موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

نظرية الجوهر الفرد:

مفهوم الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي للزمن والخلق في ستة أيّام

دراسة وتأليف: د. محمد علي حاج يوسف

هذا الموقع باللغة الإنكليزية مخصص للدراسات حول نظرية الجوهر الفرد وازدواجية الزمان


الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية

الحجر الأسود والكعبة المشرّفة


وهو المثال الأكثر أهميّة بالنسبة لعموم المسلمين وينطبق على واحد من أهم الشعائر الإسلامية وهو الكعبة الشريفة والحجر الأسود؛ بيت الله الحرام الذي يحج إليه ملايين المسلمين كلّ سنة. فيشبّه ابن العربي هؤلاء الذين يطوفون حول الكعبة بالملائكة الذين يحفون حول العرش،[558] إضافة إلى أنّ الملائكة الأربعة الرئيسيين (جبرائيل، إسرافيل، ميكائيل، عزرائيل) تمثّل القوى الأربعة الرئيسية في الطبيعة وتتعلّق بالزوايا الأربعة للكعبة الشريفة، كما سنفصّل في آخر الفصل السابع والأخير.

ولكنّ رمزيّة الكعبة الشريفة تحتلّ مكانة أعمق من ذلك بكثير حيث إنّ ابن العربي بدأ الباب الأوّل من الفتوحات المكية بذكر لقائه بالروح الذي أخذ منه كلّ ما سطّره في هذا الكتاب وهو الروح الذي اجتمع به أثناء طوافه حول الكعبة الشريفة. ففي هذا الباب الأوّل يذكر ابن العربي مغزى كلّ شوط من الأشواط السبعة في الطواف حول الكعبة وعلاقته بالصفات الإلهية السبع الأمّهات والتي ذكرناها من قبل في الفصل الثالث وقلنا إنّها المبدأ الأساسي وراء الأيّام السبعة في الأسبوع الأصلي من الخلق، ثمّ يقول الشيخ محي الدين إنّ الكعبة بالنسبة إلى العرش المحيط مثل القلب بالنسبة إلى الجسم؛[559] لذلك فإنّ حقيقة الكعبة على الأرض مثل الجوهر الفرد في الكون لأنّ الجوهر الفرد مثل القلب في الجسم، فهو قلب العالَم. فهذا التناظر ينطبق أيضاً على العديد من التفاصيل لأنّ الشكل المكعّب للكعبة أبسط شكل في الأجسام يشمل الأبعاد المكانية الثلاثة، فكما ذكر ابن العربي إنّ الجسم متكوّن على الأقل من ثمان نقاط،[560] تقابل زوايا المكعب.

بالإضافة إلى ذلك فإنّ ما يثير الاهتمام كثيراً عند ابن العربي في الكعبة الشريفة هو الحجر الأسود الموجود في الركن الشرقي للكعبة والذي نزل به جبريل من الجنة وأعطاه لإبراهيم عليه السلام ليضعه في ذلك الركن. بالنسبة لابن العربي، يمثّل هذا الحجر الأسود الحجر الأساس في بناء الكعبة وذلك بنفس طريقة العنصر الأعظم بالنسبة للجوهر الفرد. فكما أنّ الطواف حول الكعبة يبدأ من الركن الشرقي الذي فيه الحجر الأسود حتى يكمل الحاجّ سبع دورات (بعكس عقارب الساعة)، كذلك يشكّل العنصر الأعظم الجوهر الفرد الذي هو اللبنة الأساسية في العالَم في سبعة أيّام من الأيّام الإلهية السبع.

من جهة أخرى فقد ذكر النبي محمد صلى الله عليه وسلّم أنّ الحجر الأسود يمين الله في الأرض بها يصافح عباده،[561] فهذا يعني أنّ هذا الحجر يرمز للحقّ المخلوق به وهو أوّل شيء خلقه الحقّ تعالى، وكذلك من أسمائه الحقيقة المحمّديّة أو النور المحمّدي الذي وردت بعض الأحاديث أنّه أوّل ما خلق الله تعالى،[562] وقد قال ابن العربي في الفتوحات المكيّة في الباب السادس "في معرفة بدء الخلق الروحاني ومن هو أوّل موجود فيه: "إنّ بدء الخلق الهباء وأوّل موجود فيه الحقيقة المحمدية الرحمانية ولا أين يحصرهلعدم التحيّز وهذه الحقيقة وُجدت من الحقيقة المعلومة التي لا تتّصف بالوجود ولا بالعدم". ثم قال إنّه من هذه الحقيقة وُجد العالَم بوساطة الحقّ تعالى وهي ليست بموجودة فيكون الحقّ قد أوجدنا من موجود قديم فيثبت لنا القدم، وهذه الحقيقة لا تتّصف بالتقدم على العالَم ولا العالَم بالتأخّر عنها ولكنّها أصل الموجودات عموماً وهي أصل الجوهر وفلك الحياة والحقّ المخلوق به وغير ذلك، وهي الفلك المحيط المعقول.[563]

وهكذا، في بداية الباب الأوّل من الفتوحات المكية، عندما يبدأ ابن العربي الكلام حول حقيقة العنصر الأعظم الذي يتمثّل بالحجر الأسود الذي هو بمثابة يمين الله في الأرض، يقول شعراً:

جُهلت ذاته فقيل كثيف
قال لي حين قُلت لِم جهلوه!

عند قوم وعند قوم لطيف
إنما يعرف الشريفَ الشريفُ.[564]

ثم يستمرّ ابن العربي في هذه الصفحات الافتتاحية للفتوحات المكيّة بإعطاء العديد من التفاصيل الرمزية الغامضة حول ما يخلقه الله في الإنسان (أي في الجوهر الفرد أو العقل الأوّل) وفي العالَم في كلّ دورة من دورات الطواف السبعة حول الكعبة المشرّفة، ولكن ليس بمقدورنا هنا في هذا الكتاب الخوض في هذه الأمور الغيبيّة التي يربطها ابن العربي بالصفات السبع الأمّهات كما ذكرنا أعلاه.[565]

 


الشكل 3: صورة الكعبة والمسلمون يطوفون حولها من ضمن شعائر الحج والعمرة،

ويبدو الحجر الأسود في الزاوية الأمامية، قرب الباب.

ولتوضيح ما ذكرناه في هذه الفقرة يمكن أن نرسم المخطط التمثيلي في الشكل رقم 4 أدناه، حيث يبدو العنصر الأعظم (مثل الحجر الأسود) وبطوافه سبعة أدوار يشكّل الجوهر الفرد (وهو بمثابة الكعبة المشرّفة).

 


الشكل 4: تشبيه الطواف حول الكعبة بآلية خلق العنصر الأعظم للجوهر الفرد.


[558] الفتوحات المكية: ج1ص5030.

[559] الفتوحات المكية: ج1ص5029.

[560] الفتوحات المكية: ج3ص276س4.

[561] كنز العمال: حديث رقم 34729.

[562] كنز العمال: حديث رقم 31917.

[563] الفتوحات المكية: ج1ص119س10.

[564] الفتوحات المكية: ج1ص4722.

[565] الفتوحات المكية: ج1ص4932.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!