موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب الأجوبة العربية في شرح النصائح اليوسفية

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

ويعرف هذا الكتاب أيضاً باسم: شرح روحية الشيخ على الكردى

 

 


بل يا مريد الله الله الهرب من هذه الصورة

وأما قوله: (بل يا مريد الله الله الهرب من هذه الصورة) يعني صورة الدني الذي تقدم ذكرها.

 ثم قال: (وقدر مع نفسك أنها سبع تأكلك)  بل أبلغ من ذلك، فإن السبع يفوتك الحياة الدنيا، وهذه تفوتك حياة الدارين، فكن على يقظة من ذلك، ثم دعا بالتخليص من شرها، وشر [الشيطان]، وشر نفسك، إما مبالغة في ذلك فشفقة عليك على قدر علمه، كما قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ العِلْمِ﴾ [النجم: 30]، ولم يكن [عالمًا]، وهذه وصية في العموم لعامة الناس لا لأهل الطريق، ولا لمريد التربية، فإن مريد التربية شيخه يدبره، فهو يأمره بالإعراض عن تلك الصورة، والإقبال عليها هذا ما يلزمنا، فإن العلم يأخذ الأمور من صور الأحوال والمخلوقين، وعزيز جدًا قليل من العارفين من يعرف ذلك. فهذه الوصية تليق بالعُباد والزُهاد، لا بالمريدين، فإن سماهم مريدين لكونهم يريدون سلوك طريق السعادة ظواهرهم، لا سعادة بواطنهم، فإن سعادة البواطن والقلوب، في تعلم الأخذ من هذه الصورة الدنيـوية والشيطانية، والنفسانية، فـإن الله تعالى يقول: ﴿كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً﴾[الإسراء: 20]، أي: ممنوعًا فما حجر عطاءه جعل الإمداد منه للفريقين، ليسعد من يشاء، فيعرف كيف يأخذ من الله في هذه الصور المذمومة، وكيف يتصرف فيما يأتيه به، وكيف يتعشق بها ويحبها الحب البليغ، وذلك لعلمه من أي حضرة يمدها الحق، فإن عطاءه ليس ممنوعًا، ويعلم مزاج تلك الصورة الجسدية، ويفرق بين مزاجها ومزاج الصورة الجسمية، وإذا كان الكل من عالم الطبيعة، كما أن جميع ما تأتي به تلك الصورة الجسدية الجسمية من الإمداد الإلهي.

ولا ينبغي أن يرد شيئًا مما يأتي من الله على الله، بل العارف من المريدين الصادقين، يعرف كيف يصل، وما يليق من الأدب مع الله في تلك الصورة، فيعامل الحق بذلك الأدب هذا هو الذي عليه أهل الله، فلهم لسان الحمد المطلق الذي لله على عباده، وما عدا هؤلاء فلهم لسان حمد، ولسان ذنب، فهم أهل تقييد، إما بشرع وإما بغرض، وإم ملائمة طبع، وإما بالنظر إلى كمال ونقص، فأحمد هذه كلها، من يذم ويحمد بلسان شرع، لأنه أخلص لكنه دون من ذكرناه من أهل الله أهل لسان الحمد المطلق، الذي لا ذم فيه، وكيف يذم أمرًا يكون من الله؟ فينبغي للعارف، والمريد الصادق أن يعرف سر الذم الإلهي للأشياء مع كونها منه، وفي ذمها من الأسماء الإلهية، وهل لها تخليص في هذ الذم إلى الحمد، فترجع محمودة بعد ما كانت مذمومة، أم لا؟ وهل التقسيم في الحضرة الإلهية يصح أم لا؟ فإن صح، فما سببه؟ وإن لم يصح، فما سببه؟ ومن عرف تقسيم الله الصلوات بينه وبين عبده نصفين، عرف ما قلناه، فإن الله ما قسم بينه وبين أحد من خلقه أمرًا هو له؛ إلا بينه وبيننا، لكون هذه النشأة مخلوقة على الصورة الإلهية فهي ظلها، فما خرج من التقسيم عن نفسه، فكأنه يقول: قسمت الصلاة بيني من وجه كذا، وبيني من وجه كذا، فلي حكم خاص من كل وجه في كل وجه، وإنما هو ذاتك لوجهان ليس غير، فهذ يوصي المريد الخاص الذي يطلق عليه من أهل الله وخاصته، وهم أهل القرآن الجامعون لحقائق الأمور، فما ثَم صورة تفوتك حياة الدنيا ولا الآخرة.

فمبالغة هذ الموصي في هذا الأمر لأحد وجهين: إما لعدم علمه بما هو الأمر عليه، وإما لكون الأكثرين لا علم لهم بما هو الأمر عليه، فوصى بما جرت به العادة بين الذين يعلمون ظاهرًا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون، وبين نفوسهم، والمريد، فمن أجل أن ينخرطوا في سلك هؤلاء بصورة مَن خرطوا فيه، فما شبه العالم مع الإمداد الإلهي إلا كما قال الله تعالى: ﴿يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ﴾، والناس من جملة الأشجار والنبات، فإن الله تعالى يقول في تركيبهم الطبيعي: ﴿وَاللَّهُ أَنْبَتَكُم مِّنَ الأَرْضِ نَبَاتاً﴾ [نوح: 17]، نبتم نباتًا، ثم قال بعد قوله: ﴿وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَ عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ﴾ أي: دلالات وبراهين ﴿لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾[الرعد: 4]، على ما يريد بذلك، فيعلمون الأمور على ما هي عليه، وصور الأحوال كالثمر لهذه الأشجار، وفيها يقع التفاضل في المطاعم، وقوله: ﴿يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ﴾ لا اختلاف فيه أنه واحد، ثم قال: ﴿وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا﴾ أي: بعض هذه الأشجار ﴿عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ﴾ يعني من هذا الماء الذي هو غذاؤها وبه حياتها، فإنه جعل من الماء كل شيء حي فيكون قبول بعضها أفضل من قبول بعضها، وقبولها عين أكلها، وهو الغذاء الذي يتغذى به من ذلك الماء على حد مزاجها وحقيقتها، فترده إلى طبيعته وحالها، فلا يظهر فيه صورة الحلاوة والمرارة، والماء واحد لا يتصف بشيء منها، كذلك الحمد والذم، للأحوال الظاهرة على شجرات الناس، المدد الإلهي واحد والذم والحمد [ينطق] به منها، وأصل هذا كله التنبيه على أن تجلي الحق واحد، واختلاف الحكم عليه في صورة تجليه أنه راجع إلى أعيان العالم الذي هو مجالي الحق، فالوجود العيني له والحكم للعالم في ذلك الوجود، وهذا هو العلم الذي يُدندن عليه الكُمل من أهل الله، مثل الرسل والورثة، والكتب المنزلة الإلهية وردت به في كل ملة، ونطقت به التراجمة عن الله تعالى ﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ﴾ [هود: 123]، ﴿أَلاَ إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ﴾[الشورى: 53]، فإذا تفاضل قبول الشجرات في الأكل مع الماء مع أحدية حقيقته؛ تفاضل أيضًا طعم ما تأتي به هذه الشجرة من الثمرات عند من يأكلها، فجاء تفضيل بعضها على بعض في الأكل لها ومنها، فهكذا فلتفهم حقائق الأمور.

وأما دعاء ربه بالتخليص من شر أمور الدنيا، فهو التخليص من تعلق الخاطر بها، فإنها حالة مفارقة للإنسان لأنه مراد للآخرة، فهو في الدنيا ظل زائل، وعرض مائل، وإن الإنسان إذا تعلق بما يزول عنه تعلق تعشق؛ صعب عليه مفارقته، فعظمت عند الموت حسراته لمفارقة المألوفات، وقد عرض هنا جهل آخر قائم بغير أهل الله، وذلك لمن كان في لبس من خلق جديد، ومن شهد أن العالم بأثره أعني: صورة ما ظهر يتجدد مع الأنفاس، وهو تقليب الحق في التجلي؛ لم يكن له حسرة عند فراق الدنيا بالموت، فإنه يعاين تجديد الخلق، فلا ألفة لمن لا بقاء له إلا في زمان واحد، والعلم بهذا أعز المطلوب وأفضل ما يكتب، وما رأيت عليه في زماننا أحد لعلو منصبه وسر عزه سببه.


 

 

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!