موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

نظرية الجوهر الفرد:

مفهوم الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي للزمن والخلق في ستة أيّام

دراسة وتأليف: د. محمد علي حاج يوسف

هذا الموقع باللغة الإنكليزية مخصص للدراسات حول نظرية الجوهر الفرد وازدواجية الزمان


الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية

اليوم الثاني من الخلق (يوم الاثنين)


ويوم الاثنين وُجدت حركته عن صفة الحياة وبه كانت الحياة في العالَم فما في العالَم جزء إلا وهو حيٌّ (في هذا اليوم)،[325] والفلك الذي يقابله هو فلك القمر وهو في السماء الدنيا التي تلي الأرض، ويقول ابن العربي في الفصل السابع والعشرين من الباب 198 من الفتوحات المكية إنّ الاسم المبين من أسماء الله الحسنى هو الذي توجّه على إيجاد السماء الدنيا وكوكبها (أي القمر) وفلكه ويوم الاثنين في منـزلة الإكليل (وهي المنـزلة السابعة عشر للقمر) وعن حركة هذا الفلك أوجد حرف الدال المهملة ولهكل حكم يظهر في العالَم يوم الاثنين روحاً وجسماً وهذا كله بنهار ذلك اليوم لا بليله، فإن ليلة كل يوم ما هي الليلة التي يكون ذلك اليوم في صبيحتها ولا الليلة التي تكون بغروب شمسه في ذلك اليوم (ولكنها مسلوخة عنه وهي بعده بثلاثة ليالٍ وثلاث نهارات كما وضّح ابن العربي في كتاب أيّام الشأن وكما سنشرحه بالتفصيل في الفصل القادم) وإنما ليلته التي لذلك اليوم هي في أوّل ساعة من الليل الذي هو حاكم في أوّل ساعة من النهار فذلك يوم تلك الليلة وتلك الليلة ليلة ذلك اليوم.

ثم يقول ابن العربي إنّ هذه السماء الدنيا أوحى الله فيها أمرها وأسكنها آدم وهو الإنسان الفرد أصل هذا النوع الإنساني وهو من قوله تعالى في سورة النساء: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ ... (1)﴾، إلا أنّ الله جعل الإنسان سريع التغيير في باطنه كثير الخواطر يتقلّب في باطنه في كل لحظة تقلّبات مختلفة لأنّه على الصورة الإلهية وهو سبحانه كلَّ يوم هو في شأن فمن المحال ثبوت العالَم زمانين على حالة واحدة بل يتغيّر عليه الأحوال والأعراض في كل زمان فرد وهي الشؤون التي هو الحق فيها لمن علم ما قال الله فيسورة الرَّحمن (يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29))، ولا يظهر سلطان ذلك إلاّ في باطن الإنسان فلا يزاليتقلب في كلّ نَفَس في صور تسمّى الخواطر لو ظهرت إلى الأبصار لرأيت عجباً. وأسرع الحركات الفلكية حركة هذا الفلك بكوكبه الذي هو القمر فهو أسرع سير في قطع فلك المنازل من غيره من الكواكب السيارة وله في كل يوم منـزلة فيقطع الفلك في ثمانية وعشرين يوماً، فكان ظهور الأثر في الكون سريعاً لسرعة الحركة فناسب آدم في سرعة خواطره فأسكنه هذه السماء... ولم يكن في الأفلاك أصغر من فلك السماء الدنيا فأسكنه الله فيها للمناسبة ولصغر هذا الفلك كان أسرع دورة فناسب سرعة الخواطر التي في الإنسان فأسكنه فيه من حيث إنّه إنسان مفرد خاصة لا من حيث اشتراكه، ثم إنّه جعل الله له من بنيه في كلّ سماء شخصاً وهو عيسى ويوسف وإدريس وهارون ويحيى وموسى وإبراهيم عليهم السلام؛ فهو ناظر إليهم في كل يوم بما هو أب لهم وهم ناظرون إليه من حيث ما هم في منازل معينة لا من حيث هم أبناء له.

وهذا الإنسان المفرد يقابل بذاته الحضرة الإلهية وقد خلقه الله من حيث شكله وأعضاؤه على جهات ستّ ظهرت فيه فهو في العالَم كالنقطة من المحيط وهو من الحق كالباطن ومن العالَم كالظاهر ومن القصد كالأوّل ومن النشء كالآخر؛ فهو أوّل بالقصد آخر بالنشء وظاهر بالصورة وباطن بالروح. كما إنه خلقه الله من حيث طبيعته وصورة جسمه من أربع عناصر (التراب والماء والهواء والنار) فله التربيع من طبيعته إذ كان مجموع الأربعة الأركان وأنشأ جسده ذا أبعاد ثلاثة من طول وعرض وعمق فأشبه الحضرة الإلهية ذاتاً وصفاتٍ وأفعالاً؛ فهذه ثلاث مراتب؛ مرتبة شكله وهو عين جهاته ومرتبة طبيعته ومرتبة جسمه.[326]

والقمر بتوافقه هذا مع الإنسان الفرد (آدم) يشبه النفْس،[327] وبالتالي هو يأتي بالدرجة الثانية بعد العقل الذي هو الجوهر الفرد، ومن هنا نجد ارتباط كلّ ذلك بيوم الاثنين لأنّ به بدأت النقطة (التي ليس لها أبعاد) تسيل وتشكّل الأبعاد، ولذلك نجد أنّ آدم بنفسه كان يحاضر ابن العربي حول الأبعاد والاتّجاهات عندما زاره في فلك القمر الذي كان خلقه يوم الاثنين، كما ذكر ابن العربي في فصل يوم الاثنين من كتاب التنـزّلات الموصليّة.[328] ثم يضيف ابن العربي في مكان آخر أنّ كل أمر علمي يكون في يوم الاثنين فمن روحانية آدم عليه السلام وكل أثر علوي في عنصر الهواء والنار فمن سباحة القمر وكل أثر سفلي في عنصر الماء والتراب فمن حركة فلك السماء الدنيا. ولهذا الشخص الإقليم السابع فممّا يحصل لهذا البدل من العلوم في نفسه في يوم الاثنين وفي كل ساعة من ساعات أيّام الجمعة مما يكون لهذا الفلك حكم فيها علم السعادة والشقاء وعلم الأسماء وما لها من الخواص وعلم المدّ والجزر والربو والنقص.[329]


[325] الفتوحات المكية: ج2ص438س9.

[326] الفتوحات المكية: ج2ص445س30. وانظر أيضاً في الفصّ الأوّل من فصوص الحكم وهو (فصُّ حكمةٍ إلهيةٍ في كلمةٍ آدمية).

[327] الفتوحات المكية: ج1ص499س5.

[328] التنـزّلات الموصلية: ص299.

[329] الفتوحات المكية: ج1ص155س18.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!