد ما يبلغ انقساماته إلى خطٍ قصيرٍ غير قابل للقسمة في الخارج ، بل في العقل، لغاية قصره ، يكون ذلك الخط أيضاً قابلاً لأن ينقسم إلى خطوط غير متناهية... وكل خط من تلك الخطوط الغير المتناهية يكون أيضاً قابلاً لأن ينقسم إلى خطوط غير متناهية... وكل خط من تلك الخطوط الغير المتناهية يكون أيضاً قابلاً لأن ينقسم إلى خطوط غير متناهية ... وهكذا يقبل الانقسامات إلى غير النهاية . فبطلان هذه اللوازم والكلمات من أجلى البديهيات عند من له أدنى نصيب من العقل.

فكيف يتصور أن يكون الجسم المتناهي الأبعاد والمقدار قابلاً بالتقسيم لأن يكون أجساماً غير متناهية ومقادير غير متناهية ، والتقسيم ينقص الجسم والمقدار ، لا أنه يزيده حتى إلى غير النهاية . والجسم القابل للتنصيف والتربيع والتسديس كيف يتصور أن يكون قابلاً بالتقسيم لأن يكون أجزاؤه غير متناهية ؟ فسدس الجسم لو كان قابلاً لانقسامات غير متناهية لكان مساوياً في الحجم والمقدار للربع والنصف والكل، بل بعد ما ينتهي انقسامات الجسم إلى جسم غير قابل للقسمة في الخارج ، بل في العقل والوهم ، لغاية صغره ، لكان مساوياً في المقدار للفلك الأعظم ! فمن ذهب إلى هذه المحالات فقد سفَّه نفسه ، فيهذي هذيان المبرسمين . ولو كان الجسم المتناهي المقدار والحجم قابلاً لانقسامات غير متناهية لكانت الأجسام الغير المتناهية التي تخرج منه إلى الفعل بتقسيمه موجودة فيه بالفعل، ولكان ذلك الجسم إذا قسم غير متناهي المقدار والحجم ، فاللازمان  باطلان والملزوم كذلك. أما ملازمتهما فلأنه لو لم تكن الأجسام الغير المتناهية موجودة فيه بالفعل، ولو لم يكن ذلك الجسم إذا قسم غير متناهي المقدار والحجم ، لزم أن يكون ما ليس بجسم ، بل ما ليس بموجود ، قابلاً لانقسامات غير متناهية، وذلك محال. وأما بطلان اللازم الأول ، فلأنه لو كانت الأجسام الغير المتناهية موجودة فيه بالفعل لزم أن تكون الأجسام الغير المتناهية محصورة محدودة في الجسم المتناهي المقدار والحجم ، وذلك محال. لأنَّ كلَّ محصور محدود من الأجسام فهو متناه. وأما بطلان الثَّاني فلأن تقسيم الجسم ينقص مقداره وحجمه ، لا أنه يجعله غير متناهٍ في المقدار والحجم. واستدلال القائل بتركيب الجسم من الهيولى والصورة باتصال الماء عند الحس على اتصاله في نفسه باطل. لأنَّ الفضة والذهب وسائر المعدنيات أشدُّ اتصالاً من الماء عند الحس، ومع ذلك مركبة من أجزاء مختلفة الطبائع . والأرض هي إحدى البسائط، وهي ذات أجزاء ومفاصل بالفعل عند الحس ، وكذلك عند العقل، لأنها إنما يتصل بعض أجزائه ببعض: إما لاختلاطها بالماء والرطوبة. فبداهةً العقل، بواسطة الحس ، تحكم بكونها ذات أجزاء ومفاصل بالفعل، وذلك لأنَّ الحس لا يغلط في إدراك أجزاء الشيء المتفرقة المنفصلة . وليس من شأنه إدراك الأجزاء الصغار المتصلة كأجزاء الفضة والذهب والماء وأمثالها. فالاستدلال به على اتصال الماء في نفسه جهل وحماقة.

فإذا كان الأمر كذلك ، قد ثبت بطلان كون الجسم متصلاً واحداً في نفسه، بل قد ثبت كونه ذا أجزاء بالفعل. فبعد ذلك لا يخلو: إما أن يكون مركباً من أجزاء لا تتجزأ أو من أجسام صغار، والأول بَطُلَ ، فتعين الثَّاني . وإلى هذا ذهب ديموقراطيس و أفلاطون وأكثر الفلاسفة . وأول من قال بكون الجسم مركباً من الهيولى والصورة هو أرسطوطاليس ، ولم يقلْ ذلك أحد ممن كان قبله من الفلاسفة ، بل بعضهم ذهبوا إلى كونه مركباً من أجزاء لا تتجزأ، وبعضهم إلى تركبه من أجسام صغار.

فاعلم أنَّ الجزء الذي لا يتجزأ عند القائلين به هو جزء من الجسم ، وهو صغير جداً، حتى لا يقبل الانقسام : لا كسراً ولا قطعاً ، ولا فَرَضَاً ووهماً ، لغاية صغره. وهو عندهم جوهر ذو وضع . فإذاً كيف لا يقبل الانقسام ويمينه غير يساره وفوقه غير تحته ؟ وكيف يتصور أن يتألف الجسم وأن يزداد حجمه ومقداره من أجزاء ليست بأجسام ، ولا بذوات المقادير؟ وبديهة العقل تحكم ببطلان ذلك ! وكيف يحصل حجم ومقدار مما ل ينقسم أصلاً ؟ فإنه إذا ضم جزء إلى آخر فإنْ لم يزدد الحجم فتداخلا، وهكذا حال م يضم إليه ثانياً وثالثاً، فلم يحصل مقدار. وإن زاد الحجم لزم انقسامهما معاً، ولو فرضنا جزئين جزئين فلا يخلو: إما أن يكون الوسط مانعاً من تلاقي الطرفين ، أو ل يكون . فإن لم يكن مانعاً لزم التداخل ، فلا يحصل من تركبهما مقدار وحجم . وإن كان مانعاً من تلاقيهما ، فما به يلاقي أحد الطرفين غير ما به يلاقي الطرف الآخر، فينقسم، وإذ زالت الشمس عن محاذاة شخص ركز في الأرض جزءاً ، فإما أن يزول ظل الشخص من مداره جزءاً ، فيكون مدار الشمس ومدار الظل متساويين، وذلك محال! أو أقل ، فينقسم الجزء ، أو يثبت الظل فلا يتحرك، وذلك محال! فإذاً من المحال أن يكون الجسم مركباً من أجزاء لا تتجزأ.



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!