---

إن طردك

 أما قوله: (إن طردك) فلا يخلو في طرده إياك، أن يعين لك جهة تمشي إليها، أو لا يعين، فإن عين لك في الطرد بجهة تمشي إليها، فاقصد تلك الجهة امتثالاً [لأمره]، ولا تبرح بها حتى يرضى عنك، وإن لم يعين لك فلا تبرح خلف الباب ليلاً ونهارًا، إلا في أوقات تحتاج فيها إلى الطهارة لأجل الصلاة، واتخذه مسجدًا حتى يرضى عنك، ويقربك، أو تموت على تلك الحالة.

 حكى القشيري - رحمه الله - أن شيخًا أمر مريدًا بالخروج من عنده مطرودًا، فلم قفا امتثالاً لأمر الشيخ، استدعاه الشيخ، قال له: ما وقع في نفسك أن تفعل، فقال المريد: عزمت على أن أحتفر لنفسي حفرة على باب دارك، وأدخل فيها حتى أموت أو ترضى عني، فقال الشيخ: مثلك يصلح لخدمة الشيوخ، وأدناه وقربه، وقدمه على الجماعة.

واتفق لشيخنا علي بن عبد الله بن جامع، أخبرني بنفسه يوم ألبسني الخرقة التي ألبسه الخضر إياها بنفسه، وبحضور قضيب البان، قال لي: كنت أخدم عليًا المتوكل، وكان من الرجال الكمل رضي الله عنه قال: فغضب عليّ يومًا لأمر رآه، فأنزلني من حجرته، وفتح الباب وصفعني وأخرجني، فحصلت رجلي الواحدة في الأرض، والأخرى على درجة كانت خلف الباب، وفارقني الشيخ وأن على تلك الحالة، وأغلق الباب في وجهي، ودخل منزله، فبقيت على تلك الحالة التي فارقني الشيخ عليها أيامًا ليلاً ونهارًا، لا أنزل رجلي من على تلك الدرجة، والأخرى على الأرض، إلا في أوقات الصلاة من أجل الصلاة، فإذا صليت عدت إلى حالتي، وإذا كان النوم نمت على تلك الحالة، لا أتغير عنها، فسأل الشيخ عني بعد أيام بعض أصحابه، فقال له: ما فعل علي؟ فقيل له: هو على الحالة التي فارقك عليها، وزال بصرك عنه، فقيل: كيف تقول؟ قال: هو بما قلت لسيدي، قال: ففتح الشيخ الباب، وخرج إلىّ بنفسه وعانقني، وقبل بين عينيّ، وأدخلني منزله، وما زلت حظيًا عنده إلى أن دُرج.

فطرد الشيوخ ما هو طرد، وإنما هو تأديب، فلا ييأس المريد في ذلك الطرد من رحمة الشيخ، فإنها رحمة به، ولو مات في حال طرده، فإنه ما جرت عادة الشيوخ الداعين إلى الله أن يطردوا واحدًا من باب الله، وإنما ذلك أدب في حق المريد، فإن كان طرده إياه، لعلمه أنه ليس له عنده شيء فيعرفه، ويقول له: ما أنت لي، ومالك عندي شيء فل تتعب نفسك، فانظر غيري، ويُعين له شيخًا آخر يعلم أنه له عنده شيئًا، فإن علم أنه لا يجيء منه بشيء لما يطلبه المريد، [وأنه] وليس له في أهل الاختصاص اسم لا يُعرفه بذلك، فإنه من أضر شيء في الطريق عند الله، فليكرمه وليعامله معاملة الأجانب الذين  يقصدون رؤية الشيخ على طريق البركة، لا على طريق التربية، ول يأمره ولا ينهاه، ول يتحرك في حقه بحركة مع المريدين الذين عنده، فإن كان المريد فطنًا يعلم أنه لا يجيء منه شيء لما يطلبه، ومع هذا فليوف ذلك الشخص خدمته واحترامه للشيخ، ولا يفارق خدمته، ولا الأدب معه، كما كان قبل ذلك، وإذا أغرض الشيخ في أمر ما يقدر هذا المريد على قضاء غرض الشيخ يفعله من نفسه ابتداءً، من غير أمر الشيخ له بذلك، فإن الشيخ ل يأمره أبدًا ولو أمر الأجنبي، فإن هذا لا يأمره أبدًا أصلاً، لئلا يقع في نفسه أنه كما كان من أصحابه.