موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

نظرية الجوهر الفرد:

مفهوم الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي للزمن والخلق في ستة أيّام

دراسة وتأليف: د. محمد علي حاج يوسف

هذا الموقع باللغة الإنكليزية مخصص للدراسات حول نظرية الجوهر الفرد وازدواجية الزمان


الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية

الزّمن في الفلسفة الإسلامية


لقد تأثر الفلاسفة المسلمون بشكل عامّ بأسلافهم اليونانيين كثيراً، وحاولوا تطبيق نظريّاتهم المختلفة عن الزّمن مع دمجها وتقويمها بما يتناسب مع القضايا المتعلقة بها من الآيات القرآنية والشواهد من الحديث النبوي الشريف. ولقد ظهر العديد من الفلاسفة المسلمين قبل ابن العربي، مثل الكندي والفارابي والرازي والغزالي وابن رشد وابن سينا الذين حلّلوا وانتقدوا أو قوّموا المفاهيم المختلفة للزمن في المدارس الفلسفية الإغريقية القديمة ممثّلة بأفلاطون وأرسطو وأفلوطين. فقام الغزالي مثلاً بانتقاد هذه المدارس الفلسفية وغيرها في كتابه "تهافت الفلاسفة" الذي ردّ عليه ابن رشد بشدة في كتابه "تهافت التهافت". ومن جهة أخرى فقد كان ابن سينا أحد أكثر الفلاسفةالمسلمين المؤثرين الذين كان عندهُم العديد من وجهات النظر الأصلية حول الزّمن حيث كرّس له الفصول الطويلة في عدّة أعمال من كتبه الشهيرة كالنجاة والتنبيهات وغيرها.

بدأ ابن سينا بتلخيص مواقف الفلاسفة السابقين (من المسلمين وغيرهم) ثم انتقل إلى نقد هذه المواقف قبل أن يقدّم وجهة نظره هو.[63] على الرغم من أنه كان مثل أرسطو يربط مباشرةً بين الزّمن والحركةِ، ولكنّ ابن سينا شدّد على أنّ الحركة لَيست هي كمية الزّمن محتجّاً على ذلك بأنّ المسافاتِ المختلفةِ يمكن أن تُقطع في نفس الزّمن، أو أنّ المسافات المتساوية يمكِن أن تُقطع في أزمان مختلفة، إمّا بسبب الاختلافِ في السرعةِ أو بسبب التوقّف على الطّريق، لكنّه في النهاية يُعرّف الزّمن بالحركةِ، مع أنّه يُضيف المسافة للتغلُّب على الصعوبةِ التي واجهها أرسطو بخصوص الدورية كما ذكرنا سابقاً. فيَقول ابن سينا إنّ الزّمن هو عددُ الحركةِ عندما يُفصل إلى قَبلَ وبَعد، ليس بمرور الزّمن لكن في المسافةِ، وإلا فإِنَّه يجب أن يكون دورياً.[64]

من الناحية الأخرى، بالرغم من أن ابن سينا كان يشكّ في وجود الزّمن الطبيعي، فهو يعدّ أنّ الزّمن يوجد فقط في العقل بسبب الذاكرة والتوقّع، إلا أنه أيضاً يوضح أنّ الزّمن له وجود حقيقي ولكن غير مادي، أي ليس له جوهر مستقل، ولكنّه يوجد من خلال الحركة.[65]

وبالنسبة لتركيب الزّمن، يقول ابن سينا أنه كمّيّة متّصلة، وذلك لأنه (مثل أرسطو) يعدّ الزّمن كمّيّة الحركة الدائرية المستمرّة، فهناك زمن منتظم ولكننا نقسمه بواسطة الوهم إلى لحظات أو آنات،[66] وذلك بعكس ابن العربي وبعض علماء الكلام من الأشاعرة الذين يعدّون الزّمن كمية منفصلة.

وكذلك تبنّى الكندي، وهو عالِم رياضيات وفيلسوف، فكرة أرسطو أن الزّمن هو عدد الحركة بالإضافة إلى مبادئه الفلسفية الأخرى بعد تقويمها على أساس المبدالإسلامي أنّ الله الواحد هو الذي خلق العالم؛ فصرّح الكندي أنّ العالَم المادّي لا يمكنأن يبقى إلى الأبد بسبب استحالة وجود أبدٍ فعلي، وكذلك لا بدّ من وجود لحظة بداية للعالَم وبالتالي لا بدّ من خالقٍ لهذا العالَم وهو الذي أوجده عن عدم.[67]

أما الطبيب والفيلسوف الرّازي فيبدو أنّه قد تبنّى فكرة أفلاطون أن الزّمن هو الشكل الظاهر للوجود الأبدي، بالإضافة إلى فكرة أفلوطين أنّ الزّمن أبدي؛ وبذلك رفض وجهة نظر أرسطو أنّ الزّمن لا يوجد إلا في الخيال.

ومن جهة أخرى فقد ركّز الفيلسوف الفارابي على الخواص الغيبية للزمن حيث تبنّى وجهة نظر أرسطو أيضاً عندما قال إنّ الحركة الدائرية هي الحركة الوحيدة المستمرة وإنّ الزّمن يقاس بهذه الحركة، لكنّه، وبشكل مشابهٍ لابن سينا (وكذلك ابن العربي)، قسم الأشياء إلى ثلاثة أقسام فيما يخص الوجود؛ فهناك وجودٌ واجبٌ وهو وجود الله سبحانه وتعالى، وعدمٌ واجبٌ وهو المحال الذي لا يقبل الوجود، أمّا العالَم فقد كان ممكن الوجود قبل وجوده الفعلي ثم ينقله الله تعالى بشكل مستمرٍّ من العدم النسبي إلى الوجود النسبي؛ فالعالَم بشكل دائم في حركة وانتقال بين التكوين والفساد، وأجزاء العالَم تتشكل وتتحلل مع مرور الزّمن وبشكل سريع لا ندركه، رغم أن العالَم ككلّ يبدو مستقرّاً في الوجود. وتعتبر هذه الرؤية كما سنرى في الفصل القادم مشابهة لرؤية ابن العربي وهي أحد المبادئ الأساسية التي يعتمدها في بناء نموذج الجوهر الفرد للعالَم والذي سنخصص له الفصل السادس. وحسبَ هذه الرؤية فإنّنا نرى العالَم في حركة مستمرة في الزّمان والمكان وهو على الحقيقة في حركات كثيرة معقدة ومتداخلة، وذلك عندما ننظر إلى تفاصيل أجزائه، في حين أننا لو نظرنا إلى العالَم ككل فإننا نرى له وجوداً مستمراً لا يتعلق بالزّمان ولا بالمكان.

ولتوضيح هذه النقطة المهمة نعطي المثال التالي: لو أننا طلبنا من أحد التلاميذ أن يصف لنا الحالة العامّة لجبل، فإنه قد لا يشير بشكل مباشر للزمن لأن الجبل يبدو له ساكناً. لكننا لو طلبنا منه أن يفصّل لنا في دراسته حركة الجبل كجزء من الأرض التي تدور حول محورها وحول الشمس، وأيضاً حركة الذرّات في صخور الجبل وحركة الحشرات والحيوانات الأخرى التي تعيش هناك، بالإضافة إلى حركات الرياح، والماء … الخ، فإننا سنجد أنه بحاجة إلى علم كبير بالرياضيات واختراع معادلات طويلة ومعقدة لوصف مثل هذه الحالة، وسوف يكون الزّمن من أهم المتغيرات التي سنجدها في هذه المعادلات الرياضية. وكذلك فالعالم من حيث مجموعه خارجٌ عن الزّمان ومن حيث أجزائه فهو في تغيّر مستمر.

بالإضافة إلى ما ذكرناه أعلاه فإنّ العديد من المدارس الفلسفية الأخرى في الفكر الإسلامي درست قضيّة الزّمن، وقد درس ذلك الباحثون بالتفصيل في الكتب والأبحاث المختلفة باللغة العربية واللغات الأخرى. لكننا كما أسلفنا في المقدمة لا نجد أيّة دراسة جادّة لرؤية الشيخ محي الدين ابن العربي عن الزّمن رغم أن هذا هو المفتاح الأساسي لفهم نظريته المثيرة للجدل عن وحدة الوجود التي حاول الكثير من الكتّاب والباحثون البحث في جوانبها المختلفة من غير الوصول إلى نتائج مرضية. وسوف نجد إن شاء الله تعالى مع نهاية هذا الكتاب، وخاصة في الفصل الخامس، كيف أن رؤية ابن العربي الفريدة للزمن تستطيع أن توفّق بين حقيقة الوحدة (وحدة الوجود وهو الحق) وظاهر الكثرة في الخلق، وسوف نخصص كذلك إن شاء الله تعالى كتاباً منفصلاً لدراسة وحدة الوجود عند ابن العربي رغم أنه في الحقيقة لم يذكر هذا الاصطلاح أبداً.


[63] الشفاء (التنبيهات، السماع الطبيعي)، تأليف ابن سينا، تحقيق سعيد زايد (الهيئة المصرية العامّة للكتاب: القاهرة، 1983): ص68. وانظر أيضاً في: تصور ابن سينا للزمان وأصوله اليونانيّة، تأليف علاء الدين عبد المتعال (دار الوفاء: الإسكندرية، 2003): ص131.

[64] الشفاء (التنبيهات، السماع الطبيعي): ص72. وانظر أيضاً في: الزمن في الفكر الإسلامي بين ابن سينا والرازي والمعرّي (دار المنتخب العربي: بيروت، 1993): ص110.

[65] الشفاء (التنبيهات، السماع الطبيعي): ص73. وانظر أيضاً في:

Nasr, Seyyed Hussein,An Introduction to Islamic Cosmological Doctrines: Conceptions of Nature and Methods Used for its Study by the Ikhwân al-Safâ, al-Bîrûnî, and Ibn Sînâ(London: Thames and Hudson, 1978), pp. 224-6.

[66] الشفاء (التنبيهات، السماع الطبيعي): ص74. وانظر أيضاً في كتاب النجاة لابن سينا، تحقيق محي الدين الكردي (القاهرة: 1938): ص117.

[67] مجموعة رسائل الكندي الفلسفية (رسالة في الفلسفة الأولى)، تحقيق محمد أبو رضا (القاهرة: 1950): ص117.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!